سندريلا.. ذات الرداء الأحمر.. رابونزل.. بيضاء الثلج.. حورية البحر الصغيرة.. وغيرها من الحكايات التي عرفناها بواسطة كتب المكتبة الخضراء أو سلسلة الحكايات المحبوبة ومؤخرًا أفلام ديزني.
تلك الحكايات المسلية التي شكلت جزءًا كبيرًا من طفولتنا؛ تمكنت الكاتبة الأمريكية “ماريسا ماير” من إعادة كتابتها بشكل لم يفقدها برائتها، بل وقد ربطتهم بشكل مثالي، وعالجت الكثير من الثغرات في القصص الأصلية بشكل مثالي؛ لتعيدنا إلى تلك العوالم مع سلسلتها “سجلات القمر” المغلفة بسحر الطفولة.
السلسلة التي كُتبت في شهر واحد:
“ماريسا ماير” Marissa Meyer روائية أمريكية من مواليد فبراير ١٩٨٤، أصدرت روايتها الأولى “سيندر” Cinder في يناير 2012. وهي الرواية الأولى في سلسلتها “سجلات القمر” The Lunar Chronicles، المكونة من أربعة أجزاء وكتابين منفصلين تابعان للسلسلة كقصص فرعية، كذلك أصدرت سلسلة “Heartless” المقتبسة من حكاية الملكة الحمراء من رواية أليس في بلاد العجائب، وأخيرًا ثلاثية “Renegades” التي صدر أول أجزائها عام ٢٠١٧، وأصبح أكثر الكتب مبيعًا حسب قائمة نيويورك تايمز بعد أسبوع واحد من صدوره.
المثير للإعجاب هو أن ماريسا ماير تمكنت من كتابة مسودة للكتابين الأوليين في سلسلتها “سجلات القمر”، وكذلك تُلث مسودة الكتاب الثالث في شهر واحد فقط! ففي عام ٢٠١٨ كان لدى “ماير” فكرة عن سلسلة تضم قصص الحكايات الخرافية، وقررت أن تكتبها في “الشهر الوطني لكتابة الرواية”، وهو حدث يلتزم فيه الكاتب بتسليم ٥٠ ألف كلمة من قصته في خلال شهر نوفمبر، كان لديها فكرة مسبقة عن القصة فبدأت في العمل عليها.
“فكرت أنه.. لماذا أكتب رواية واحدة في شهر واحد؛ في حين أنه بإمكاني محاولة كتابة ثلاث روايات؟” ماريسا ماير
تمكنت “ماير” في ذلك الشهر المحموم من كتابة ١٥٠ ألف كلمة شكلت المسودات الأولى للجزء الأول من السلسلة وهو “سيندر”، والجزء الثاني “سكارليت”، وأيضًا ثُلث الجزء الثالث “كريس”!
قالت “ماير” عن تلك المسودات أنها كانت فظيعة بالتأكيد، ولكنها ملكت الكثير من الإمكانيات، وكان بإمكانها فقط تعديلهم مع القليل من الجهد، ثم تبعت الثلاثة أجزاء بالجزء الأخير وهو “وينتر”.
كتبت ماير بعض القصص الجانبية لإظهار خلفية بعض الشخصيات والأبطال مثل طفولتهم، والأبعاد النفسية لهم، وقد استخدمتها شركة النشر في الترويج للسلسلة ونشرها بشكل إلكتروني، لكن بعد أسبوع من تسليمها الكتاب الأخير في السلسلة تمكنت من كتابة جزء جديد صغير في أسبوع واحد وهو “فيريست”؛ الذي يحكي قصة “لافانا” البطلة الشريرة في الرواية. وقد قررت شركة النشر طباعة العمل، لأن القراء سيرغبون بكل تأكيد في القراءة عن تلك الشخصية، طفولتها، وما الذي حدث لها.
كيف أعادت ماريسا ماير كتابة حكايات الطفولة؟
سيندريلا في الحكاية الأصلية رغبت فقط في الذهاب إلى الحفل، ليراها الأمير ويقع في حبها ثم تنتهي القصة بعثوره عليها بواسطة الحذاء، أعادت “ماير” سرد الحكاية بشكل أكثر توسعًا يليق باليافعين، لكنه لا يفسد بساطة القصة، في الوقت الذي يعالج فيه قضايا نراها كل يوم حولنا.
تدور أحداث السلسلة في المستقبل، بين الأرض ومملكة القمر “لونا”، وقد أصبح هناك رئيسًا لكل كل قارة، وهؤلاء الرؤساء لهم ممثل وهو إمبراطور “بكين”.
انتشر في الأرض وباءً مميتًا، بينما تملك ملكة القمر مضادًا له، لكنها لن تسلمه للأرض دون أن يحدث معاهدة سلام تنتهي بزواجها من الإمبراطور.
ذلك الزواج يثير قلق سكان الأرض بكل تأكيد بسبب قدرة القمريين على تغيير التحكم بعقول من حولهم، بإمكانهم التلاعب بالأفكار، تزييف الرغبات، وضع الكلمات التي يرغبون بسماعها على لسان أحدهم، إجبار شخص ما على قتل نفسه، على الشعور بالحزن أو السعادة بل يصل بهم الأمر لتغيير أشكالهم، لكن ذلك التغيير لا يصمد أمام الأسطح العاكسة والمرايا التي تُظهر حقيقتهم، وأمام الأشخاص الذين يولدون دون تلك الموهبة.
1- سيندر Cinder
تبدأ الرواية بـ”سيندر” وهي مجرد “سايبورغ” أو ما يسمونه نصف آلة ونصف إنسان، تمتلك ذراعًا وساقًا معدنيتين. فتاة متبناة بخلفية غامضة، تبناها أحد الأشخاص من “أوروبا” وعاد بها إلى “بكين”، ثم أصابته حمى جراء أحد الأوبئة المنتشرة في البلد ومات، وقد أوصى والدها بالتبني زوجته “أودري” بالاهتمام بالطفلة المتبناة.
تلك الكراهية التي وجهتها “أودري لسيندر” لم تكن بدون سبب مثلما تُظهر الحكايات “الشر المطلق أو الخير المطلق”؛ بل كان هناك سبب مقنع وهو أن ذلك الشخص -والدها- مجرد ميكانيكي بسيط، يملك العديد من الاختراعات التي ينفق عليها الكثير من المال لكنه في النهاية فقير، ووضعه مزرٍ، وقد تفاقم الوضع عندما أتى بفم جديد ينضم للعائلة ويأكل ويشرب ويرغب في الذهاب إلى المدرسة وشراء الملابس، كذلك تلك الطفلة مجرد “سايبورغ”، وفي عرفهم أنها من طبقة أقل من البشر، لذلك كانت تعاملها باحتقار، وعندما مات زوجها؛ بدأت في معاملتها بصورة أكثر سوءًا، لكن “سيندر” ظلت تكافح في ورشة الميكانيكا الخاصة بوالدها، تعمل حتى عُرفت بأنها الأفضل؛ وهناك قابلت الأمير، وهي ترتدي القفازات التي تخفي، لم يعرف الأمير أنها “سايبورغ”، ولم تخبره بدورها كي لا يحتقرها.
وفي الوقت الذي ظن فيه الأمير أنه سيجد نفسه في صحبة ميكانيكي عجوز؛ رأى فتاة صغيرة في السابعة عشر تقريبًا وعلى قدر بسيط من الجمال تقف أمامه وتحاول مساعدته.
طلب منها الأمير “كايتو” أن تعيد تشغيل الأندرويد الخاص به “نانسي”، لأنه يملكها منذ طفولته، وقد عجز جميع من في المملكة عن تصليحها، تحاول “سيندر” تصليحها، ولا تقتنع أن الأمر يرجع فقط لكونها لعبة طفولته، في الوقت الذي تتطور فيها الأحداث، وتبدأ سيندر في الالتقاء بالأمير مرة تلو الأخرى وتتضح صحة ظنونها، لكن الأمر ينتهي بها في أحد سجون المملكة، وبرفقة أحد أخطر السجناء.
2- سكارليت – Scarlet
الطفلة الصغيرة تذهب لجدتها لتجد الذئب قد أكلها، لكن في حكاية “ماير” فإن الجدة هنا مسؤولة عن إخفاء “سيندر” طوال طفولتها، آوتها حتى تبنتها عائلة “لين” في بكين، والذئب مجرد جندي من جنود القمر، حُقن بجينات أحد الذئاب ليكون أكثر قوة، كذلك يتم التحكم فيه من قبل قائد المجموعة، وفي الوقت الذي يحاول فيه استدراج “سكارليت” كي يعرف منها كل شيء يخص جدتها؛ يقع في حبها.
3- كريس – Cress
رابونزل ذات الخصلات الذهبية الطويلة، المعزولة في قلعة بعيدة، وذلك اللص الذي يحررها، ويحبها، ويصيبه العمى، ثم تشفيه دموعها.
تلك هي القصة التي نعرفها، لكن في حكايات ماير “كريس” هي فتاة مبرمجة، حُبست في قمر صناعي بين القمر والأرض كي تتمكن من التجسس على الأرض، ظانة أنها بخدمتها للملكة سوف تعفو عنها لأنها ولدت دون موهبة، سوف تعيدها لوالديها، بعدما صدر قانون بقتل جميع الذين يولدون دون موهبة.
لكن عندما تبدأ في مشاهدة الدرامات والمسلسلات الخاصة بالأرض بدأت تشعر بالحب تجاهها، لهذا أرسلت رسالة تحذيرية للأمير “كايتو” لكنه لم يتمكن من فك شفرتها؛ لهذا لجأ إلى “سيندر”.
تتمكن “سيندر” من التواصل مع “كريس” وتخبرها أنها سوف تذهب لإنقاذها، في الوقت الذي تعرف فيه “سيندر” أنها الأميرة المفقودة للقمر، التي حاولت خالتها قتلها للاستيلاء على عرشها. لكن تلك العملية لا تسير على أفضل وجه وينتهى الأمر بـ”كريس” برفقة السجين المرافق لـ”سيندر”، وقد أصابعه العمى، لكن دموعها لا تعيد له بصره، بل الطب فعل!
٤- وينتر – Winter
رغبت زوجة الأب الشريرة في قتل ابنة زوجها بسبب جمالها، هذا هو ملخص قصة بيضاء الثلج، لكن في حكاية “ماير” اكتفت زوجة الأب “لافانا” بإجبار الطفلة على حفر ثلاثة خطوط فوق وجنتها بسكين!
لم يكن عليها قلتها على كل حال؛ فقد جُنت الطفلة بسبب رفضها لاستخدام موهبتها السحرية في التلاعب بالآخرين، مما أصابها بأحد أمراض القمر العقلية، لكن تلك الأميرة الصغيرة كبرت لتصبح جميلة برغم من تلك الندبات فوق وجهها.
لكن الذي يدفعها لمحاولة قتلها بالنهاية هو رؤية الشعب المسكين الخاص بالقمر يحبها ويقدرها بل ويقولون أنها أفضل من “لافانا”!
“لطالما تساءلت عما يمكن أن يجعل المرأة مجنون بشكل مثير للشفقة لدرجة محاولتها لقتل ابنة زوجها كي تبقى أجمل امرأة في المملكة”. ماريسا ماير
تلك الغيرة التي اشتعلت بداخلها وهي تظن نفسها أفضل حاكمة في الوجود، لكنها عندما أرادت قتلها طورت الوباء الأرضي وجعلته قادر على إصابة القمريين أيضًا، ثم وضعته في حلوى طفولتها المفضلة وأحضرته لها وقد تلاعبت بعقلها لتبدو أمامها بشكل عجوز.
“وينتر” في هذه الرواية ليست بغباء بيضاء الثلج التي تناولت تلك التفاحة من شخص غريب، لقد عرفت “لافانا” أن وينتر تكن مشاعر لصديق طفولتها وحارسها الخاص “جايسون”، الذي دائمًا ما يجلب لها هذا النوع من الحلوى؛ لهذا ادعت أن ذلك الحارس الوسيم أرسلها إليها، ولهذا تقبلت “وينتر” الهدية، لهذا كانت حكايات ماريسا ماير أكثر عقلانية بكثير، ونضجًا أيضًا.
نالت سلسلة الروايات شعبية كبير للغاية في جميع أنحاء العالم، وليس الولايات المتحدة فقط، وأصبح لها قاعدة جماهيرية واسعة، لكن طوال الوقت استمرت “ماريسا ماير” في الكتابة بشكل سلسل ومسلي وحابس للأنفاس، دون حشر مشاهد جنسية أو لغة بذيئة. فالرواية آمنة للأعمار الصغيرة، كذلك لا تتسم بأي سذاجة تجعلها مملة أو لا تليق باليافعين.
أما فيما يخص السباب واللعنات؛ فالعالم في هذه الروايات جديد ومستقبلي ومتعلق بالسماء بشكل كبير. لذلك كل الكلمات التي تبدو كاللعنات هي ليست كذلك كأن يستخدم أحد الأبطال كلمة: يا للنجوم، يا لنجوم السماء.
لكن بعيدًا عن حكايات الطفولة؛ فإن سجلات القمر عالجت العديد من القضايا الاجتماعية القائمة على التفريق والعنصرية، كذلك القضايا السياسية وكيفية احتلال دول لدول أخرى.