الثورة الصناعية الرابعة: مساهمة التكنولوجيا في تحوّل الصناعة

66342109_425360538072050_7751091531092217138_n

ترجمة وتحرير: نون بوست

بينما يدرك المستهلكون كيف تقوم التكنولوجيا بربط العالم ببعضه بطريقة حرفية للغاية من خلال نقل الأخبار وخلق سبل للتواصل وتقديم خيارات التسوق بصفة مباشرة إلى هواتفهم، فإنهم لا يدركون دائمًا الطرق التي تعمل بها التكنولوجيا على تغيير الطريقة التي تُصنع بها المنتجات التي يستخدمونها.

في الواقع، اكتسبت الإمكانيات الكامنة في ربط قدرات الرقمنة بالجوانب المادية للصناعة من خلال الاستفادة من القدرات المتنامية لإنترنت الأشياء وغيرها من التقنيات، اسمًا خاصًا بها، يُعرف بالصناعة 4.0، مع العلم أن هذا الاسم اشتُق من حقيقة حدوث ثلاث ثورات صناعية أخرى على مرّ التاريخ.

من الطاقة البخارية إلى طاقة البيانات المتكاملة

يعود تاريخ الثورة الصناعية الأولى إلى نهاية القرن الثامن عشر عندما تحول الناس من استخدام أدوات بسيطة كانت تعمل بالطاقة البشرية أو الحيوانية فقط إلى آلات أكثر تطورا يمكن تشغيلها من خلال وسائل أخرى. وقد كانت هذه الثورة بمثابة فجر للمكننة وبداية استخدام المحروقات مثل الفحم لتشغيلها.

بحسب المؤرخين، تفجرت الثورة الصناعية الثانية بين سنة 1870 و1914، وذلك عندما تحوّلت المصانع من الطاقة البخارية إلى الطاقة الكهربائية وأدخلت الكفاءة في الإنتاج في خطوط التجميع

في الحقيقة، مثّل محرك البخار نقطة تحول رئيسية في المجال التكنولوجي الذي مهّد الطريق للقيام بعديد من الابتكارات في مجال التصنيع، الذي عزز بدوره إنتاج المنسوجات والفحم والحديد.  وتجدر الإشارة إلى أن كلا من الفحم والحديد كان ضروريان لتطوير قطاع النقل والانتقال عبر المسافات، حيث شكلا الركائز الأساسية لإرساء نظام السكك الحديدية.

بحسب المؤرخين، تفجرت الثورة الصناعية الثانية بين سنة 1870 و1914، وذلك عندما تحوّلت المصانع من الطاقة البخارية إلى الطاقة الكهربائية وأدخلت الكفاءة في الإنتاج في خطوط التجميع، وهو الأمر الذي استفاد منه هنري فورد في إنتاج سياراته بكميات كبيرة لجعلها في متناول المستهلكين.

بيد أنه لم تكن السيارات الشكل الوحيد للنقل الذي استفاد من التكنولوجيا الجديدة. ونظرًا لأن الفولاذ قد حل محل الحديد، فقد استُخدم في صناعة السفن والسكك الحديدية، مما أدى إلى تحسين صناعة الشحن البحري. وبعد ذلك، استخدم الفولاذ لصنع الآلات الصناعية وتشييد مشاريع البناء. وهذا ما مكّن المهندسين المعماريين من تصميم أنواع جديدة من المباني التي بلغت ارتفاعات لم يسبق لها مثيل.

من جانب آخر، تعود الثورة الصناعية الثالثة إلى منتصف القرن الماضي عندما بدأت الشركات التصنيع في دمج المكونات الإلكترونية في عملياتها. بعد ذلك، بدأ استخدام أجهزة الكمبيوتر، وحلّت التكنولوجيا الرقمية محل التكنولوجيا التناظرية والميكانيكية بهدف جعل عمليات التحكم أكثر دقة وتحسين الأتمتة.

تشمل الابتكارات التكنولوجية الإضافية التي تسهم في تركيز بيئة جديدة تعتمد على البيانات والمرونة والأتمتة في عمليات التصنيع، الروبوتات المتقدمة والتوأمة الرقمية والمحاكاة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبلوكتشين

بالإضافة إلى ذلك، تعرف الثورة الصناعية الرابعة، أو كما يطلق عليها أيضا الصناعة 4.0 أنها بمثابة نقلة نوعية. وتتمحور الصناعة 4.0 حول أن المجال الرقمي يصبح أكثر اندماجا في النهاية المادية في التصنيع، مما يسمح بحدوث ترابط أكثر سلاسة بين الإدارات والمنتجات والأفراد.

البشر والآلات أضحوا أفضل معا

في هذا السياق، تصف شركة غلوبال داتا الثورة الصناعية الرابعة أنها تهدف إلى تعزيز التفاعل بين الإنسان والآلة بهدف زيادة الترابط وشفافية المعلومات واتخاذ القرارات اللامركزية”.  كما يحدد قسم “ديسروبتور تاك داتا بيز” الخاصة بشركة غلوبال داتا خمس تكنولوجيات رئيسية تتسم بها النقلة النوعية التي قامت بها الثورة الصناعية الرابعة، وهم:

– البيانات الضخمة والتحليلات

 – إنترنت الأشياء الصناعي

–  الحوسبة السحابية

– التصنيع بالإضافة (الطباعة ثلاثية الأبعاد)

– الواقع المعزز

وفرت الصناعة 4.0 فرصًا جديدة وبيئات جديدة تساعد على تعزيز الكفاءة أكثر

علاوة على ذلك، تشمل الابتكارات التكنولوجية الإضافية التي تسهم في تركيز بيئة جديدة تعتمد على البيانات والمرونة والأتمتة في عمليات التصنيع، الروبوتات المتقدمة والتوأمة الرقمية والمحاكاة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبلوكتشين. وطُبقت كل هذه التطورات التكنولوجية لتحسين النتائج المتعلقة بالصيانة التنبؤية، وتخطيط قوائم الجرد، وزيادة الكفاءة اللوجستية، وتحسين أوقات التسليم المقدرة، والسلامة.

مصطلحات جديدة للتكنولوجيا الجديدة

من جانب آخر، وفرت الصناعة 4.0 فرصًا جديدة وبيئات جديدة تساعد على تعزيز الكفاءة أكثر. كما جلبت معها مصطلحات جديدة للإشارة إلى المصطلحات الفرعية التي تقف وراء المفاهيم العامة مثل الذكاء الاصطناعي، التي تشمل ما يلي:

– النظام الإلكتروني الفيزيائي: الذي يُعرف أيضا باسم التصنيع الإلكتروني. ويمثل هذا النظام بيئة صناعية مدعومة بالصناعة 4.0 والتي يقع فيها جمع البيانات في الوقت الحقيقي وتحليلها بصورة شفافة في كل مرحلة من مراحل التصنيع، ما يتيح تكوين رؤية متعمقة لم يسبق لها مثيل للعمليات الجارية.

– النظام البيئي: يشير هذا المصطلح إلى الترابط المحتمل بين كل مراحل العملية الصناعية، والذي يشمل الجرد المادي وتنفيذ التصنيع وإدارة سلسلة الإمداد والخدمات اللوجستية وعلاقات العملاء والإيرادات والميزانيات والتخطيط.

أفادت شركة “غلوبال داتا” بأنه” من الناحية المثالية، يكون المصنع الذكي آليا بنحو يتسم بالمرونة، فضلا عن أنه يقوم بعملية الرصد بصورة ذاتية، حيث تتواصل الآلات والمواد والبشر مع بعضهم البعض

– إنترنت الأشياء الصناعي: يشمل هذا المصطلح استخدام إنترنت الأشياء داخل الإطار الصناعي.

– آلة إلى آلة: ويتمحور هذا المصطلح حول عملية الاتصال التي تُجرى بين جهازين منفصلين عبر الشبكات اللاسلكية أو السلكية.

–  المصنع الذكي: على عكس المصنع التقليدي الذي يدور حول التصنيع فحسب فإن المصنع الذكي مجهز ومصمم للاستفادة من تقنية الصناعة 4.0 لتنفيذ العمليات التي تستند عليها والمساهمة في تدفق البيانات المستخدمة في اتخاذ القرارات التجارية في الوقت الحقيقي.

جعل المصانع ذكية

في هذا الصدد، أفادت شركة “غلوبال داتا” بأنه” من الناحية المثالية، يكون المصنع الذكي آليا بنحو يتسم بالمرونة، فضلا عن أنه يقوم بعملية الرصد بصورة ذاتية، حيث تتواصل الآلات والمواد والبشر مع بعضهم البعض، مما يجنب العمال القيام بالمهام الأخرى المتعلقة بالإنتاج ويحسن في نهاية المطاف عمليات التصميم والإنتاج بغية رفع مستوى الكفاءة التشغيلية”.

خلال رسالة إلكترونية، قدم المدير التنفيذي لشركة “سوسا”، أوزي شيفر نظرة عميقة حول كيفية تطبيق إنترنت الأشياء الصناعي في الوقت الراهن

من جهته، أشار المحلل التقني في شركة غلوبال داتا، كيران راج إلى أنه “يمكن للصناعة 4.0 تعزيز عمليات بناء “المصنع الذكي” من أجل إرساء بيئة منتجة حقًا تعود بالنفع على كل من شركات التصنيع والمستهلكين فيما يتعلق بالاتصالات المعززة والرصد في الوقت الحقيقي وتحليل البيانات المتقدم والتشخيص الذاتي “.

أدناه، يوجد فيديو لمصنع ذكي وهو يعمل. وفي هذا السياق، أوردت شركة أودي” لتصنيع السيارات قائلة: “هذا مصنع المستقبل، حيث ستسهّل عملية نقل البيانات الضخمة، التي تتركز على إنشاء اتصال ذكي لكميات ضخمة من البيانات، ما يجعل عملية التصنيع تتسم بمرونة وكفاءة عالية”.

على عكس نهج الثورة الصناعية الثانية التي صُنعت خلاله السيارات في خطوط التجميع سعيا وراء تحقيق الكفاءة، اكتشفت شركة أودي طريقة أفضل، “وهي التجميع المعياري الذي يعد بمثابة مفهوم جديد”.

نظرة على التكامل داخل إنترنت الأشياء الصناعي

خلال رسالة إلكترونية، قدم المدير التنفيذي لشركة “سوسا”، أوزي شيفر نظرة عميقة حول كيفية تطبيق إنترنت الأشياء الصناعي في الوقت الراهن. وفي هذا الصدد، صرح شيفر قائلا: “يتمحور تكامل الإنترنت الصناعي للأشياء في منشآت الصناعة التقليدية حول الجمع بين الشركات ذات الأحجام والخلفيات والأنشطة المختلفة تمامًا بهدف الانخراط في ابتكار مشترك وتحقيق هدف مشترك. وعلى الرغم من أنه من الصعب الحصول على أمثلة حول الابتكار المفتوح، إلا أنه يوجد في شركة “سوسا” عدد من قصص النجاح الحديثة”.

وأضاف المصدر ذاته قائلا: “نحن نعمل مع شركة كورلور داتا ساينس أنتليجنس التي تتخذ من القدس مقرًا لها، والتي تختص في توقع التحليلات بالنسبة للشركات الصناعية التي تستخدم التعلم الآلي. وبعد تلقي منحة من مؤسسة بيرد فوندايشين، وهي منظمة تعمل على تعزيز التعاون بين الشركات الأمريكية والإسرائيلية، قمنا بالتعريف بشركة ​​كورلور إلى الشركة المطورة لتقنيات الطاقة والتحكم، “إيدفنسيد إينرجي” والتي تتخذ من كولورادو مقرًا لها.

واصل أوزي حديثه قائلا: “تُعتبر هذه الشراكة ذات المنفعة المتبادلة بين الشركات الناشئة المتخصصة في مجال التكنولوجيا ورواد هذه الصناعة  نموذجا يجب أن يحتذى به”

في الواقع، كانت شركة “إيدفنسيد إينرجي” تبحث عن هذا الحل الدقيق من أجل تعزيز تفوّقها التشغيلي. وتبعا لذلك، أدى تعاونهما إلى التطوير المشترك الناجح لنظام بيانات الطاقة المتصلة (إنترنت الأشياء الصناعي) مع تطبيقات التحليل والتعلم الآلي، المختصة في أسواق أشباه الموصلات وتصنيع الأغشية الرقيقة.

وواصل أوزي حديثه قائلا: “تُعتبر هذه الشراكة ذات المنفعة المتبادلة بين الشركات الناشئة المتخصصة في مجال التكنولوجيا ورواد هذه الصناعة  نموذجا يجب أن يحتذى به. وتتمثل مهمتنا في تمكين المنظمات من الوصول إلى هذا الإدراك ودعمها في الوصول إلى ابتكار التكنولوجيا المناسبة، باستخدام الطرق الأكثر فعالية”.

وقد واختتم أوزي حديثه بهذه النظرة المتفائلة قائلا: “ترى الشركات المُنشأة في الوقت الراهن أن التغيير يقدم فرصا كثيرة وتهديدات أقل”.

المصدر: إنترستينغ إنجنيرينغ