ترجمة وتحرير: نون بوست
في فصل الصيف، يمكن أن تصل درجات الحرارة في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت جنوبيّ اليمن، إلى 109 درجة فهرنهايت. ونجحت هذه المدينة الساحلية في التخلص من سيطرة تنظيم القاعدة سنة 2016 ولم تخض أية معارك مع المتمردين الحوثيين، بيد أن آثار الحرب اليمنية وفساد الحكومة يمثلان الدافع الرئيسي للاحتجاجات في المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت المكلا هذا الصيف العديد من الاحتجاجات بسبب زيادة انقطاع التيار الكهربائي الذي امتد لفترة تجاوزت 14 ساعة في اليوم وهو الأمر الذي يزيد معاناة المواطنين مع ارتفاع درجات الحرارة ويقلل من قدرتهم على العمل والإنتاج. كما يمكن أن تؤدي هذه الظروف أيضًا إلى زيادة عدد الوفيات، خاصة بين صفوف كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
يعدّ أكثر ما يؤرق المتظاهرين والجماهير معرفتهم أنه على الرغم من أن حضرموت تعدّ المصدر الرئيسي للدخل الحكومي، إلا أنهم لا يحصلون على حقوقهم الأساسية
في الواقع، منع متظاهرون معظمهم من الشباب، السيارات من المرور في المكلا وأضرموا النار في الأطواق المطاطية. وعادةً ما يتدخل الجيش ويتعامل مع مثل هذه الأوضاع بحذر، لكنه لم يحرك ساكنا خلال الاحتجاجات التي وقعت خلال الأيام الأخيرة من شهر تموز/يوليو وذلك بعد تلقيه لأوامر تمنعه من التدخل، وفقا لمصدر عسكري خاص. ومن المثير للاهتمام، أن المحتجين يطالبون السلطات المحلية بمعالجة مشاكل الطاقة والخدمات العامة الأخرى عوضا عن مخاطبة الحكومة المركزية، ذلك أنهم لا يثقون بها ويتهمونها “[بسرقة] موارد البلاد”. كما تشير مطالب المتظاهرين الغاضبين إلى السلطة المتنامية للحكام المحليين أو على الأقل المطالبة بمنحهم المزيد من السلطة، ذلك أن المحتجين يطالبون السلطة المحلية بوقف تصدير النفط من حضرموت كأداة ضغط.
علاوة على ذلك، يعدّ أكثر ما يؤرق المتظاهرين والجماهير معرفتهم أنه على الرغم من أن حضرموت تعدّ المصدر الرئيسي للدخل الحكومي، إلا أنهم لا يحصلون على حقوقهم الأساسية. وعموما، تمتلك اليمن حوالي ثلاثة مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، تتركز 80 بالمئة منها في حضرموت. كما تمتلك البلاد تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي، وتصدر اليمن الذهب إلى جانب النفط والغاز. والجدير بالذكر أن قيمة الذهب الذي صدرته اليمن بلغت 531 مليون دولار سنة 2016 و501 مليون دولار سنة 2017.
في الحقيقة، لا تُعتبر مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بالأمر الجديد على اليمن، حيث تشير بيانات البنك الدولي أن 40 بالمئة فقط من سكان اليمن قد حصلوا على الكهرباء سنة 2010 اهيك عن أن الوضع أمسى أسوأ منذ اندلاع الحرب. فضلا عن ذلك، تعاني المدن الكبيرة من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر، حيث تتجاوز الفترة التي يعاني خلالها المواطنون من الظلام الدامس خلال فصل الصيف 14 ساعة في اليوم. وعموما، يعود ذلك إلى سوء الإدارة والفساد والهيكلة الأساسية لشبكة الكهربائية التي عفا عليها الزمن.
على الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول سبب التأخير، إلا أن مصفاة النفط في عدن تعتبر واحدة من أكبر بؤر الفساد في اليمن منذ فترة طويلة وحتى قبل الحرب
في شأن ذي صلة، يساهم البترول، بما في ذلك زيت الوقود المكرر وبقايا زيوت الوقود في تأمين جزء كبير من عملية توليد الكهرباء في اليمن. وتحصل محطات الكهرباء في حضرموت على الوقود اللازم من عدن، المدينة الساحلية الواقعة جنوبيّ اليمن. وغالبًا ما تتأخر شحنات الوقود، ما يتسبب في عدم القدرة على توليد الطاقة.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول سبب التأخير، إلا أن مصفاة النفط في عدن تعتبر واحدة من أكبر بؤر الفساد في اليمن منذ فترة طويلة وحتى قبل الحرب. وفي هذا الصدد، ذكر موقع ويكيليكس أن وزارة النفط تمنع البرلمان من الاطلاع على البيانات التي تخص النفط وذلك بهدف التستر على الأنشطة غير القانونية التي تمارسها الحكومة اليمنية لعل من أبرزها تهريب المشتقات النفطية المدعومة إلى البلدان المجاورة.
في هذا الإطار، تمثل مأرب الواقعة شماليّ اليمن المصدر الثاني للوقود المستخدم لتوليد الكهرباء في حضرموت وكثيرا ما تتأخر شحنات الوقود تماما مثلما يحدث في عدن. ومن المتعارف عليه أن مرافق إنتاج النفط والغاز في مأرب تعد بدورها بؤرا للفساد. وفي هذا السياق، ذكر المدير التنفيذي للشركة النفطية المملوكة للدولة، صافر، سنة 2017 أن الوحدات الأمنية المسؤولة عن حماية حقول النفط في مأرب تقوم بسرقة ونهب النفط.
الفساد في اليمن يضطلع بدور مميت، تمامًا كما تفعل الحرب، حيث يدفع بالسكان إلى الخروج للشوارع، ليس للمطالبة بالإطاحة بالحكومة كما جرت العادة خلال اندلاع ثورات الربيع العربي، بل إلى المناداة بالاستقلال وإدارة مواردهم الخاصة
من جانبها، أشارت الأمم المتحدة في تقرير لها صدر سنة 2018 إلى إمكانية تحويل الأموال العامة المخصصة في الأصل لإنتاج الكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في عدن ولحج وأبين. ووفقًا للتقرير نفسه، برز تباين كبير فيما يتعلق بحجم الوقود المذكور في مستندات المناقصة وكمية الوقود التي تم توجيهها لاحقًا إلى محطات الطاقة سنة 2017.
والجدير بالذكر أن الفساد في اليمن يضطلع بدور مميت، تمامًا كما تفعل الحرب، حيث يدفع بالسكان إلى الخروج للشوارع، ليس للمطالبة بالإطاحة بالحكومة كما جرت العادة خلال اندلاع ثورات الربيع العربي، بل إلى المناداة بالاستقلال وإدارة مواردهم الخاصة، كما هو الحال مع سكان جنوب اليمن. وفي سياق متصل، منعت محافظات أخرى، وتحديدا مأرب والمهرة، من نقل إيراداتها المالية إلى الحكومة المركزية الشرعية ما أعطى الحكام المحليين صلاحيات أكبر لإدارة مناطقهم. لذلك، سيؤدي هذا الوضع إلى الاعتقاد بأنه من المرجح أن تقسم اليمن إلى عدة دول صغيرة.
المصدر: إنترناشيونال بوليسي ديجست