بحلول الساعة الرابعة من فجر الأحد 26 يناير/كانون الثاني 2025 بتوقيت بيروت (6:00 بتوقيت غرينتش) يُفترض رسميًا انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان بالكامل، بعد انتهاء المهلة الرسمية المقدرة بـ 60 يومًا التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الإسرائيلي الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وينصّ الاتفاق المؤلف من 13 بندًا، على الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من جنوب لبنان، على أن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية الانتشار وحفظ الأمن في المنطقة بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، بما سيمكّن النازحين من مناطق الجنوب من العودة إلى منازلهم.
غير أنه وقبل 24 ساعة من انتهاء مهلة الستين يومًا أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في بيان له أن عملية انسحاب الجيش الإسرائيلي تعتمد على انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وتطبيق الاتفاق بشكل كامل وفعال، مع انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني، مضيفًا أنه “نظرًا لأن اتفاق وقف إطلاق النار لم يتم تنفيذه بالكامل من الدولة اللبنانية، فإن عملية الانسحاب التدريجي ستستمر بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة”.
وقبل هذا البيان بساعات قليلة كشفت هيئة البث العبرية أن القيادة السياسية للكيان أوعزت للجيش بعدم الانسحاب من القطاع الشرقي لجنوب لبنان (الذي يمتد من ميس الجبل وحولا ومركبا والعديسة وكفركلا، صعودًا باتجاه الخيام وجوارها، وصولًا إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا) وإعادة الانتشار في القطاع الغربي، ما يفضح مخطط جيش الاحتلال في البقاء في المنطقة اللبنانية المقابلة لمستوطنات المطلة ومرغليوت وكريات شمونة شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المؤشرات السلبية القادمة من تل أبيب بشأن المماطلة في تنفيذ بنود الهدنة، دفعت لبنان للتكثيف من الاتصالات الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، من أجل الضغط على حكومة نتنياهو للالتزام بالاتفاق والانسحاب بشكل كامل من الأراضي التي لا تزال تحتلها، فهل يرضخ جنرالات الاحتلال؟ وما هي مقاربات الكابينت الإسرائيلي إزاء البقاء في الجنوب اللبناني؟
خروقات إسرائيلية بالجملة
منذ دخول اتفاق الهدنة حيّز التنفيذ في السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لم تتوقف الخروقات الإسرائيلية لبنود هذا الاتفاق، والتي وصلت في بعض التقديرات إلى أكثر من 600 خرق خلال أقل من 60 يومًا، ما نسبته أكثر من 10 خروقات كل يوم. الأمر الذي يعكس إصرارًا ممنهجًا من قبل الكيان المحتل على عدم الالتزام بالهدنة، ويفضح مخطط البقاء.
لم تقتصر الخروقات على مناطق الجنوب فقط، حيثُ عمليات الهدم والتدمير والاستهداف والتفجير والنسف والسلاسل النارية التي أسفرت عن سقوط أكثر من 38 شهيدًا منذ بدء الاتفاق، بل تجاوزت ذلك إلى مناطق أخرى بعيدة تمامًا عن نقاط الاشتباك مع حزب الله في البقاع وبعلبك الهرمل. إذ مارست بشأنها سياسة الأرض المحروقة كتوجه عنصري معتاد من قبل جيش الاحتلال.
وعمد المحتل في اعتداءاته على الأراضي اللبنانية إلى تكرار سيناريو غزة بشكل أو بآخر، حيثُ استهداف كافة مقومات الحياة: المنازل والمشافي والبنى التحتية والمساجد. بل وصل الأمر إلى تدمير المساحات الزراعية، لغلق كافة سبل العيش أمام اللبنانيين في تلك المناطق، وإجبارهم على النزوح قسرًا أمام تلك الآلة التدميرية.
وعلى مدار شهرين كاملين منذ بدء الاتفاق، لم ينسحب جيش الاحتلال سوى من 9 بلدات فقط في الجنوب اللبناني، بحسب ما كشفته مصادر أمنية لـ “الجزيرة”، من إجمالي 42 بلدة كان قد احتلها. ما يعني بقاء 33 بلدة أخرى لم ينسحب الاحتلال منها، وبالمنطق لا يمكنه الانسحاب الكامل منها في غضون يوم واحد فقط حتى انتهاء المهلة المحددة للانسحاب.
البقاء في الجنوب اللبناني.. ما مقاربات الاحتلال؟
تلكؤ جيش الاحتلال في الانسحاب من بقية البلدات اللبنانية حتى كتابة تلك السطور وقبل ساعات من انتهاء المهلة المحددة، يعني بشكل واضح أنه لن يلتزم ببنود الاتفاق، وأن لديه نية البقاء في الجنوب اللبناني، أو على الأقل في بعض النقاط هناك، إذ أن عملية الانسحاب من تلك البلدات تحتاج بضعة أسابيع حسب بعض التقديرات.
ويتذرع الكيان المحتل في استمرار بقاءه في الجنوب اللبناني بعدم تطبيق الجانب اللبناني لكامل بنود الاتفاق، في إشارة لعدم انتشار الجيش اللبناني مع عدم إنهاء انسحاب حزب الله لشمال الليطاني، كما يرى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر الذي ذهب إلى أن حكومة نتنياهو تربط انسحاب جيشها بانتشار الجيش اللبناني، مضيفًا في تصريحاته لـ”الجزيرة” أنه وفقا للاتفاقات المعمول بها يفترض أن يسبق انسحاب الاحتلال انتشار الجيش اللبناني ليحل مكانه.
ويضيف المحلل اللبناني أن الكيان المحتل من خلال هذه السياسية التي وصفها بـ “المناورة” يسعى إلى تحميل المسؤولية للطرف اللبناني بصفته الطرف الذي لم ينفذ الاتفاق، كما أنه في الوقت ذاته يحاول إرسال رسائل أكثر عمقًا تستهدف الضغط على السلطة اللبنانية الجديدة بهدف زيادة الضغط على حزب الله وعناصره والقيام بأعمال عدائية ضدهم كنوع من إبداء حسن النوايا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من كافة الأراضي الجنوبية.
واتساقًا مع هذا الهدف الذي لا يمكن قراءته بمعزل عن المخطط الأمريكي في لبنان، يرى حيدر أن واشنطن تسعى جاهدة لإنشاء سلطة سياسية معادية للمقاومة، وتتقاطع مع أهدافها، وهو ما يدفع “إسرائيل” لمواصلة الضغط على بيروت للوصول إلى تلك المرحلة الصدامية مع الحزب ومحوره الإقليمي بالكلية.
#عاجل | مراسلة #الميادين في #جنوب_لبنان:
"قوات الاحتلال تقوم بقطع الطرقات في اتجاه القرى الجنوبية لمنع الأهالي إلى العودة يوم غد".#الميادين_لبنان#لبنان pic.twitter.com/tK7KGoAs7T
— الميادين لبنان (@mayadeenlebanon) January 25, 2025
وردًا على مزاعم الاحتلال أكد الجيش اللبناني في بيان له اليوم السبت 25 يناير/كانون الثاني جاهزيته للانتشار في المناطق الحدودية بجنوب البلاد، متهمًا إسرائيل بـ”المماطلة” في الانسحاب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، مشددًا في الوقت ذاته على أن وحداته تواصل “تطبيق خطة عمليات تعزيز الانتشار في منطقة جنوب (نهر) الليطاني بتكليف من مجلس الوزراء منذ اليوم الأول لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وفق مراحل متتالية ومحددة بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على تطبيق الاتفاق (Mechanism) وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل)”، وتابع: “حدث تأخير في عدد من المراحل نتيجة المماطلة في الانسحاب من جانب العدو الإسرائيلي، مما يعقد مهمة انتشار الجيش، مع الإشارة إلى أنه يحافظ على الجاهزية لاستكمال انتشاره فور انسحاب العدو الإسرائيلي”.
أما المحلل السياسي اللبناني جورج علم، فيرى أن الحكومة الإسرائيلية من خلال هذا التلكؤ تسعى إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية، ضرب مصداقية الأطراف العربية والدولية الضامنة للاتفاق، اختبار أولى لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما إذا كان هناك اختلاف في مواقفه عن تلك السياسة التي كان يتنباها سابقه جو بايدن، ثم تقييم العلاقات الأميركية الإيرانية في المرحلة المقبلة، وما إذا كان هناك تطور خفي في العلاقات بين واشنطن وطهران مدفوعا بالأحداث الراهنة ويفتح حوارًا حول مسار إقليمي واسع ربما يؤدي إلى تغييرات في المشهد الحالي.
بطبيعة الحال ترى “إسرائيل” أن تلك هي فرصتها التاريخية -التي قد لا تتكرر مستقبلا- للإجهاز على حزب الله الذي يعاني أوهن محطاته التاريخية، على مستوى قيادته الإدارية وقدراته التسليحية وبنيته التنظيمية، وذلك بعض الضربات التي تلقاها مؤخرًا والتي أطاحت بقيادات الصفين الأول والثاني وقضت على معظم إمكانياته، تلك الضربات التي تعمقت أكثر بمقاربات طهران البرغماتية التي تلقت هي الأخرى لكمات موجعة، فضلا عن الخسارة اللوجستية المحورية بسقوط نظام بشار الأسد، أحد أبرز الأذرع الداعمة وإن عانت العلاقات معه فتورًا نسبيًا خلال الآونة الأخيرة.
كما أن تولي دونالد ترامب الداعم الأبرز لـ”إسرائيل” السلطة في الولايات المتحدة ربما يراه البعض تطورًا يصب في صالح أجندة الاحتلال في الداخل اللبناني، في ظل التوجه الصهيوني الذي يسيطر على اختيارات إدارته الجديدة، لاسيما على مستوى المجالات الأكثر تأثيرًا في صناعة القرار الأمريكي وعلى رأسها الخارجية والدفاع والأمن القومي.
مماطلة ومراوغة معتادة
كعادته في إجادة فن المراوغة وأسلوب المماطلة والتسويف حاول نتنياهو التملص من بنود الاتفاق عبر تفسيراته الشخصية المضللة التي تخدم أجندته، لافتا أن “البند الذي يقضي بانسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي خلال 60 يومًا، تمّت صياغته بناءً على فهم بأن عملية الانسحاب قد تستغرق أكثر من 60 يومًا” وأن الكيان لن يخاطر بسلامة البلدات والسكان، وسيصرّ على التنفيذ الكامل لأهداف العمليات العسكرية في الشمال، بحسب البيان الصادر عن مكتبه.
وفي سياق التسويف قال مسؤولون إسرائيليون كبار إن “إسرائيل أكّدت للولايات المتحدة ودول غربية أخرى أنها ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وتعتزم تنفيذه بالكامل، لكنها تحتاج إلى فترة زمنية إضافية تتجاوز الـ60 يومًا المنصوص عليها في الاتفاق، لاستكمال انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، نظرًا إلى الوضع على الأرض” حسبما نقل عنهم موقع “أكسيوس” الأميركي.
فيما أشارت هيئة البث الإسرائيلية، أن المدة التي يحتاجها جيش الاحتلال للانسحاب من الجنوب اللبناني قد تمتدّ لأسابيع، بزعم أن قدرة الجيش اللبناني على الانتشار بشكل فعّال في القطاع الشرقي وتدمير سلاح حزب الله لا تزال غير كافية.
ماذا عن موقف حزب الله؟
بطبيعة الحال رفض حزب الله، ما يثار بشأن عدم انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني بنهاية مهلة الستين يومًا، واصفا في بيان له الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، أن أي تأخير إسرائيلي بالانسحاب من جنوب لبنان سيُعدّ “تجاوزًا فاضحًا” لاتفاق وقف إطلاق النار، مطالبًا سلطات بلاده بالضغط على رعاة الاتفاق من أجل تنفيذه بشكل كامل وشامل.
وأضاف الحزب أن “مهلة الـ60 يومًا لانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يحتم عليه تنفيذًا كاملًا وشاملًا، وفقًا لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار”، معتبرًا أن ذلك “يستدعي من الجميع، وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان، بالضغط على الدول الراعية للاتفاق (الولايات المتحدة وفرنسا)، إلى التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وعودة الأهالي إلى قراهم سريعًا”.
وتابع: “أي تجاوز لمهلة الـ60 يومًا يُعتبر تجاوزًا فاضحًا للاتفاق، وإمعانًا في التعدي على السيادة اللبنانية، ودخول الاحتلال فصلًا جديدًا يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال”، مشيرًا إلى أنه “سيتابع تطورات الوضع الذي من المفترض أن يتوج في الأيام القادمة بالانسحاب التام”، مختتمًا بيانه بالتأكيد على أنه “لن يكون مقبولًا أي إخلال بالاتفاق والتعهدات، وأي محاولة للتفلت منها تحت عناوين واهية”.
ضغوط دولية وضبابية في الموقف الأمريكي
تبذل بيروت جهودًا دبلوماسية مكثفة لإرغام الجانب الإسرائيلي على الالتزام بالاتفاق والانسحاب الكامل من الجنوب وعدم تمديد الهدنة لفترات لاحقة، حيث كشفت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، توجّه إلى السفيرة الأميركية ليزا جونسون خلال اللقاء الذي جمعه رئيس لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، غاسبر جيفرز، الخميس 23 من الشهر الجاري، وطلب منها نقل رسالة للرئيس ترامب مفادها رفض تمديد مهلة الـ 60 يومًا بصفته القادر على إلزام “إسرائيل” بتنفيذ الاتفاق في المهلة المحدّدة، كما دفعها إلى التوصّل لاتفاق في غزة، على حد قوله.
وأضاف بري في رسالته للسفيرة الأمريكية أنه “على واشنطن ممارسة دورها كراعية للاتفاق”، معتبرًا أن عدم انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب من شأنه تهديد مشهد الاستقرار والانطلاقة الجديدة التي انطلقت بانتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة.
وكشفت الصحيفة اللبنانية أن الموقف الأمريكي يميل نحو تمديد الهدنة، وأن الأمور تسير باتجاه بقاء الاحتلال ولو إلى حين، حيث نقلت عن وكالة “رويترز” نقلا عن “البيت الأبيض” قوله إن “هناك حاجة ملحّة إلى تمديد وقف إطلاق النار لفترة قصيرة ومؤقّتة في لبنان” مضيفًا: “نواصل العمل بشكل وثيق مع شركائنا الإقليميين لإتمام التمديد لوقف إطلاق النار في لبنان (…) ويسرّنا أن الجيش الإسرائيلي بدأ في الانسحاب من مناطق في وسط لبنان”.
وأشارت الصحيفة نقلًا عن مصادرها أن الجانب اللبناني لم يتم تبليغه -حتى الآن- بقرار “إسرائيل” رفض الانسحاب، رغم إبلاغ الكيان لقيادة “اليونيفل” نيّته الإبقاء على قواته في عدة نقاط محددة في المنطقة الحدودية، في القطاعين الشرقي والغربي، مع إرفاق ذلك بخرائط وصور جوية وإحداثيات لهذه المواقع.
وكان لبنان قد حصل على بعض التطمينات من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال زيارتهما الأخيرة إلى بيروت، في 18 يناير/كانون الثاني الحالي، بالتأكيد على ضرورة انسحاب “إسرائيل” بالكامل من لبنان بحلول الأحد 26 من الشهر الجاري، وبذل كل الجهود في هذا الإطار، لفتح صفحة جديدة من السلام انطلاقًا من هدنة لبنان وبدء عملية إعادة الإعمار.
إلا أنه وحتى الساعة لا يبدو في الأفق أي إرهاصات مبشرة بشأن استجابة الكيان المحتل لتلك الضغوط، وهو ما كشفه إيعاز المجلس الوزاري المصغر للجيش الإسرائيلي بعدم الانسحاب من البلدات التي احتلها في الجنوب اللبناني خلال المهلة المحددة، وحثه على إعادة الانتشار والتموضع بما يؤكد نوايا البقاء وعدم الانسحاب، فيما نقلت صحيفة ” فايننشال تايمز” البريطانية عن مصادر مطلعة أن “إسرائيل” ولبنان يجريان محادثات عبر وسطاء لتمديد وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا إضافية.
تداعيات البقاء
يرى العميد الركن المتقاعد حسن جوني في تصريحات صحفية له أن بقاء جيش الاحتلال في الجنوب اللبناني بعد انقضاء مهلة الستين يومًا سيكون له انعكاسات وتداعيات سلبية على الجميع، أبرزها:
– إحراج الولايات المتحدة، الضامن الأبرز للاتفاق ورئيسة اللجنة المكلفة والمشرفة على تنفيذه وتعريض صورتها الإقليمية والدولية للتشويه، خاصة بعد تصريحات مسؤوليها التي أكدت على ضرورة تطبيق الاتفاق بكامل بنوده وانسحاب “إسرائيل” الكامل من الجنوب اللبناني.
– التمديد يعني عدم قدرة النازحين من الجانبين، الجنوب اللبناني والشمال الفلسطيني المحتل، على العودة لمناطقهم التي نزحوا منها منذ بداية حرب غزة، ما يعني تفريغ الاتفاق من مضمونه، وانتفاء جدواه.
– وضع فرنسا وأعضاء المجموعة الخماسية العربية الدولية الداعمة للبنان في مأزق حقيقي أمام مسؤولياتها المتعلقة بتنفيذ كافة بنود الاتفاق وصولًا إلى إنهاء القتال والتوتر على تلك الجبهة.
– التعنت الإسرائيلي سيكون اختبارًا صعبًا للرئيس اللبناني جوزيف عون في بداية عهده، وقبل تشكيل حكومته الأولى، وهو ما سيكون له أثره على طبيعة العلاقات بين الطرفين مستقبلًا، وبالتالي عرقلة الرغبة الأمريكية في تدشين سلطة لبنانية جديدة أميل للتهدئة وأكثر مناوئة للمقاومة ونشاطها
– استمرار الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وعدم تنفيذ الاتفاق من شأنه أن ينسف المقاربة الدبلوماسية التي يحاول الجميع فرضها لسحب مقاربة المقاومة المسلحة، وأن يزيد من حالة الاحتقان الشعبي اللبناني تجاه الكيان المحتل، بما يُبقي على حالة عدم الاستقرار ويزيد من مخاوف التوتير مستقبلًا.
وتحاول الحكومة الإسرائيلية القفز على تلك الارتدادات العكسية لعدم تنفيذ الاتفاق من خلال استراتيجية “عدم الانسحاب الكامل وعدم البقاء الكامل” وهو ما كشفته القناة 13 العبرية التي قالت إن نتنياهو طلب – عن طريق وزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر- من ترامب الإبقاء على 5 مواقع إسرائيلية بجنوب لبنان، لافتة أنه في حال الموافقة على ذلك سيتحول اتفاق وقف إطلاق النار في الشمال إلى هدنة دائمة في غضون أربعة أيام فقط.
أخيرًا.. تسير الأمور في المشهد اللبناني نحو تمديد الهدنة، ليس شرطًا لفترة مماثلة (60 يومًا)، وسط ضغوط إسرائيلية على إدارة ترامب، للبقاء في بعض النقاط التي يضمن بها الكيان توسيع عمقه الأمني واستمرار الضغط على السلطة اللبنانية الجديدة وحلفاءها الإقليميين لإخراج حزب الله عن المشهد، وهو ما يعطي انطباعًا سلبيًا بشأن المشهد في غزة – رغم الاختلاف بين الساحتين- واحتمالية التزام نتيناهو وحكومته بتنفيذ مراحل اتفاق وقف إطلاق النار التالية.