دفع رحيل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في 25 من يوليو إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية وفق ما ينص عليه الدستور (انتخابات مبكرة في مدة لا تقل عن 45 يومًا)، ما أربك حسابات الأحزاب الكبرى، وسط صعود لأسماء جديدة مثل وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، بعد حملات ترويج كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت تعديل رزنامة الانتخابات في اجتماع مع ممثلي الأحزاب السياسية، وقررت إجراء الرئاسيات يوم 15 من سبتمبر/أيلول القادم، فيما تعين تقديم طلبات الترشح بين 2 و9 من أغسطس الحاليّ.
صعود الوزير
نقلت تقارير إعلامية عن مقربين من الوزير التونسي، أن الزبيدي قرر الترشح للانتخابات الرئاسية، مضيفةً أن عدة أحزاب وشخصيات سياسية ووطنية ستُعلن قريبًا دعمها لوزير الدفاع الحاليّ.
من المرجح أن يُعلن بعض السياسيين انسحابهم من سباق الرئاسيات لصالح الوزير، على غرار النائب بالبرلمان ورئيس حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني
من جانبها، نشرت الباحثة والكاتبة التونسية، رجاء بن سلامة تدوينة دعمت فيها ترشح الوزير قائلة: “إعلان السيد عبد الكريم الزبيدي الترشح للرئاسية يطمئنني شخصيًا، لأن الرجل على الأقل وطني ومعروف بنظافة اليد والتعفف والغيرة على سيادة البلاد، أمام زحف مافيا شراء الأصوات وأمام التفتت الذي سيعطينا برلمانًا فسيفسائيًا لا أدري كيف سيشتغل، وأمام الترشحات التي لا مبرر لها إلا الأوهام النرجسية، أستبشر خيرًا بالسيد الزبيدي”.
وقال الكاتب والأكاديمي خالد ڨزمير، في تصريح لراديو ديوان إف إم: “وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي يملك جميع المؤهلات ليكون رئيسًا لتونس تمامًا كالفقيد الباجي قايد السبسي”، مضيفًا “أتمنى أن يأخذ المشعل ويقود تونس ليوجهها إلى المسار الصحيح”.
ومن المرجح أيضًا أن يُعلن بعض السياسيين انسحابهم من سباق الرئاسيات لصالح الوزير، على غرار النائب بالبرلمان ورئيس حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني الذي أكد أن “الزبيدي نجح في مهمته العسكرية على رأس وزارة الدفاع، وبإمكانه النجاح في قيادة البلاد إلى واقع أفضل”.
ويشترط القانون الانتخابي التونسي على كل مترشح جمع 10 توقيعات (تزكيات) من نواب البرلمان أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو 10 آلاف تزكية من الناخبين منها 500 تزكية على الأقل من 10 دوائر مختلفة.
كان وزيرًا للدولة مكلفًا بالبحث العلمي والتكنولوجيا بين 1999 و2000، ثم وزيرًا للصحة عام 2001 في حكومة محمد الغنوشي الأولى تحت حكم زين العابدين بن علي
والزبيدي طبيب وسياسي، أصيل محافظة المهدية (الساحل) يبلغ من العمر 69 عامًا، ويشغل منصب وزير الدفاع منذ 12 من سبتمبر/أيلول عام 2017 في حكومة يوسف الشاهد، وتقلد عددًا من المناصب الوزارية السابقة في فترات مختلفة قبل وبعد ثورة 14 يناير.
الوزير التونسي حاصل على دبلوم الدراسات والبحوث في البيولوجيا البشرية ودبلوم الدراسات المعمقة في الفيزيولوجيا البشرية وشهادة الدكتوراة في الطب، وكان وزيرًا للدولة مكلفًا بالبحث العلمي والتكنولوجيا بين 1999 و2000، ثم وزيرًا للصحة عام 2001 في حكومة محمد الغنوشي الأولى تحت حكم زين العابدين بن علي، وبعد الثورة التونسية، أصبح الزبيدي وزير الدفاع خلفًا لرضا قريرة، في تغيير وزاري في حكومة محمد الغنوشي الثانية في 27 من يناير 2011.
“عصفور” النهضة
إلى ذلك، ورغم أن حزب حركة النهضة (إسلامي) لم يُعلن بعد مرشحه للانتخابات الرئاسية، واختار الدفع برئيسه راشد الغنوشي في الاستحقاق البرلماني، وسط تكهنات بامتناع الحركة عن اختيار شخصية من داخل الحزب، ودعم ما سماه رئيس النهضة في وقت سابق بـ”العصفور النادر” في إشارة إلى إمكانية اختيار شخصية وطنية تحظى بقدر من الإجماع والتوافق، كل المؤشرات توحي بأن اسم وزير الدفاع مطروح بقوة داخل أروقة مقر الحزب بمونبليزير بالعاصمة التونسية.
لم تستبعد شخصيات من داخل حركة النهضة أن يكون وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي مرشحها للاستحقاق الرئاسي
ولم تستبعد شخصيات من داخل حركة النهضة أن يكون وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي مرشحها للاستحقاق الرئاسي، حيث أكد القيادي في الحزب والمستشار السابق لراشد الغنوشي، لطفي زيتون، أن وزير الدفاع الوطني الحاليّ، الوحيد القادر على أن يكون رجل المرحلة القادمة، مضيفًا في تصريحات صحفية، إذا قبل ذلك فهو سيكون شخصية وطنية بامتياز قادرة على تحقيق التوافق الوطني.
وبدوره علق راشد الغنوشي، في تصريح لراديو محلي، على تداول اسم الزبيدي بقوة كمرشح لرئاسة تونس بالقول: ”الزبيدي رجل وطني خدم البلاد ونعتبره صديق وهو مؤهل على غرار غيره لمنصب الرئاسة ويبقى الاختيار للشعب”.
ووإذا لم يكن الزبيدي عصفور النهضة الفعلي، فإن هناك شخصيات قد تُعلن الحركة دعمها أيضًا في الانتخابات الرئاسية، على راسها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي ورئيس حزب التكتل الديمقراطي والرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، إضافة إلى رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد.
أصوات معارضة
في مقابل ذلك، يرى المعارضون للزبيدي أن طريقة الدفع بوزير الدفاع في المشهد السياسي وعملية ترشيحه عن طريق المناشدة والتفويض (توقيع نواب من البرلمان) تذكر بممارسات قديمة للعهد البائد، تربك المشهد وتقلل من حظوظ باقي المرشحين.
أكد الصحفي الفرنسي المثير للجدل “نيكولا بو” في مقالٍ له بصحيفة “موند أفريك”، أن الحديث عن ترشح وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي للرئاسة، بدأ على إثر مناورات كبرى وتحركات في هذا السياق
وفي سياقٍ ذي صلة، عنون الصحافي التونسي لطفي الحيدوري مقاله بـ”مناشدة عبد الكريم الزبيدي.. سلوك يليق بالديكتاتوريات تديره مراكز النفوذ”، وأكد فيه أن “مناشدة وزير الدفاع للترشح لرئاسيات 2019 في مواقع التواصل الاجتماعي تأتي في سياق توجيه الرأي العام من جهات كانت تعلم حقيقة الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، فدفعت منذ أسابيع باسم وزير الدفاع الدكتور عبد الكريم الزبيدي وتقديمه في صورة المنقذ”، مضيفًا “حسن تنظيم موكب تأبين رئيس الجمهورية ومسار الجنازة وعملية الدفن وما رافق ذلك من تأمين ناجع، أصبح في تونس من شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في دولة ديمقراطية”.
من جانبه أكد الصحفي الفرنسي المثير للجدل نيكولا بو، في مقالٍ له بصحيفة “موند أفريك”، أن الحديث عن ترشح وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي للرئاسة، بدأ على إثر مناورات كبرى وتحركات في هذا السياق على ضوء تحديد تاريخ 15 من سبتمبر تاريخًا للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بعد وفاة قائد السبسي، وفي ظل مزاج عام رافض للأحزاب الكلاسيكية.
وأشار الكاتب أن وزير الدفاع يحظى بدعم كامل من كمال اللطيف (قريب بن علي) رجل الظل “المخيف” المعروف بتحريك خيوط اللعبة من وراء الستار، مضيفًا أنه يحظى بدعم دوائر نفوذ معروفة بعدائها للإسلاميين وخاصة حركة النهضة، معتبرًا أن لوبي الساحل (محافظتي سوسة بن علي والمنستير الحبيب بورقيبة) يسعى إلى استعادة منصب رئيس الجمهورية التي افتكته منه الثورة منذ 9 سنوات.
كشف الصحافي التونسي محمد اليوسفي أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تم ترشيحه للانتخابات الرئاسية القادمة من حزبه “تحيا تونس” خير الزبيدي بين البقاء على رأس وزارة الدفاع الوطني أو الاستقالة في صورة ترشحه للرئاسيات
وأوضح نيكولا بو أن الزبيدي يتمتع أيضًا بدعم سري من واشنطن التي عززت وجودها العسكري في تونس، شريطة أن لا يخرج إلى الضوء نظرًا لحساسية هذا الموضوع لدى الشارع التونسي.
ويبدو أن صراع الوصول إلى قصر قرطاج وخلافة الباجي قائد السبسي، سيكون محمومًا، وستشهد الانتخابات الرئاسية تنافسًا بين شخصيات ستعمل على الاستئثار بإرث الرئيس الراحل في الحملات الانتخابية، لا سيما أن أغلب المترشحين كانوا ينتسبون إلى حزب نداء تونس أو لديهم علاقة وطيدة بالباجي قائد السبسي، بدءًا بيوسف الشاهد، إلى نبيل القروي أحد المشمولين بمشروع قانون العزل السياسي الذي رفض الرئيس توقيعه قبل رحيله، إضافة إلى عبد الكريم الزبيدي الذي طُرح اسمه في 2018 بديلًا ليوسف الشاهد في رئاسة الحكومة خلال ما يُعرف بمشاورات مسار قرطاج 2.
وفي مؤشر على تصاعد التنافس بين المرشحين، كشف الصحافي التونسي محمد اليوسفي أن الرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تم ترشيحه للانتخابات الرئاسية القادمة من حزبه “تحيا تونس” خير الزبيدي بين البقاء على رأس وزارة الدفاع الوطني أو الاستقالة في صورة ترشحه للرئاسيات.