أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع، في تصويت سريع، تعيين السيناتور الجمهوري السابق عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، وزيرًا للخارجية، الاثنين الماضي، ليكون أول وزير يحظى بالثقة في حكومة الرئيس دونالد ترامب، بعد ساعات من تنصيبه.
يُعد روبيو، صاحب الـ53 عامًا، والعضو القديم في لجنتي العلاقات الخارجية والمخابرات بالمجلس، من بين أقل مرشحي ترامب إثارة للجدل، كما أنه أول أمريكي من أصول كوبية يتولى هذا المنصب، وقال السيناتور تشاك جراسلي من ولاية أيوا، وهو أقدم الجمهوريين في المجلس، خلال افتتاح جلسة التصويت: “ماركو روبيو رجل ذكي للغاية ويتمتع بفهم رائع للسياسة الخارجية الأمريكية”.
خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016، كان روبيو أصغر مرشح رئاسي، وسعى في مواجهة ترامب للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، ووصفه بأنه “محتال” خلال الحملة الانتخابية، قبل أن ينسحب بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية بفلوريدا.
وبعد وصول ترامب للبيت الأبيض، في ولايته الأولى، انقلبت مواقف روبيو، وأصبح مؤيدًا للرئيس الأمريكي، وعمل مستشارًا غير رسمي للاستراتيجية الخاصة بأمريكا اللاتينية، ووصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “وزير خارجية افتراضي” للإدارة، آنذاك.
أحد صقور “التدخل الخارجي”
في عام 2024، أيد روبيو مرة أخرى ترشح ترامب للرئاسة، وكان ضمن القائمة المختصرة للمرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس، قبل أن يختار ترامب في النهاية السيناتور عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، بينما حظي روبيو بترشيح الرئيس المنتخب لمنصب وزير الخارجية الثاني والسبعين للولايات المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
لعل فرق العقلية السياسية بين روبيو والرئيس، ستكون من ضمن أكبر التحديات التي تواجه زعيم الدبلوماسية الأمريكية الجديد، ففي حين عاد ترامب بقوة إلى شعاره المحبب “أمريكا أولًا” الذي أرسى دعائمه في خطاب التنصيب، فإن ذلك يصطدم بقوة مع رؤية روبيو للعالم، إذ يُعد من صقور الجناح السياسي الذي يركز على قوة أمريكا وقدرتها على التدخل في مختلف الشؤون الدولية والتأثير فيها، مع أنه ذكر في مقابلة أجرتها معه شبكة “سي إن إن”، بعد فوز ترامب في الانتخابات، أن “الولايات المتحدة تدخل حقبة من السياسة الخارجية البراغماتية”.
وتحت عنوان “بؤس وزارة الخارجية الثانية في عهد ترامب”، سلط تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، الضوء على تحديات الدبلوماسية الأمريكية في ولاية ترامب الثانية، بناء على تاريخ الرئيس في التدخل المباشر بعمل وزارة الخارجية، وهذا ما أدى في ولايته الأولى إلى إقالة وزير خارجيته، ريكس تليرسون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مارس/آذار 2018، بسبب الخلاف معه في عدة ملفات.
وأوضح التقرير أن روبيو من أنصار التدخل الخارجي بشكل ثابت، ويؤمن بفكرة وزيرة الخارجية السابقة، مادلين أولبرايت، بأن الولايات المتحدة هي “الأمة التي لا غنى عنها”، ولديه سجل حافل في ملاحقة قضايا حقوق الإنسان.
وتوقعت “فورين بوليسي” أن هذا التضاد بين “أمريكا أولًا”، وعولمة دور واشنطن، سيجعل روبيو “يعاني من إحباطات كبيرة”، إلا إذا اضطر للانحناء مثلما فعل نظيره مايك بومبيو، وهذا ما يبدو صعبًا في طبيعة شخصية روبيو، الذي وصفته تامي بروس، التي اختارها ترامب متحدثة باسم وزارة الخارجية، بأنه “الطفل الذي يلوح بيديه بشكل محموم في مؤخرة الغرفة، محاولًا إثبات أهميته”.
الفكرة نفسها ركزت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”، التي أكدت أن روبيو يواجه قائمة شاقة من اختبارات السياسة الخارجية، وتشمل هذه الاختبارات: الحرب في أوكرانيا، ووقف إطلاق النار الهش في غزة، وما يطلق عليه روبيو “التحدي الحاسم للقرن”، وهو طموحات الصين العالمية.
وشددت الصحيفة أيضًا على أن أكبر عقبة تواجه وزير الخارجية الجديد هي إدارة علاقته بترامب، حيث تختلف نظرته للعالم اختلافًا كبيرًا عن طباع روبيو ونظرته للعالم، الذي أمضى ثلاث فترات عضوًا في مجلس الشيوخ، عُرِف فيها بآرائه المتشددة في السياسة الخارجية مع التركيز الشديد على حقوق الإنسان، بينما ترامب متشكك في التشابكات الخارجية، ويتبنى نهجًا قائمًا على المعاملات التجارية في التعامل مع العالم.
رؤية روبيو تجاه السياسة الخارجية في عهد ترامب، أوضحها بنفسه في خطاب عقب تنصيبه، وأكد أن سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب الخارجية ستكون “مبنية على مصلحة الولايات المتحدة أولًا”، وفق منهج “عملي وواقعي”، وأضاف: “إذا تقاطعت مصالحنا مع مصالح الآخرين فسنعمل معهم”.
تحديات الشرق الأوسط
في خطابه بعد التنصيب، تظهر بشكل واضح رؤية ماركو روبيو لهذه المنطقة التي تُعد من أبرز بؤر التوتر العالمية، إذ قال الوزير الجديد إن هناك “فرصًا تاريخية” للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإنه “متفائل” بشأن تطورات وقف النار في غزة.
وأوضح روبيو في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ: “هناك فرص متاحة الآن في الشرق الأوسط لم تكن موجودة قبل 90 يومًا، سواء كان ذلك ما حدث في لبنان، أو ما حدث في سوريا، أو ما نأمل أن يحدث مع وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، لكن هذه الأشياء، مرة أخرى، ستكون عملًا شاقًا، وستتطلب منا الاستفادة من هذه الفرص”.
وشدد على أنه خلال فترة ولاية ترامب الأولى في منصبه، “كانت القوة الأمريكية بمثابة رادع لخصومنا، وأعطتنا نفوذًا في الدبلوماسية”.
ورغم تحديات الشرق الأوسط التي ستواجه الدبلوماسية الأمريكية في عهد ترامب، فإن روبيو حاول التخفيف من حجم هذه التحديات، مقدمًا تطمينات بأنه “لم تعد هناك حروب جديدة”، وعدد أهم الإنجازات التي تحققت في الشرق الأوسط خلال عهد ترامب الأول، بالقول: “تم القضاء على داعش، ومات قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ووُلدت اتفاقيات إبراهام التاريخية، وأصبح الأمريكيون أكثر أمانًا نتيجة لذلك، والآن يعود الرئيس ترامب إلى منصبه بتفويض لا لبس فيه من الناخبين. إنهم يريدون أمريكا قوية”.
هذه القوة التي يتحدث عنها روبيو تتوجه بالخصوص نحو إيران، التي يُعد وزير الخارجية من أبرز أعدائها في الإدارة الجديدة، وكشف وجهة نظره تجاهها خلال جلسة تأكيد تعيينه بالقول: “وجهة نظري بشأن إيران هي أننا يجب أن نكون منفتحين على أي ترتيب يسمح لنا بالتمتع بالسلامة والاستقرار في المنطقة، ولكن الترتيب الذي نكون فيه أكثر وضوحًا”.
وأردف: “أي تنازلات نقدمها للنظام الإيراني، يجب أن نتوقع أنه سوف يستخدمها لبناء أنظمة الأسلحة الخاصة به ومحاولة استئناف رعايته لحزب الله وغيره من الكيانات ذات الصلة”.
ويبدو الملف السوري أحد أهم الساحات التي يمكن أن تتعارض فيها رؤيتا ترامب ووزير خارجيته الجديد، وأوضح تعليق لترامب حول سوريا بشكل عام، كان قد صدر عنه قبل ساعات من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة على دمشق.
وقال ترامب في منشور على منصته “تروث سوشيال” للتواصل الاجتماعي: “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذه ليست معركتنا.. دعها تستمر.. لا تتدخلوا!”.
وهو نفس التوجه الذي ذهب إليه مايكل والتز، مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، الذي أكد ضرورة ألا يكون الجنود الأمريكيون موجودين في سوريا.
أما ماركو روبيو، فلديه وجهة نظر مختلفة أدلى بها منتصف شهر يناير/كانون الثاني الجاري، وتحديدًا قبل أربعة أيام من تنصيبه، حين أوضح أن الولايات المتحدة “لن تتخلى عن قوات سوريا الديمقراطية” في سوريا، محذرًا من أن “هناك عواقب للتخلي عن شركائنا الذين سجنوا مقاتلي تنظيم داعش”.
كما ألمح روبيو إلى أن واشنطن قد ترفع العقوبات عن “هيئة تحرير الشام”، مضيفًا أن ذلك يأتي “رغم أن أفراد الهيئة لن يستطيعوا الحصول على وثيقة غير محكوم من المباحث الفيدرالية الأمريكية بسبب تاريخهم المعروف، ولكن من مصلحة الأمن القومي الأمريكي وكل دول المنطقة أن تكون سوريا في حالة مستقرة”.
وشدد على أن الحالة التي تريد واشنطن الوصول إليها في سوريا، هي “ألا تكون مقرًا لتنظيم داعش أو مثار تهديد منه، تحترم الأقليات الدينية، تحمي الأكراد، ولا تستخدمها إيران كأرض لنشر إرهابها وزعزعة لبنان من خلال حزب الله”.
أما القضية الفلسطينية، فيمكن استطلاع رأي روبيو بشأنها من خلال فيديو له يعود إلى العام 2023، حين تعرض لسؤال عما إذا كان سيؤيد إنهاء القتال في غزة، فرد بحزم: لا.
وكان من ضمن ما قاله في تعليق له حول الحرب في غزة وعملية “طوفان الأقصى”: “على العكس من ذلك… أريد منهم أن يدمروا كل عنصر من عناصر حماس يمكنهم وضع أيديهم عليه. هؤلاء الناس حيوانات شرسة ارتكبوا جرائم مروعة”، موضحًا أن هدف “إسرائيل” من قتالها هو “تدمير المنظمة الإرهابية حتى لا تهدد شعب إسرائيل مرة أخرى”.
وكانت تعليقات المدونين على هذا الفيديو أجمعت على أن اختيار روبيو يلخص رؤية ترامب للحرب في غزة ولمجمل القضية الفلسطينية، استكمالًا لموقف الرئيس الجديد من هذه القضية في ولايته الأولى، حين أصدر “صفقة القرن”.
وشهدت العلاقة بين روبيو وترامب صدامًا كبيرًا في 2016 بشأن “إسرائيل”، واتهم ترامب حينها بأنه “مناهض لإسرائيل”، ورغم دعمه القوي لـ”إسرائيل” في الماضي، غير روبيو موقفه في أبريل/نيسان عندما صوت ضد حزمة تمويل لصالح الدولة العبرية.
وعندما فرضت وزارة الخارجية الأمريكية، العام الماضي، عقوبات على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية وعلى كيانات تدعم العنف ضد الفلسطينيين، هاجم روبيو الوزارة، وقال إن القرار “تقويض” لحليف أمريكي، وقال في رسالة لوزير الخارجية آنذاك، أنتوني بلينكن، إن “الإسرائيليين يعيشون بحق في وطنهم التاريخي”، وإنهم “ليسوا عائقًا أمام السلام؛ بل الفلسطينيون هم العائق”.
الصين وحرب روسيا بأوكرانيا
ربما تفتح تصريحات روبيو الباب أمام إبرام اتفاقات مع إيران، غير أن موقفه بشأن الصين يبدو أكثر تشددًا، إذ تحدث عن ضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة “موقفًا قويًا” فيما يتعلق بالصين خلال جلسة تأكيد تعيينه، واصفًا الحزب الشيوعي الصيني بأنه خصم “قوي وخطير”.
وقال روبيو: “إنهم (الصينيون) خصم ومنافس تكنولوجي، ومنافس صناعي، ومنافس اقتصادي، ومنافس جيوسياسي، ومنافس علمي الآن، وفي كل مجال، إنه تحدٍ غير عادي وأعتقد أنه سيحدد القرن الحادي والعشرين”.
وأضاف: “لقد سمحنا لهم بالإفلات من العقاب، وبصراحة فإن الصينيين فعلوا ما ستفعله أي دولة في العالم إذا أتيحت لها هذه الفرص، لقد استغلوا ذلك، والآن نتعامل مع تداعيات ذلك”.
كما كتب روبيو على موقع “إكس” تغريدة أكثر تشددًا من ذلك، الصيف الماضي، أوضح فيها أن “الصين الشيوعية ليست ولن تكون أبدًا صديقة للدول الديمقراطية. يتعين على المجتمع الدولي أن يستمر في الوقوف إلى جانب تايوان في دفاعها عن سيادتها وحريتها”.
وردًا على أسئلة حول حرب روسيا ضد أوكرانيا، قال روبيو إنه “من غير الواقعي الاعتقاد بأن أوكرانيا قادرة على دفع القوات الروسية إلى حيث كانت قبل غزو عام 2022، وأن الموقف الرسمي للولايات المتحدة يجب أن يكون أن الحرب يجب أن تنتهي”، في تناغم تام مع موقف ترامب من هذه الحرب، مع أن كليهما لم يتحدثا بشكل واضح ومحدد عن كيفية إيقاف الحرب، أو طبيعة التعامل مع روسيا بشأنها.
واكتفى وزير الخارجية الجديد بانتقاد موسكو وقال: “ما فعله (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتن غير مقبول، ولا شك في ذلك، لكن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وأعتقد أنه ينبغي أن تكون السياسة الرسمية للولايات المتحدة أننا نريد أن نرى نهاية لها”.
وكان روبيو قال الكلام نفسه لشبكة “إن بي سي” في سبتمبر/أيلول الماضي: “أنا لست في صف روسيا، ولكن للأسف فإن الواقع هو أن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب في أوكرانيا هي التوصل إلى تسوية تفاوضية”، فيما كان روبيو من بين 15 سيناتورًا جمهوريًا صوتوا ضد حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا، تم تمريرها في أبريل/نيسان الماضي، وقال حينها: “أعتقد أن الأوكرانيين كانوا شجعانًا وأقوياء بشكل لا يصدق في الوقوف في وجه روسيا”.
في نهاية المطاف، لا يمكن التعويل كثيرًا على التصريحات السابقة لوزير الخارجية الأمريكي الجديد حول مجمل القضايا، وذاك أنه سيكون ملزمًا تمامًا ليس برؤيته الشخصية، إنما بموقف الرئيس ترامب من جهة، وبقية الدوائر في واشنطن، مثل الدفاع والاستخبارات، من جهة ثانية، وهذا ما سيضعه – وفق ما سبق – على محك المواجهة مع ترامب وخسارة منصبه سريعًا، أو أنه سيكون مجبرًا – مثل سلفه الأسبق بومبيو – على التناغم التام مع سياسة ترامب، رغم أنهما أصلًا “متناغمان” في عدة ملفات مما سبق ذكره.