منذ عشرات السنين؛ يتواصل النزاع بين دولتي باكستان والهند طرفا الصراع الرئيسيان حول كشمير، بالإضافة إلى بعض الفصائل المسلحة التي تسعى لاستقلال الإقليم عن كلا البلدين. الإقليم الذي يتميز بموقع إستراتيجي في شمال غرب شبه القارة الهندية في وسط آسيا، مما يجعل السيطرة عليه هدفًا للكثير من الدول من بينها الصين التي تسيطر على مساحة صغيرة منه منذ عام 1962 تسمى أكساي تشين. أما مساحته الكلية فهي 86023 ميلاً مربعًا، يغطي الجزء الهندي منها 53665 ميلاً مربعًا ويسمى جامو وكشمير، في حين تسيطر باكستان بطريقة غير مباشرة على 32358 ميلاً مربعًا يعرف باسم ولاية كشمير الحرة.
ولكن تحركًا هنديًا جديدًا فتح الباب أمام صراع عرقي جديد محتمل، إذ نشرت وزارة العدل الهندية، في 7 من أغسطس، نسخة من نص مرسوم رئاسي يقضي بإلغاء المادة 370 من الدستور، التي تنص على منح سكان “جامو وكشمير” الحق في دستور خاص يكفل لهم عملية صنع القرار بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، مشيرة إلى إلغائه ودخوله حيز التنفيذ “فورًا”، القرار الذي من شأنه أن يشكل خطرًا على سكان الإقليم وأمنهم.
ما هذا القانون؟ وما تداعيات إلغائه؟
يعود تاريخ القرار إلى 1947، حين نصّت المادة رقم 370 على انضمام جامو وكشمير إلى الاتحاد الهندي في وقت كانت فيه الولاية الهندية الحاكمة قد منحت خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان بعد استقلالهما عن الحكم البريطاني عام 1947، وقد عفت المادة ولاية جامو وكشمير من الدستور الهندي ومنحهم الحرية بوضع دستور وعلم منفصل والسماح لهم بإدارة جميع الأمور باستثناء المالية والدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، ودخل القرار حيز التنفيذ عام 1949.
خارطة توضح مناطق النفوذ الهندي الباكستاني الصيني على إقليم كشمير – الأناضول
مما يعني أن سكان الإقليم كانوا – حتى أيام قليلة – يعيشون في ظل قوانين مختلفة عن بقية البلاد بخصوص أمور الملكية والممتلكات والمواطنة، إلى أن أتى قرار الهند الأخير الذي قضى بإلغاء هذه المادة وأشعل فتيل الخلافات من جديد مع باكستان.
وزارة الخارجية الباكستانية من جانبها أصدرت بيانًا قالت فيه إنها تعتزم “التصدي لهذا القرار بكل الطرق الممكنة”، فيما أجرى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، اتصالًا هاتفيًا مع عدد من زعماء العالم الإسلامي من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد لبحث تطور الأوضاع في الإقليم وتأكيد استمرار إسلام أباد في “كفاحها الدبلوماسي والأخلاقي والسياسي، في قضية كشمير، ومنح الكشميريين حق تقرير مصيرهم بناءً على القرار المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وقد شارك الرئيس التركي مخاوفه مع خان بشأن الأحداث الأخيرة، لافتًا النظر إلى دعم تركيا الكامل والثابت لإسلام أباد، فيما اعتبر رئيس الوزراء الماليزي، القرار الهندي “خطوة ستؤدي إلى تدهور السلام والأمن في المنطقة، وتقوض العلاقات بين جارين يتمتعان بقدرات إستراتيجية”.
تحذيرات من إبادة جماعية وسط حملة قمع
يتعرض إقليم كشمير الذي يعتنق غالبية سكانه الديانة الإسلامية إلى احتمالية حدوث إبادة جماعية بهدف القضاء على السكان الأصليين من الحكومة الهندية التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي المتشدد، وقد حذر بالفعل وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، من هذا الأمر، في 7 من أغسطس، منددًا بقرار الحكومة الهندية، ومضيفًا “هذه الخطوة تنتهك قرارًا صادرًا عن الأمم المتحدة”.
كما قطعت شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت عن المنطقة بالكامل منعًا لتداول الأخبار والأحداث
لم تكتف الحكومة الهندية بهذه الإجراءات، بل نشرت ما يقارب 10 آلاف جندي على الخطوط الفاصلة للإقليم، كما منعت الحجاج الموجودين في المنطقة من ممارسة شعائرهم، بالإضافة إلى قيامها بمحاولات إسكات وتضييق، إذ ألقت القبض على رئيسيّ الوزراء السابقين للإقليم: عمر عبد الله ومحبوبة مفتي، ووضعتهما قيد الإقامة الجبرية في مدينة سرينغار عاصمة الشق الهندي من الإقليم بعد إعلانهما استنكار قرار الحكومة الهندية.
كما قطعت شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت عن المنطقة بالكامل منعًا لتداول الأخبار والأحداث، الأمر الذي دعا منظمة العفو الدولية إلى التنديد بقرار نيودلهي والتحذير من “اشتعال توترات جديدة” قد تؤدي إلى صراع عرقي، إذ قال الفرع الهندي للمنظمة الحقوقية الدولية في بيان: “القرار يعزل السكان المحليين ويزيد من مخاطر وقوع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان وسط حملة قمع كاملة على الحريات المدنية وقطع الاتصالات”.
عودة لبدايات الأزمة
لم يتخلص إقليم كشمير من الصراعات الماضية إلا بشق الأنفس، فقد خلفت المناوشات بين البلدين، باكستان والهند، قتلى ومصابين وضحايا اغتصاب ومجازر ممنهجة شرّدت الكثير من أهالي الإقليم لسنوات طويلة.
كما ساهم تردي الأوضاع وغياب الأمن في ظهور حركات تمرد وفصائل انفصالية مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن باكستان والهند، من بينها حركة “المجاهدين” و”حركة تحرير كشمير” و”تحالف الحرية لكل الأحزاب” ومنظمات أخرى اختارت الكفاح من أجل الاستقلال، بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية التي أنهكت المنطقة لعدة سنوات وأصابت قطاعي السياحة والصناعة اللذين يعتمد عليهما أغلب سكان الإقليم بضرر كبير أدى إلى تزايد نسبة الفقر.
بعض العناصر المسلحين في شوارع كشمير
بالنسبة للهند، تتلخص أهمية إقليم كشمير بأنه يمثل رادعًا اقتصاديًا وأمنيًا من الصين وباكستان، فهو رادع قوي أمام التوسع الباكستاني ذي الأغلبية المسلمة. أما بالنسبة إلى باكستان فهو ممرّ تجاري مهم بسبب احتوائه على ميناء “كراتشي” الباكستاني وارتباطات سكانه القوية بالتجارة والصناعة، بالإضافة إلى ضمه أهم 3 أنهار في المنطقة (السند وجليم وجناب)، مما يجعله نقطة إستراتيجية تطمع الكثير من دول المنطقة في الاستحواذ عليه.