ترجمة وتحرير: نون بوست
نادرًا ما تفشل الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة في تصدر عناوين الصحف، لكن العنف السياسي الذي كثيرا ما تتمحور مشاكل القطاع حوله يطغى على مشكلة ندرة المياه، التي تمثل قضية بيئية متفاقمة تتسبب في القدر ذاته من العواقب. وفي هذا الإطار، لا يحصل سوى عُشر سكان غزة على مياه صالحة للشراب، حيث لا تقدر نسبة الإمدادات المائية الصالحة للاستهلاك في المنطقة والتي تسجل تراجعا، سوى بثلاثة بالمئة. وفي الوقت نفسه، أعاق تغير المناخ والحصار الإسرائيلي المستمر استجابة المجتمع الدولي للوضع الذي يمكن أن يتحول إلى أزمة بيئية ويزيد من خطر نشوب الصراع مع تفاقم الجفاف في غزة.
في هذا الإطار، أفاد المهندس منذر شبلاق، وهو مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل في قطاع غزة، قائلا: “لقد أثر الحصار الإسرائيلي على كل جوانب الحياة في غزة. في المقابل، تتمثل المشكلة الأكبر في المياه. ويمكن معالجة هذه القضية من خلال تنفيذ العديد من المشاريع بما في ذلك جمع مياه الأمطار وتحلية المياه واستيرادها، ولكن عزلة غزة والحصار الإسرائيلي تسببا في تعطيل هذه المشاريع”.
قال الناشط في غزة، سعيد كمال: “تسيطر إسرائيل على أكبر مصادر المياه من حولنا، مما يؤثر سلبًا على المخزون الذي نمتلكه”
ساهمت النزاعات المتكررة بين حماس و”إسرائيل” في تدمير شبكات إمدادات المياه والصرف الصحي وغيرها من البنى التحتية اللازمة لتلبية حاجة قطاع غزة المتزايدة من المياه. وغالبًا ما يرهق المزارعون الذين يعانون من نقص العمالة في غزة طبقات المياه الجوفية المحدودة في المناطق القاحلة. علاوة على ذلك، تسبب الاحتباس الحراري في ظهور موجات حر أدت إلى تبخر الكثير من مياه الأمطار، التي تتساقط بمعدل ستة إنشات في السنة. وفي الأثناء، تواجه البيئة الطبيعية ضغوطًا مسلطة على عدة جبهات، ويشعر سكان غزة بعدم قدرتهم على مجابهة الجفاف بسبب انعزالهم عن بقية مناطق الشرق الأوسط.
في هذا الصدد، قال الناشط في غزة، سعيد كمال: “تسيطر إسرائيل على أكبر مصادر المياه من حولنا، مما يؤثر سلبًا على المخزون الذي نمتلكه. كما كان للحصار الإسرائيلي تأثير كبير بشكل خاص يحول دون توفر المعدات المستخدمة لاستخراج المياه من الآبار في غزة”.
من جهته، قدّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنه من الممكن أن تجعل ندرة المياه غزة غير صالحة للسكن بحلول سنة 2020، وهو ما يعدّ احتمالا غير متوقع لمنطقة يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة. وعموما، كلما طال أمد الجفاف في المنطقة، كلما زاد احتمال تأثير القضايا البيئية في غزة على إسرائيل وسيناء، التي تعد إحدى المناطق الأقل استقرارًا في مصر. فضلا عن ذلك، استشهدت الأمم المتحدة بدراسة أجرتها مؤسسة راند مفادها أن الأزمة الصحية التي يشهدها القطاع بسبب تلوث المياه والتي تعتبر إحدى الآثار الجانبية لمشكلة الجفاف في المنطقة، يمكن أن تمتد إلى مصر وإسرائيل علما وأن كلا البلدين يكافحان بسبب تغير المناخ.
في شأن ذي صلة، أورد المسؤول في النقابة العمالية التي تضم مهندسين من قطاع غزة، حسن المدهون أن: “أساس المشكلة يتمثل في استهلاك المياه الجوفية بمعدل مرتفع لا يمكن لمياه الأمطار أن تتداركه. كما أدت زيادة درجات الحرارة وتأخر هطول الأمطار بسبب تغير المناخ إلى زيادة الحاجة إلى المزيد من الماء والكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، يحول الحصار الإسرائيلي دون توفيرها ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأثر البيئي”.
هناك عدة عوامل تمنع سكان غزة من تحقيق التنمية المستدامة، حيث يمنع الحصار الإسرائيلي سكان المنطقة من البحث عن بدائل
على الرغم من أن مزارعي قطاع غزة أعربوا عن اهتمامهم بالزراعة المستدامة، إلا أن اعتمادهم المفرط على طبقة المياه الجوفية الساحلية التي تستخدمها كل من مصر و”إسرائيل”، قد استنزف الكثير من المياه الجوفية. ومن جانبه، صرح الموظف السابق في الفرع الفلسطيني التابع لمنظمة الإغاثة الإسلامية، أحمد أبو عبدو قائلًا: “على الرغم من أن الإسرائيليين والفلسطينيين يعيشون في نفس الرقعة الجغرافية، إلا أن الفلسطينيين يعانون أكثر من تغير المناخ بسبب الاحتلال، باعتبار أنه يمنعهم من الوصول إلى الموارد واتخاذ التدابير التي من شأنها أن تدعم تكيف الفلسطينيين مع تغير المناخ”.
في الواقع، هناك عدة عوامل تمنع سكان غزة من تحقيق التنمية المستدامة، حيث يمنع الحصار الإسرائيلي سكان المنطقة من البحث عن بدائل، فضلًا عن أن الاحتباس الحراري يقلل من سرعة تجديد المياه الجوفية في طبقات المياه الجوفية الساحلية. وقد أدى تغير المناخ إلى تفاقم الأضرار التي لحقت بغزة بسبب الحصار الإسرائيلي، فضلًا عن الحرب الباردة الأوسع التي اندلعت بين حماس و”إسرائيل”، ما ترتب عنه انصهار الوضع البيئي المتدهور في الصراع الذي تدور رحاه منذ عقد من الزمن.
في هذا الصدد، أفادت الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة نيو هامبشاير، جيني ساورز بأن “تغير المناخ أدى إلى تضاعف آثار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، حيث أثّر تفاقم الفيضانات وتلوث المياه في غزة، حتى على جودة المياه في إسرائيل”. وأضافت المصدر ذاته أن الحصار الذي تفرضه مصر و”إسرائيل” على غزة يمثل مشكلةً أكبر بكثير. فقد أدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى تدهور البنية التحتية لغزة، وأصبح لا يمكن لغزة أن تستفيد من أي استثمار عادي أو مساعدة مالية أجنبية خاصة وأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يمارسان ضغوطًا على “إسرائيل” فيما يتعلق بهذه المسألة”.
أشار العديد من المحللين إلى أن الاحتباس الحراري يساهم في تنامي مستويات العنف السياسي والإرهاب.
وعلى الرغم من أن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة والحروب المتكررة بين حماس و”إسرائيل” يقيّدان الوسائل التي يمكن للمجتمع الدولي من خلالها إرسال المساعدات الإنسانية لسكان غزة، إلا أن طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لديهما مصلحة مشتركة في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. علاوة على ذلك، تقوض ندرة المياه الاستقرار الاقتصادي والسياسي في غزة، وتشجع حماس على بداية صراع يمكن أن يجعل الإسرائيليين، المنهكين من الحرب، يقدّمون تنازلات. لذلك، يمكن أن يلعب حلّ القضايا البيئية دورًا ضئيلاً في إرساء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي هذا الإطار، صرّح شبلاق، خلال حوار أجراه مع موقع لوب لوغ، أنه “على ضوء الوضع السياسي والاقتصادي الذي آلت إليه غزة في الوقت الراهن، لا يمكن إيجاد حلول لهذه المشكلة وتنفيذها، لأنه عادة ما تتطلب القضايا المتعلقة بالبيئة والمياه بذل المنظمات المحلية والدولية جهودا مشتركة”. وأردف المصدر ذاته قائلا إنه “ينبغي على دول العالم تمويل البرامج المتعلقة بالبيئة والمياه لتلبية احتياجات غزة”.
في هذا الإطار، أشار العديد من المحللين إلى أن الاحتباس الحراري يساهم في تنامي مستويات العنف السياسي والإرهاب. وفيما يخص غزة..، ينبغي على المجتمع الدولي التحرك لمنع ندرة المياه من دفع حماس و”إسرائيل” نحو الدخول في حرب أخرى. من جهة أخرى، تحتاج الولايات المتحدة وقوى العالم الغربي الأخرى إلى إجبار “إسرائيل” على السماح لسكان غزة بالحصول على بدائل لخزان المياه الجوفية والموارد اللازمة لتكيف مع ظاهرة تغير المناخ.
صرّحت ساورز، خلال حوار أجرته مع موقع لوب لوغ، أنه “إذا كانت غزة تحظى بنمط تجاري واستثماري كسائر المناطق، لكانت تتمتع بنظام إمدادات مياه وصرف صحي أقوى بكثير”.
من جانبها، يمكن لـ”إسرائيل” أن تتيح للمزيد من وكالات الإغاثة دخول غزة، فضلًا عن توسيع خطوط الأنابيب التي يستخدمها المسؤولون الإسرائيليون لتوصيل المياه إلى هناك، نظرا لأن ضمان تنمية غزة المستدامة يخدم مصالح “إسرائيل”. من جانب آخر، من شأن تخفيف الحصار الإسرائيلي على غزة أن يوفر حلاً قصير الأمد للمشاكل الكثيرة التي يواجهها القطاع بسبب ندرة المياه. ومع ذلك، تعتبر التسوية السياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحل الوحيد القادر على ضمان حصول سكان غزة على الإغاثة الطويلة الأجل التي يحتاجونها لتحقيق التنمية المستدامة.
في شأن ذي صلة، صرّحت ساورز، خلال حوار أجرته مع موقع لوب لوغ، أنه “إذا كانت غزة تحظى بنمط تجاري واستثماري كسائر المناطق، لكانت تتمتع بنظام إمدادات مياه وصرف صحي أقوى بكثير”. وأضافت المصدر ذاته أن “اعتبار غزة منطقة منعزلة يعد خطأ فادحًا، حيث يمكن بسهولة ربط المنطقة بمصر أو “إسرائيل” على المستوى الاقتصادي، فضلًا عن البنية التحتية. كنتيجة لذلك، لسائل أن يسأل؛ كيف يمكن حلّ هذا الصراع السياسي”.
المصدر: لوب لوغ