ترجمة وتحرير: نون بوست
كان موظفو النائبة تولسي غابارد يواجهون سؤالًا: هل التقت بالفعل مع الزعيم الاستبدادي لسوريا لمدة تقارب الثلاث ساعات؟
كان ذلك في الخامس من فبراير/شباط 2017، وكانت النائبة الديمقراطية عن ولاية هاواي – بعد رحلة إلى الدولة المنبوذة التي تركت واشنطن في حالة من الصدمة – قد وزعت جدولاً زمنيًا لأنشطتها لمساعدة موظفيها في إعداد تقرير للجنة الأخلاقيات في مجلس النواب، وفقًا لمجموعة من الوثائق من مكتبها التي اطلعت عليها صحيفة “واشنطن بوست”، حيث تطلب اللجنة تقارير مفصّلة بعد الرحلات الرسمية، وكان من المقرر أن تقدم غابارد تقريرها في اليوم التالي.
وجاء في الجدول الزمني، الذي لم يتم الإبلاغ عنه سابقًا، أن غابارد وبشار الأسد التقيا في الساعة 12:15 ظهرًا في 16 يناير/ كانون الثانير 2017، وأن موعدها التالي كان مع زوجة الأسد في الساعة 3 عصرًا.
ورد نائب رئيس موظفي غابارد بأن اجتماعها مع الأسد بدا “طويلاً نوعًا ما” وسأل إذا كان من الممكن فصل بعض “التحضيرات الرسمية” لتقليص الوقت الذي يبدو أنه قضاه الاثنان في الجلوس والتحدث. وسؤل سكرتيرها الصحفي عما إذا كان من الممكن تجميع اجتماع الأسد مع لقاءات مع كبار الشخصيات الآخرين حتى “يبدو أكثر مثل” اجتماع ضمن سلسلة من “اجتماعات البروتوكول”.
وقال التقرير الذي قدمته غابارد في النهاية إلى الكونغرس إن الاجتماع مع الأسد دام 90 دقيقة، وأن الاجتماع مع زوجته بدأ الساعة 2 بعد الظهر. ومع ذلك، لا يزال طول الاجتماع الفعلي غير واضح.
كانت هذه التبادلات جزءًا من سلسلة من الجهود التي استمرت أيامًا من قبل فريق غابارد لتوضيح الوقت الذي قضته في سوريا والحد من التداعيات السياسية للرحلة، التي أثارت تدقيقًا متجددًا في الأسابيع التي تلت اختيار دونالد ترامب لها لتكون المديرة المقبلة للاستخبارات الوطنية، والتي ستشرف على جميع وكالات التجسس الأمريكية. ومن المتوقع أن تكون رحلة 2017 محور استجواب من أعضاء مجلس الشيوخ خلال جلسات تأكيد تعيينها هذا الشهر، خصوصًا من الديمقراطيين الذين قالوا إنها ساهمت في إضفاء الشرعية على الديكتاتور.
وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية، وسجلات تحرير مستندات غوغل، وغيرها من السجلات التي راجعتها “واشنطن بوست” أن فريق غابارد كان في الغالب غير مطلع على جدول مواعيدها في دمشق. فقد تغيّر مسارها بشكل جذري عن النسخة التي وافقت عليها لجنة الأخلاقيات قبل مغادرتها، والتي لم تتضمن أي اجتماعات مع سياسيين أو مسؤولين سوريين.
وأخبر أربعة موظفين سابقين، الذين شاركوا في المناقشات صحيفة “واشنطن بوست” أنهم انزعجوا عندما علموا أن غابارد التقت بالأسد مرتين في ثلاثة أيام، وذلك فقط بعد وقوعه.
وقال المساعدون، الذين نصحهم أحدهم بعدم عقد مثل هذا الاجتماع، إنهم عانوا للحصول على إجابات مباشرة من غابارد حول من التقت به ومدة اللقاء. وأضافوا أنه هذه التجربة دفعت أحد الموظفين إلى الاستقالة وساهمت في اتخاذ موظفين آخرين قرارات بالمغادرة لاحقًا. ومثل بعض الآخرين الذين تم الاستشهاد بهم في هذا المقال، والذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر.
ويتذكر أحد الموظفين السابقين أن الاجتماع الأول تم تسجيله كـ”حوالي ثلاث ساعات”. وقال: “أتذكر أنني رأيت أن “هذا جنون”. ما الذي يمكن أن تتحدث عنه لمدة ثلاث ساعات في اجتماع يُفترض أنه غير مخطط له؟”
وردًا على الأسئلة التفصيلية التي وجهتها “واشنطن بوست”، وصفت المتحدثة باسم فريق ترامب الانتقالي، ألكسا هينينغ، هذه القصة بأنها “حملة تشويه سمعة من قبل الدولة العميقة مليئة بالتحريف الفادح والتخمينات” وقالت إن الوثائق التي تستند إليها سرية. كما أرسلت عبر البريد الإلكتروني بيانات دفاعًا عن جابارد من حلفائها بما في ذلك رئيس مجلس النواب مايك جونسون (جمهوري من لويزيانا) والنائب مايكل والتز (جمهوري من فلوريدا)، مستشار الأمن القومي الحالي للرئيس ترامب.
وقالت غابارد سابقًا إنها لم تكن تتوقع لقاء الأسد، لكن الفرصة سنحت لها. وأكدت هينينغ أن الاجتماع “لم يكن مقررًا قبل مغادرتها”.
ولم تقل غابارد الكثير علنًا عن مضمون محادثاتها مع الأسد، ولا توضح السجلات التي تم مراجعتها من قبل “واشنطن بوست” تفاصيل تلك المناقشات. وقد تمسكت بقرار الاجتماع معه، قائلةً إن قادة العالم يجب أن يكونوا على استعداد للتواصل من أجل تحقيق السلام.
وخلال حواراتها مع مساعديها في شهر فبراير/ شباط، بدت غابارد مدركة لحقيقة أن الكشف عن تفاصيل جديدة حول رحلتها قد يثير المزيد من الجدل.
وكتبت غابارد في بريد إلكتروني: “بمجرد تقديمها، ستصبح سجلاً عامًا ويمكن لأي شخص الوصول إليها. وقد يؤدي ذلك إلى إثارة جولة أخرى من وسائل الإعلام. إذا كان لديكم أي مجالات مثيرة للقلق أو مجالات تعتقدون أنه يجب أن يكون هناك مزيد من المعلومات أو أقل، يرجى إبلاغي بذلك”.
ويتوج ترشيح غابارد تحولًا ملحوظًا على مدى العقد الماضي من ديمقراطية ليبرالية إلى شخصية مفضلة لدى اليمين الجمهوري، حتى عندما أثارت قلق زملائها من الحزبين في بعض الأحيان بدفاعها عن الأسد وحليفه القديم، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد أدلت غابارد بتصريحات تحاكي نقاط حديث الكرملين وأبدت شكوكًا بشأن تقييمات الولايات المتحدة بشأن تصرفات روسيا وسوريا.
وبصفتها مديرة للاستخبارات، ستشرف غابارد على 18 وكالة استخبارات، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، وستكون مكلفة بالمساعدة في حماية أكثر أسرار البلاد حساسية.
وفي الأشهر التي تلت لقائها مع الأسد، سلم مكتب غابارد نسخًا من العديد من السجلات – التي ستقوم صحيفة “واشنطن بوست” بمراجعتها لاحقًا – إلى مكتب الأخلاقيات في الكونغرس، وهو هيئة مستقلة في مجلس النواب منفصلة عن لجنة الأخلاقيات، لإجراء مراجعة لم يتم الإبلاغ عنها سابقًا.
وتُظهر محاضر المقابلات أن محققي الكونغرس لاحظوا الفوضى الداخلية لتفسير الوقت الذي قضته غابارد في سوريا.
وسأل أحد المحققين كاينو بِناروزا، رئيس موظفي غابارد: “أنا فقط أحاول أن أفهم، لماذا كان الجميع قلقين للغاية؟ أعني، بصراحة، يبدو أن المكتب بأكمله اجتمع لتحضير جدول سفر ما بعد الرحلة.”
وأجاب بِناروزا أن المستشارين “كانوا في سباق مع الزمن” وأرادوا التأكد من دقة الأوراق. ولم يرد على الرسائل التي طلبت تعليقًا.
وقال مسؤولون فيدراليون حاليون وسابقون مطلعون على التحقيق إن مراجعة المحققين تركزت على ترتيبات تمويل الرحلة وتم إسقاطها في النهاية بعد عدم العثور على أي انتهاكات. ورفض متحدث باسم المكتب التعليق.
في وقت رحلة غابارد، كانت سوريا، التي تم تصنيفها منذ فترة طويلة كدولة داعمة للإرهاب، في خضم حرب أهلية دامية منذ ست سنوات تقريبًا. ولم يقم أي عضو من أعضاء الكونغرس بزيارتها منذ سنة 2011، بعد فترة وجيزة من قيام النظام بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين خلال “الربيع العربي”. وكان أكثر من 11 مليون سوري قد نزحوا وقتل مئات الآلاف، بما في ذلك في هجمات بالأسلحة الكيماوية شنها النظام.
وكانت الولايات المتحدة قد علقت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وفرضت عدة جولات من العقوبات ضد الأسد وغيرهم من قادة الحكومة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين. وكانت إدارة أوباما تدعو إلى إزاحة الأسد من منصبه وتقديم الدعم لقوات المعارضة.
وكانت غابارد، وهي من قدامى المحاربين في حرب العراق والتي قالت إن خبرتها العسكرية جعلتها تعارض بشدة “حروب تغيير الأنظمة”، قد حثت على ضبط النفس في التعامل مع الأسد منذ انضمامها إلى الكونغرس في سنة 2013. واقترحت تشريعًا يمنع الحكومة الأمريكية من تزويد الجماعات المسلحة التي تحاول الإطاحة بالرئيس السوري بالتمويل أو الأسلحة.
وقبل فترة وجيزة من انتخاب ترامب لأول مرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، دُعيت غابارد في رحلة مدفوعة التكاليف بالكامل إلى سوريا ولبنان من قبل بسام خوام، وهو ناشط مقيم في كليفلاند، مرتبط بالجماعات الموالية للأسد. وجاء في الدعوة أن الزيارة ستتيح لغابارد فرصة لقاء وزير الخارجية السوري و”شخصيات سياسية بارزة أخرى”، ولم يتم الإبلاغ عن هذه الوثيقة من قبل.
وفي رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني اطلعت عليها الصحيفة، قال ممثل عن المنظمة غير الربحية لبيناروزا إن لديهم التزامات من الأشخاص الذين من المقرر أن يلتقوا بهم. وكتب “معظم الاجتماعات متفق عليها من الجانب الآخر”.
وقد تم تحديد موعد رحلة غابارد في نهاية المطاف في منتصف يناير/ كانون الثاني 2017. وقد جاء في خط سير الرحلة الذي قدمته إلى لجنة الأخلاقيات في مجلس النواب أن الرحلة كانت “مهمة لتقصي الحقائق” برعاية بسام وشقيقه إلياس تحت رعاية منظمة “مركز المجتمع العربي الأمريكي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية” بأوهايو، وهي منظمة غير ربحية للجالية العربية الأمريكية حيث يشغل الأخوان مناصب رفيعة.
وتضمن برنامج الرحلة المسبق الذي قدمته غابارد أنها ستقضي خمسة أيام في لبنان ويومين في سوريا، حيث ستلتقي مع القادة الدينيين واللاجئين وغيرهم من المدنيين. وقد وافقت اللجنة على الخطة في 12 يناير/ كانون الثاني، أي قبل يومين من مغادرة غابارد واشنطن متجهة إلى بيروت.
واتصل أحد الأخوين بالسفارة الأمريكية في بيروت قبل أيام من الرحلة وأخبرهم أنهم يخططون للسفر إلى سوريا وأن غابارد ستلتقي بالأسد، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر. ولم يتضح ما إذا كانت غابارد نفسها على علم بتلك الخطة.
وقال إلياس خوام لصحيفة ذا بوست إنه أبلغ السفير الأمريكي بالرحلة المخطط لها، وفي إحدى المرات أجاب بالإيجاب على سؤال حول ما إذا كان قد قال إن المجموعة ستلتقي بالأسد، لكنه قال في رسالة نصية لاحقة إنه لا يتذكر ما إذا كان قد ذكر الاجتماع.
وقال الموظف السابق الذي كان يشعر بالحيرة من طول مدة الاجتماع للصحيفة: “بالنظر إلى الوراء، سأذهب إلى قبري وأنا متأكد أنها كذبت علينا، إنها تدعي أن الأمر حدث بالصدفة، كيف تصادف أن تلتقي بزعيم دولة بوليسية مرتين/ لا مرة واحدة؟”.
وهبطت غابارد في بيروت حوالي الساعة السابعة مساءً، وفقًا لتقريرها بعد الرحلة، وقد رافقها في الرحلة عضو الكونغرس السابق دينيس كوسينيتش (ديمقراطي عن ولاية أوهايو)، وهو زميل ديمقراطي مناهض للحرب التقى الأسد خلال زيارة عام 2011 بدعم من نفس المنظمة غير الربحية، وقد اصطحب كل منهما زوجه وزوجته.
ورفض كوسينيتش التعليق على ذلك في اتصال هاتفي، وفي بيان نقلته هينينغ، قال إن الاجتماع مع الأسد لم يكن مقرراً قبل المغادرة، ووصف غابارد بأنها “بطلة السلام”.
وقال التقرير إنه بعد حوالي ساعة من الهبوط، كانت المجموعة في السفارة السورية في بيروت للحصول على تأشيرات دخول، وفي صباح اليوم التالي، سافرت غابارد إلى دمشق بدلًا من البقاء في بيروت ليوم الاجتماعات التي وافق عليها الكونغرس، وكان اجتماعها الأول مع الأسد.
وحسب التقرير؛ التقت غابارد في الأيام التي تلت ذلك مرة أخرى بالأسد وسفيري سوريا لدى لبنان والأمم المتحدة، ووزيرها للمصالحة، ومسؤولين حكوميين لم تسمهم لإحاطة أمنية على الحدود، وعضو في البرلمان، ووزير الخارجية السوري – كما نصت الدعوة -.
ولم تصدر غابارد أي تصريح علني عن الرحلة، ولكن في 18 يناير/كانون الثاني، ذكرت مجلة فورين بوليسي أنها سافرت سرًا إلى دمشق، وأكدت المتحدثة باسم غابارد للمجلة أنها التقت بمسؤولين حكوميين لكنها رفضت الإفصاح عما إذا كان ذلك يشمل الأسد.
وعادت غابارد إلى الولايات المتحدة في 22 يناير/كانون الثاني، وبعد ثلاثة أيام أكدت علنًا أنها التقت بالأسد بالفعل.
وجه المشرعون من كلا الحزبين لها انتقادات حادة، وقال البعض إنها منحت الديكتاتور انقلابًا دعائيًا، وقال النائب آدم كينزينجر (جمهوري من ولاية إلينوي) في ذلك الوقت: “إن القول بأنني أشعر بالاشمئزاز سيكون أقل مما ينبغي”.
وفي اليوم التالي، نبهها المسؤول عن تنظيم جدولها إلى ضرورة تقديم تقرير ما بعد الرحلة إلى لجنة الأخلاقيات في غضون 15 يومًا من عودتها، حسبما أظهرت رسائل البريد الإلكتروني. وأشار المسؤول عن تنظيم الجدول إلى أنه يجب على غابارد “تضمين أي اجتماعات إضافية تمت على الأرض ولم تتم الموافقة عليها مسبقًا”.
وفي 31 يناير/كانون الثاني، تظهر السجلات أن موظفي غابارد أخبروا محامي لجنة الأخلاقيات أنها ستسدد لرعاة الرحلة بالكامل، من أموالها الشخصية. في اليوم التالي، أخبر أحد كبار المساعدين المحامي في رسالة بالبريد الإلكتروني أن غابارد أرادت أن تعرف ما إذا كان لا يزال يتعين عليها تقديم تقرير ما بعد الرحلة، فأجاب المحامي بأنها ملزمة بذلك.
وتظهر السجلات أنه عندما عممت غابارد أخيرًا الجدول الزمني على فريقها في وقت متأخر من يوم 5 فبراير/شباط، كان لدى مساعديها بعض المخاوف.
وأشارت السكرتيرة الصحفية إلى أن غابارد التقت الأسد لأول مرة في غضون ساعة من وصولها إلى دمشق. وكتبت أنه “من منظور خارجي سيبدو أن الرئيس الأسد كان في استقبالها لدى وصولها وأن الأمر كان مخططًا له مسبقًا، وهذا يتناقض مع ما قلناه من قبل بأن اللقاء لم يكن مخططًا له”.
ووافقتها مستشارة الحملة على ذلك، وكتبت: “نحن بحاجة ماسة إلى إجابة قوية على هذا السؤال، بما في ذلك إجابة محددة حول ما إذا كنتم قد غادرتم لبنان في وقت أبكر من المتوقع للوصول إلى الاجتماع الذي لم يكن مخططاً له في الأصل مع الأسد (آمل أن تكون الإجابة بنعم)”.
ولا تُظهر السجلات التي راجعتها صحيفة واشنطن بوست ردودًا على هذا السؤال، وليس من الواضح ما إذا كان الأمر قد نوقش في مكان آخر، وتشير وثيقتان إلى أن بعض مناقشات الفريق حول الرحلة إلى سوريا أجريت على تطبيق الرسائل المشفرة سيجنال.
وفي رسالة البريد الإلكتروني التي طالبت فيها نائب رئيس فريق غابارد بتوضيح “الشكليات” التي أدت إلى فض الاجتماع، قالت إنه إذا لم يكن بالإمكان اختصار الاجتماع “يجب أن يكون لدينا رد جاهز للسؤال عن سبب الاجتماع الذي استغرق حوالي 3 ساعات وما الذي ناقشتِه”.
في الجدول الزمني الذي أرسلته غابارد لفريقها ذكرت أسماء أشخاص إضافيين قالت إنها التقت بهم في سوريا ولبنان ولم يكونوا على النسخة التي اطلع عليها الكونغرس، وفي صباح اليوم التالي بتاريخ 6 فبراير/شباط، أرسل أحد المستشارين 15 اسمًا عبر البريد الإلكتروني ليتم فحصها من قبل شخص من خارج المكتب، وبحلول وقت مبكر من ذلك المساء، كان ذلك الشخص قد أخرج تقريرًا من ست صفحات يحمل عنوان “سري”، وحدد فيه “نقاط الضعف الرئيسية” لشركاء غابارد في الاجتماعات.
وحسب الوثيقة التي لم يتم الإبلاغ عنها سابقًا، فقد التقت غابارد برجل دين سوري هدد بتفعيل شبكة من الانتحاريين في الولايات المتحدة وأوروبا إذا تدخلت الدول الغربية عسكريًا في سوريا، كما التقت أيضًا بمسؤوليْن حكومييْن سورييْن رفيعي المستوى فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليهما، وتم إدراج الأشخاص الثلاثة في التقرير النهائي الذي قدمته غابارد إلى الكونغرس.
وأحد الأشخاص المدرجين في قائمة التدقيق، وهو نجدت أنزور، الذي كان آنذاك نائب رئيس البرلمان السوري، قيل في الوثيقة إنه “مؤيد متحمس لنظام الأسد”، وتُظهر سجلات التعديل أنه تم حذف اسمه في البداية من التقرير الذي كان يتم إعداده للجنة الأخلاقيات، مع وصفه بأنه مجهول الهوية، ثم تمت إزالة الاجتماع تمامًا قبل تقديم التقرير.
وورد في الجدول الزمني لغابارد أنها حضرت في أول أمسية لها في دمشق “عشاءً مع أساتذة وأكاديميين ومؤلفين وقادة أعمال سوريين”. وأظهرت سجلات التعديل أن العشاء كان باستضافة بثينة شعبان، وهي مستشارة سياسية وإعلامية للأسد كانت خاضعة لعقوبات أمريكية، ولم يرد اسم شعبان في الأوراق المقدمة إلى اللجنة.
ولم تتمكن الصحيفة من الحصول على تعليق من شعبان، التي فرت من سوريا بعد سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول، ولا من أنزور.
وتسابق فريق غابارد للالتزام بالموعد النهائي الذي حددته لجنة الأخلاقيات في الساعة السادسة مساءً يوم 6 فبراير/شباط، وفي وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم، وزعت السكرتيرة الصحفية لغابارد رابطًا إلى المستند الذي تم فيه مراجعة الجدول الزمني للرحلة، وكتبت: “لدينا 40 دقيقة حتى يحين الموعد النهائي”، لكنهم استمروا في التعديل لمدة يومين آخرين.
ولا يزال الرابط الموجود في البريد الإلكتروني للسكرتيرة الصحفية نشطًا والوصول إليه غير مقيد، مما يعني أن أي شخص ينسخه في نافذة متصفح يمكنه فتح المستند وعرض سجل التعديلات، كما فعلت صحيفة واشنطن بوست.
وتساءل أحد كبار مساعدي السكرتيرة الصحفية في هامش مستند عما إذا كان عليهم تحديد المشاركين في اجتماع أُدرج في البداية على أنه “إحاطة حول الأمن القومي السوري”، وأشارت المساعدة إلى أن كوسينيتش يظن أنهم تلقوا إحاطة من رئيس المخابرات السورية، لكنها لم تستطع تذكر اسم هذا الشخص.
وكتبت المساعدة أن المخابرات السورية قامت “ببعض الأمور السيئة للغاية”، مستشهدةً بذلك كـ”أحد أسباب عدم تحديدها بشكل أكثر دقة”، واستشهد آخر بعدم التأكد من الاسم كسبب لإبقاء الأمر غامضًا، وقال التقرير المقدم إلى لجنة الأخلاقيات إن الاجتماع كان مع “مسؤولين حكوميين” وكان حول أمن الحدود والتهديد من الجماعات الإرهابية.
عندما تم نشر تقرير غابارد بعد الرحلة، أظهر أنها سددت ما يقرب من 9000 دولار. وتظهر الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة أن تكلفة “النقل داخل سوريا/لبنان” بلغت مبلغ 1350 دولارًا بحسب ما قالته غابارد لأحد مساعديها، وفي مرحلة ما أخبرت غابارد أحد مساعديها أنها لم تكن ملزمة بالكشف عن “تكاليف السفر التي دفعتها الحكومتان السورية واللبنانية”، لأنها سددت تكاليف الرحلة، وذلك وفقًا لرواية أحد الموظفين للأحداث المتعلقة بالرحلة.
وبعد ما يزيد قليلًا عن الشهرين من رحلة غابارد إلى دمشق، قُتل ما لا يقل عن 89 شخصًا في الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في هجوم بالأسلحة الكيميائية، ونسبت الحكومة الأمريكية الهجوم إلى النظام، وأمر ترامب بشن غارات جوية على قاعدة جوية سورية ردًا على ذلك، وقالت غابارد لشبكة سي إن إن إن إنها “متشككة” في أن الأسد كان وراء الهجوم.
المصدر: واشنطن بوست