في الشهر الماضي، أعلن المدعي العام “إريك هولدر” أن الولايات المتحدة الأمريكية تقاضي أفراد من الجيش الصيني من أجل التجسس الاقتصادي، باعتبار أن سرقة الصين للأسرار التجارية من الشركات الأمريكية يمكنها “تخريب وبشكل غير قانوني المنافسة الأجنبية ودفع شركاتها إلى النجاح في السوق الدولية”.
غير أن هذا التصرف شبيه إلى حد كبير بالطريق الذي سلكته الولايات المتحدة الأمريكية حتى أصبحت اليوم قوة صناعية عالمية، حيث يقول المؤرخ “دورون بن عطار” في كتابه “أسرار التجارة” إن “الولايات المتحدة الأمريكية تزعمت المجال الصناعي في العالم باستيلائها، وبصورة غير مشروعة، على الابتكارات الميكانيكية والعلمية من أوروبا”.
ويضيف بن عطار أنه “طوال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، جابت الجواسيس الصناعية الأمريكية الجزر البريطانية سعيًا ليس فقط للوصول إلى أحدث الآلات في تلك الحقبة ولكن أيضًا للوصول إلى العمال المهرة الذين سيعملون على تشغيل وصيانة تلك الآلات، ومن بين هؤلاء الحرفيين “صموئيل سلاتر” والذي غالبًا ما يسمى “بوالد الثورة الصناعية الأميركية” والذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1789 جالبًا معه خبرته حول إنتاج الغزل، مقيمًا أول مصنع للغزل والنسيج يعمل بالطاقة المائية في الولايات المتحدة”.
كذلك اتصل رجل الأعمال الأمريكي “فرانسيس كابوت لويل” بالعديد من المصانع البريطانية قبل عودته لأمريكا بنية نقل التجربة البريطانية وبناء مشاريع صناعية ناجحة.
وشجعت الحكومة الأمريكية، وفي كثير من الأحيان، مثل هذه القرصنة، فـ “ألكسندر هاملتون” في تقرير عن المصنوعات عام 1791 دعا لمكافأة أولئك الذين جلبوا للبلاد “التحسينات وأسرار قيّمة استثنائية”، كما قامت حكومات الولايات المتحدة بتمويل استيراد الآلات المهربة.
ويشير دورون بن عطار أن براءات الاختراع التي كان من المفترض أن تُمنح فقط للأشخاص أصحاب الاختراعات الأصلية، كانت عمليًا تُمنح للأميركيين أصحاب براءات اختراع لتكنولوجيا تمت قرصنتها من الخارج؛ وهو ما واجهته بريطانيا عبر سن قوانين صارمة ضد تصدير الآلات وتمنع العمال المهرة من الهجرة وتعرضهم لخطر فقد ممتلكاتهم وإدانتهم بالخيانة في حال خرقهم لهذه القوانين.
البريطانيون بدورهم كان لهم تاريخ طويل من القرصنة، ففي عام 1719 وفي مدينة دربي، قام “توماس ومبي” بإنشاء مصنع في المملكة المتحدة، وذلك بعد قرصنة مخططات لطاحونة حرير إيطالية بطريقة غير شرعية.
وفي القرن التاسع عشر قامت شركة الهند الشرقية البريطانية، في واحدة من الأعمال الأكثر نجاحًا في التجسس الصناعي من أي وقت مضى، بسرقة التكنولوجيا اللازمة لتجهيز أوراق الشاي التي سمحت للبريطانيين من زراعة الشاي في الهند، وكسر القبضة الخانقة للصين في السوق العالمية للشاي.
واليوم، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر داعية في العالم لتطبيق قواعد الملكية الفكرية الصارمة، والتي تصر على أنها ضرورية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي.
وإن كانت الآثار الاقتصادية للقرصنة التكنولوجية غير واضحة بشكل كامل إلى حد الآن، فإن براءات الاختراع تعطي حافزًا للناس على الابتكار، فإذا ما اعتبرنا أن اختراعًا جديدًا يمكن وبسهولة للصينيين قرصنته، فإننا وقتها لن نستثمر المال والوقت اللازمين من أجل التوصل إلى ذلك الاختراع، ولكن في المقابل، تحد براءات الاختراع من انتشار التكنولوجيا الجديدة وتجعل التقدم التكنولوجي أحيانًا بطيئًا للدول الأقل تقدمًا.
فعلى سبيل المثال فإن شركة سامسونج المعروف عنها بأنها “سريعة الاتباع” في مجال الأعمال التجارية الاستهلاكية، مما يعني أنها شركة بارعة حقًا في نسخ الأفكار الجيدة للشركات الأخرى، وهذا ليس دليل للسرقة كما جاء في رد شركة سامسونج على المحاكمات الأخيرة مع شركة آبل حيث بينت أنها “لم تقم بتقليد منتج آي فون وإنما فقط هي قامت بإنجاز مماثل لما تقوم به شركة آبل، ونتيجة هذا كانت سيئة لشركة آبل لكنها مكنت العديد من الناس من الانتفاع بمنتجات لها نفس مميزات منتجات شركة آبل”.
إن براءات الاختراع تحد أيضًا من تجديد التكنولوجيات، ففي وادي السليكون في أمريكا، المهندسون يهاجرون تاريخيًا بكل سهولة من شركة إلى أخرى، وفي تنقلهم هم حتمًا سينقلون الخبرات من شركة إلى أخرى مما سينتج عنه ثراء تكنولوجي، وهو ما يؤكده الباحث الأمريكي “بيركلي” الذي يرى في هذه الممارسة السبب الذي جعل من وادي السليكون “مبتكرًا”.
وهذا لا يعني في كل الحالات أن على الولايات المتحدة الأمريكية غض الطرف على ما يقوم به الجيش الصيني من أجل التجسس الاقتصادي، فمن حق أمريكا أن تدافع عن مصالح المواطنين الأمريكيين، لكن كما بينته لنا الأحداث التاريخية فإن البلدان السائرة في طريق النمو تقوم دومَا بالقرصنة الاقتصادية وذلك باعتبار عدم وجود ملكية فكرية خاصة بها.
ستواصل الصين اليوم جهود القرصنة الاقتصادية في حين سيحاول الغرب صدها عن هذه المحاولات لحماية مصالحه.
ترجمة نون بوست من نيويوركر