حظي إقليم “أرض الصومال” الذي أعلن استقلاله عن جمهورية الصومال الفيدرالية في العام 1991 – من جانب واحد ولم يعترف به أحد حتى الآن – باهتمام عالمي كبير منذ مطلع العام الماضي 2024، عندما وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع الإقليم الانفصالي تنص على منحها الوصول إلى البحر مقابل الاعتراف باستقلاليته، وهو ما أثار ردود فعل واسعة كان أبرزها قطيعة دبلوماسية بين الصومال الأم وإثيوبيا، إلى جانب تشكل تحالف إقليمي مناهض للأخيرة.
تكمن أهمية إقليم “أرض الصومال” في موقعه الاستراتيجي شمال غرب جمهورية الصومال على الشاطئ الجنوبي لخليج عدن، وعلى أحد أكثر طرق التجارة ازدحامًا في العالم عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس.
يتمتع الإقليم الذي تتجاوز مساحته مساحة أيرلندا، بساحل طويل على خليج عدن يمتد بطول 740 كيلومترًا، ويسمح موقعه شمال خط الاستواء بمرور الشمس عليه عموديًا مرتين في السنة، ويشتهر كذلك بسلاسله الجبلية التي يصل ارتفاع بعضها إلى 7 آلاف قدم.
ظل الإقليم يسعى لنيل اعتراف دولي لأكثر من 3 سنوات دون أن ينجح في ذلك وكانت مذكرة التفاهم مع إثيوبيا آخر تلك المحاولات الفاشلة، لكن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يوم الاثنين 20 يناير/كانون الثاني، أنعشت آمال حكومة الإقليم في ظل الأحاديث العلنية لمشرعين ودبلوماسيين مقربين من الرئيس الجمهوري عن اعتزامه الاعتراف رسميًا بالإقليم كدولة مستقلة، في خطوة غير مسبوقة يتوقع أن يكون لها ما بعدها نظرًا لمكانة الولايات المتحدة واحتمالية أن تحذو العديد من الدول حذوها.
Absolutely spot-on lapidary insight about #Somaliland & rump #Somalia🇸🇴 from Amb. @TiborPNagyJr in @TheAfricaReport: “If you make a list of everything Somaliland is doing right, there is a mirror image of what Somalia (Mogadishu) is doing wrong.”👍💯https://t.co/Cv5gLKAnPA
— Dr. J. Peter Pham 🇺🇲 (@DrJPPham) November 26, 2024
دوافع الاعتراف
قضية “أرض الصومال” من القضايا التي أشارت إليها وثيقة “مشروع 2025: مشروع الانتقال الرئاسي” التي صاغها 140 من أعضاء وأنصار الحزب الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، والتي تتضمن الأهداف الواجب تنفيذها على ترامب خلال أول 100 يوم من وجوده في المكتب البيضاوي، إذ اقترحت الوثيقة أنه في حال فوز ترامب بالانتخابات، فسوف تعترف واشنطن رسميًا بـ”أرض الصومال”، في إشارة إلى أهمية الاعتراف باستقلال الإقليم الانفصالي.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي قدّم عضو مجلس النواب الأمريكي، سكوت بيري، مشروع قانون جديد إلى الكونغرس الأمريكي يدعو إلى الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وجادل مشروع القرار باستقرار “أرض الصومال” على مدى عقود من الزمان، والتزامه بالديمقراطية، وأهميته الاستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي كأسباب رئيسية للاعتراف الأمريكي.
كما سلّط المشروع الضوء على الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال بالقرب من الطرق البحرية الحيوية، إلى جانب إمكاناته كشريك رئيسي محتمل في مكافحة الإرهاب والتجارة والاستقرار الإقليمي.
واقترح بيري في مشروعه الاعتراف الرسمي من جانب الولايات المتحدة بـ”أرض الصومال” كدولة منفصلة ومستقلة، ومتميزة عن الصومال.
بينما استدلّ السيناتور البارز في مجلس الشيوخ جيم ريتش، بأن “حالة عدم الاستقرار في القرن الإفريقي، وتصاعد المنافسة العالمية على الموارد، تجعل من المهم للغاية أن نعمل مع شركاء متشابهين في التفكير بالمنطقة، مثل أرض الصومال، وملتزمين بالسلام والديمقراطية والازدهار”.
كان ريتش – الذي تولّى مؤخرًا منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ – اقترح العام الماضي تشريعًا طالب فيه وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بدراسة فكرة التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة و”أرض الصومال”، وحث بلاده في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” على التعامل مع “أرض الصومال” بدلًا من الحكومة الفدرالية، معتبرًا أن “سياسة الصومال الواحدة لا تعكس الواقع على الأرض”، لكن لم يتم تمرير المشروع.
جدير بالذكر أن الرئيس الأسبق باراك أوباما رفض المحاولات السابقة للاعتراف بأرض الصومال، وقد دعم الرئيس السابق جو بايدن هذا الموقف رغم أن حكومة الإقليم قدمت عرضًا لبايدن يشمل استخدام الجيش الأمريكي مطارًا جويًا مقابل “الاعتراف بالإقليم كدولة ذات سيادة”، بحسب ما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وعليه يمكننا إجمال الأسباب المعلنة لدوافع إدارة ترامب للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة في الآتي:
- الموقع الاستراتيجي للإقليم بالقرب من الطرق البحرية الحيوية.
- إعلانه الالتزام بالسلام والديمقراطية والازدهار.
- شريك رئيسي محتمل في مكافحة الإرهاب والتجارة والاستقرار الإقليمي.
لكن هناك أسبابًا أخرى لم يتم الإشارة إليها بشكل مباشر من المشرعين والمسؤولين المقربين من ترامب مثل:
- أن يتم الاعتراف بالإقليم كدولة من أجل أن تؤسس “إسرائيل” بالتعاون مع الإمارات قاعدة عسكرية بحرية هناك، ليصبح لها وجود دائم في باب المندب للتصدي لهجمات الحوثيين، نظرًا لأن تلك المنطقة لم تعد مزدحمة بالسفن التجارية فقط، بل بالسفن العسكرية أيضًا.
- امتلاك الإقليم كميات واعدة من النفط والغاز.
ترمب يخطط للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة ..
▫️ملاحظة:
•تمتلك كميات واعدة من النفط والغاز.— Ahmad_Alyehri (@Ahmad_Alyehri) December 12, 2024
الدول التي يمكن أن تنضم لأمريكا
قبيل فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، رجح وزير الدفاع البريطاني السابق، جافين ويليامسون، أن تحذو حكومة بلاده حذو الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الاعتراف بـ”أرض الصومال”.
وفي مقابلة مع صحيفة إندبندنت البريطانية، قال ويليامسون إنه أجرى مناقشات مع فريق ترامب بشأن الاعتراف بأرض الصومال، التي تحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا على البحر الأحمر. مضيفًا أنه “واثق من أن ترامب سيتناول هذه القضية بمجرد توليه منصبه في يناير/كانون الثاني.
ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع البريطاني السابق قوله “إن قرار سحب القوات الأمريكية من الصومال كان أحد آخر أوامر ترامب خلال الفترة الأولى لرئاسته، لكن خَلَفه جو بايدن ألغى هذا الأمر”، معتبرًا أنه لا يوجد شيء يكرهه ترامب “أكثر من شخص يعارضه”.
كما نقلت إندبندنت عن مصادر في واشنطن العاصمة أن وزارة الخارجية الأمريكية “استعدت” لفكرة دعم مطالبة أرض الصومال في الأيام التي أعقبت فوز ترامب.
وإذا حدث الاعتراف بالفعل، يمكن أن تتشجع إثيوبيا للانضمام إلى الولايات المتحدة وبريطانيا في خطوة الاعتراف بـ”أرض الصومال”، ذلك أن مذكرة التفاهم التي وقعتها مع الإقليم العام الماضي تنص على الوصول إلى البحر عن طريق شواطئ الإقليم وإقامة قاعدة عسكرية فيه، حتى وإن كانت قد تنازلت عن هذه الفقرة في إعلان أنقرة الذي وقعته أديس أبابا مع الصومال الأم مؤخرًا بوساطة تركية تهدف إلى حل الخلاف بين الدولتين.
عليه، مشروع الاعتراف بـ”أرض الصومال” يُنعش آمال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في استعادة حلم حيازة منفذ بحري وقاعدة بحرية/عسكرية في بربرة بأرض الصومال، وبالتالي يُسقط مضمون الوساطة التركية التاريخية في ديسمبر/كانون الأول التي تم في ختامها التوصل إلى اتفاق يمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر في ظل ظروف تحترم سيادة الصومال، فإعلان أنقرة نص على أن وصول إثيوبيا إلى البحر يجب أن يتم بموافقة الحكومة الفيدرالية الصومالية وأن يتم استخدام موانئ الإقليم للأغراض التجارية فحسب.
لكن ستواجه إثيوبيا معضلة الانسحاب من اتفاقية أنقرة مما قد يهدد علاقاتها مع تركيا، أو ربما تحاول الالتفاف عليها، إذ لم تتضمن نصًا صريحًا يشترط إلغاء مذكرة التفاهم التي وقعتها أديس أبابا مع صوماليلاند العام الماضي.
ويبدو في حكم المؤكد اعتراف الإمارات كذلك باستقلال “أرض الصومال” بسبب علاقاتها الوثيقة مع الكيان الانفصالي، حيث استثمرت في ميناء بربرة وتدير قاعدة عسكرية فيه، رغم تأييدها المعلن لوحدة الصومال وسلامة أراضيه.
كما لا يوجد شك في انضمام “إسرائيل” إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وإثيوبيا والإمارات في الاعتراف بأرض الصومال، حيث تشير تسريبات إلى أن أبو ظبي أقنعت السلطات المحلية في الإقليم بضرورة تأسيس قاعدة عسكرية لـ”إسرائيل” مقابل العمل مع تل أبيب على الاعتراف رسميًا بدولة أرض الصومال، وينتظر أن تستخدم دولة الاحتلال القاعدة للتصدي لهجمات الحوثيين كما سبق الإشارة إلى ذلك.
خيارات الصومال
بطبيعة الحال لن يكون الصومال سعيدًا بعودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ذلك أنه قام بسحب 700 جندي من القوات الأمريكية بالصومال في فترة ولايته الأولى، إذ كانت القوات الأمريكية تدعم نظيرتها الصومالية بمعلومات استخباراتية للتصدي لـ”حركة الشباب”، الأمر الذي أدى إلى توسع نفوذ الحركة وإعادة تمركزها في عدة مناطق بالصومال.
لذلك أصدر الرئيس السابق بايدن قرارًا في مايو/أيار 2022 بإعادة نشر الجنود الأمريكيين لمساعدة القوات الصومالية في التصدي لـ”حركة الشباب”، ولمجابهة النفوذ الصيني المتزايد.
كما وقعت الولايات المتحدة والصومال في عهد بايدن اتفاقية عسكرية بهدف زيادة الدعم العسكري الأمريكي للصومال، فضلًا عن تعزيز قدرات القوات المسلحة لمقديشو من خلال التدريب العسكري المشترك، إضافة إلى إنشاء 5 مراكز عسكرية في البلاد، وذلك لتعزيز قدرة الجيش الصومالي في حربه ضد “حركة الشباب”.
وفي ظل دفع حلفاء ترامب من مشرعين ومسؤولين باتجاه الاعتراف بـ”أرض الصومال”، فإنّ الصومال الأم لن يقف مكتوف الأيدي، سيعيد ترتيب الديناميكيات السياسية داخل منطقة القرن الإفريقي وقد يطور تحالفاته ويفكر في خيارات أخرى بديلة يمكن إجمالها فيما يلي:
- الصين: يري كثير من المحللين أن الصومال يمكن أن يلجأ إلى تعميق علاقاته العسكرية والاقتصادية مع الصين التي ترفض بحزم الاعتراف بـ”أرض الصومال”، حيث يرجح أن تقدم المزيد من الدعم لمقديشو خوفًا من أن يؤدي الاعتراف بـ”أرض الصومال” إلى تحفيز مساعي تايوان إلى إقامة دولة مستقلة.
- تركيا: ترتبط أنقرة بعلاقات راسخة مع جمهورية الصومال وبعلاقات جيدة مع إثيوبيا، لكن إذا خُيّرت بين الإثنين في حالة تنصل إثيوبيا من إعلان أنقرة، فإنه من المنطقي أن تختار الصومال الذي أنشأت فيه أكبر قاعدة عسكرية خارج البلاد، إضافة إلى شراكاتها الاقتصادية الأخرى معه.
- روسيا: من غير المستبعد أن يتحول الصومال إلى المحور الروسي أسوة بدول الساحل والبحيرات، التي رأت في موسكو حليفًا اقتصاديًا وشريكًا دفاعيًا وعسكريًا في مكافحة الحركات المتطرفة.
أخيرًا، سيمثل الاعتراف الأمريكي المرتقب بـ”صوماليلاند” تحديًا آخر لكيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع دونالد ترمب، فالاتحاد يعد من أبرز شركاء الصومال في المساعدات التنموية والعسكرية.
كما يشكل قرار الاعتراف تحديًا مماثلًا لحلفاء الصومال الإقليميين مثل مصر وإريتريا، في ظل وصول رئيس متطرف إلى البيت الأبيض يحيط به مستشارين ومساعدين متطرفين مثل تيبور ناجي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون الإفريقية الذي يرجح أن يعود إلى الخدمة في الأيام القادمة إلى منصب أعلى، وبيتر فام المبعوث الأمريكي الخاص السابق لمنطقة البحيرات العظمى والمرشح الأوفر حظًا لتولي منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، وفقًا لتسريبات موقع “أفريكا إنتلنجس“ الاستخباراتي.