السودان.. هل يحبط فك الحصار عن قيادة الجيش خطوة الحكومة الموازية؟

فك الجيش في يوم الجمعة 24 يناير/كانون الثاني الحالي الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر قيادته العامة في وسط الخرطوم منذ اندلاع النزاع القائم، في خطوة فارقة سيكون لها تأثير كبير على الوضع في السودان، بما في ذلك ترتيبات تشكيل حكومة موازية.

ويضم مقر قيادة الجيش عدة مبانٍ تشمل وزارة الدفاع ورئاسة الأركان والقوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية والاستخبارات العسكرية، إضافة إلى بيت الضيافة المخصص لإقامة قائد القوات المسلحة. كما أن مقر القيادة ملاصق للقاعدة الجوية ومطار الخرطوم الدولي ويقع قرب القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة.

وقال الجيش إنه أكمل المرحلة الثانية من العمليات، بعد التحام قوات الخرطوم بحري وأم درمان بالقوات المرابطة في القيادة العامة، معتبرًا ذلك انتصارًا امتزج بطرد الدعم السريع من مصفاة الجيلي لتكرير النفط والتصنيع الحربي شمال الخرطوم بحري وصد الهجوم على الفاشر، عاصمة شمال دارفور غرب البلاد.

وظلت قوات الدعم السريع تُحاصر القيادة العامة منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل/نيسان 2023، وتقصف باستمرار مبانيها التي يتواجد في طوابقها الأرضية رئيس هيئة الأركان، محمد عثمان الحسين، وكبار قادة الجيش والمتحدث باسمه، نبيل عبد الله.

ماذا يعني فك الحصار؟

جاء فك الحصار عن مقر قيادة الجيش بعد ساعات من نجاح القوات المتقدمة من شمال الخرطوم في الوصول إلى قاعدة سلاح الإشارة التي يفصلها عن القيادة العامة جسر النيل الأزرق. وهذا التقدم تحقق عقب عزل الجيش قوات المليشيا في جزر معزولة، ما حال دون استخدامها لميزة طالما اعتمدت عليها، وهي الفزع.

ويبدو أن دفاعات مليشيا الدعم السريع في طريقها للانهيار، في ظل تطويقها وتضييق الخناق عليها في أهم معاقلها في الصافية وحلة حمد وشرق النيل والحاج يوسف في الخرطوم بحري، حيث يرجح أن تتحرك القوات التي استطاعت استرداد مصفاة الجيلي إلى شرق المدينة.

ويعني فك الحصار على مقر القيادة بدء المرحلة الثالثة من العملية البرية التي ينفذها الجيش اعتبارًا من 26 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تمثلت الأولى في فك الحصار على قاعدة سلاح المهندسين وربطها بقاعدة كرري التي تعد أهم معاقل الجيش في أم درمان، ثالث مدن العاصمة الخرطوم.

وشملت المرحلة الثانية التحام قوات أم درمان وسلاح المهندسين بقواعد الجيش في الخرطوم بحري مثل قاعدة حطاب العملياتية وسلاح الأسلحة في الكدرو والتصنيع الحربي وسلاح الإشارة، والانتقال إلى مقر القيادة العامة في الخرطوم تمهيدًا لانفتاح القوات شرقًا إلى بُري، وجنوبًا إلى مطار الخرطوم والأحياء السكنية، وغربًا إلى القصر الرئاسي ومقار مؤسسات الدولة والسوق العربي.

ويحتمل أن يسارع الجيش بإرسال تعزيزات من ولاية نهر النيل التي خرجت من دائرة التهديد بعد السيطرة على مصفاة الجيلي وإدارية ود صالح في شرق النيل، ومن أم درمان إلى مقر القيادة العامة من أجل السيطرة على مطار الخرطوم والتقدم جنوبًا لربط قواته بسلاح المدرعات وسلاح الذخيرة، بالتزامن مع التوجه غربًا نحو القصر الرئاسي للالتقاء مع القوات المتحركة ببطء شديد من المقرن.

ويستطيع الجيش بعد فك الحصار عن مقر قيادته جمع معلومات استخباراتية كافية حول التواجد العسكري لمليشيا الدعم السريع في القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة. وهي خطوة لا يرجح أن تتأخر كثيرًا للحيلولة دون استكمال تهيئة هذه المقار المخطط أن تعمل الحكومة الموازية من داخلها.

الخرطوم، قاب قوسين أو أدنى!

انسحاب بعض عناصر الدعم السريع من المناطق القريبة من مطار الخرطوم إلى جبل أولياء أقصى جنوب المدينة يُسهل على الجيش الانفتاح على أحياء العمارات والرياض والطائف، خاصة بعد اكتسابه خبرة طويلة في القتال وسط البنايات العالية وتحييد القناصة.

وإن استطاع الجيش التحرك إلى شرق النيل من القيادة العامة وسلاح الإشارة، فهذا يعني إنهاء تواجد الدعم السريع في شرق الجزيرة، ما يمكن القوات المتواجدة في سهل البطانة من التقدم إلى بقية مدن ولاية الجزيرة الواقعة غرب النيل الأزرق. ويعني هذا الإسراع في تحرير ولاية الخرطوم بكاملها، نظرًا لاستمرار الانفتاح في أم درمان.

ولا يستبعد أن تتحرك القوات المتواجدة في ولاية النيل الأبيض إلى جبل أولياء بالتزامن مع تحرك القوة المتواجدة في سلاح المدرعات جنوبًا إلى الجبل، لإغلاق الباب أمام أي انسحاب محتمل لمليشيا الدعم السريع من الخرطوم إلى كردفان، ومن ثم إلى دارفور.

بدأت قوات الدعم السريع بطموح قوي في الاستيلاء على السُّلطة بذريعة تحقيق الديمقراطية ومحاربة أنصار الرئيس المعزول عمر البشير، وانتهت إلى التركيز على تدمير البنية التحتية عبر الطائرات المسيرة التي وفرتها لها الإمارات.

ولم تحاول قوات الدعم السريع إخفاء هذا الطموح، حيث أسرعت في بداية اندلاع النزاع إلى السيطرة على القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة والإذاعة والتلفزيون، ومحاصرة قواعد الجيش والسيطرة على بعضها، قبل أن ترتكب أخطاء قاتلة بالسيطرة على ولايات لتُظهر عجزها عن فعل أي شيء سوى ارتكاب الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين والعُزل.

قاصمة الظهر

وتجري قوات الدعم السريع، هذه الفترة، مشاورات في العاصمة الكينية نيروبي مع قادة حركات مسلحة، أبرزهم رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الهادي إدريس، وزعيم تجمع قوى تحرير السودان، الطاهر حجر، اللذين كانا عضوين في مجلس السيادة قبل أن يقيلهما رئيس المجلس وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لموقفهما المناهض للحرب.

ويشارك في المشاورات عضو مجلس السيادة في فترة الانتقال، محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق، نصر الدين عبد الباري، ورئيس حزب الأمة القومي، برمة ناصر، وآخرون.

ويناقش قادة الجماعات المسلحة والقوى السياسية تشكيل حكومة موازية أُطلق عليها “حكومة السلام” في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع التي أفاد الصحفي المدافع عن سلوكها، حافظ كبير، في 8 يناير/كانون الثاني الحالي بأنه يجري تنظيف القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة لاستضافة حكومة السلام.

ويمثل فك الحصار عن القيادة العامة ضربة قاصمة أمام مشروع الحكومة الموازية التي يُروِّج أنصار مليشيا الدعم السريع بأنها ستعمل على إنشاء أوراق هوية جديدة ونظام تعليمي مغاير وعملة أخرى، وذلك بعد تلقيها ضربة سابقة باستعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.

ولن تستطيع قوات الدعم السريع تأمين أي شخص في المنطقة التي تضم مؤسسات الدولة، لأنها باتت منطقة عمليات عسكرية بعد ربط الجيش قواعده في الخرطوم بحري وأم درمان بالقيادة العامة وإمكانية إرسال تعزيزات وإمدادات إليها دون أن يعترضها شيء.

وأصبح فشل تكوين حكومة موازية تتبع لقوات الدعم السريع تتخذ من العاصمة الخرطوم مقرًا، أمرًا مؤكدًا بنسبة شبه حاسمة. ويحتمل أن تقتصر الخطوة على إقليم دارفور وأجزاء من كردفان فقط، ويرجح أن تكون مثل الإدارات المدنية التي أصبحت في خاتمة المطاف عبئًا على المليشيا بدلًا من أن تعينها.