لتمويل صفقة القرن وتمريرها سياسيًا.. كوشنر يعود للشرق الأوسط

برفقة نائبه آفي بيركويتز ومبعوث المفاوضات الدولية جيسون غرينبلات والمبعوث الأمريكي الخاص بإيران براين هوك، غادر غاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الولايات المتحدة، الإثنين الماضي، على متن طائرة عسكرية، في جولة تشمل عددًا من الدول في الشرق الأوسط لمواصلة الضغوط لأجل تمرير “صفقة القرن”.
الجولة التي لم يحدد جدولها الزمني بعد من المقرر وبحسب وسائل إعلام أمريكية أن تشمل “إسرائيل” والأردن ومصر والسعودية، بجانب المغرب، في حين أشارت مصادر أخرى إلى أن الإمارات ستكون أيضًا ضمن الجولة التي تستهدف استكمال الزخم التي تولد في “ورشة المنامة” بالبحرين التي عقدت يومي 25 و26 من يونيو/حزيران الماضي.
تتجه الأنظار نحو حقيبة كوشنر التي تحوي على تفاصيل أكثر بشأن المخطط الذي يهرول الرئيس الأمريكي لإنجازه قبل نهاية ولايته الأولى، معتمدًا في ذلك على ولاء حلفائه في المنطقة، مستغلاً الأجواء المتوترة بطبيعتها التي وضعت الشرق الأوسط فوق فوهة بركان قابل للاشتعال في أي وقت.
تمويل الصفقة
حزمة من الأهداف يسعى كوشنر لتحقيقها من وراء هذه الزيارة التي من الواضح أنها لن تكون الأخيرة، على رأسها البحث عن ممولين للصفقة التي يعتبر صهر ترامب مهندسها الأول. فوفق ما كشفته مجلة “فانيتي فير” الأمريكية، فإن الهدف من الزيارة يتمحور حول إقناع قادة عدد من دول المنطقة، بالالتزام بتمويل خطة السلام الأمريكية “صفقة القرن”.
المجلة نقلت عن مسؤول أمريكي قوله: “أي التزام طفيف من جانب تلك الدول، سيؤدي إلى كسب نوايا حسنة”، لافتة إلى أن كوشنر سيلتقي قادة رفيعي المستوى، لمناقشة الأموال التي سيدفعها كل بلد، مشيرة إلى ضرورة تطابق أفكار قادة الدول التي ستشملها الجولة بشأن الخطة ومن ثم حشد التأييد لها شعبيًا وسياسيًا.
وتأتي الجولة بعد أيام من استخدام ترامب للفيتو ضد سلسلة من التدابير التي اتخذها الحزبان الجمهوري والديمقراطي هدفت إلى منع مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات كجزء من حملة ضد انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وعلى المستوى الداخلي، وهو الموقف الذي تقدر قيمته جيدًا سلطات الدولتين.
الوضع العربي في أضعف حالاته الآن، ولذلك فإن الضغط الأمريكي قوي ومؤثر، لا سيما في ظل تطويع واشنطن لعدد من عواصم الدول الخليجية
يذكر أنه وفق الخطة التي طرحها كوشنر في ورشة المنامة الأخيرة فإن الدول المانحة والمستثمرين سيساهمون بنحو 50 مليار (15 مليار دولار من المنح و25 مليار دولار من قروض مدعومة ونحو 11 مليار من رأس المال الخاص) من بينها 28 مليار تذهب للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة و9 مليارات لمصر و7.5 مليار للأردن و6 مليارات للبنان.
الورشة كانت بمثابة أول خطوات تمرير الصفقة عمليًا وكانت تهدف إلى جس النبض حيال الخطة التي حملها صهر ترامب، ورغم الحضور الباهت والرفض الشعبي القاطع، فإن مجرد التمثيل العربي في هذا المؤتمر كان بمثابة انتصار ولو ضعيف وفق ما ذكره كوشنر الذي أكد أن المراحل القادمة ستكون أكثر إيجابية.
حضور عربي باهت في ورشة البحرين
تمرير الجوانب السياسية
تركيز مؤتمر البحرين على البُعد الاقتصادي فحسب دون التطرق إلى أي أمور تتعلق بالجانب السياسي في ضوء الافتقار إلى تحقيق أي تقدم ملموس على الصعيد السياسي خلال السنوات الماضي، كان أحد أبرز الأسباب وراء رفض خطة كوشنر منذ تسريب بعض بنودها قبيل التوجه للمنامة.
عراب الصفقة الذي لجأ إلى نهج آخر ربما يكون أكثر واقعية في نظر البعض، يتعلق بتفعيل البُعد الاقتصادي للخطة، كمرحلة أولى متاحة الآن، يأتي هذه المرة لإكمال الصورة عبر التطرق لبعض ملامح الجانب السياسي، بما يساعد في تقديم الوجبة كاملة بكل أنواعها على مائدة النقاش.
مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي لدراسات الشرق الأوسط (مستقل)، يرى أن “الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ضغطًا جارفًا على الدول العربية، لتسويق الجوانب الاقتصادية لصفقة القرن”، كاشفًا أن اختيار البيت الأبيض لكوشنر للقيام بالجولة يعود إلى كونه عراب صفقة القرن.
قرار الكابينت الإسرائيلي، مساء أمس، المصادقة على بناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين، هدفه تسهيل مهة كوشنر بإقناع الزعماء العرب بالمشاركة في قمة كامب ديفيد
وأضاف خلال تصريحات نقلتها “الأناضول” أن هدف جولة صهر ترامب الشرق أوسطية هو “تمرير الجوانب السياسية، مقابل تسويق نظيرتها الاقتصادية”، وتابع: “الوضع العربي في أضعف حالاته الآن، ولذلك فإن الضغط الأمريكي قوي ومؤثر، لا سيما في ظل تطويع واشنطن لعدد من عواصم الدول الخليجية”.
الخبير المصري يرى إمكانية أن تستغل واشنطن التوترات المتصاعدة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفاء خليجيين وغربيين لها من جهة أخرى، على خلفيات ملفات عديدة، منها: البرنامج النووي الإيراني وحرية الملاحة في مياه الخليج، في مزيد من استقطاب الموقف السياسي لحلفائها بشأن الخطة.
يذكر أن جولة كوشنر تأتي بعد يوم واحد فقط من زيارة العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، للقاهرة، أول أمس، تلك الزيارة التي يرى خبراء أن الهدف منها هو التباحث بشأن “صفقة القرن” وإعداد تصور مبدئي لها قبيل زيارة ممثل ترامب لكل من القاهرة وعمان.
دعم أمريكي كبير لرئيس وزراء الكيان الصهيوني في الانتخابات القادمة
مؤتمر كامب ديفيد للسلام
قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأربعاء، إن تل أبيب ستكون المحطة الأولى لجولة كوشنر، لافتة إلى أنه يحمل مقترحًا سيجد الزعماء العرب صعوبة برفضه، وهو عقد مؤتمر للسلام ينظم تحت رعاية الرئيس الأمريكي في منتجع كامب ديفيد.
الصحيفة العبرية أشارت في هذا السياق إلى أن قرار الكابينت الإسرائيلي، مساء أمس، المصادقة على بناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين، هدفه تسهيل مهمة كوشنر بإقناع الزعماء العرب بالمشاركة في المؤتمر، موضحة أن كوشنر سيجري مباحثات مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ثم ينتقل لدول عربية مجاورة لإجراء مباحثات في كل من الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
رغم الضغوط الأمريكية الممارسة لتعزيز رقعة المشاركة في الجولة الأولى من خطة تمرير الصفقة “ورشة المنامة”، فإن المحصلة النهائية لم تكن على المستوى المطلوب
وبحسب مصادر في واشنطن فإنه من المقرر ألا يشارك نتنياهو في لقاءات كامب ديفيد المقترحة، وأن ترامب سيعرض خلالها خطته دون الخوض في تفاصيل ملزمة، “مثل إقراره بتأييد قيام كيان فلسطيني على سبيل المثال، ولكن دون استخدام تعبير دولة، والإقرار بحق فلسطيني في القدس ولكن ليس عاصمة فلسطينية في القدس”.
ومن المتوقع – وفق يديعوت أحرونوت – أن يرفض الطرف الفلسطيني المقترحات الأمريكية المنتظرة، فيما سيشيد نتنياهو بها مع إبداء تحفظات كثيرة عليها، وفي المقابل، ستكون وظيفة المشاركة العربية في مؤتمر كامب ديفيد المقترح إضفاء الشرعية على هذه اللقاءات.
المؤتمر من المقرر أن يعقد قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية المقررة بالـ17 من سبتمبر/أيلول المقبل، حيث سيعرض ترامب الخطوط العريضة لخطته، وفي حال انعقاده، فإن ذلك سيساعد نتنياهو في المعركة الانتخابية، حيث يظهر بأنه زعيم مقبول على المستوى الدولي والعربي، ما يخفف من معارضة بعض الأحزاب للانضمام لحكومته على رأسها حزبي “كاحول لفان” و”العمل”.
يذكر أنه رغم الضغوط الأمريكية الممارسة لتعزيز رقعة المشاركة في الجولة الأولى من خطة تمرير الصفقة “ورشة المنامة”، فإن المحصلة النهائية لم تكن على المستوى المطلوب، فبعيدًا عن أصدقاء تل أبيب وحلفائها في المنطقة، انحصرت المشاركات في عدد قليل من الدول العربية الأخرى من خلال تمثيل متواضع.
وعلى الأرجح فإن حقيبة كوشنر ستحتوي على العديد من المغريات اللازمة لكسب دعم عربي للصفقة، عازفة على وتر النفس الطويل، في محاولة لكسر حالة الحرج السياسي للأنظمة المشاركة أمام شعوبها، لكن يبقى الرفض الشعبي حائط الصد المنيع أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية أيًا كانت المكاسب.