ترجمة وتحرير: نون بوست
حذّر تقرير جديد من أن التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة التي يشهدها الشرق الأوسط ستجر المنطقة إلى منحدر خطير. وفي هذا السياق، ذكرت “مجموعة الأزمات الدولية”، وهي خلية تفكير تُعنى بالأمن الدولي وتتخذ من بروكسل مقرّا لها، أنه، مثلما حدث في أوروبا سنة 1914، فإن أي سوء تقدير أو تصعيد أحادي الجانب يمكن أن يؤدي إلى دفع المنطقة بأكملها إلى صراع مدمر لا أحد يرغب في خوضه.
علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أنه “بعد ذلك، أشعلت الرصاصة التي أردت وريث عرش الإمبراطورية النمساوية المجرية، فرانز فردينان، قتيلا فتيل الحرب في القارة الأوروبية برمتها”. وأضاف التقرير “اليوم، يمكن أن يؤدي اندلاع هجوم بالصواريخ أو الطائرات دون طيار أو الألغام اللاصقة إلى تصعيد عسكري بين الولايات المتحدة وإيران وحلفائهما ووكلائهما الإقليميين يستحيل احتواؤه”.
يوم الأحد، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني قد استولت على ناقلة نفط أخرى تحمل ما زعمت أنها “وقود مهرب” في الخليج العربي. في المقابل، جاء الرد يوم الأربعاء، حيث احتُجزت سفينة صغيرة نسبيا؛ لم يقع الكشف عن جنسيتها ولا طاقمها.
في العراق، تتنافس الميليشيات والأحزاب السياسية المرتبطة بإيران لبسط نفوذها داخل الحكومة المركزية المنقسمة
كانت هذه المرة الثالثة على الأقل التي تستولي فيها القوات الإيرانية على ناقلة نفط خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن استولى الحرس الثوري على سفينة كانت تحمل علميْ بنما وبريطانيا الشهر الماضي. وأوضح مسؤولون إيرانيون أن الاستيلاء على الناقلة مؤخرا جاء كردّ على صعود القوات البريطانية على سفينة إيرانية في البحر الأبيض المتوسط وإيقافها. من جهتها، تسعى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية جاهدة لوضع خطة لتشديد الأمن البحري في الخليج العربي، الذي يعتبر أحد أكثر الممرات المائية الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي.
فضلا عن ذلك، توجد العديد من العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤجج فتيل الحرب. وفي العراق، تتنافس الميليشيات والأحزاب السياسية المرتبطة بإيران لبسط نفوذها داخل الحكومة المركزية المنقسمة. بالإضافة إلى ذلك، شنّ المتمردون الحوثيون في اليمن، الذين تدعمهم إيران إلى حد ما، هجمات صاروخية على المملكة العربية السعودية وعلى مسارات النقل البحري في البحر الأحمر.
إلى جانب المآسي الأخرى التي تعاني منها سوريا، يعتبر هذا البلد مركزا لما يسميه المحلّل الإيراني في “مجموعة الأزمات الدولية”، علي فائز، “لعبة القط والفأر” بين إسرائيل وإيران؛ حيث استهدفت إسرائيل أصولا إيرانية في البلاد، وذلك بشن غارات جوية متكررة في نصف العقد الماضي. وقد أثرت هذه العلاقات العدائية على البلد المجاور، لبنان، معقل حزب الله الذي يُعتبر منظمة وكيلة لإيران تتمتع بنفوذ كبير.
عموما، تصر كل من الولايات المتحدة وإيران على عدم رغبتهما في خوض حرب. وعلى الرغم من نجاح حملة “أقصى ضغط” التي انتهجتها إدارة ترامب في الإضرار بالاقتصاد الإيراني، إلا أنها فشلت في كبح جماح سلوك إيران على الصعيد الإقليمي، حتى أنها صعّدت من العداء بين البلدين.
لم تُنفذ المبادرة الأوروبية التي كانت ترمي لتقديم يد المساعدة لإيران للقيام بأنشطة تجارية دون الخوف من أن تكون عرضة للعقوبات الأمريكية بشكل مناسب
من جهته، اعتمد النظام الإيراني إلى حد ما على سياسة الصبر، محاولا انتظار انتهاء أساليب الضغط هذه من خلال الامتثال لشروط الصفقة النووية التي انتهكها ترامب بشكل أحادي. وفي ظل تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، قرر النظام تصعيد الموقف، حيث انتهك الحدود المنصوص عليها لتخصيب اليورانيوم، في حين حث الشركاء الأوروبيين على تعويض الخسارة المالية الهائلة التي لحقت بالصادرات النفطية للبلاد.
لم تُنفذ المبادرة الأوروبية التي كانت ترمي لتقديم يد المساعدة لإيران للقيام بأنشطة تجارية دون الخوف من أن تكون عرضة للعقوبات الأمريكية بشكل مناسب. ومن هذا المنطلق، التجأ الإيرانيون إلى المجال البحري كوسيلة لإظهار قدرات بلادهم للولايات المتحدة وحلفائها. وفي لقائه مع الصحفيين الأسبوع الماضي، قال فائز: “أخشى أن تكون القيادة في طهران قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن عدم الامتثال والمقاومة أصبحتا أكثر جدوى من الالتزام وضبط النفس”.
من جهتهم، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن ترامب، على عكس بعض مستشاريه المقربين، سيبذل قصارى جهده للحيلولة دون اندلاع صراع كبير في المنطقة. وعلى العموم، لطالما عبّر الرئيس الأمريكي عن استيائه من المشاحنات التي تعاني منها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث حثت إدارته الحكومات الأوروبية والعربية على تحمل مسؤولية الأمن البحري في المنطقة.
في المقابل، حذّر فائز من أن هذه الثقة “يمكن أن تدفع بالنظام الإيراني إلى سوء تقدير الوضع في حال اعتقد المسؤولون الإيرانيون أن المزيد من التصعيد والاستفزاز لن يكلّف الكثير على الصعيدين العسكري والدبلوماسي”. في وقت سابق من هذا الصيف، تباهى ترامب بإلغاء الهجمة الانتقامية المميتة على القوات الإيرانية بعد إسقاط طائرة أمريكية دون طيار. ولفترة طويلة من الزمن، أثارت رسائل ترامب المتقلبة قلق مراقبي السياسة الخارجية.
كشف السياسيون الصقور من الحزب الجمهوري بشكل علني عن رغبتهم في شن غارات جوية على المواقع الإيرانية، وهي خطوة يحذر منها المسؤولون الأمنيون نظرا لكونها لن تحقق الكثير من المكاسب مقارنة بتداعياتها الخطيرة
من جهته، كتب ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون، العضوان السابقان في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما: “لا ينبغي لأحد أن يقلل من قوة الأنا والمظاهر فيما يتعلّق بتحركات ترامب”. وأضاف العضوان أنه “ما يزال من المستحيل معرفة ما إذا كانت الإدارة تنوي فعلاً خوض الحرب، أو الانخراط في جهود دبلوماسية قهرية، أو أنها ما تزال هائمة في بحر من الأخطاء. وقد لا يكون الأمر مهما. وفي ظل وجود دوامة من التحقيقات والاستفزازات، قد يفسح الهدف الاستراتيجي المجال لرد فعل طائش”.
في سياق متصل، كشف السياسيون الصقور من الحزب الجمهوري بشكل علني عن رغبتهم في شن غارات جوية على المواقع الإيرانية، وهي خطوة يحذر منها المسؤولون الأمنيون نظرا لكونها لن تحقق الكثير من المكاسب مقارنة بتداعياتها الخطيرة. وفي هذا الصدد، قال وليام ماكرفين، وهو أميرال أمريكي متقاعد تحدث في الإحاطة الإعلامية ذاتها: “أي شخص يعتقد أن الضربة ستجعل [الإيرانيين] يشعرون بالخوف فهو مخطئ تماما”، مضيفا أن “دولة مثل إيران تشعر بالفخر كأمة لآلاف السنين. فعند شنّ هجوم عليها، فإنها سترد الهجوم حتما، ولن تكتف بتقبّل الأمر فحسب. لذلك، علينا أن نكون حذرين للغاية بشأن سوء التقدير”.
من جانبهم، يشعر الحلفاء الأمريكيون بالقلق من النهج الذي تتبعه إدارة ترامب. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، يوم الأربعاء، إن بلاده “لن تشارك في المهمة البحرية التي تخطط لها الولايات المتحدة” للقيام بدوريات في الخليج العربي، مشيرًا إلى أن “الهجوم العسكري” لن يكون الحل للمأزق مع إيران. وأضاف جون ألترمان، وهو محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، لصحيفة بوليتيكو: “حكومات الدول الأخرى ليست متأكدة من أهداف الولايات المتحدة، فهي تعتقد بأن الاصطفاف معها ينطوي على مخاطر دون توفير الضمان في المقابل”.
على صعيد آخر، تحرص القوى الإقليمية التي تعارض النظام في طهران بشكل علني على تخفيف حدّة التوتر معها، حيث شاركت الإمارات العربية المتحدة في جولة من المحادثات مع نظرائها الإيرانيين، بينما يتوخى مسؤولون في الأمن الإسرائيلي الحذر بشأن توجيه أصابع الاتهام لإيران كمصدر للهجمات التخريبية الأخيرة في الخليج العربي.
لجأ ترامب إلى السناتور ليندسي غراهام، وهو صقر من الحزب الجمهوري، لفتح مسار موازٍ لإيران لعزلها عن أوروبا
أورد ترامب، من خلال السناتور في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، راند بول، وهو ليبرالي مناهض للتدخل، أنه وجه دعوة إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لإجراء محادثات مباشرة في المكتب البيضاوي. ولكن قوبلت هذه الدعوة بالرفض، ما جعل الإدارة الامريكية تفرض عقوبات على ظريف.
بعد ذلك، لجأ ترامب إلى السناتور ليندسي غراهام، وهو صقر من الحزب الجمهوري، لفتح مسار موازٍ لإيران لعزلها عن أوروبا. وقد كتبت مجموعة الأزمات في تقريرها بأن “عدم وجود قناة هادفة بين الولايات المتحدة وإيران” بالإضافة إلى عزم كلا الطرفين على عدم التراجع، وتعدد بؤر التوتر المحتملة يشير إلى أن الصدام، سواء تمخّض عن سوء تقدير أو تصميم، لا يمكن استبعاد حدوثه. وفي حال حدث ذلك، سيكون من الصعب احتواء مدته أو نطاقه “.
المصدر: واشنطن بوست