خلال الأسابيع التي سبقت هروب بشار الأسد من دمشق إلى موسكو وسقوط نظام حكمه، كان لأطراف النزاع في اليمن تحركات مباشرة في الميدان استباقًا لسيناريو شبيه قد يحدث في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله الحوثي المدعومة من إيران، وهي الجماعة التي كانت حليفة لنظام الأسد الذي اعترف بسلطتها وسلمها السفارة اليمنية في دمشق عام 2016.
وحينما كانت تتصاعد الأحداث في سوريا كان التراشق الإعلامي يتصاعد بين قيادات الجماعة الحوثية وقيادات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
وفور إعلان إدارة العمليات العسكرية سيطرتها على دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول الفائت، سارع رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن بتهنئة الثوار في سوريا، مباركًا ما وصفه بعودة دمشق إلى حاضنتها العربية، بينما وصف زعيم جماعة الحوثي سقوط الأسد بالفتنة التي تخدم أمريكا و”إسرائيل”.
وقللت تصريحات لقيادات الجماعة الحوثية من أهمية التغيير الذي أحدثه الثوار في سوريا، في حين كان لجماعة أنصار الله الحوثيين تحركات في الميدان واكبت هذا الحدث، إذ لم يمر يوم واحد منذ سقوط الأسد حتى الوقت الراهن دون قيامهم بأنشطة وتحركات معلنة وغير معلنة، في المقابل كان للفصائل المنضوية تحت قيادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أنشطة أخرى.
يرصد “نون بوست” هذه التحركات ويكشف عن استعدادات أطراف النزاع في اليمن لما قد ستؤول إليه الأمور في بلادهم عقب سقوط نظام الأسد.
استعدادات للحرب
تزامنًا مع تقدم الثوار السوريين في الأراضي السورية باتجاه العاصمة دمشق، كانت وسائل الإعلام التابعة للحوثيين تصف بالمؤامرة المشتركة بين الدواعش الإرهابيين والأمريكان، وانعكس هذا التوصيف على مواقف قيادات الجماعة الحوثية، وعلى تحركهم الميداني الذي شكل فيه الحوثيون غرفة عمليات مركزية تفرعت منها غرف عمليات مصغرة على مستوى المحافظات، ومن ثم مديريات وقرى المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم.
وحسب شخصيات مقربة من قيادات حوثية تحدثت لـ”نون بوست”، فإن الجماعة اتخذت خطوات توصف بالعاجلة والطارئة، الأولى كانت بتشكيل فرق مدربة تستعد للقتال في أي وقت، هذه الفرق كانت من مخرجات الدورات العسكرية التي تم تدشينها منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تدرب فيها المواطنون على السلاح، وكثفت جماعة الحوثي من هذه الدورات وعملت على استقطاب أكبر عدد ممكن من المواطنين للدخول فيها.
كما حرصت جماعة الحوثي على القيام بها هي المسيرات العسكرية الشعبية، إذ كانت الجماعة تعمل على حشد المواطنين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية إضافة إلى خريجي الدورات العسكرية لحضور المسيرات التي تجوب فيها العناصر المسلحة شوارع المديريات في صنعاء والعديد من المحافظات في رسالة تهديد منها للمناوئين ضد جماعة الحوثي الموالية لإيران.
ثالث الأنشطة التي نفذتها جماعة الحوثي منذ الأيام التي سبقت سقوط نظام الأسد إقامة دورات خاصة بالدفاع المدني، وفيها تم تدريب المئات من المواطنين على إطفاء الحرائق وما بعد وقوع الانفجارات، والإنقاذ ونقل حالات الإسعاف الناتجة منها، وانتشال الجثث من داخل الركام والحطام.
وكان من أبرز القرارات التي اتخذها الحوثيين قبيل سقوط الأسد التوجيه بصرف نصف مرتب للموظفين الحكوميين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم للمرة الأولى منذ أكثر من ثمانية أعوام من عمر الحرب الجارية في البلاد، إضافة إلى إيقاف الإتاوات والجبايات التي كانت تفرضها الجماعة على رجال الأعمال وعدد من المؤسسات التجارية.
وقال حسين الله كرم، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، إن “اليمن حل محل سوريا في العقيدة الأمنية الإيرانية بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بعدما كانت دمشق بمثابة العمود الفقري وعامل الارتباط في محور المقاومة، وفي إطار الأيديولوجية الاستراتيجية الإيرانية فقد انتقل هذا الدور الآن إلى اليمن بعد خسارة سوريا”.
عقب سقوط الأسد شعر الحوثيون باقتراب الخطر منهم، حينها عملوا على توسيع الاستعدادات لكل شيء سيئ ينتظرهم، فبجانب أعدادهم وتأهيلهم لمقاتلين جدد، عمل الحوثيون على تغيير مديري وضباط وجنود أقسام الشرطة والأمنيين في العاصمة صنعاء، ونقل البعض منهم في كل المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم.
كما عمل الحوثيون على تدشين دورات خاصة بالإغاثة وتعليم عدد من المواطنين الموالين لهم على جهود توزيع الخبز والمواد الإيوائية والإغاثية، وبجانب هذه الدورات عملوا على إقامة دورات أخرى في الإسعافات الأولية استهدفت النساء والرجال.
وبعد مضي أيام على سقوط الأسد دشن الحوثيون اجتماعات بقياداتهم والموالين لهم، كان الخطاب الموجه لمناصري الجماعة مغايرًا لما كان قبيل سقوطه بأيام، فقد كان الخطاب يزدري من حزب البعث السوري ومن الأسد، زاعمين أن أحد أهم أسباب سقوطه تقربه من السعودية والإمارات وتخليه عن محور المقاومة، كما يقول في حديثه لـ”نون بوست”، “ن. ل” وهو سياسي مقرب من الحوثيين.
تخوين وتنصل
عبر صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام التابعة للجماعة الحوثية، كان لقيادات من الصف الثاني والثالث وناشطين موالين للجماعة تصريحات وآراء متقاربة عن سقوط حكم الأسد، أبرز تلك الآراء ما قاله حسين العزي الذي كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين.
وكتب العزي عبر “إكس”: “لقد أكدنا أن ما يجري يخدم صهيون مباشرة واقترحنا منح صنعاء دور الوسيط لكنهم ظنونا قلقين على بشار مع أن الجميع يدرك اختلافنا معه”.
نحن نشعر بوجع أمتنا لأننا أسبق أبناءها في التفكير واستشعارالمسؤولية
لقدأكدنا أن مايجري يخدم صهيون مباشرة واقترحنا منح صنعاء دورالوسيط لكنهم ظنونا قلقين على بشار مع أن الجميع يدرك اختلافنا معهاليوم يثبت غلاظ القفا (الاخوان)أنهم ليسوا أغبياء فقط وإنما مطايا للعدو أيضا
👈#القنيطرة— حسين العزي (@hussinalezzi5) December 8, 2024
وفي ذات السياق كتب القيادي الحوثي أحمد مطهر الشامي “عجائب في سوريا، الجيش السوري يسلم المواقع دون مقاومة، والمعارضة تسلم المواقع دون مقاومة، لا نريد أن نستبق ولكن يبدو أن الحكام الجدد لا يعتبرون مواجهة إسرائيل أولوية”.
حميد رزق الإعلامي الموالي للجماعة الحوثية زعم أن سبب سقوط الأسد هو المؤامرة، وقال: “واضح من خلال مجريات الميدان أن ما شهدته سوريا هو اتفاق إقليمي دولي على تسليم السلطة دون قتال وانسحاب دون معارك”.
انعدام الثقة
وفي الميدان أيضًا دفع سقوط نظام الأسد جماعة الحوثي إلى إطلاق سراح عدد من المعتقلين على ذمة احتفالهم بذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول.
وفي حديثه لـ”نون بوست” يقول الشاب العشريني “م. م” القاطن في العاصمة اليمنية صنعاء، أنه تفاجأ بإطلاق سراحه من سجن بصنعاء، رغم أن الحوثيين أبلغوه أنه لن يخرج من السجن إلا بعد خمسة أعوام بموجب محاكمة عاجلة أجريت له، بتهمة التحريض ضد قيادات حوثية.
وفي الشارع اليمني يرى الكثير من المواطنين خلال أحاديثهم مع “نون بوست” أن سقوط الأسد مؤشر قوي لسقوط الحوثي ودحر انقلابه على الدولة اليمنية.
في أحد المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء كان مواطن خمسيني يحتج على سوء معاملته ورفض إدارة المستشفى تخفيض المبلغ المالي الباهظ الذي فرضته عليه مقابل خدمة طبية قدمت لشقيقه، حينها صاح المواطن بصوت عال قائلًا: “اتقوا الله ليش ما تتعظوا من سقوط بشار الأسد، باقي لكم أيام”.
يقول شخص كان موجودًا في المستشفى لـ”نون بوست”، إن “عددًا من الجنود وآخرين من أتباع الحوثي كانوا متواجدين بالقرب من ذلك الرجل لكن لم تكن لديهم الجرأة لمنعه من الحديث أو الرد عليه”.
ذلك المشهد يتكرر في كثير من الأماكن في صنعاء ولأول مرة منذ انقلاب جماعة الحوثي على الدولة اليمنية أصبح المواطنون يتحدثون بكل حرية عن أن من ينتهج أساليب القمع والظلم لا بد أن يأتي يومًا للثورة عليهم ومحاسبتهم مثلما حصل لبشار الأسد.
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بيانًا لحركة جديدة مناوئة لحكم الحوثيين تحت مسمى حركة النسر اليمنية، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية فقد اشتعلت عدد من جبهات القتال إثر هجمات شنتها فصائل المقاومة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في مناطق متفرقة بمحافظات تعز والحديدة والضالع، وتزامن مع تلك المعارك احتفالات بسقوط الأسد عمت ذات المحافظات.
على الصعيد السياسي باركت العديد من الأحزاب السياسية اليمنية ومنها المنضوية تحت راية التكتل الوطني للأحزاب، الثورة السورية وسقوط نظام الأسد، واعتبرت تلك الأحزاب ما حدث في سوريا فرصة لتحقيق الاستقرار، ودعمًا لإرادة الشعب هناك.
ويقول وليد اللهيم وكيل محافظة عمران في حديثه لـ”نون بوست” إن “تداعيات سقوط بشار الأسد وحزب البعث في سوريا وإسقاطها على الوضع اليمني لم تبدأ بعد وإن الموالين لإيران سيواجهون نفس مصير الأسد حتى وإن تأخر الوقت”.
ينظر الكثير من اليمنيين ومنهم الموالين لجماعة أنصار الله الحوثي في أحاديثهم مع “نون بوست”، إلى أن إيران فقدت قدرتها على المحافظة على تأثيرها في المنطقة بعد خسارة سوريا كحليف رئيسي. ويتداول الكثير من الناس في صنعاء في مجالسهم ووسائل المواصلات الحديث حول عدم الوثوق بإيران كحليف للحوثيين خاصة بعد سقوط الأسد ومقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وإضعاف البنية التحتية للحزب.