قبل يومين، تداولت وسائل الإعلام أخبارًا عن تقديم البنك المركزي الإيراني مقترحًا لتعديل النظام النقدي للبلاد، ويشمل حذف 4 أصفار من العملة الوطنية وطرح عملة نقدية جديدة وذلك بعد انهيار قيمتها إلى مستويات قياسية أمام الدولار، إذ يبلغ سعر الدولار الأمريكي الواحد نحو 42.9 ألف ريال. وبالفعل، صادقت الحكومة الإيرانية على هذا القرار، وغيرت عملتها من الريال إلى التومان وحذفت 4 أصفار من عملتها المحلية التي تراجعت بنحو 200% منذ بداية 2018.
جدير بالذكر أن هذا المقترح ليس جديدًا، ففكرته مطروحة منذ عام 2008، لكن الهبوط الحاد للعملة شجع السلطات الإيرانية على النظر مجددًا إلى هذا الخيار، فماذا يعني حذف الأصفار؟ وكيف تستفيد اقتصادات الدول منه؟ ومن هي الدول الأخرى التي لجأت إلى هذه الحيلة الاقتصادية؟
إيران ليست الأولى وحذف الأصفار ليس حلًا
لقد سبقت العديد من الدول إيران في موضوع إلغاء الأصفار، ومنها فنزويلا التي حذفت 5 أصفار والعراق وتركيا اللواتي حذفن 6 أصفار، وهناك أيضًا هنغاريا التي حذفت 29 صفرًا عام 1946، والصين التي شطبت 8 أصفار في نفس العام، وألمانيا عندما ألغت 12 صفرًا عام 1923، وزيمبابوي التي طبقت هذه الفكرة مرتين متتاليتين في عامي 2008 و2009، في المرة الأولى اكتفت بحذف 10 أصفار ولكنها عادت وحذفت 12 صفر في العام الذي يليه، يضاف إليها دول أخرى مثل السودان ورومانيا وبوليفيا.
عادةً ما تلجأ الدول إلى هذه الحيلة للسيطرة على التضخم وارتفاع الأسعار، مثلما يحدث حاليًا في إيران التي ارتفعت نسبة التضخم لديها إلى أكثر من 30% بسبب العقوبات الأمريكية التي شددت الحظر على نظامها الاقتصادي والمالي في أعوام سابقة نتيجة لخرق طهران شروط الاتفاق النووي وانسحاب إدارة البيت الأبيض من البرنامج.
تيسر الحكومة عملية الشراء والبيع وتوفر تكاليف طباعة وصك العملات من جهة أخرى. وذلك عدا عن حرصها في السيطرة على الأخطاء الحسابية الخطيرة، خاصة في الصفقات المالية الكبيرة
وكما حدث سابقًا مع تركيا التي أعلنت عام 2003 عن عزمها حذف 6 أصفار من عملتها، إذ كانت عملتها الورقية تساوي 20.000.000 وكانت تعتبر أكبر عملة ورقية في العالم، وكان المواطن التركي يحتاج لدفع نحو مليون ليرة لكي يستخدم المرحاض العمومي. ومن أجل التخفيف عن المواطنين من حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية، تخلت الحكومة عن الأصفار.
ولا سيما أنه في بعض الحالات يصل سعر بعض السلع البسيطة إلى ملايين وحتى تريليونات من العملة التي هبطت قيمتها بشكل حاد. فمن جهة تيسر الحكومة عملية الشراء والبيع وتوفر تكاليف طباعة وصك العملات من جهة أخرى. وذلك عدا عن حرصها في السيطرة على الأخطاء الحسابية الخطيرة، خاصة في الصفقات المالية الكبيرة، إذ تخلق الأصفار الكثيرة عدة مشاكل في التعاملات من حيث الصعوبة في القراءة والمتابعة، وحذفها يسهل من العمليات الحسابية.
في هذا الجانب، يقول رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب)، محمد محسن أبو النور، إن: “إيران أقرت حذف 4 أصفار لأنها تريد أن تحد من الإنفاق على طبع الأوراق المالية، فالعملة الجديدة ستوفر كثيرًا في عمليات الطبع”. مشيرًا إلى تأثرها بالتجربة التركية التي لاقت نجاحًا وتحسنًا كبيرًا في الاقتصاد المحلي، ولكنه أضاف متشائمًا: “فيما يتعلق بإيران، لن تؤت هذه الإجراءات ثمارها الاقتصادية، بسبب العقوبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة”. على اعتبار أن هذه العقوبات تقوض الحركة الشرائية والمالية في البلاد وتعيق الصادرات والواردات.
هل تنقذ هذه الخطوة اقتصادات الدول من التضخم؟
يرى خبراء الاقتصاد أن اعتماد هذه الخطة ليس كافيًَا لانخفاض نسبة التضخم، ولا بد أن يرافق هذه الخطوة خطة إصلاح شاملة في معظم المجالات والصناعات الاقتصادية، وإلا لن تجدي هذه العملية نفعًا لدول التي تبحث عن الاستقرار الاقتصادي. وذلك مثلما فعلت تركيا التي طبقت هذه الحيلة واجتهدت في الوقت نفسه في خلق حلول لرفع اقتصادها من هذه الأزمة.
على العكس تمامًا من زيمبابوي التي استمر معدل التضخم في الارتفاع لعدم تبنيها أي مشاريع أو إصلاحات اقتصادية، بالرغم من حذفها أصفار من عملتها لأكثر من مرة. ما يعني بكلمات أخرى، أن استبدال العملة أو إلغاء الأصفار لا يؤدي في حد ذاته إلى وقف التضخم أو رفع قيمة العملة المحلية، بل حيلة نفسية أكثر من كونها إجراء اقتصادي جاد، تقوم بها الحكومات لتوهيم الشارع بأن الأسعار تراجعت وهو ما ليس أمرًا حقيقيًا، وإنما يعطي شعورًا للشعب بأن الأمور في طريقها للتحسن ليس أكثر.