تضامن العديد من السياسيين والحقوقيين والمهتمين بالشأن العام المصري مع كل المعتقلين داخل السجون على خلفية قضايا الرأي والسياسة، مطالبين بالإفراج الفوري عنهم وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ 2013 وحتى اليوم، معتبرين أن ما يحدث “يُجسد معاناة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث”.
تأتي هذه الخطوة استجابة لحملة “باطل” التي دشنها معارضون على منصات التواصل الاجتماعي لتوصيل صوت آلاف المعتقلين في السجون المصرية وأسرهم، للجهات الحقوقية المعنية، داخل البلاد وخارجها، بجانب مناشدة الشعب المصري للاصطفاف لدعمهم حتى الإفراج الكامل عنهم.
الحملة لاقت تفاعلاً كبيرًا من العديد من الشخصيات العامة المحسوبة على تيار المعارضة، موجهين عددًا من رسائل الثبات والصمود والدعم للمعتقلين البالغ عددهم وفق إحصاءات منظمة “هيومن رايتس ووتش” قرابة 60 ألف مواطن، هذا في الوقت الذي يتعرضون فيه لأبشع صور التعذيب والانتهاكات حسبما فضحته شهادات العشرات منهم.
حبس المعارضين.. باطل
الحملة ترى أن الشعب المصري، بلا استثناء، مسجون من النظام الحاكم الآن، سواء كانوا داخل المعتقلات أم خارجها، مطالبة في بيانها المدون على موقعها الرسمي بالإفراج عن 100 مليون مصري بصفة عامة، هذا بخلاف المعتقلين السياسيين والمختفيين قسريًا ضحايا قوانين الطوارئ والتظاهر سيئة السمعة، على وجه الخصوص.
كما تطالب بإلغاء جميع الإجراءات الاحترازية من مراقبة وغيرها، وبفرض الرقابة الدولية الفورية والمستمرة على كل سجون مصر ومراكز الاعتقال والتعذيب التابعة للشرطة والجيش، موضحة أن السجون لم تعد لاعتقال المعارضين السياسيين فقط، بل باتت سجنًا كبيرًا للطلاب المعبرين عن آرائهم والعاملين المعترضين على غلق مصانعهم، حتى رجال الأعمال الشرفاء الذين حبست عنهم فرص الاستثمار لصالح الجيش ضباط ومؤسسات.
اعتبر وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، عمرو دراج أن الـ100 مليون مصري الذين يعيشون خارج السجون ليسوا أفضل حالاً من الـ60 ألف المعتقلين
علاوة على ذلك ترى الحملة أن الملايين من الموظفين والعاملين في البلاد باتوا داخل سجون خاصة بهم، إما بين ديون لا يقوون على سدادها أو أسرى الفقر والجهل والمرض، وهو ما حول دولة بحجم مصر إلى بؤرة كبيرة للقتل والتشريد والتعذيب، سواء كان ذلك بقصد ممنهج أم عبر تفشي الفوضى والعشوائية وسوء الإدارة.
القائمون على الحملة دعوا الشعب المصري لتوحيد صفوفه والتصدي لمثل هذه المخططات التي تستهدف الشعب بأكمله “يا شعب مصر قرار كسر قيودك وتحطيم أسوار سجنك.. هو قرارك وحدك.. قاوم يا شعب مصر.. ارفض أن تسجن ظلمًا.. ارفض أن تموت قهرًا.. يا شعب مصر بكره جاي النهار”، مؤكدين أن “صوتي.. صوتك.. صوتها.. صوته.. مع بعض يفرق كتير.. نختلف مع بعض كما يختلف الليل والنهار وتختلف الألوان والأزهار.. لكن لازم نتفق أن سجن بنات مصر باطل، أن سجن ولاد مصر باطل.. أن سجن كل مصر.. باطل”.
الظلم لن يطول
عبر مقاطع صوتية مصورة منشورة على صفحة “باطل” على “فيسبوك” دعا سياسيون إلى التضامن الكامل مع المعتقلين وأسرهم، مناشدين الشعب المصري بدعمهم والوقوف خلفهم لحين تلاشي هذه الغمة التي لن تنقضي إلا بتكاتف الأيدي وتوحيد الكلمة وتوحد الصف.
من جانبه أكد زعيم حزب غد الثورة والمرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، أن ما تشهده مصر خلال السنوات الستة الأخيرة من انتهاك أدمية وحقوق الإنسان داخل سجون مصر يمثل جريمة غير مسبوقة، لافتًا إلى أنه رغم تعرضه للاعتقال في فترات سابقة، فإن الأمر الآن تجاوز الحدود كافة.
نور أشاد في مقطع له بصمود المعتقلين، داعيًا “الشعب المصري، وكل الشعوب الحرة لاتخاذ موقف واضح ضد هذه الانتهاكات التي يندى لها جبين الإنسانية”، معتبرًا تحدي وثبات القابعين داخل زنازين النظام بأنه “بطولة غير مسبوقة”.
كما ناشد في الوقت ذاته الحكومات التي تدعم النظام السياسي بألا تغلب المصالح على المبادئ، مشيرًا إلى أن “الاعتقالات شملت كل الأطراف في مصر من إسلاميين وليبراليين ويساريين ورموز مستقلة، وكل من يفكر في بلاده أو يحبها”، واصفًا نظام عبد الفتاح السيسي بأنه “لا يحب مصر”.
بدوره اعتبر وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق عمرو دراج أن الـ100 مليون مصري الذين يعيشون خارج السجون ليسوا أفضل حالاً من الـ60 ألف المعتقلين، ومن ثم “فلا عذر لتقاعس أي مصر ليس فقط في العمل من أجل الإفراج عن المعتقلين، ولكن لرفع الظلم عن مصر كلها”، على حد تعبيره.
دراج في مقطع فيديو له تعهد لكل المعتقلين السياسيين بالعمل من أجل إنهاء معاناتهم والإفراج عنهم، مشيدًا بصمودهم الذي قال إنه “يمثل دفاعًا عن حرية وكرامة كل المصريين”، موجهًا خطابه للشعب المصري بالاصطفاف من أجل إنهاء هذا الملف في أسرع وقت.
تم رصد 189 حالة قتل خارج إطار القانون على مدار 2018، و49 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي في السجون بمختلف أنحاء مصر، إلى جانب 6 حالات وفاة بسبب التعذيب، و5 حالات وفاة لأسباب غير معلومة
أما المتحدثة باسم حركة نساء ضد الانقلاب، أسماء مهاب، فقالت: “المعتقلون هم تاج على رأس الشعب المصري بفضل تضحياتهم”، مضيفة في تسجيل لها “اللحظة الحاليّة محتاجة الكل يبقى إيد واحدة، محتاجة تكاتف وتضامن، ونقف مع أهالي المعتقلين إلى أن تمر الأزمة، محتاجة دعم نفسي للمعتقل وأسرته”.
وأشارت إلى ارتفاع حالة الوعي السياسي والحقوقي لدى الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير، فبدأ التعرف على الحرية والعدالة والديمقراطية، وهو الوعي الذي يجب أن يتم توظيفه حاليًّا لنصرة المعتقلين القابعين في زنانين النظام، ليس لسبب إلا لأنهم عبروا عن آرائهم وطالبوا بحقوقهم المشروعة.
الأمر ذاته أكده الداعية محمد الصغير الذي طالب المصريين بالدعاء للمعتقلين وتفقد أبنائهم وأسرهم ودعمهم والتكاتف معهم، مشيرًا أن ما يمرون به هو ابتلاء من عند الله، مطالبًا إياهم بالصبر قائلاً: “اصبروا سيذهب الأسر ويبقى الأجر”.
وأضاف في مقطع له أن الحكم العسكري لمصر لم يبدأ بعد انقلاب 30 من يونيو كما يظن البعض، بل بدأ مبكرًا مع حركة 23 من يوليو 1952، موجهًا رسالة إلى النظام الحاكم في مصر قائلاً: “لن تغني عنكم أموال الخليج القذرة ولا دعم إسرائيل”، وتابع “شباب مصر قادر على أن يصنع الفارق”.
واقع مزري
حزمة من الانتهاكات تشهدها السجون المصرية خلال السنوات الماضية، الأمر الذي جعلها في مرمى الانتقادات الحقوقية الدولية، إذ تجاوز عدد المحتجزين الذين توفوا بسبب الإهمال الطبي أو سوء المعيشة أو التعذيب في السجون المصرية، منذ يونيو/ حزيران 2013 وحتى الآن 825 حالة وفق ما ذهب إليه المدير التنفيذي لمنظمة “كوميتي فور جستس” – مستقلة -، أحمد مفرح.
المنظمة في تقريرها السنوي 2018 عن مراقبة مراكز الاحتجاز المصرية الذي حمل عنوان “اوقفوا الانتهاكات فورًا”، قالت إن فريق مراقبة الاحتجاز في المنظمة تمكن من رصد 2521 حالة انتهاك في مراكز الاحتجاز خلال عام 2018، تصدرها الإخفاء القسري بإجمالي 1302 حالة، بنسبة 51.64% من جملة الانتهاكات المرصودة خلال العام الماضي.
التقرير رصد كذلك ما يقرب من 507 حالات اعتقال تعسفي بنسبة 20.11% من إجمالي الانتهاكات، ثم الإهمال الطبي في المرتبة الثالثة كأعلى انتهاك بعدد 347 حالة بنسبة 13.76%، يليه القتل خارج إطار القانون والوفاة في أثناء الاحتجاز بعدد 245 حالة بنسبة 9.7%، وأخيرًا التعذيب بعدد 120 حالة بنسبة 4.76%.
انتهاكات عدة بحق المعارضين في مصر
النصف الأول فقط من 2018 شهد توثيق 110 حوادث اﻧﺗﮭﺎك ﺿد 88 ﻣﻌﺗﻘﻼً، وﻗﻌت ﻓﻲ 29 مركز احتجاز معلوم بمختلف أﻧﺣﺎء ﻣﺻر، في حين وثق الفريق في النصف الثاني من العام 185 ﺣﺎدﺛﺔ ﺿد 158 ﻣﻌﺗﻘﻼً، وﻗﻌت ﻓﻲ 54 مركز احتجاز، علاوة على 119 حالة إخفاء قسري و81 واقعة اعتقال تعسفي و55 حالة إهمال طبي و14 حادثة تعذيب و11 حالة منع من الزيارات و7 حالات سوء معاملة و5 حالات وفاة في أثناء الاحتجاز و5 وقائع قتل خارج إطار القانون.
كما تم رصد 189 حالة قتل خارج إطار القانون على مدار 2018، و49 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي في السجون بمختلف أنحاء مصر، إلى جانب 6 حالات وفاة بسبب التعذيب، و5 حالات وفاة لأسباب غير معلومة، بإجمالي 60 حالة خلال العام الماضي.
وسبق أن اتهمت منظمة “هيومن رايتس مونيتور” الأجهزة الأمنية في مصر بـ”الإمعان في قتل المعارضين والمعتقلين، من خلال احتجازهم في ظروف غير إنسانية، ومنع الدواء عن المرضى منهم، ففي تقريرها السنوي بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب الذي يوافق 26 من يونيو/حزيران من كل عام، ألقت الضوء على أبرز صور التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون المصرية وفق شهادات حية ممن تعرضوا لمثل هذه الأنواع التي وصفتها المنظمة بـ”القاتلة”.