ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ديفيد هيرست ورجب سويل
بدأت المملكة العربية السعودية في تنفيذ “خطة استراتيجية” لمواجهة الحكومة التركية، وذلك بعد أن قرر ولي العهد السعودي أنه قد كان “صبورا للغاية” في تعامله مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي. ووردت هذه الخطة بشكل مفصل في تقرير سري يستند إلى معلومات استخبارية من مصادر سرية كانت الإمارات العربية المتحدة قد أعدته باعتبارها حليفا للمملكة.
يعتبر تقرير الاستخبارات واحدا من سلسلة شهيرة كتبها “مركز الإمارات للسياسات”، وهو مركز أبحاث ذو صلات وثيقة بالحكومة الإماراتية والأجهزة الأمنية. وكان هذا التقرير الذي حمل عنوان “التقرير الشهري عن المملكة العربية السعودية” كان يمثل النسخة 24 من هذه التقارير المماثلة وصدر بتاريخ شهر أيار/مايو 2019، ناهيك عن كونها متداولا بين عدد محدود من الأشخاص ومخصص للقيادة الإماراتية العليا. والجدير بالذكر أن هذا التقرير لا يظهر في موقع مركز الأبحاث، لكن موقع ميدل إيست آي البريطاني قد تمكن من الحصول عليه.
تهدف الرياض إلى تقويض نفوذ أردوغان وتركيا على المستوى الإقليمي
يكشف التقرير أن الرياض قد أصدرت أوامر بتنفيذ الخطة الاستراتيجية لمواجهة الحكومة التركية في أيار/مايو الماضي، والتي كان الهدف منها استخدام “جميع الأدوات الممكنة للضغط على حكومة أردوغان وإضعافه، ثم إبقائه مشغولاً بالقضايا الداخلية على أمل أن تسقطه المعارضة أو ينشغل بالتعامل مع الأزمة التي تتلو هذه الأزمة. وتسعى الخطة بالأساس إلى دفع الرئيس التركي لارتكاب الأخطاء التي ستنتبه إليها وسائل الإعلام وتشير إليها”. وتجدر الإشارة إلى أن الموقع البريطاني اتصل بمركز الأبحاث الإماراتي دون أي إجابة تذكر حتى وقت نشر هذا التقرير.
تقويض النفوذ
تهدف الرياض إلى تقويض نفوذ أردوغان وتركيا على المستوى الإقليمي. وقد ورد في التقرير أن:” ستبدأ المملكة في استهداف الاقتصاد التركي والضغط نحو الإنهاء التدريجي للاستثمار السعودي في تركيا، فضلا عن الخفض التدريجي لعدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا، مع تمكينهم من وجهات بديلة. وستعمل على تقليل الواردات السعودية من البضائع التركية، والأهم من ذلك تقليل الدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا في الشؤون الإسلامية”.
وفقا لما ورد في التقرير، اتخذ الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان قرارًا بمواجهة تركيا في أعقاب اغتيال خاشقجي على أيدي فريق من العملاء السعوديين في قنصلية إسطنبول ببلدهم. ولقد أثار مقتل كاتب الصحفي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وموقع ميدل إيست آي البريطاني غضبًا دوليًا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى إصرار تركيا على انتهاج المساءلة والشفافية فيما يخص ممارسات الرياض.
خلصت السلطات السعودية إلى أن أردوغان فشل في محاولته الهادفة إلى تسييس القضية وتدويلها، وقد “حان الوقت لشن القتال” كما ورد في التقرير
يقول التقرير ” لقد تمادى الرئيس أردوغان في حملته لتشويه سمعة المملكة وخاصة شخص ولي العهد، حيث استخدم لذلك قضية خاشقجي بأكثر الطرق المشينة الممكنة”. ويزعم مركز الإمارات للسياسات أن تركيا لم تقدم معلومات “محددة وصادقة” لمساعدة عملية التحقيق السعودي في جريمة القتل، لكنها عمدت إلى تسريب “معلومات مضللة” إلى وسائل الإعلام، والتي تهدف جميعها إلى ” تشويه صورة المملكة ومحاولة تدمير سمعة ولي العهد”.
خلصت السلطات السعودية إلى أن أردوغان فشل في محاولته الهادفة إلى تسييس القضية وتدويلها، وقد “حان الوقت لشن القتال” كما ورد في التقرير. في المقابل، قبلت كل من وكالة المخابرات المركزية وأعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي تقييم المخابرات التركية لمقتل خاشقجي، حيث توصلت الوكالة الأمريكية إلى استنتاج مفاده أن بن سلمان وقع على عملية الاغتيال وأذن بتنفيذها، وذلك استنادا إلى عملياتها الاستخباراتية الخاصة بها.
علاوة على ذلك، نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مسؤول أميركي مطلع على استنتاجات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قوله:” إن الموقف المقبول هو أن هذه الجريمة ما كانت لتحدث دون أن يكون ولي العهد مدركا لوقوعها أو متورطا فيها”.
انخفض عدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا بنسبة 15 بالمئة ليتراجع عددهم من 276 ألف إلى 234 ألف في الأشهر الستة الأولى من سنة 2019، وذلك حسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة التركية.
ومنذ ذلك الوقت، قدم المحقق التابع للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، أغنيس كالامارد، تقريرا مفصلا يعنى بالصعوبات التي واجهتها السلطات التركية في التحقيق في جريمة القتل والوصول إلى مبنى القنصلية ومنزل القنصل العام. وبشكل عام، خلص المحقق إلى أن اغتيال خاشقجي كان بتدبير من ولي العهد السعودي.
بداية الضغوطات
في الأسبوع الماضي، ظهرت أول علامة عن الحملة عقب رواج الوثيقة الإماراتية. وقد منعت السلطات السعودية 80 شاحنة تركية تنقل منتجات النسيج والمواد الكيميائية من دخول المملكة عبر ميناء ضباء. وفقًا لما ذكره مسؤول تركي تحدث إلى موقع “ميدل إيست آي” بشرط عدم الكشف عن هويته، حجزت السلطات السعودية 300 حاوية محملة بالفواكه والخضروات من تركيا في ميناء جدة. من جانب آخر، انخفض عدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا بنسبة 15 بالمئة ليتراجع عددهم من 276 ألف إلى 234 ألف في الأشهر الستة الأولى من سنة 2019، وذلك حسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة التركية.
عميل سعودي ينظر إلى كتيب سياحي عن تركيا في وكالة أسفار في العاصمة الرياض.
في الواقع، تمتلك المملكة العربية السعودية حوالي 2 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في تركيا، وذلك استنادا إلى بيانات وزارة الخارجية التركية لعام 2018. وكانت الصادرات التركية إلى المملكة العربية السعودية قد بلغت حاجز 2.64 مليار دولار سنة 2018، في حين بلغت الواردات من المملكة 2.32 مليار دولار.
في شأن ذي صلة، تلقت المملكة عدة إشارات إزاء هذه القطيعة الاقتصادية، حيث قال التقرير الإماراتي “في إشارة إلى أن القيادة السعودية قطعت علاقتها مع أردوغان وبدأت في معاملته كعدو”، إن الملك سلمان وافق “دون تردد” على توصية من لجنة استشارية بعدم إرسال دعوة رسمية للرئيس التركي لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي في مكة.
علاوة على ذلك، أضيف اسم الرئيس التركي إلى قائمة المستبعدين من القمة، إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وفي النهاية، قرر الملك سلمان السماح للأمير القطري بحضور الحدث الذي سيقام في مكة، على الرغم من أن دعوة أردوغان لم تكن واردة الحدوث.
قال المسؤول التركي إن أنقرة لا تعتقد أن المواطنين السعوديين يغيرون موقفهم من تركيا، على الرغم من جهود الحكومة في الرياض
تدرك الحكومة التركية محاولات ولي العهد السعودي قطع العلاقات معها وتحاول مكافحتها من خلال التواصل المباشر مع والده الملك سلمان. وفي هذا الشأن، قال مسؤول تركي رفيع اشترط عدم الكشف عن هويته إن وجود استراتيجية سعودية لمعاقبة تركيا بسبب موقفها من قضية خاشقجي لم يكن مفاجئًا.
تابع الموظف ذاته بالقول: “نحن على دراية بما يفعلونه، إن الأمر يحدث على مستوى علني إلى حد أنه يمكنك رؤية أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة من السعودية ووسائل الإعلام السعودية”. وفي ذلك إشارة إلى أنهم دعوا صراحةً إلى المقاطعة. وأضاف “يتقلص عدد السياح الوافدين، بينما نواجه مشكلات تتعلق بالصادرات التركية. نحن نتابع الموقف عن كثب”.
مع ذلك، قال المسؤول التركي إن أنقرة لا تعتقد أن المواطنين السعوديين يغيرون موقفهم من تركيا، على الرغم من جهود الحكومة في الرياض. وخير دليل على ذلك هو الاتصال الذي أجراه أردوغان بالملك يوم الخميس لإثارة مشكلة الصادرات التركية المحتجزة في الموانئ السعودية. وقال مسؤول تركي آخر طلب عدم الكشف عن هويته، إن مكالمة أردوغان للعاهل السعودي كانت ودية وتركز على التطورات الإقليمية، مثل سوريا والقضية الفلسطينية.
أردف المسؤول الذي أُبلغ بالمكالمة قائلا:” إن الملك كان واضحًا ويدعم المخاوف التركية فيما يتعلق بسوريا. وفي المكالمة ذاتها، دعا أردوغان الملك سلمان وعائلته، بما في ذلك ولي العهد، للقدوم إلى تركيا.
المصدر: ميدل إيست آي