مستقبل المصالحة الفلسطينية والتحديات الراهنة

دوافع المصالحة
حماس وجدت نفسها بعد الانقلاب في مصر وتدمير الجيش المصري للأنفاق التي كانت تعتبر “شريان الحياة الوحيد باتجاه القطاع والمورد الأهم للحكومة” أمام أزمة مالية خانقة جعلتها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها وخاصة أن الحركة في الخارج تتعرض لكثير من الملاحقة والتضييق وخاصة بعد خروجها من سوريا وتوتر علاقاتها مع إيران، مما جعل الحركة ومعها الحكومة في غزة تعيش في أزمة حقيقية لعبت دوراً مهماً في دفع الحركة باتجاه إنهاء الانقسام على عجل.
كما أن الرئيس أبو مازن ومعه حركة فتح وجد أن الرد الأمثل على تعثر المفاوضات والتعنت الإسرائيلي يكون بالذهاب إلي المصالحة التي ترفضها إسرائيل أصلاً، فسارع لإرسال وفد المنظمة للقاء قيادات حماس في غزة.
المتابع للمشهد منذ 22 إبريل 2014م وحتى 2يونيو 2014م يدرك أن حركتي فتح وحماس ذهبتا للمصالحة إنطلاقاً من واقع متأزم وليس برغبة حقيقية وخاصة لدى حركة فتح التي ظلت تراوغ حتى الدقائق الأخيرة لإعلان حكومة التوافق الوطني، كما أن الملاحظ أن حماس تنازلت عن كل الحكومة بما فيها من وزراء ورموز سياسية وكتفت بالاحتفاظ بالملف الأمني في قطاع غزة كواحد من أهم منجزات الحركة خلال السنوات الماضية.
حكومة الوفاق تباشر عملها
طريق حكومة الوفاق الوطني ليست مفروشة بالورود حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لديها رغبة بالعمل معها، إلا أن “إسرائيل” تبقى اللاعب الأهم في تعطيل الحكومة أو إنجاحها فثلثي الرواتب التي تدفع للموظفين تحصل عليها السلطة من أموال الضرائب التي جمدتها إسرائيل اليوم ورفضت تحويلها للسلطة، كما أن حركة التنقل لوزراء الحكومة والقيادة الفلسطينية ما بين الضفة وغزة تتم عبر معبر “بيت حانون” الذي تسيطر عليه “اسرائيل” والتي رفضت السماح لوزراء حكومة التوافق الموجودين في غزة من التوجه للضفة لأداء اليمين الدستوري وأجبرتهم على المشاركة في الاجتماع الأول عبر “الفيديو كونفرس” من غزة.
هذا الصلف الاسرائيلي هو التحدي الأهم والأخطر بالنسبة للحكومة الفلسطينية الجديدة والتي تتلخص مهامها حسب الاتفاق بين فتح وحماس على:
إعادة الوحدة بين مؤسسات السلطة الفلسطينية في غزة والضفة.
رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وفتح معبر رفح، والتخفيف عن المواطنين.
التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني القادمة.
تلك مهمات صعبة ستسعى الحكومة لتنفيذها، والعراقيل الاسرائيلية تعني أن هذه المهمات سيكتب لها الفشل في حال لم ترضخ “اسرائيل” لإرادة الشعب الفلسطيني.
تحديات الداخلية
ليست “اسرائيل” وحدها هي التحدي الذي يواجه حكومة الوفاق فعديد التحديات الداخلية والملفات الشائكة التي ورثتها الحكومة من سنوات الانقسام السبع، حيث تجذرت حالة الانقسام بين مؤسسات السلطة في الضفة وغزة وأصبحت كل منطقة منفصلة تماماً عن الأخرى، كما أن مشكلة المستنكفين عن العمل منذ الانقسام تعتبر واحدة من التحديات التي ستعمل الحكومة على معالجتها خاصة وأن حكومة حماس عملت على إحلال موظفين جدد بدل المستنكفين.
في غزة نحو 38 ألف موظف كانوا يتقاضون رواتبهم من حكومة غزة، هؤلاء وفق الاتفاق سيتقاضون رواتبهم من حكومة الوفاق الوطني التي تعاني خزينتها ليس من العجز فقط بل ومن الديون أيضاً ما يجعل المهمة صعبة، وتكمن صعوبتها في أن هؤلاء الموظفين على رأس عملهم وليسوا مستنكفين!!!
الملف الأمني هو أيضاً من التحديات التي تنتظر حكومة الوفاق، صحيح أن حماس وفتح اتفقتا على تأجيل النظر في هذا الملف إلي ما بعد الانتخابات القادمة، لكن الواقع يقول أن هناك أجهزة أمنية في الضفة تختلف تماماً في عقيدتها الأمنية عن تلك الموجودة في غزة، ففي حين تعتبر الأولى أن التنسيق الأمني مع الاحتلال “مقدس”، تعتبر أجهزة أمن غزة أن هذا الأمر “خيانة” وهذا يجعل المهمة أمام رئيس الحكومة ووزير الداخلية د. رامي الحمد الله أمام اختبار صعب في إدارة المنظومة الأمنية مع المحافظة على استقرار الجبهة الداخلية.
ومن التحديات التي تنتظر الحكومة أيضاً شبح البطالة والفقر والخريجين من الشباب في الضفة وغزة، وهذا من التحديات الاستراتيجية التي ينتظر الشباب أن يسمعوا لها إجابات شافية في المرحلة المقبلة فتعداد الشباب في الضفة وغزة يتجاوز المليون ونصف تقريباً.
الأمل موجود
لكن وأمام هذه التحديات الكبيرة التي تواجه حكومة التوافق الوطني إلا أن الأمل موجود لدى شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، فإنهاء حالة الانقسام والتحرك بقطار المصالحة إلي الأمام يعطي ملامح إيجابية أن هناك رغبة لدى الأطراف بالتقدم نحو الأمام مما يجعل هذه التحديات مسألة وقت يمكن معالجتها إذا ما توفرت الإرادة لدى كل الأطراف الفلسطينية.