الكثير من طلاب الثانوية العامة في الدول العربية حصدوا نتائج سنتهم الأخيرة أو ربما ينتظرون حصادها خلال الفترة القادمة. بعضهم قرر بالفعل أي الجامعات سيقصدون وأي تخصص سيدرسون، في حين أن البعض الآخر لا يزال متأرجحًا بقراراته وفاقدًا للبوصلة التي ستضعه على طريق التخصص والحياة الجامعية.
هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في قرار اختيار التخصص مثل معدل الثانوية العامة أو الوضع المادي للعائلة أو المستقبل المهني للتخصص أو غيرها، إلا أن الشخصية الفردية تلعب دورًا كبيرًا في ذلك أيضًا. وبكلماتٍ أخرى، من المهم على كل طالب أنْ يعي قبل كل شيء أن هناك بعض التخصصات التي تتناسب مع شخصيته دون غيرها، وبالتأكيد يساعدنا علم نفس الشخصية من خلال طرح الأسئلة الصحيحة في تجنب بعض الاختيارات الخاطئة في كثيرٍ من الأحيان.
السمات الخمسة للشخصية
كثيرًا ما يلجأ علماء النفس لاستخدام السمات الخمسة الكبرى للشخصية، أو ما يُعرف بالخمسة الكبار، لدراسة وتصنيف الأفراد وخياراتهم في العديد من جوانب الحياة بناءً على شخصياتهم، بدءًا من تحصيلهم الدراسي إلى معدلات وفاتهم، والسمات الخمسة هي: الانفتاح والانبساط والتوافق والاضطراب أو القلق والضمير أو الوعي.
من خلال استخدام مقياس “الخمسة الكبار”، يمكن للعلماء والدارسين لعلم النفس تقييم شخصيات الأشخاص مع الحفاظ على الفوارق المميزة والمختلفة في شخصية كل فرد
وللتوضيح أكثر، يقيس الانفتاح درجة فضول الشخص ورغبته للاكتشاف واستعداده لتجربة الجديد والغريب، أما صفة الضمير أو الوعي فتتعلق بالتنظيم وترتيب الأهميات ودرجة الحذر وضبط النفس، في حين تشير سمة الاجتماع إلى قدرة الشخص على مخالطة غيره واندماجه مع من حوله ومن يحيط به، فيما يكشف التوافق عن قدرته على الثقة بالآخرين ومساعدته إياهم وإبداء حسن التعامل معهم، وهناك أخيرًا العصبية، وهي السمة التي تتعلق بقابلية تعرض الشخص للمشاعر السلبية وتأثره بها وانعكاسها على مجمل جوانب حياته الكثيرة.
وبكلماتٍ أخرى أكثر وضوحًا، يمكن تصنيف السمات الخمس لفهمها كالآتي:
العصبية: القلق، الغضب، العدوانية، الاكتئاب، الوعي الذاتي، الاندفاع، تغير المزاج بسلبية.
الاجتماع: الحزم، النشاط، البحث عن الإثارة، العاطفة الإيجابية.
الانفتاح: خيال واسع، فضول، البحث عن الإثارة والتجارب الجديدة، الرغبة بالاكتشاف.
الضمير: الكفاءة، النظام، الإنجاز الجاد، الانضباط الذاتي، الالتزام وتحمل المسؤولية.
التوافق: الثقة، الالتزام، الإيثار، الامتثال، اللطافة، حسن المعاملة.
تساعدك جلسة مع نفسك أو مع والديك أو معلميك لتحديد سمات شخصيتك، الأمر الذي يمكنك أنْ تبني عليه رؤيةً ولو بسيطة عما يناسبك من تخصصات
ومن خلال استخدام مقياس “الخمسة الكبار”، يمكن للعلماء والدارسين لعلم النفس تقييم شخصيات الأشخاص مع الحفاظ على الفوارق المميزة والمختلفة في شخصية كل فرد، فهي لا تلغي فكرة أننا أشخاص معقدون إلى درجة كبيرة على الرغم من أنها تختزل الشخصية في خمس سمات أو عوامل فقط.
شخصيتك وتخصصك الجامعي
فيما يتعلق بالتخصص الجامعي والشخصية، توصلت إحدى الدراسات الطولية التي شملت تحليل 12 دراسة نُشرت بين عامي 1992 و2015 ودرست أكثر من 13 ألف طالب، إلى أن الكثير من الصور النمطية المرتبطة بطلاب التخصصات المختلفة قد تكون صحيحة لاستنادها إلى السمات الخمسة الكبار.
قد تساعدك جلسة مع نفسك أو مع والديك أو معلميك لتحديد سمات شخصيتك، الأمر الذي يمكنك أنْ تبني عليه رؤيةً ولو بسيطة عما يناسبك من تخصصات. فعلى سبيل المثال، يميل طلاب الطب وعلم النفس والفنون والعلوم الإنسانية لتسجيل درجات أعلى في سمة التوافق مقارنةً بطلاب القانون والأعمال والاقتصاد الذي أبدوا درجاتٍ أقل في تلك الدراسة.
من جهة ثانية، يكون طلاب الاقتصاد والقانون والعلوم السياسية والطب أكثر اجتماعيةً من غيرهم، لا سيما عند مقارنتهم بطلاب كليات الفنون والعلوم والإنسانيات، الذين أبدوْا بدورهم درجاتٍ أقل في سمة الضمير من طلاب القانون والعلوم والاقتصاد والهندسة والطب وعلم النفس.
تشعر أنك سريع الغضب وتغير المزاج، فيما تفضل البقاء في البيت والسفر وحيدًا واكتشاف الجديد وتجربته، فهذا يعني أن سمة الاجتماعية لديك منخفضة، فيما تحرز درجاتٍ أعلى في سمة الانفتاح
أما الطلاب الأقل اضطرابًا والأكثر استقرارًا عاطفيًا فعادةً ما يكونون في كلية الأعمال والاقتصاد، فيما يميل طلاب الفنون والعلوم الإنسانية إلى تسجيل مستويات عالية من الاضطراب، كما يميل طلاب الآداب والعلوم الإنسانية والسياسية إلى الانفتاح أكثر على التجارب الجديدة والغريبة مقارنةً بطلاب الاقتصاد والهندسة والقانون.
دراسة أخرى أشارت إلى أن طلاب علوم النفس والإنسانيات والفنون يسجلون درجات أعلى في الانفتاح والاضطراب، وطلاب العلوم السياسية يحرزون درجات أعلى في الانفتاح، وطلاب الاقتصاد والقانون والطب لديهم درجات أعلى في الاجتماعية، أما طلاب الفنون والعلوم الإنسانية فيحرزون درجات أقل في الوعي أو الضمير مقارنةً بغيرهم.
لنفترض على سبيل المثال أنك تجد صعوبةً في التواصل مع الآخرين وحضور اللقاءات المكتظة، وتشعر أنك سريع الغضب وتغير المزاج، فيما تفضل البقاء في البيت والسفر وحيدًا واكتشاف الجديد وتجربته، فهذا يعني أن سمة الاجتماعية لديك منخفضة، فيما تحرز درجاتٍ أعلى في سمة الانفتاح، وربما يخبرنا ذلك أنك قد تجد متعةً أقل في تخصص مثل الطب أو الاقتصاد مقارنةً بكليات الآداب والعلوم الإنسانية والسياسية التي قد تجد ميلًا تجاهها.
لا يتشابه جميع الطلاب في كل تخصص بالشخصية نفسها، كما أن الشخصية يمكن أنْ تتغير وتتبدل بتأثير الكثير من العوامل في البيئات المحيطة
مثال آخر قد يوضح تلك الدراسات بشكلٍ أفضل. في حال افترضنا أنك ترى نفسك غير محبٍ للتعاون مع الآخرين من حولك أو حتى قد تكون أنانيًا في تعاملك معهم وتفضل إنجاز الأعمال لوحدك، فهذا يعني أنك قد تجد في كليتي الأعمال أو القانون ما يشدك ويتناسب مع شخصيتك أكثر من كلية الفنون والعلوم الإنسانية على سبيل المثال.
وبكل تأكيد، لا يتشابه جميع الطلاب في كل تخصص بالشخصية نفسها، كما أن الشخصية يمكن أنْ تتغير وتتبدل بتأثير الكثير من العوامل في البيئات المحيطة، إلا أن الدراسات التي ذكرناها تخبرنا أن تحليل الشخصية وسؤال الأسئلة الصحيحة حيالها يساعد كثيرًا في اختيار التخصص ويخفف من عبء التوتر والشكوك التي يقع فيها الطالب، وفي النهاية، تقدم لنا تلك الدراسات إجابةً أفضل عن سبب اختيار بعض الطلاب دراسة الأدب في حين يكون آخرون ميالين ومندفعين لدراسة الاقتصاد والتسويق والأعمال.