أظهر استطلاع رأي حديث أجرته جامعة هارفارد وشركة هاريس المتخصصة في أبحاث السوق أن ما يقرب من ربع الناخبين الأمريكيين يدعمون حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على حساب “إسرائيل”، وذلك سريان اتفاق لوقف إطلاق نار في قطاع غزة وضع حدًا لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال لأكثر من عام على القطاع.
شمل الاستطلاع، الذي أُجري في الفترة من 15 إلى 16 كانون الثاني/يناير 2025، 2,650 ناخبًا مسجلًا، حيث وجد أن 21 في المئة من المستطلعين انحازوا إلى حماس التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية.
وكشف الاستطلاع الذي تم الإعلان عنه في عطلة نهاية الأسبوع عن انقسامات صارخة في الرأي العام الأمريكي، فقد أوضح أن ربع الديمقراطيين الأمريكيين من العينة المستطلعة يؤيدون حركة حماس، أما الجمهوريون فقد أيدوها بنسبة 19%، بينما أيدها نحو 20% من المستقلين غير المنتمين لأي من الحزبين.
كان من اللافت أيضًا – وفقًا للاستطلاع- ارتفاع نسبة التأييد لحركة حماس الفلسطينية وسط جيل الشباب خاصة بين الفئة العمرية من 25 إلى 34 عامًا إلى 32%.
View this post on Instagram
وبين الفئة العمرية من 18 إلى 24 عامًا أيد 21% الحركة، وفي الفئة العمرية من 35 إلى 44 عامًا أيدها 29%، وفي الفئة العمرية من 45 إلى 54 عامًا أيدها 23%، وفي الفئة العمرية من 55 إلى 64 عامًا أيدها 17%، وبين من تجاوزوا الـ 65 من العمر أيدها 10% فقط.
ووفقًًا لاستطلاع هارفارد-هاريس فإنّ 51% من الشباب في الفئة العمرية 18-24 عامًا يرون أن ما قامت به حماس ضد الإسرائيليين كان مبررًا، بينما يعتقد 49% أنه غير مبرر.
إعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة
قبل إقدام حركة المقاومة الإسلامية على تنفيذ عملية طوفان الأقصى بشهر واحد كانت القضية الفلسطينية تواجه تحديات غير مسبوقة، بدأت من الخطاب السياسي لحكومة اليمين المتطرفة عندما رفع رئيسها بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة فلسطين التاريخية مكتوبًا عليها “دولة إسرائيل” فقط، دون أي إشارة للوجود الفلسطيني.
הזכות הגדולה של חיי היא להיאבק למענכם, למען המדינה שלנו. שבת שלום.
(צילום: אבי אוחיון, לע״מ) pic.twitter.com/O8qmKIIeUv
— Benjamin Netanyahu – בנימין נתניהו (@netanyahu) September 22, 2023
ونشر نتنياهو بُعيد إلقاء خطابه في الأمم المتحدة تغريدةً على حسابه على موقع إكس وكتب مخاطبًا الإسرائيليين: “إن أعظم إنجاز في حياتي هو أن أقاتل من أجلكم ومن أجل بلدنا. شابات شالوم”.
بطبيعة الحال لم تكن خطوة نتنياهو أمام الجمعية العامة خطوة مرتجلة، بل تزامنت مع إجراءات أخرى لتصفية القضية إذ تحولت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مجرد أداة أمنية لتعزيز حماية المصالح والمستوطنات الإسرائيلية وقمع المعارضين لتماهي السلطة مع الاحتلال.
وربما يثير الحديث عن مكتسبات عملية طوفان الأقصى جدلًا كبيرًا في ظل عدد الشهداء الكبير ومشاهد الدمار شبه الكامل للقطاع، لكن بالفعل حققت المقاومة مكتسبات لا يستهان بها رغم الكلفة الباهظة.
فمنذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي بعد أن كادت تنسى- تزامنًا مع حركة تضامن كبيرة في كل أنحاء العالم ازدادت وتوسعت مع الجرائم الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي لتصبح غزة وفلسطين ككل في صدارة المشهد الإعلامي ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق.
تفنيد السردية الإسرائيلية
فَتَح الطوفان وما تبعه من حرب إبادة بابًا للنقاش حول السردية الإسرائيلية بعد أن كانت متصدرة وثابتة على مر الزمان، بيد أن صورة “إسرائيل” تلطَّخت عالميًا بسبب ارتكابها الإبادة الجماعية في غزة، وتقديمها رواية غير متماسكة وبعيدة كل البعد عن الصوابية والمنطق.
كان المثال الأبرز لتفنيد السردية الإسرائيلية الكذبة الشهيرة حول قطع رؤوس 40 رضيعًا إسرائيليًا بهدف تبرير أي عمل إسرائيلي ينتج عنه قتل أطفال فلسطينيين، أطلقت صحفية إسرائيلية تعمل في قناة i24 هذه الكذبة دون أدلة وانتشرت انتشار النار في الهشيم بين الصحفيين والإعلاميين والسياسيين، بل رددها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قبل أن يتبيّن كذبها لاحقًا ويضطر البيت الأبيض لنفيها مؤكدًا أن بايدن لم يشاهد ما يثبت ذلك.
انتفاضة الجامعات
انفجرت الساحات بمئات المظاهرات المناهضة لإسرائيل في كل أنحاء المعمورة تقريبًا بعد أن دعا إليها مناصرو القضية الفلسطينية، كما شهدت الجامعات في عدة دول حول العالم هبّة طلابية لنصرة القضية الفلسطينية ودعمًا لقطاع غزة في وجه حرب الإبادة، فانطلقت شرارة انتفاضة الطلاب من جامعة كولومبيا كبرى الجامعات في مدينة نيويورك الأميركية، وسرعان ما انتقلت شعلتها إلى مئات الجامعات في مختلف أنحاء العالم، ووصلت إلى أوروبا، وكندا، واليابان، وغيرها.
نظّم الطلاب في مختلف الجامعات فعاليات ومظاهرات حاشدة وحملات تبرع للتعبير عن رفضهم الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الوحشية ورفعوا الأعلام الفلسطينية ولافتات منددة بالعدوان على غزة، مرددين شعارات تدعو إلى الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني.
وإلى جانب التنديد بالعدوان، عبر الطلاب عن رفضهم القاطع لسياسات التطبيع مع “إسرائيل” التي تمارسها بعض الدول العربية، ونددوا بزيارات المسؤولين العرب لإسرائيل، وطالبوا بقطع العلاقات معها ومقاطعة بضائعها.
“قد أُطرد من عملي لكن لا أستطيع أن أصمت”.. نائبة عميد جامعة إنديانا الأمريكية تبكي متأثرة بعد انضمامها إلى اعتصام الطلاب المناصرين لفلسطين في الجامعة #FreePalestine #تمرد_طلاب_أمريكا pic.twitter.com/nk6pjCHesI
— نون بوست (@NoonPost) May 1, 2024
وعرف الحراك الطلابي تفاعلًا واسعًا من قبل مختلف فئات المجتمع المدني في أنحاء العالم، وأشاد العديد من الشخصيات السياسية والمثقفين في منصات التواصل الاجتماعي بموقف الطلاب الداعم للقضية الفلسطينية، وعبروا عن تضامنهم مع نضال الشعب الفلسطيني.
الاعتراف بفلسطين
كان من تبعات طوفان الأقصى وما تلاه من عدوان، إعلان 3 دول أوروبية هي أيرلندا وإسبانيا والنرويج الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل مالطا وسلوفينيا اعتزامها اتخاذ خطوة مماثلة قريبا.
اعتراف هذه الدول الثلاث بفلسطين مثّل ضربة قاصمة للكيان الإسرائيلي بل يمكن اعتباره بداية تحول في الموقف الأوروبي الداعم تاريخيًا لإسرائيل، وقد غضبت حكومة الاحتلال من هذه الخطوة واتخذت إجراءات دبلوماسية ضد الدول المعترفة.
كما يؤكد اعتراف هذه الدول الثلاث بفلسطين نجاح طوفان الأقصى في إعادة القضية الفلسطينية إلى المشهد العالمي، ويعكس كذلك تجاوُب الدول المعنية مع الحراك العالمي المؤيد لغزة ولفلسطين بشكل عام.
ذلك أن فلسطين أصبحت تحظى بدعم الأغلبية من الدول ففي مايو/أيار الماضي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بما في ذلك أن تكون له دولته المستقلة، وقد صوّت لصالح القرار 143 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأُمم المتحدة.
دور شبكات التواصل الاجتماعي
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاته دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام العالمي وازدياد الوعي بالقضية الفلسطينية في أعقاب “طوفان الأقصى” خاصة وسط جيل الشباب الذي أظهر الاستطلاع المشترك لجامعة هارفارد وشركة هاريس ارتفاع شعبية حماس لديه.
على وجه الخصوص نجد أنّ تطبيق “تيك توك” الذي أُلصقت برواده صفة التفاهة، ساهم بشكل كبير في إحداث صدمة نفسية وقاسية للشعب الأمريكي بشكل عام والشباب بشكل خاص، إذ يبلغ مستخدموه قرابة 170 مليون مواطن داخل الولايات المتحدة، وكانوا يشاهدون الصور والفيديوهات الصادمة من غزة عبر التطبيق ليتحول هذا التطبيق من مجرد أداة تبث المحتوى الترفيهي إلى محرك سياسي أجّج المشاعر، لا سيما مع نشر جنود الاحتلال لجرائمهم في غزة عبره متباهين أمام العالم، لتتحول إلى أداة إدانة لهم بالصوت والصورة، وهو الأمر الذي دفع بعض الأصوات السياسية الداعمة لإسرائيل للمطالبة بحظره وهو ما حدث بالفعل قبل أن يعاد مرة أخرى.
لذلك لم يكن من المستغرب ارتفاع تأييد حركة حماس لدى الناخبين الأمريكيين من فئة الشباب إلى نسبة 32% أي قرابة الثلث، بينما يرى 51% من الشباب في الفئة العمرية 18-24 عامًا، أن ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان مبررًا، في حين يعتقد 49% أنه لم يكن مبررًا، وفقًا لاستطلاع هارفارد-هاريس.
خلاصة القول، عملية “طوفان الأقصى” لم تغير المشهد الإقليمي فحسب كما يقول البعض، بل يمكن القول إنها أعادت تشكيل الرأي العام العالمي، فمن كان يتوقع اندلاع تظاهرات بهذا الحجم وانتفاضة طلابية مناهضة للاحتلال في عقر دار أكبر داعميه؟ الأمر لم يتوقف عن ذلك الحد، إذ يشير الاستطلاع الموثوق إلى تمتع حماس بشعبية وسط جيل الشباب الأمريكيين رغم الأموال الهائلة التي ينفقها اللوبي الإسرائيلي للتأثير على الرأي العام الداخلي، ورغم القمع الرقمي الذي يتعرض له المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الاستطلاع وغيره من المؤشرات يدل على أنّ الجيل الحالي المتحكم في مفاصل الدولة الأمريكية على مستوى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ربما يكون آخر الأجيال المتمسكة بالولاء لإسرائيل والخضوع لحملات وابتزاز اللوبي الإسرائيلي والسعي لاسترضائه رغم التكلفة المادية والأخلاقية الباهظة.