ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ سنة 2011، استقبل لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري. ومن الناحية الرسمية، تنصّ سياسة البلد على استضافة هؤلاء اللاجئين حتى انتهاء الحرب في البلد المجاور إلا أن حكومة البلاد عملت مؤخرا على إرغامهم على المغادرة.
في الواقع، تتعمّد الحكومة اللبنانية جعل حياة اللاجئين السوريين أكثر صعوبة من خلال بث الخوف من الاحتجاز والترحيل إلى جانب التعرض للحرمان بشكل يومي نتيجة غياب أي شبكة أمان. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أمرت السلطات اللبنانية السوريين بهدم منازلهم في بلدة عرسال الحدودية حيث قامت القوات التابعة لها باقتحام مخيمات اللاجئين واحتجاز السوريين بتهمة الدخول إلى البلاد بشكل غير رسمي، كما فرضت مؤخرا إجراءات صارمة على بعض المقاهي والحانات والمطاعم الأكثر شعبية في بيروت، مهددة أصحاب العمل بفرض غرامات باهظة ما لم يفصلوا موظفيهم السوريين أو يضمنوا حصولهم على تصاريح إقامة وعمل طويلة الأجل.
خلال شهر واحد فقط، تعرّض 301 سوريًا إلى الترحيل دون سابق إنذار على خلفية تنفيذ الأجهزة الأمنية اللبنانية لقرار رسمي بترحيل أي شخص دخل البلاد بشكل غير قانوني بعد تاريخ 24 نيسان/ أبريل
ظاهريا، يعود التحوّل في سياسة اللاجئين اللبنانيين إلى الاقتصاد المتدهور في البلاد وارتفاع معدل البطالة، لكنه ينبع أيضا من ثقافة متجذّرة تقوم على نبذ الأجانب والقومية الطائفية. لقد تحولت تحذيرات الحكومة اللبنانية العرضية من الترحيل الوشيك والتي طُرحت على مدى سنوات، إلى حقيقة في شهر أيار/ مايو الماضي.
خلال شهر واحد فقط، تعرّض 301 سوريًا إلى الترحيل دون سابق إنذار على خلفية تنفيذ الأجهزة الأمنية اللبنانية لقرار رسمي بترحيل أي شخص دخل البلاد بشكل غير قانوني بعد تاريخ 24 نيسان/ أبريل. وحتى قبل عمليات الترحيل هذه، أكدت الحكومة اللبنانية رسميا أن الوضع في سوريا أصبح آمنا وملائما لعودة اللاجئين، متجاهلة الأنباء عن الاعتقالات المستمرّة وعمليات التعذيب والتجنيد في ظل نظام بشار الأسد.
في شأن ذي صلة، قال محمد القاطن بمدينة صيدا الواقعة جنوبيّ لبنان، إنه وقع تسليم شقيقه رائد إلى السلطات السورية بعد صدور القرار. (لم يشارك محمد اسم عائلته بهدف حمايتهم). وأضاف محمد قائلا: “لقد كان هنا منذ سنة 2014 لكنه عاد لفترة وجيزة إلى سوريا من أجل تلقي العلاج نظرا لأنه غير قادر على تحمل تكاليفه في لبنان”.
واصل محمد حديثه قائلا: “لكن فور عودته، وقع استجوابه وترحيله. لقد شعر بالخوف من احتمال إرساله إلى إدلب للقتال في صفوف القوات المسلحة والتعرض للقتل أو للمعاملة كخائن لينتهي به المطاف في السجن”. وقد حلّ رائد بلبنان بعد شهر نيسان/ أبريل، ولم تحدث حقيقة عيشه كلاجئ في لبنان منذ حوالي خمس سنوات، أي فرق.
اتُهمت السلطات اللبنانية بخداع اللاجئين من خلال دفعهم إلى التوقيع على وثائق تتضمن سؤالا حول ما إذا كانوا “يرغبون” في العودة إلى سوريا وعرض خيار الإجابة باستخدام “نعم” أو “لا”
يفيد العديد من النشطاء والجماعات التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان بأنه بموجب القواعد الجديدة، يعد معظم السوريين القاطنين بلبنان عرضة لخطر الترحيل باعتبار أنهم يفتقرون إلى الوثائق اللازمة لإثبات تاريخ دخولهم. وفي سنة 2015، منع لبنان المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تسجيل السوريين، بغض النظر عن أن هذا الإجراء لم يضع حدا لهجرة الرجال والنساء والأطفال الفارين من الحرب والاضطهاد.
في الحقيقة، تسلق هؤلاء الأشخاص الجبال التي يسهل اختراقها على الحدود السورية، وغالبًا ما يتحملون الظروف المناخية القاسية ودرجات الحرارة شديدة الانخفاض من أجل الحلول بلبنان. وحال وصولهم، وقع تصنيفهم ضمن السوريين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية.
في الواقع، سبق أن قطعت السلطات اللبنانية وعودا تقضي بعدم ترحيل السوريين قسرا. ومع ذلك، اتُهمت هذه السلطات بخداع اللاجئين من خلال دفعهم إلى التوقيع على وثائق تتضمن سؤالا حول ما إذا كانوا “يرغبون” في العودة إلى سوريا وعرض خيار الإجابة باستخدام “نعم” أو “لا”. وفي هذا الصدد، أراني عباس حبروش، وهو سوري أصيل مدينة حماة ويعيش في الوقت الراهن في زحلة عند سفح سهل البقاع اللبناني، إحدى هذه الوثائق، قائلا إنه تعرّض للخداع ليجيب بنعم.
لم يصادق لبنان على اتفاقية سنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والتي تمثل الإطار الرسمي المعترف به دوليا لسياسة اللاجئين كما أنه لم يقم بوضع سياسة داخلية متماسكة خاصة به
ظاهريا، تكتسي العديد من الإجراءات التي يقع اتخاذها لإثناء السوريين عن الاستمرار في الإقامة في لبنان صبغة شرعية. ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء لا ينطبق على اللاجئين السوريين فقط، وإنما يحتاج جميع الأجانب إلى الاستظهار بمجموعة من الوثائق للعمل في البلد والعيش بها. في المقابل، يفيد النشطاء بأنه بالنسبة لحالة السوريين الفارين من الحرب والاضطهاد، تعتبر عمليات الترحيل انتهاكا للالتزامات الدولية للبلاد.
من جانبه، لم يصادق لبنان على اتفاقية سنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والتي تمثل الإطار الرسمي المعترف به دوليا لسياسة اللاجئين كما أنه لم يقم بوضع سياسة داخلية متماسكة خاصة به. ومع ذلك، يقول الناشطون إن البلد ملزم بالقوانين الدولية التي تمنع الإعادة القسرية والتي تنص على ضرورة الالتزام بعدم ترحيل أي شخص تعرضت كل من حياته وحريته للخطر في وطنه الأم، قسرا.
في سياق متصل، طالبت ثماني منظمات غير حكومية لبنانية بضرورة إلغاء قرار لبنان بترحيل السوريين، حتى أولئك الذين وصلوا إلى البلاد بعد شهر أبريل / نيسان، فضلا عن ضرورة خضوع عمليات الترحيل المستقبلية إلى عملية قانونية يتمتع فيها الأشخاص المهددين بالترحيل بالحق في رفع قضاياهم أمام المحكمة.
من جهتها، قالت المحامية في منظمة “الأجندة القانونية” غير الربحية، غيدة فرنجية، إن الحق في طلب اللجوء في لبنان مكفول بموجب الدستور اللبناني وأن أي أمر بالترحيل يجب أن “يمنح المواطن الأجنبي الفرصة للطعن فيه قبل تنفيذه”. مع ذلك، وعلى الرغم من مخاوف الناشطين، المحليين والأجانب على حد سواء، إزاء إجبار اللاجئين على مواجهة المخاطر ذاتها التي فروا منها في المقام الأول، إلا أنه ما زال هناك دعم شعبي على نطاق واسع في لبنان لهذه السياسة، ذلك أن الكثيرين يريدون ببساطة رحيل السوريين.
ازدادت حدة العداء بين المضيفين واللاجئين في الوقت الذي ادّعى فيه الساسة، على عكس ما يظهره تحليل العديد من الاقتصاديين، أن السوريين كانوا يشغلون وظائف مخصصة للبنانيين
والجدير بالذكر أن الحرب السورية، التي دخلت الآن سنتها التاسعة، أدت إلى نزوح ستة ملايين شخصا داخليا وحوّلت العدد ذاته تقريبا إلى لاجئين. كما انتهى المطاف بمليون ونصف سوري في لبنان الذي يضم أربعة ملايين نسمة، وهو ما يمنحه أعلى نسبة من اللاجئين مقابل السكان الأصليين في العالم. في الواقع، حتى الأكاديميون المتعاطفون مع محنة السوريين يعترفون بأن تدفق اللاجئين زاد من سوء البنية التحتية المدنية المتداعية بالفعل وزاد العبء على المالية العامة للبنان.
في هذا السياق، ازدادت حدة العداء بين المضيفين واللاجئين في الوقت الذي ادّعى فيه الساسة، على عكس ما يظهره تحليل العديد من الاقتصاديين، أن السوريين كانوا يشغلون وظائف مخصصة للبنانيين. ووفقا للبنك الدولي، دُفع بحوالي 200 ألف لبناني إلى الفقر، كما أصبح ما يقدر بحوالي 250 ألف شخص عاطلين عن العمل بسبب الأزمة السورية. مع ذلك، يبدو من غير الواضح ما إذا كان كل ذلك ناتجا عن انخفاض الصادرات إلى سوريا وتراجع السياحة أم أنه نتيجة مباشرة لوجود اللاجئين السوريين في لبنان.
في المقابل، من الجلي أن إلقاء اللوم على السوريين أمر بعيد المنال في الأزمة الاقتصادية الأوسع في لبنان. وعموما، تعتبر الحكومة اللبنانية ثالث أكبر المقترضين في العالم، لكن أوجه القصور الهيكلية، على غرار الفساد المتفشي، والافتقار إلى الصناعات التي توفر فرص العمل، والسياسات المالية قصيرة النظر، كانت موجودة حتى قبل وصول اللاجئين السوريين. مع ذلك، غالبا ما يُصوّر السوريون في لبنان على أنهم طفيليات ويثقلون كاهل الرعاية الصحية والتعليمية وغيرها من المرافق ويضرون بالبيئة من خلال المساهمة في البنية التحتية المختلّة للصرف الصحي في لبنان.
يزيد السياسيون من حدة هذه الخصومة، حيث يروجون لفكرة مفادها أن السوريين، شأنهم شأن الفلسطينيين من قبلهم، ومعظمهم من المسلمين السنة، لن يغادروا لبنان وسينتهي بهم المطاف إلى تغيير عميق في التوازن الديمغرافي والثقافي الحساس للبلاد
أما السبب الثاني، وربما الأساسي، للدعم الشعبي لهذه السياسة فيتمثل في الاعتقاد بأن معظم اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنة المحافظين، مقارنة بما يُدعون باللبنانيين المنفتحين. وفيما يتعلق بالطائفة، فإن معظم اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنة، ويُنظر إلى طابعهم المحافظ على أنه انعزال ثقافي وتخلف ديني من قبل العديد من اللبنانيين، لا سيما المسيحيين منهم.
فضلا عن ذلك، يزيد السياسيون من حدة هذه الخصومة، حيث يروجون لفكرة مفادها أن السوريين، شأنهم شأن الفلسطينيين من قبلهم، ومعظمهم من المسلمين السنة، لن يغادروا لبنان وسينتهي بهم المطاف إلى تغيير عميق في التوازن الديمغرافي والثقافي الحساس للبلاد. وبموجب اتفاق الطائف لسنة 1989، الذي مثّل نهاية الحرب الأهلية الدموية التي دامت 15 سنة في لبنان، يتم تقاسم السلطة في لبنان على أساس طائفي بين رئيس مسيحي ورئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي. ويعكس ذلك تقسيما سكانيا بالتساوي تقريبا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة والمسيحيين.
من جهته، انتقد المحلل اللبناني الشهير، سامي نادر، هذا الترهيب، لكنه قال إن الأرقام تظل مهمة في دولة صغيرة مثل لبنان، مضيفا أنه “لا يمكن للبنان استيعاب سني واحد إضافي إذا استطعتُ وضعه بطريقة غير مدروسة. نحن نستضيف بالفعل 300 ألف لاجئ فلسطيني سني، وعلينا الحفاظ على التوازن بين مختلف الجماعات الطائفية، وسيدعو استيعاب السوريين السنة إلى إعادة النظر في الفسيفساء اللبنانية وعلى حساب شكل الدولة كما هي الآن”.
يُعد من المفهوم أن يجد بلد بحجم لبنان، بمشاكله الكثيرة، صعوبة كبيرة في استيعاب الكثير من اللاجئين. لكن، لا توجد حلول سريعة للمعضلة اللبنانية. في هذا الصدد، يتحدث المجتمع الدولي عن إيجاد حل سياسي للأزمة السورية سيُمكّن اللاجئين من العودة دون الخوف من أعمال الانتقام. مع ذلك، لا يرتسم مثل هذا الحل في الأفق، حيث أن الحرب مستمرة في إدلب، مع احتمال نشوب صراعات جديدة في شمال وشرق البلاد، كما أن قمع النظام مستمر بلا هوادة. وفي الوقت ذاته، يبدو الأساس الطائفي المرتبط بسياسة لبنان متجذّرًا بقوة.
في غضون ذلك، قد يكون الطريق الواعد للمضي قدما متجسدًا في ربط التمويل الطارئ الذي وعد به المجتمع الدولي للبنان بخطط محددة لتطوير البنية التحتية التي يمكن أن توظف السوريين وتوفر الفرص للبنانيين العاطلين عن العمل على حد سواء. وعلى أية حال، يعتبر السوريون مجموعة من العمالة وقاعدة من المستهلكين المهمة لاقتصاد لبنان. وبالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن اللاجئين السوريين عبء، فقد يكتشفون أن ترحيلهم الجماعي قد تنتج عنه صدمة اقتصادية بسبب فقدان مساهماتهم وإنفاقهم الاقتصادي.
المصدر: فورين بوليسي