المكان: شارع كورنيش النيل، حي المنيل، محيط معهد الأورام، دائرة قسم السيدة زينب، وسط القاهرة.
الزمان: الحادية عشر و37 دقيقة، مساء الأحد، 4 من أغسطس/ آب 2019.
الحدث: انفجار قوي أدى إلى حريق ضخم، مخلفًا فوضى عارمة، ومشهدًا دمويًا بشعًا وعشرات القتلى والمصابين، وهرولة سيارات الإسعاف إلى المكان.
البيانات متضاربة ولا أحد يعلم ماذا حدث
حتى الساعة الواحدة فجر الأحد، لم يكن أحد يعلم ما الذي حدث غير من تسبب في الحدث، فالانفجار وقع فجأة، “في غمضة عين” كما يقولون، والمدونون على شبكات التواصل الاجتماعي وشهود العيان لا يقدمون روايةً واحدة متماسكةً يمكن البناء عليها، إنما كانوا يقومون بتفكيك المشهد وتحليله. وقد زادت هذه الحيرة عقب بيان وزارة الداخلية المصرية الذي عزا هذا الانفجار إلى تصادم إحدى السيارات التي سلكت طريقًا عكسيًا بسيارتين أخريين أمام معهد الأورام، مستبعدًا بذلك وقوع أي حادث إرهابي في موقع الانفجار.
هذه الرواية، رواية الداخلية، قوبلت بتكذيب شهود العيان الذين كانوا في موقع الحادث خلال الانفجار وأكدوا عدم حدوث التصادم بنفس الطريقة التي تحدث عنها بيان الداخلية، وقوبلت في نفس الوقت بتشكيكٍ من المراقبين الذين رأوا استحالة تسبب حادث تصادم لبعض السيارات في كل الدمار الناجم عن الانفجار وكل هذه الخسائر في الأرواح، وهو ما فتح المجال واسعًا لإنتاج الشائعات وتداول التحليلات والتكهنات غير المنضبطة، حيث تم استدعاء خبر قديم يعود لعام 2013 يتحدث عن انفجار أنبوب أكسجين في معهد أورام القاهرة، باعتباره السبب الحقيقي لحدوث هذا الانفجار.
خرجت الداخلية المصرية في بيان تعقيبي تعليقًا على بيان السيسي، أوضحت خلاله أن الانفجار وقع بعد تصادم سيارة “محملة بكمية من المتفجرات” بسيارتين
فريقمن مؤيدي الحكومة ذهب إلى أن عملاً إرهابيًا تسبب في هذا الانفجار، كعقابٍ من التنظيمات الإرهابية المتعاونة مع القوى الدولية الكبرى، ردًا على تنامي النفوذ المصري إقليميًا في كل من ليبيا والسودان، ورفض الانخراط في صفقة القرن بعد لقاء الرئيس المصري بجاريد كوشنر، فيما عزا فريق من معارضي النظام المصري هذا الحادث إلى رغبة الحكومة المصرية المضي قدمًا في مشروع “القاهرة 2050″، الذي يحوي خططًا لإجلاء السكان من عدد كبير من مناطق القاهرة “الشعبية”، غير المخططة جيدًا، وإحلالها بمشاريع استثمارية كبرى وبنية إسكانية أكثر تنظيمًا، بالتعاون مع عدد من الوكالات الإنمائية والتمويلية متعددة الجنسيات.
وبين هذا وذاك، وفي الثالثة والنصف عصر الإثنين، غيرت الدولة المصرية روايتها الرسمية تمامًا وأعلنت ما حدث في محيط معهد الأورام عملًا إرهابيًا، فخرج الرئيس المصري عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ليقدم التعازي لأرواح الضحايا وتمنياته بالشفاء العاجل للمصابين الذين سقطوا نتيجة “للعمل الإرهابي الجبان”، متوعدًا الإرهاب بالعمل مع الشعب المصري لاقتلاعه من جذوره، وبعد نصف ساعة، خرجت الداخلية المصرية في بيان تعقيبي تعليقًا على بيان السيسي، أوضحت خلاله أن الانفجار وقع بعد تصادم سيارة “محملة بكمية من المتفجرات” بسيارتين، مشيرةً إلى أن هذه السيارة مبلغ بسرقتها في محافظة المنوفية منذ عدة أشهر، ومحملةً “حركة حسم” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، على حد قولها، مسؤولية هذا الحادث.
آثار دامية وسوء إدارة
بحسب بيانٍ رسمي صادر عن وزارة الصحة المصرية، فإن عدد القتلى ارتفع إلى 20 قتيلًا، بينهم أربعة مجهولين، ونحو 47 مصابًا بينهم أربعة في حالة حرجة، بالإضافة إلى “كيس من الأشلاء”.
تقرر إيقاف الخدمات الطبية المقدمة في أقسام الباطنة والأطفال والرعاية الحرجة والعمليات، لحين انتهاء أعمال شركة “المقاولون العرب” الموكلة من الحكومة المصرية
المكتب الإعلامي لجامعة القاهرة، التابع لها المعهد القومي للأورام، أكد أن الانفجار وما تلاه من حرائق وقعوا خارج المعهد وليس داخله، ومع ذلك، فقد تقرر إخلاء المعهد ونقل 78 من المرضى إلى مستشفيات القاهرة، وهي معهد ناصر والمنيرة ودار السلام للأورام، بعد تعنت مستشفى سرطان الأطفال المعروفة بـ(57357) في قبول عدد من الأطفال الوافدين من معهد الأورام بعد إخلائه، وتحطم واجهة المبنى الإداري، وتهشم النوافذ والمكاتب المطلة على الكورنيش.
كما تقرر إيقاف الخدمات الطبية المقدمة في أقسام الباطنة والأطفال والرعاية الحرجة والعمليات، لحين انتهاء أعمال شركة “المقاولون العرب”، الموكلة من الحكومة المصرية، من الترميم والصيانة، مع الإبقاء على قسمي الكيماوي والعيادات الخارجية مفتوحين، حيث يتكون المعهد المتضرر من مبنى، يحيط به بنايتان أكثر ارتفاعًا وقسم منفصل للعيادات الخارجية لم يصبه أذى، وقد توافد المرضى من الصباح الباكر لتلقي الخدمة الطبية، رغم الحادث.
ورغم كل ذلك، فقد منعت “منظومة المخلفات الجديدة” و”تقنين الكنائس” رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، من الحضور لمعاينة موضع الحادث، مكتفيًا ببيان تعزية على صفحته وموفدًا وزيرة الصحة بالأعمال الميدانية، رغم أن المعلوم في مصر محليًا أن رئيس الوزراء يشرف بنفسه على إدارة الأزمات ميدانيًا، نظرًا لصعوبة نزول الرئيس إلى هذه المواقع من الناحية الأمنية، كما حدث في حادثة حريق رمسيس.
بحسب ما ورد في البيان الثاني للداخلية وتحقيق موقع “المنصة” عن الحادث، فإن قائد السيارة المسروقة المحملة بالمتفجرات والمنتمي إلى حركة” حسم” اضطر إلى سلوك الطريق العكسي، هربًا من كمين أمني متمركز بالقرب من “الزهراء” عند مدخل مدينة “المعادي”
وقد اكتفى التليفزيون المصري وروافده بتقديم شريط مذيل يشير إلى وقوع انفجار في محيط معهد الأورام، بدلًا من تقديم تغطية مباشرة من موقع الحادث، تاركًا المشاهد المصري فريسةً للشائعات والقنوات الأجنبية، حتى تبين أن سبب هذه التغطية المقتضبة كان 4 رسائل “واتساب” أرسلتها الأجهزة الأمنية المعنية بالتنسيق مع الإعلام إلى المسؤولين في التليفزيون المصري، حذرت خلالها من نشر تصريحات للمسؤولين الموجودين على الأرض أو بث صور للمصابين من موقع الحادث بحسب ما أورده “مدى مصر”، ليتداول المدونون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا مغلوطة لمصابين من سوريا خلال أحداث الغوطة الشرقية 2018.
اللواء دكتور أحمد توفيق، أستاذ إدارة الأزمات في الجامعة الأمريكية أكد في حوار مع “المنصة” أن الأزمات في حد ذاتها واردة في أي مجتمع، وعادة ما تكون مصحوبة بشائعات تزيد أو تقل حسب المعلومات الموثقة عن الحادث من الجهات الرسمية والمعنية، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن تعامل الدولة المصرية مع حادثة المعهد كان خلافًا لذلك، إذ “لم يخرج علينا أي شخص مسؤول ليحدثنا عن المعلومات والأسباب، ولا حتى بإفادات مبدئية ومتابعة إخبارية لحظية، منعًا لحدوث بلبلة وترك المواطن فريسةً للشكوك والشائعات، في تكرار لما وقع من تخبط وقت انفجار مصنع الكيماويات شرق القاهرة قبل شهور”.
فاتورة تجاهل التحذيرات البريطانية
بحسب ما ورد في البيان الثاني للداخلية وتحقيق موقع “المنصة” عن الحادث، فإن قائد السيارة المسروقة المحملة بالمتفجرات والمنتمي إلى حركة” حسم” قد اضطر إلى سلوك الطريق العكسي، هربًا من كمين أمني متمركز بالقرب من “الزهراء” عند مدخل مدينة “المعادي”، متجهًا إلى “الجيزة” للاختباء لفترة قصيرة بالقرب من إحدى القرى النائية، إلى حين حلول موعد تنفيذ العملية ضد إحدى المنشآت الأمنية خلال عيد الأضحى.
في 20 من يوليو/تموز الماضي، حذرت الخارجية البريطانية الدولة المصرية مما سمته “هجمات إرهابية محتملة”، قد تحدث خلال المناسبات الدينية، وهو ما انحاز له بيان الداخلية المصرية عن استخدام السيارة المفخخة في التحضير لحادث إرهابي خلال عيد الأضحى المقبل
وعلى ما يبدو، وقبل تبني الدولة المصرية لروايتها الثانية بخصوص الإفصاح عن وقوف أيادٍ إرهابية خلف التفجير، كانت الدولة المصرية مهتمة بنفي التحذيرات الأمنية البريطانية الصادرة قبل أسبوعين عن احتمالية حدوث عمل إرهابي كبير في مصر، متغاضيةً في نفس الوقت عن المكاسب الرمزية المحتملة من إدانة جماعة الإخوان المسلمين أخلاقيًا بالتورط في العنف خلال حربها الممتدة على الإرهاب في مصر منذ عام 2013، خاصة أن أي تنظيم قد مني بفشل ذريع كهذا، وتسبب في سقوط هذا العدد من القتلى الأبرياء لن يبادر بإعلان مسؤوليته عن الحادث.
إلا أن هذه المعادلة تغيرت بين ليلةٍ وضحاها، بإيعاذٍ من مقربين من الرئيس على اتصالٍ بالداعمين في أبو ظبي كما يبدو، حيث “كان الجميع في انتظار بيان الرئيس”، بحسب تحقيق المنصة، البيان الذي لحقه بيان الداخلية، رغم ما يتضمنه هذا الإقرار من تساؤلات أمنية تخص كيفية تجول سيارة محملة بالمتفجرات في وسط القاهرة، بين الكمائن الأمنية المنتشرة، وعلى مقربة من السفارات الأجنبية، بعد خمسة أعوام من الحرب على الإرهاب.
وقد عزز هذا التفسير أيضًا احتفاء الرئيس في بيانٍ لاحق فجر اليوم بما سماه “حسن التكاتف والتكافل في مواجهة قبح الإرهاب”، بعد “رؤية تسارع وتسابق وتضامن الجميع سواء من أشقائنا العرب أو أهل بلدنا المصريين في تقديم ما يستطيعونه لتجاوز ما خلفه الإرهاب الغاشم من خراب ودمار”، حيث أعلنت أبو ظبي عن تبرع بقيمة 50 مليون جنيه مصري لترميم معهد الأورام في وقت متأخر من يوم أمس.
وفي 20 من يوليو/تموز الماضي، حذرت الخارجية البريطانية الدولة المصرية مما سمته “هجمات إرهابية محتملة”، قد تحدث خلال المناسبات الدينية، وهو ما انحاز له بيان الداخلية المصرية عن استخدام السيارة المفخخة في التحضير لحادث إرهابي خلال عيد الأضحى المقبل، غير أن الدولة المصرية والإعلام المصري نفوا – جملة وتفصيلاً – صحة هذه المزاعم وقتها، معتبرين إياها جزءًا من حرب غير رسمية تشنها المملكة المتحدة ضد مصر، انتقامًا من إنجازاتها، خاصة تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية.
هذا الحادث، فضلًا عما خلفه من ضحايا ومصابين، فإن طريقة تمريره ستساهم في توتر العلاقة الرمزية بين الأجهزة الأمنية والجمهور في مصر
المشكلة هنا أن هذا السيناريو قد تكرر أيضًا حينما أصدرت السفارة الأمريكية بالقاهرة تحذيرات لرعاياها للمقيمين في مصر من الوجود في تجمعات عامة خشية حدوث عمليات إرهابية محتملة على يد حركة “حسم”، مايو/ آيار 2017، لتجد القاهرة نفسها أمام حادث إرهابي يستهدف الأقباط الأرذوكس المتوجهين من مطرانية الفشن إلى دير الأنبا صموئيل بالمنيا، مخلفًا 28 قتيلاً و25 مصابًا، بعد يومين فقط من هذا التحذير.
إذًا، فهذا الحادث، فضلًا عما خلفه من ضحايا ومصابين، فإن طريقة تمريره ستساهم في توتر العلاقة الرمزية بين الأجهزة الأمنية والجمهور في مصر، المتوترة أصلاً بفعل الحوادث الأمنية التي تلت انقلاب الثالث من يوليو عام 2013، بحيث تكرس لأفضلية وموثوقية الأجهزة الأمنية الغربية على الأجهزة المصرية فيما يخص تقييم الوضع الأمني داخليًا، كما أنها، في الوقت ذاته، ستضعف المناعة الدفاعية للمؤسسات الرسمية المصرية في وجه أي إجراءات احترازية أمنية تطلقها المؤسسات الغربية بخصوص السفر إلى مصر مستقبلاً، مع توقعات باستمرار منع تدفق الوفود الروسية إلى مصر، والحظر الجوي البريطاني المفروض على السفر إلى شرم الشيخ، بل وتراجع الموسم السياحي الحاليّ بعد تأكيد تحذيرات الخارجية البريطانية، وإيقاف بريطانيا لرحلاتها الجوية إلى مصر لمدة إسبوع خلال الشهر الماضي.
وفي وقتٍ سابق، كنا في “نون بوست” قد تواصلنا مع أحد الباحثين السياسيين في المركز المصري للتاريخ والدراسات الإستراتيجية بخصوص سياسة الدول الكبرى في حظر الطيران والتحذيرات الأمنية، فأخبرنا أن الدول الكبرى تفضل الاكتفاء بإطلاق تحذيرات عامة أو محددة بنطاق جغرافي معين ومزمنة، دون اللجوء للتواصل مع الحكومات المحلية، لأنها تعتبر أن استخدام أدواتها الاستخبارية المتقدمة في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط جزء من إرثها الاستعماري تاريخيًا، داخل منطقة نفوذ جيو إستراتيجي معاصرة، في حين تنظر الحكومات المحلية إلى مثل هذه التحذيرات على أنها تهديد سياسي واقتصادي غير مطلوب، راجع في أفضل الأحوال إلى المخاوف الغربية المبالغ فيها، وهو ما قد لا يوفر الحماية الكاملة والمطلوبة لرعايا الدول الكبرى في هذه الدول حال ركزت على التواصل مع هذه الدول.
بشكل عام، تعتبر الأهداف الميدانية التي تدخل في دائرة نيران التنظيمات الإرهابية ووسائل التنفيذ التي يعتمد عليها في سبيل إصابة هذه الأهداف، كالعبوات المتحكم بها عن بعد والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، أسبابًا واضحة لسقوط أعداد كبيرة من الأبرياء والمدنيين
وكانت بريطانيا قد أعلنت أيضًا عن تعرض الطائرة الروسية في شرم الشيخ إلى “عمل تخريبي” في أكتوبر/تشرين 2015، وهو ما ثبت لاحقًا بعد تبني تنظيم “ولاية سيناء” إسقاطها عبر زرع عبوة ناسفة في حقائب أحد المسافرين، قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ، وكاد أن يعصف بالعلاقات المصرية البريطانية نوفمبر/تشرين من نفس العام عندما أصر رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، على إعلان هذه الرواية، بالمخالفة للروايتين المصرية والروسية.
مآسٍ إنسانية غير مسبوقة والفاعل واحد
بشكل عام، تعتبر الأهداف الميدانية التي تدخل في دائرة نيران التنظيمات الإرهابية ووسائل التنفيذ التي يعتمد إليها في سبيل إصابة هذه الأهداف كالعبوات المتحكم بها عن بعد والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، أسبابًا واضحة لسقوط أعداد كبيرة من الأبرياء والمدنيين، من غير رجال الأمن القادرين على المواجهة والمدربين على الخروج من هذه العمليات بأقل الخسائر، وفي مصر بشكل خاص، نظرًا لأسبابٍ كثيرة قد يكون من بينها تضييق الخناق على هذه المنظمات من جهة، أو رغبة هذه الجماعات في توسيع دوائر أهدافها جغرافيا وهوياتيًا على حد سواء، صرنا نرى مآسي إنسانية لم يكن يعرفها واقعنا الاجتماعي من قبل.
ففضلًا عن مقتل 224 روسيًا، دفعةً واحدة، على متن طائرة مدنية مقلعة من مصر، بعد قضائهم عطلةً صيفية ممتعة في شواطئ جنوب سيناء الساحرة، حيث تحول يوم مقتلهم إلى يوم حزنٍ عام في وطنهم، 31 من أكتوبر/تشرين الثاني من كل عام، فقد سقط العشرات من “المسيحيين” المصريين في عدة تفجيرات متتالية، كان أبرزها مقتل 29 في تفجير الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية ديسمبر/كانون 2016، ومقتل 30 في حادث تفجير كنيسة مارجرجس بطنطا أبريل/نيسان 2017، و27 قتيلاً في حادث دير الأنبا صموئيل بالمنيا مايو/آيار 2017.
وقد خلف الإرهاب في مصر تصنيفًا دمويًا جديدًا أكثر بشاعة، وهو “المقتولون من عائلة واحدة”، حيث شهد تفجير معهد الأورام مقتل 15 شخصًا من عائلة واحدة، تصادف وجودهم في سيارتي نقل صغيرتين “ميكروباص” للمشاركة في “زفة زواج”، شهدت مقتل العريس وعروسه أيضًا في أثناء الانفجار، ومع ذلك فهذه ليست المرة الأولى، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، شهدت مجزرة مسجد الروضة، ببئر العبد في شمال سيناء، التي تبناها تنظيم “ولاية سيناء” لاحقًا، مقتل 17 فردًا من عائلة واحدة، من أصل 305 قتلى خلفتهم الحادثة، ووفاة “ربع” ذكور القرية.
ويفرق دكتور محمد عثمان الكاتب الصحفي بموقع” إضاءات” بين استهداف “داعش” على الهوية واستهداف “حسم”: فـ”داعش، عندما تستهدف دار عبادة أو كمين أو وحدة عسكرية فإن ذلك يكون ضمن هدف إستراتيجي، ففي حالة دور العبادة والأقباط مثلاً، يعتمد التنظيم على أن فرص تمدده مرتبطة بتهديد السلم الاجتماعي بإثارة الفتن في الدول التي يسعى فيها لإيجاد موطئ قدم، وفي حالة الوحدات العسكرية يستهدف التمدد في الفراغ الأمني والردع الدفاعي بتهديد كل ما هو أمني، ابتداءً بالوحدات وكبار الضباط وصولًا إلى صغار العساكر والمتعاونين الأمنيين “المخبرين”.
أما هذه الحركات مثل حسم، فهي “فاشلة على كل المستويات، إذ تحرم القتل نظريًا، وتقتل ببدائية الأدوات والوسائل، وتستقطب الشباب وتزج بهم في عمليات معقدة أكبر من قدراتهم، وبأدوات بدائية، وخبرات شبه معدومة، وقد حدث أكثر من مرة في أكثر من مدينة مصرية أن انفجرت العبوات في أجساد منفذيها، حتى قبل الوصول إلى الهدف، وفي إحدى العمليات استخدم التنظيم مؤقت غسالة كهربائية لضبط الوقت”!