ترجمة حفصة جودة
تقع القبة الذهبية للمسجد الأقصى على قمة الحرم القدسي الشريف، أحد أكثر الأماكن تقديسًا على وجه الأرض الذي يحظى بتوقير المسلمين والمسيحيين واليهود كذلك، يعد المكان ثالث أقدس بقعة عند المسلمين، وقد بنُي في القرن الـ7 الميلادي، وهناك يعتقد المسلمون أن النبي محمد صعد إلى السماء.
يتم تأكيد أهميته كل عام في ليلة القدر (أقدس ليلة في شهر رمضان المبارك)، حيث يعتقد المسلمون أن القرآن نزل على النبي محمد، ويعد المسجد أيضًا أول قبلة للمسلمين حيث كانوا يتوجهون في الصلاة إليه قبل أن تتحول إلى مكة عام 623 ميلاديًا.
يقضي ملايين المحبين هذا اليوم في دراسة القرآن وتلاوته، وبالنسبة لمئات آلاف المصليين فلا أقدس من تلك المناسبة لقضاء الليلة في المسجد الأقصى، يأخذ الفيلم الوثائقي “ليلة في الأقصى” الذي يعرض لأول مرة في لندن يوم 2 من أغسطس، جمهوره في رحلة داخل الحرم القدسي الشريف من خلال الأشخاص الذين يعيشون ويعملون هناك.
المصلون في ليلة القدر في المسجد الأقصى بالبلدة القديمة
أخرج الفيلم أبرار حسين الذي صنع اسمه من خلال برنامج على قناة الإسلام بعنوان “Model Mosque” وهو برنامج واقعي لإيجاد أفضل مسجد في المملكة المتحدة، كان فيلمه الوثائقي عام 2017 بعنوان “يوم في الحرم” قد عرض أجزاءً من مكة (أقدس بقعة للمسلمين) التي لا يُسمح بدخولها لغير المسلمين، وعرض الحياة اليومية للعاملين هناك وحياة ملايين الحجاج الذين يأتون للحج كل عام، وتوجه حسين باهتمامه للأقصى لأنه يعتقد أنه تعرض للإهمال فترة طويلة.
يقول حسين: “لا يحصل المسجد الأقصى على الحب الكافي في المجتمع المسلم، لذا أردنا أن نصنع ما يعزز من قيمة الأقصى ويمثل تقديرًا شاملًا له، وعندما سنحت الفرصة لتغطية المسجد الأقصى، اغتنمتها سريعًا لأنه فرصة مهددة”، ويضيف: “الأمر لا يتعلق بالمكان فقط، لكنه يتعلق بالناس هناك ما بين عمال ومصلين يعيشون في تلك الظروف الصعبة تحت الاحتلال”.
وكما هو الحال في فيلمه السابق، يعرض فيلم “ليلة في الأقصى” الأجزاء الأقل مشاهدة في الحرم بداية من المؤذن وهو يدعو الناس للصلاة وحتى دور السيدات العاملات هناك والمصلين، يقول حسين: “نحن نهدف إلى أن يرى الناس جوانب لم يشاهدوها للمسجد من قبل، لا نرغب في مجرد استعادة المحتوى”.
صور المخرج أبرار حسين من قبل لقطات جوية للحرم المكي
كان اختيار التصوير في ليلة القدر خيارًا متعمدًا، يقول حسين: “كنا نريد أن نأسر اللحظة، جو المكان ومشاعره وحرارته، لقد حاولنا أن نجعل الفيلم تجربة غامرة للغاية”، لكن بسبب موقع المسجد في البلدة القديمة بالقدس، فقد كان مركزًا للتوتر بين المصلين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تسيطر على المكان.
يواجه المسلمون مصاعب كثيرة عند دخول المسجد نظرًا للإجراءات الأمنية المفروضة من حكومة الاحتلال، هذه القيود مفروضة على كل من يحاول الدخول إلى المسجد مع غلق جميع مداخله.
أما الفلسطينيون المسلمون في غزة فلا يمكنهم دخول المسجد أبدًا، بينما يستطيع المسلمون البالغ عددهم 2.5 مليون في الضفة الغربية الدخول بتصريح، وتختلف القيود كل يوم لتصل إلى الحظر الكامل في بعض الأيام، وهذا العام تمكن المصلون لأول مرة منذ 2003 من الصلاة عند بوابة الرحمة، أحد مداخل المسجد.
في البداية واجه الفريق عقبات عديدة عند دخول الحرم ومحاولة إظهار أجزاء عميقة لم تظهر من قبل، يقول حسين: “من أهم العقبات التي واجهتنا كان حظر دخول الطائرات دون طيار للقدس منذ عامين أو ثلاثة، ولأننا كصناع أفلام نستخدم الطائرات دون طيار للحصول على لقطات مهمة تجذب المشاهدين، فقد حاولنا قدر المستطاع لكننا لم نتمكن من الحصول على تصريح، لذا سألنا صناع الأفلام في القدس إذا كان لديهم لقطات من طائرات دون طيار، وبالفعل سمح لنا بعضهم باستخدام صورهم”.
واجه الفريق أيضًا استجواب الحراس والسلطات الإسرائيلية التي تفرض القيود على المكان، يقول حسين: “كنا نعمل مع طاقم صغير حتى لا نجذب لنا الكثير من الانتباه، وكنا حذرين للغاية لأنه حتى مع الحصول على تصريحات فقط كان من الممكن أن نتعرض للتفتيش وفحص المعدات، لذا استخدمنا كاميرات صغيرة داخل المسجد وحاولنا إدخالها إلى هناك دون تفتيش”.
شرطي إسرائيلي يفرق المتظاهرين في اشتباكات بالمسجد الأقصى عام 2005
لم يكن دخول الحرم المشكلة الوحيدة التي واجهت الفريق، فقد حاول حسين مع فريقه الذي يحمل 8 كاميرات الدخول إلى المكان المزدحم بنحو 400 ألف مصلٍ يواجهون الحرارة الشديدة بعد يوم من الصيام، لذا لا عجب أن حسين الذي كان يعاني من قلة النوم والجفاف اعتبر ليلة القدر من أقسى الأيام في حياته.
يقول حسين: “لقد أرُهق الفريق بأكمله فقد صورنا من صلاة الفجر وحتى فجر اليوم التالي، وصادف اليوم الذي يليه يوم الجمعة فصورنا صلاة الجمعة، لقد عملت في الكثير من المواقع الصعبة، لكن هذا الفيلم كان أصعب ما قمت به على الإطلاق”.
المؤذن يدعو المصلين للصلاة في المسجد الأقصى
رغم المشكلات العملية كان للتصوير جانب عاطفي، خاصة بعد تجربة مكة، يقول حسين: “كنت أقارن باستمرار بين الموقعين، عندما ذهبت إلى مكة لأول مرة شعرت أنني وصلت أرض الوطن، أو أنني من المفترض أن أبقى هنا ولم أكن أرغب في الرحيل أبدًا، لكن عندما ذهبت إلى القدس ورغم أنني أحببتها أيضًا فإنني لم أطق صبرًا للخروج من هناك، كنت أشعر بالحصار وبجنون العظمة المسيطر على الحراس، كنت أشعر أنني لا أستطيع التنفس هناك، لكن السير في المكان الذي تعلم أن الكثير من الأنبياء صلوا فيه يمنحك شعورًا غامرًا للغاية”.
شعر حسين بالضيق أيضًا بسبب حالة المكان السيئة، فالأضواء لا تعمل وبعض أجزاء الرصيف مكسورة، وعند السؤال عن ذلك علم أن القيام بأي تغييرات في المكان يستلزم سلسلة طويلة من التصريحات والإجراءات التي لا تنتهي.
تقع سلسلة من الجبال شرق الأقصى أشهرها جبل الزيتون وجبل المشارف
ومع اقتراب عرض الفيلم في السينمات، بدأ حسين في التفكير بالخطط المستقبلية، وبغض النظر عن إلهام المزيد من التصميمات الإسلامية، يرغب حسين في تقديم المزيد من المحتوى الديني، كما يرغب في إقامة ندوات لصناعة الأفلام للشباب لجذبهم إلى تلك الصناعة وحملهم على المشاركة في هذا المجال.
يقول حسين: “لدينا العديد من المشاريع المثيرة قيد التطوير الحمد لله، وأشعر بالامتنان لحصولي على ثقة المجتمع المسلم، نحن نمتلك تلك الأماكن منذ أكثر من 1400 عام، والآن فقط بدأنا في إلقاء نظرة عميقة متفحصة لها، وهذا ما نحتاجه بشدة الآن”.
المصدر: ميدل إيست آي