عاد سجل الإمارات السيء في شأن الأموال القذرة وتمويل الإرهاب إلى الواجهة مجددًا، بعد أن وجّهت انتقادات للاتحاد الأوروبي بسبب إبقائها على “القائمة السوداء” للدول غير المتعاونة في مكافحة الأموال القذرة والتي تضم 27 دولة.
جاء الانتقاد على لسان وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في منتدى دافوس، حيث اعتبر أن بلاده لا تفهم سبب وجودها على القائمة أصلًا.
وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله المري قال خلال مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في #دافوس إن “السؤال عن قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء لغسل الأموال يجب أن يُوجّه إليهم.. لا أفهم كيف لا تزال #الإمارات على هذه القائمة”؟
التفاصيل: https://t.co/vwVlWfgx2q#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/CekGDPWcFw
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) January 21, 2025
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن الوزير قوله في مقابلة على هامش المنتدى في سويسرا، إن الإمارات ستُجري محادثات مع الاتحاد الأوروبي، مضيفًا أن “مسألة القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، هذا سؤال يخصهم. لا أفهم كيف لا تزال الإمارات على القائمة السوداء”.
وأشار إلى أن “الإمارات تبذل جهوداً دبلوماسية لحل المسألة من دون إعطاء أي إشارة إلى ما إذا كان موقف الاتحاد الأوروبي سيتغير”.
وعبّر الوزير الإماراتي عن مخاوفه إزاء توجيه أوروبي ربما يؤدي لفرض عقوبات على الواردات من الدول التي لا تسمح بتشكيل نقابات عمالية، مؤكدًا أن بلاده لا تعتزم استحداث ضريبة على الدخل رغم فرضها ضرائب على الشركات.
بينما أشارت الوكالة الأمريكية إلى أن الاتحاد الأوروبي يقيّم بانتظام جهود الدول ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الدولي، ولم يشطب الإمارات من قائمته السوداء رغم قيام فريق العمل المالي الذي يتخذ من باريس مقرًا له، وهو هيئة عالمية، بإزالة الإمارات من “القائمة الرمادية” العام الماضي.
قائمة رمادية
كانت مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، قد أدرجت الإمارات يوم في مارس/آذار 2022، ضمن “القائمة الرمادية” وهي درجة أقل من تصنيف “القائمة السوداء” لكنها كانت كافية لتشكل انتكاسة اقتصادية كبيرة للإمارات التي صدّرت منذ سنوات عدة، صورة برّاقة عن نفسها كمركز مالي وعالمي وحليف لا غنى عنه للغرب، غير أنها في الوقت نفسه تحولت إلى ملاذ كبير لعمليات غسيل الأموال وتهريب الذهب والاستيلاء على ثروات الشعوب كما توضح السطور التالية.
في تقريرها ذكرت مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) أن “الإمارات لا تزال بحاجة إلى إجراء تحسينات تشمل العديد من المجالات؛ بما في ذلك الحاجة إلى تعزيز قدرتها على متابعة تهديدات غسل الأموال عالية المخاطر، وإظهار زيادة مستدامة في التحقيقات والملاحقات القضائية الفعالة في غسل الأموال”.
وأضافت المجموعة المالية أن الإمارات عالجت نصف الإجراءات الرئيسية الموصى بها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، موضحةً أنه “على الدولة الخليجية الآن إظهار التقدم في تسهيل التحقيقات الدولية لمكافحة غسل الأموال، وإدارة المخاطر في بعض الصناعات، بما في ذلك وكلاء العقارات والأحجار الكريمة وتجار المعادن، وتحديد المعاملات المشبوهة في الاقتصاد”.
لاحقًا وبعد عامين من قرارها، قامت مجموعة “FATF” بإخراج الإمارات من “القائمة الرمادية” بعد أن أجرت الدولة الخليجية تعديلات تشريعية لمواجهة جريمة غسل الأموال والحد من التمويل غير المشروع وخلق بيئة اقتصادية حاضنة للشركات تضمن نموها وازدهار أعمالها، وفقًا لما ذكره وزير العدل الإماراتي عبد الله سلطان النعيمي.
وكشف الوزير في تصريحات صحفية عن مصادرة أكثر من 5.4 مليارات درهم (1.4 مليار دولار)، من ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى يونيو/حزيران 2023، وذلك بشكلٍ أساسي من القضايا المتعلقة بجرائم غسل الأموال، مبينًا أنّ بلاده “أبعدت شبح تمويل الإرهاب عنها”.
لكنّ الخبير المالي ماركوس ماينتسر الذي يشغل منصب مدير السياسات في شركة (تاكس جاستيس نيتوورك) المعنية بالشفافية المالية- شكك في الخطوة قائلًا إنّ رفع الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي يُظهر أن القائمة غير فعالة.
وذكر ماينتسر أنه “ثمة مساحة لتفسير القواعد”. وأضاف “من السهل الامتثال من دون تغيير الكثير. فهم كيفية اتخاذ القرارات مستحيل لأنها تحدث خلف أبواب مغلقة”.
جهود أمريكية وراء حذف الإمارات
موقع “بوليتيكو” الأمريكي أكد شكوك ماينتسر، إذ نشر تقريرًا في يونيو/حزيران 2023 تحدث فيه عن جهود أمريكية وغربية لحذف دولة الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، موضحًا أن صفقات الطاقة كانت وراء التدخل لصالح الإمارات في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا ومعاناة الغرب من نقص الوقود.
وجاء في تقرير الموقع الذي أعده ماثيو كارينتشنغ، إن الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية صرفت نظرها عن مشكلة غسيل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ضغطت على مؤسسة رقابة دولية (FATF) لكي تمنح علامة نجاح لدولة الإمارات، رغم الإشارات المستمرة إلى أن أبو ظبي لا يزال ملجأ للعقود غير الشرعية حسب مسؤولين أوروبيين على معرفة بالأمر.
وقال الموقع إن بعض المسؤولين في وحدة مراجعة التعاون الدولي في مجموعة العمل المالية، وتشتمل على عدد من الخبراء الدوليين في البنوك والجرائم المالية الذين أُوكلت إليهم مهمة مراقبة البلد، عبروا عن قلقهم وبالتحديد حول مصداقية المعلومات المقدمة من الإمارات للتقييم.
ولدهشة النقاد، رفض الممثلون في وحدة التعاون الدولي من الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان وألمانيا معالجة مظاهر قلقهم، حسب أشخاص على اطلاع بالأمر، إذ تم طرح الموضوع في اجتماع وحدة مراجعة التعاون الدولي في أيار/مايو 2023 في موريشوس، عندما اعترض ممثل بلجيكا ميشيل فيرفلويت للدفع باتجاه شطب الإمارات من القائمة الرمادية رغم غياب التقدم الملموس في مكافحة عمليات غسيل الأموال.
وقال وفد ألمانيا لاجتماع موريشوس إن على الوحدة اتخاذ قرارها بناء على المعلومات التي وفرتها لهم الإمارات، حتى لو شكوا في عدم دقة المعلومات.
ولم يرد وزير المالية الألماني على أسئلة “بوليتيكو” للتعليق عما إن جرى التلاعب بالبيانات المقدمة إلى مجموعة العمل المالي للتقييم، كما رفضت وزارة المالية الألمانية وبقية الدول المعنية، مثل إيطاليا ووزارة الخزانة الأمريكية التعليق على فكرة دفعها لشطب الإمارات من القائمة الرمادية، رغم مظاهر قلق أعضاء في اللجنة من أن البلد لم يلتزم بعد بالمعايير التي طلبتها مجموعة العمل المالي من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي النهاية جرى تجاهل اعتراضات فيرفلويت وبقية النقاد.
Mere months later, multiple European countries signed million dollar deals with the UAE for LNG, which consequently led to the country being taken off the grey list last February. “A Belgium representative dared state the obvious that the Emirati nation had made no progress in- pic.twitter.com/YiHcrbludl
— noon🇸🇩 (@tosharethespace) May 12, 2024
نهب ثروات الشعوب
أكد تحقيق لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن الإمارات تقوم بتمديد نفوذها في أفريقيا بالمال والصراعات الدموية وتغذية الحروب الأهلية لنهب ثروات الشعوب.
وقال التحقيق إنه عندما دفع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، عدة مئات من الأصدقاء إلى مطار خاص في مقاطعة كيب الشرقية بجنوب أفريقيا للاحتفال بالعيد العام الماضي، أظهر ذلك المخاطر في التعامل مع لاعب جديد غني بالنقد في أفريقيا.
وأضافت الصحيفة في تحقيقها الذي نشرته في 30 مايو/أيار الماضي أنه قبل الإقامة في منتجعه الخاص في واحدة من أفقر مناطق جنوب أفريقيا، أفيد بأن حاكم الإمارات تبرع بمبلغ 20 مليون راند (1 مليون دولار) لتحديث المدرج في مطار المياه الخلفية، الذي جعلته السلطات ميناء دخول دوليًا لهذه المناسبة.
ولكن على الرغم من العرض المتبادل للنوايا الحسنة، فشلت جنوب أفريقيا في إقناع الإمارات بتسليم الأخوين غوبتا، الذين تتهمهم سلطات بنهب الدولة.
فر غوبتاس “أحد الأخوين” إلى الإمارات في عام 2018، ولكن قبل حوالي أسبوعين من قيام بن زايد بجولة في كيب الشرقية، رفضت محكمة دبي تسليم اثنين من الإخوة مستشهدة بأوراق غير صحيحة، وصفها وزير العدل الحاكم في جنوب أفريقيا بأنها “صادمة”.
يسمح جدار المال هذا لدولة الإمارات بالمساعدة في تشكيل ليس فقط المصائر الاقتصادية لبلدانهم، ولكن في بعض الحالات الثروات السياسية لبعض القادة الأفارقة، وفقًا للصحيفة البريطانية.
في إثيوبيا عندما كان المقاتلون من جبهة تحرير تيغراي يهددون أديس أبابا عام 2021، قدمت الإمارات طائرات بدون طيار لإنقاذ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بينما حصلت الإمارات على صفقات ضخمة من الأراضي الزراعية ومشروع بناء مطار جديد قرب العاصمة أديس أبابا.
وعندما أطاح الجنرالات السودانيون بالرئيس المخلوع عمر البشير في عام 2019، تدخلت الإمارات وقدمت في وقت لاحق الدعم لقوات الدعم السريع شبه العسكرية في الحرب التي اندلعت العام الماضي بهدف السيطرة على البلاد، وبينما تنفي الإمارات دعمها لقوات حميدتي فإن أعضاء في الكونغرس الأمريكي وخبراء في الأمم المتحدة يؤكدون مصداقية الاتهامات.
يُعتقد أن أبو ظبي تواصل نهب ذهب السودان من المناطق التي يسيطر عليها حليفها الدعم السريع في إقليم دارفور غربي البلاد بعد الحرب، حيث تحدثت العديد من التحقيقات الاستقصائية السابقة عن تورط الإمارات في نهب ذهب السودان.
Dubai/UAE doesn’t have ANY gold mines. They’re killing, raping, and terrorizing Sudanese people for OUR gold. Boycott UAE tourism and don’t buy gold from them. https://t.co/1zwAGMGusU
— Saroyah♡ྀི🎀 (@saroyahx) May 31, 2024
وجهة مفضلة للعصابات
تكشف “وثائق بندورا” وهي مجموعة من السجلات السرية التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، أن ملاك الكثير من العقارات في دبي هم شخصيات من المشهد الإجرامي الدولي، مثل تاجر الكوكايين دانيال كيناهان الذي وجد ملاذه الآمن في الإمارة، بعد تعرضه لحادث إطلاق نار تسبب في مقتل 18 شخصًا من الحضور، ووصفته السلطات الأيرلندية بـ”حرب عصابات المخدرات”، تمكن دانيال من النجاة، وانتقل برفقة أبيه وشقيقه إلى دبي عام 2016.
في التسعينيات، كان والد دانيال يُوصف بأنه مَنْ أدخل الهيريون إلى أيرلندا، خلال ذلك الوقت كان دانيال في دبلن لاعبًا في حلبات الملاكمة، سُجن والده عدة مرات في مدن مختلفة، واستكمل دانيال وشقيقه الصغير العمل في المخدرات، وخلال سنوات، وصفتهم تحقيقات صحفية استقصائية بأنهم “أغرقوا أوروبا في المخدرات”.
وكشف تحقيق نشره موقع “VICE” حقائق بشأن تحول دبي إلى جنة العصابات حول العالم ووجهة أمراء الجريمة وتمويل الإرهاب لاسيما من دول أوروبية تفرض تدقيقًا شديدًا على غسيل الأموال.
وجاء في تحقيق نشره الموقع أنه عندما جلس أربعة من أكبر مهربي الكوكايين الأوروبيين لمناقشة الأعمال في فندق برج العرب ذي النجوم السبعة في عام 2017، لم يكونوا يتصورون أنه بعد بضع سنوات سيتم القبض على اثنين منهم من قبل موظفي إنفاذ القانون في شوارع دبي وأن الاثنين المتبقيين سيكونان أهدافًا لوكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA).
الرجال الأربعة، رضوان تاغي وهو مغربي هولندي، رافاييل إمبريال عضو بارز في مافيا كامورا الإيطالية في نابولي، دانييل كيناهان رجل عصابات إيرلندي، ورجل مخدرات بوسني يدعى إدين جاكانين، كانوا يجلسون في برج العرب حيث لاحظ عملاء إدارة مكافحة المخدرات تلاقي الكارتيل الكبير.
كان هؤلاء الرجال الأربعة، وفقًا لإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، يسيطرون على ثلث تجارة الكوكايين في أوروبا، وأوضح الموقع أن التعاون في مثل هذه الاعتقالات والتسليم كان يبدو غير وارد في السابق لهؤلاء المجرمين الذين عرفوا دبي كملاذ آمن.
مع بداية الألفية، تم استدراجهم إلى دبي حيث جذبهم امتياز عدم تسليم المجرمين، ونمط الحياة السبعة نجوم، والقواعد المالية المتراخية، ومناطق التجارة الحرة.
وفي عام 2020، أثار تقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي مؤسسة بحثية ذات نفوذ كبير، مخاوف بشأن الهياكل المالية المتراخية في دبي التي تخلق مركزًا إجراميًا.
ذكرت المؤسسة أن: “دبي مركز مالي عالمي، وجنة للمتسوقين، وواحة للأثرياء في العالم لكن جزء مما يدعم ازدهار دبي هو التدفق المستمر للعائدات غير المشروعة الناتجة عن الفساد والجريمة، حيث ساعدت الثروة غير المشروعة في تغذية سوق العقارات المزدهر في الإمارة”.
والتقرير الجديد الذي نشرته بلومبيرغ عن استياء الإمارات من إبقائها في القائمة الأوروبية السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب الدولي للعام الثالث على التوالي – يلفت إلى أن الطريقة التي تعمل بها الإمارات لتحسين صورتها وإسكات المنظمات أو رشوتها لا تعمل في كل الأوقات.
صحيح أنّ الوزير الإماراتي حاول اللعب على وتر الطاقة بقوله: هذا الأمر (تصنيف القائمة السوداء) “سيشكل تحديًا حقيقيًا لصناعتي النفط والغاز الطبيعي”، لكن يبدو أن الابتزاز لم يُجدِ مع الاتحاد الأوروبي على عكس ما حدث العام الماضي مع مجموعة العمل المالي (فاتف) بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
أخيرًا، عجز الإمارات أو عدم رغبتها في مواجهة أنشطة الأموال القذرة وتهريب الذهب، يجعلها عرضة لاحتمالات تعرضها لعقوبات أوروبية كما عبّر الوزير الإماراتي عن مخاوفه من ذلك، إضافة إلى احتمالية إعادتها إلى القائمة الرمادية لمنظمة “فاتف” بضغط من المنظمات المعنية بالشفافية.
وحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية فإنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تعد ملاذًا لتهريب أطنان الذهب من أفريقيا لغسل الأموال القذرة الملطخة بدماء الأبرياء، وهو ما دفع مارك أوميل، أحد مؤلفي التقرير لمطالبة فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (فاتف) بإعادة النظر في إزالة دولة الإمارات من “قائمتها الرمادية”.
ووفقًا لتحليل أجرته “سويس إيد” (Swissaid)، وهي منظمة سويسرية تركز على التنمية شملت عمليات تهريب الذهب من أفريقيا ما إجماليّه 435 طنًا تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار عام 2022، كانت الإمارات الوجهة الرئيسية لمعظم عمليات تهريب الذهب من القارة السمراء إذ استقبلت 405 أطنان.
تلقت أبو ظبي خلال العقد الماضي، أكثر من 2500 طن من الذهب الأفريقي المهرب، بقيمة إجمالية تتجاوز 115 مليار دولار، وفقًا للتقرير السويسري الذي كشف جانبًا خفيًا غير مرئي عن الدولة التي تروج لنفسها كدولة متقدمة تزينها ناطحات السحاب البراقة ومراكز التسوق الفخمة.