قلما تجد وزارة أو مؤسسة حكومية في العراق خالية من الفساد الوظيفي والإداري، ولعل ملف وزارة الخارجية العراقية من أكبر هذه الملفات التي ما زالت خفية على الرأي العام العراقي لعدم علمه بما يدور في ممثليات بلاده في الخارج، فضلاً عن التعيينات التي جرت خلال الـ16 عامًا الماضية في وظائف دبلوماسية من خلال الأحزاب والمحاصصة.
“نون بوست” يفتح ملف وزارة الخارجية، ليناقش الموضوع في محورين: عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج ومصاريفها، إضافة إلى ملف الفساد الكبير والمحاصصة التي تعتري تعيين السفراء والملحقين والموظفين في دول العالم.
عدد البعثات الدبلوماسية العراقية
يشير موقع وزارة الخارجية العراقية إلى أن العراق لديه 88 سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية حول العالم، ولا يعد هذا غريبًا في التمثيل الدبلوماسي لأي دولة، لكن ما يثير الدهشة أن العراق لديه تمثيل دبلوماسي وسفارة في بلدان قلما تجد فيها عراقيين كما في كينيا والفاتيكان.
وفي هذا الصدد يقول الكاتب سلام جبار عطية متهكمًا، إنه وفي الوقت الذي نعلم فيه أن عدد العراقيين في كينيا (عاصمتها نيروبي) يبلغ 4 مواطنين فقط، فإننا نشعر أن الحكومة العراقية تحترم الجالية العراقية هناك، لأنها تملك سفارة في العاصمة “نيروبي” تهتم بالجالية العراقية، فمع عدد الموظفين في السفارة العراقية هناك الذي يبلغ 30 موظفًا، نجد أن هؤلاء يقدمون خدمات لـ4 أشخاص فقط.
يأتي هذا العدد الكبير من السفارات والبعثات الدبلوماسية في الوقت الذي أقرت فيه الموازنة العامة الاتحادية للعراق عام 2019 بتقليص عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج
ويضيف الكاتب أن العراق يملك سفارة في مدينة “بريتوريا” عاصمة جنوب إفريقيا دون أي فائدة لها، علمًا أن هذه السفارة تكلف الدولة الملايين، ويضيف الكاتب أن ما يثير الدهشة أيضًا أن لدى العراق سفير (مسلم) في “الفاتيكان” بروما، مع الأخذ بالاعتبار أن السفير العراقي في العاصمة الإيطالية “روما” يبعد عن الفاتيكان مسافة 4 دقائق فقط بواسطة دراجة هوائية! فضلاً عن سفارة في مدينة العاصمة البنغالية “دكا” التي لا تزيد أهمية على سابقاتها.
ويأتي هذا العدد الكبير من السفارات والبعثات الدبلوماسية في الوقت الذي أقرت فيه الموازنة العامة الاتحادية للعراق عام 2019 بتقليص عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج، حيث نصت الفقرة (5 – أولاً) من المادة (31) من قانون الموازنة أنه ينبغي على وزارة الخارجية غلق السفارات والبعثات العراقية في الدول التي ليس لديها تمثيل دبلوماسي في العراق وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل، إضافة إلى أنه يمكن للوزارة دمج بعض السفارات العراقية في سفارة واحدة إقليمية تشمل عددًا من الدول.
كما تشير الفقرة (5- ثانيًا) من ذات المادة على الاستمرار في تخفيض عدد العاملين في البعثات الدبلوماسية العراقية الذي تم بموجب قانون موازنة 2018، فضلاً عن إغلاق الملحقيات ونقلها إلى السفارات من وزارات (الثقافة والتجارة والدفاع والصحة والتعليم العالي)، بحسب نص المادة.
فساد ومحاصصة في وزارة الخارجية
حالها كحال بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية، إذ تطغى المحاصصة السياسية الحزبية على توزيع واختيار السفراء والملحقين الدبلوماسيين في البلاد، في الوقت الذي يشهد فيه مجلس النواب خلافًا كبيرًا مع وزارة الخارجية بشأن آلية اختيار السفراء والحصص.
هناك خلافات كبيرة بين وزارة الخارجية ومجلس النواب فيما يتعلق بتعيين السفراء الجدد، إذ إن بعض الكتل تصر على توزيع السفارات والممثليات الدبلوماسية العراقية خارج البلاد وفقًا لحصص كتلها داخل مجلس النواب
من جهتها أعلنت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، عزمها فتح ملف وزارة الخارجية، فقد أوضح عضو اللجنة النائب عامر الفايز أن ملف وزارة الخارجية لا يقل شأنًا عن الملفات الأخرى التي تطرق لها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال استضافته في افتتاح الفصل التشريعي الحاليّ، إلا أنه لم يشر لملف الخارجية بتاتًا.
وأضاف الفايز أن لجنة العلاقات الخارجية عازمة على فتح ملف الوزارة بسبب الفساد الإداري فيها وهيمنة الأحزاب على التعيينات، فضلاً عن تعيين أشخاص غير أكفاء وليست لديهم الاختصاصات اللازمة، إضافة إلى حصر التعيين في السفارات في أبناء السياسيين والسفراء ومسؤولي الوزارة.
وكشف الفايز أن الكثير من سفراء العراق يحملون جنسيات متعددة، وهذا ما يبعث على الشك في ولائهم للعراق، فضلاً عن ولاء بعض السفراء لأحزابهم دون الاهتمام بمصلحة البلاد.
ووفقًا لمصادر برلمانية، فإن هناك خلافات كبيرة بين وزارة الخارجية ومجلس النواب فيما يتعلق بتعيين السفراء الجدد، إذ إن بعض الكتل تصر على توزيع السفارات والممثليات الدبلوماسية العراقية خارج البلاد وفقًا لحصص كتلها داخل مجلس النواب ووفق ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2018.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز أكد في أبريل/نيسان الماضي أن مباحثات لجنته مع وزير الخارجية ركزت على مقترحين اثنين من أجل حسم ملف الـ28 سفيرًا التي ردها البرلمان، لافتًا إلى أن المقترح الأول يتعلق بأن يكون لوزارة الخارجية الحق بتعيين 50% من السفراء، ومثلها للكتل السياسية داخل البرلمان.
لعل أكثر ملفات الفساد في وزارة الخارجية العراقية هو ملف التعيينات للموظفين والسفراء والملحقين، فكثير من موظفي الوزارة الدبلوماسيين عينوا دون المشاركة في دورات المعهد الدبلوماسي
وأشار الفايز إلى أن المقترح الثاني هو أن تخضع تعيينات السفراء لوزارة الخارجية حصرًا وبنسبة 100%، كاشفًا أن المقترح الثاني يتطلب موافقة مجلس الوزراء، لأن قانون الخدمة الخارجية ينص على حق المجلس باتخاذ القرارات المتعلقة بتعديل النسب، لافتًا إلى أن الكتل السياسية أبدت اعتراضًا كبيرًا على المقترح الثاني.
ولعل أكثر ملفات الفساد في وزارة الخارجية العراقية هو ملف التعيينات للموظفين والسفراء والملحقين، فكثير من موظفي الوزارة الدبلوماسيين عينوا دون المشاركة في دورات المعهد الدبلوماسي (معهد الخدمة الخارجية).
يضاف لكل ذلك صدور أوامر وزارية بتعيين الكثير من المقربين بصفة دبلوماسية وبدرجات عالية كسكرتير أول أو مستشار أو وزير مفوض دون الاشتراك في دورات المعهد الدبلوماسي ودون الأخذ بمدد الخدمة الوظيفية، فضلاً عن أن البعض منهم لم يسبق له العمل في وزارة الخارجية ولا يجيد اللغة الإنجليزية أساسًا.
وكان مجلس النواب السابق قد طالب باستجواب وزير الخارجية السابق إبراهيم الجعفري، لكن المناكفات السياسية منعت ذلك خشية إفشاء أسرار التعيينات في هذه الوزارة.
تعيينات حزبية وخروج على نص قانون الخدمة الخارجية العراقي وترهل دبلوماسي، كل ذلك يجري في وزارة الخارجية وما خفي أعظم
كما اتهم النائب السابق عادل نوري، وزير الخارجية السابق بتعيين ابنته وزوجها بصفة دبلوماسيين بسفارة العراق في العاصمة البريطانية “لندن”، مع أنهما يحملان الجنسية البريطانية ويقيمان في لندن.
ووفقًا لما نشره موقع العربية نت في وقت سابق، فإن نجل مدير هيئة الحج والعمرة الحاليّ خالد العطية كان موظفًا في السفارة العراقية بالعاصمة البريطانية، كما أن نجل وزير التخطيط الأسبق علي بابان وابنة القيادي في حزب الدعوة ونائب رئيس الجمهورية الأسبق خضير الخزاعي تم تعيينهما في سفارة العراق بالعاصمة الكندية.
تعيينات حزبية وخروج على نص قانون الخدمة الخارجية العراقي وترهل دبلوماسي، كل ذلك يجري في وزارة الخارجية وما خفي أعظم.