في صبيحة يوم دموي، حاولت مليشيا الدعم السريع أن تُحكم قبضتها على الدولة، خلال الساعات الأولى من 15 أبريل /نيسان 2023 سيطرت المليشيا على كل منطقة الخرطوم المركزية بما فيها القصر الجمهوري، وجميع وزارات حكومة السودان الواقعة في تلك المنطقة، ومطار الخرطوم وغيره من مؤسسات الدولة، وامتدت سيطرتها على جميع الكباري بالعاصمة ومباني الإذاعة والتلفزيون بأم درمان.
في أثناء ذلك، شنّت المليشيا هجومًا شرسًا على القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. حاصرتها بمئات العربات القتالية المدججة بالسلاح، وفي لحظة اعتقدوا أن النصر حليفهم. بل وصل بهم الأمر إلى حد إعلان قائدهم حميدتي عبر القنوات الإعلامية أنهم على بوابات القيادة العامة وعلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الاستسلام فوراً، بينما كان بقية عناصر مليشيا الدعم السريع يتسللون إلى فناء سلاح الإشارة على الضفة الأخرى من النيل، مستعدين لإعلان سقوطه.
لكنهم لم يعرفوا أنهم يواجهون قوةً ذات عقيدة عسكرية، متمثلة في عزيمة جنود وضباط القوات المسلحة السودانية. ففي يوم 15 أبريل/ نيسان 2023 والشهور التي تلته، تحولت أحلام “الدعم السريع” إلى كابوس. رغم كل المؤشرات التي كانت تُشير إلى تفوقهم، إلا أنهم واجهوا مقاومة شرسة من جنود يحمون ظهور قادتهم ويذودون عن كيان الدولة. لم يلتفتوا إلى الوراء، ولم يرهبهم حجم المليشيا أو قوتها.
مرت أكثر من 630 يوما على تلك الملحمة، أيامٌ كانت بمثابة جحيم لا يُطاق. جنود القيادة العامة وسلاح الإشارة تحملوا ما لا يُحتمل: جوعًا وعطشًا، قصفًا متواصلًا، وغيابًا شبه تام للإمدادات. لم يتبقَ شبرًا في القيادة إلا ودكّته القذائف، ولا حائط في سلاح الإشارة إلا واخترقته الرصاصات.
في يوم الجمعة 24 يناير/كانون الثاني، التقى مرابطو القيادة العامة وجنوب بحري بإخوانهم القادمين لنجدتهم، ليكسروا واحدًا من أقسى الحصارات في تاريخ الحروب. في لحظة وصفت بالتاريخية في قصة ستُروى للأجيال القادمة.
وتتكون ولاية الخرطوم من 3 مدن هي الخرطوم باعتبارها عاصمة السودان، وبحري في الجهة الشمالية من الولاية ومدينة أم درمان في الغرب، وترتبط فيما بينها بجسور على نهري النيل الأزرق والنيل الأبيض.
ويقع مقر سلاح الإشارة بموقع استراتيجي على النيل الأزرق، ويحده شرقا جسر النيل المؤدي إلى وسط الخرطوم، والشوارع المؤدية إلى القيادة العامة للجيش السوداني.
وفي خطوة أخرى لا تقل أهمية، حرر الجيش السوداني وحلفاؤه مصفاة الجيلي الواقعة في شمال العاصمة الخرطوم، الشريان الاقتصادي الحيوي للبلاد، بعد أن ظلت تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع لقرابة العامين.
هذه الانتصارات لم تكن مجرد مكاسب ميدانية، بل تحمل أبعادًا استراتيجية وإنسانية تفتح الباب لتساؤلات كبرى: كيف ستؤثر هذه التحولات على موازين القوى في حرب السودان؟ وهل سينفتح الجيش السوداني في بقية أجزاء العاصمة الخرطوم ؟
عملية عسكرية دقيقة
في سبتمبر/أيلول 2024 نفذ الجيش السوداني عملية عسكرية استراتيجية بارعة، عُرفت لاحقًا بإسم “معركة العبور”، والتي تمثلت في خداع مليشيا الدعم السريع عبر فتح عدة محاور قتال بشكل متزامن. كانت الخطة تعتمد على المرونة والتشتيت، حيث عبرت قوات الجيش إلى كل من بحري والخرطوم في نفس الوقت، مما أربك قوات المليشيا وأجبرها على تشتيت جهودها.
بدا للدعم السريع أن الجيش سيحاول التقدم نحو القيادة العامة عبر محور المقرن، وهو ما دفع المليشيا إلى حشد قواتها بشكل مكثف في جبهة المقرن، استعدادًا لمواجهة متوقعة.
في الوقت نفسه، نجح الجيش في التقدم عبر محور مدينة بحري، رغم أن المسافة من كبري الحلفايا إلى سلاح الإشارة كانت أكبر بكثير مقارنة بالمسافة من المقرن إلى القيادة العامة.
أدى فتح عدة محاور قتال متزامنة إلى تشتيت تركيز قوات المليشيا، حيث تم تعطيل جزء كبير من قوتها في محور المقرن، بينما كانت القوات الرئيسية للجيش تتقدم عبر بحري.
وفي بيان رسمي صدر مساء الجمعة، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية اكتمال المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية، والتي شملت الالتحام الناجح بين قوات أم درمان وبحري مع القوات المرابطة في القيادة العامة وسلاح الإشارة.
ووصفت القيادة العامة هذا الإنجاز بأنه “انتصار تاريخي” يعيد التوازن إلى ساحة المعركة. كما أكد البيان أن هذه العملية جاءت بالتزامن مع دحر هجوم لمليشيا الدعم السريع على مدينة الفاشر “الصامدة”، وطردهم من مصفاة الخرطوم للبترول بالجيلي والتصنيع الحربي.
من جهتها، حاولت مليشيا الدعم السريع التقليل من أهمية هذا الإنجاز، حيث وصف الناطق الرسمي بإسمها الأحداث بأنها “مجرد إشاعات تهدف إلى تضليل الرأي العام ورفع معنويات أنصار الجيش”.
وأضاف: “ما يُشاع عن التقاء قوات الجيش في سلاح الإشارة أو تحقيق انتصارات وهمية عبر فيديوهات مفبركة ما هو إلا جزء من سلسلة أكاذيبهم التي استمرت لثلاثين عامًا”.
وفي تسجيل مصور نشرته القوات المسلحة السودانية ظهر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان من داخل القيادة العامة.
وفي الصدد أكد مصدر عسكري، فضل عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ “نون بوست” أن الجيش استخدم مزيجًا من الاثنين: خدعة تكتيكية لتحويل انتباه العدو، ومرونة في تنفيذ الخطة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
ويقول المصدر إن الجيش السوداني والقوات المساندة له ظلت تتقدم ببطء وحذر شديد في الأيام الماضية بمحور شمبات متفادية شارع المعونة ذو البنايات العالية والممتليء بقناصين الدعم السريع مما اضطرها للذهاب بشوارع فرعية لتحقيق الالتحام مع سلاح الإشارة.
ويشير إلى أن جسر المك نمر الواقع جنوب بحري وبالقرب من القصر الجمهوري أصبح في مرمى نيران القوات المسلحة وتم تحييده بالكامل وبذلك تصبح المليشيا محاصرة في أحياء غرب بحري.
ويذكر المصدر أن فك الحصار عن القيادة العامة كان عن طريق التقاء ستة جيوش ضخمة قادمة من محاور مختلفة، في عملية عسكرية برية كبيرة، وكانت كالاتي: جيش كرري وجيش أم درمان المهندسين وجيش بحري الكدرو وجيش بحري سلاح الإشارة وجيش الخرطوم القيادة العامة.
وأكد أن هذا الالتقاء فتح الباب أمام تحرير المناطق المتبقية في ولاية الخرطوم، ويُمهد الطريق لعودة النازحين إلى منازلهم وأحيائهم السكنية، مما يعيد الاستقرار إلى حياة المدنيين.
وفي فيديو من داخل القيادة العامة، كشف رئيس أركان الجيش السوداني عن حجم التضحيات التي قدمتها القوات المسلحة خلال الأيام الأولى للحرب، مؤكدًا أن “الآلاف من الضباط والجنود استشهدوا دفاعًا عن القيادة العامة”.
هذا الرقم المهول من القتلى في موقع واحد يعكس حجم المعارك الضارية التي خاضها الجيش السوداني لصد هجمات مليشيا الدعم السريع، والتي كانت تهدف إلى السيطرة على القلب النابض للجيش.
وفي مشهد يختزل معنى التضحية، توجه جنود الجيش السوداني، فور فك الحصار عن القيادة العامة، إلى مقابر الشهداء بداخل القيادة العامة الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن. في فيديو متداول على منصات التواصل الإجتماعي، ظهر الجنود وهم يقفون بإجلال أمام قبور رفاقهم الذين قدموا أرواحهم ثمنًا للنصر.
و قال أحد الجنود في الفيديو: “جئنا لنخبر شهداءنا أن دمائهم كانت مهرًا لهذا النصر. لقد وعدناهم بأن نكمل المسيرة، واليوم نحقق لهم جزءًا من هذا الوعد.”
من جانب آخر تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر فرحة الأهالي في حي المزاد ببحري أثناء قدوم الجيش إليهم بعد معاناتهم مع المليشيا لأكثر من 21 شهرًا، مع تقارير صحفية تحدثت عن إعدامات قامت بها مليشيا الدعم السريع في حق المواطنيين العزل في الأيام الماضية بذريعة التعاون مع الجيش.
كما تم تداول صورة تظهر الغرفة الطبية التابعة لسلاح الإشارة، حيث بدت الجدران متشققة بإضاءة خافتة، بينما ظهرت الأسرّة المعدنية المتهالكة مع أدوات طبية بسيطة في مشهد يعكس شح الإمكانيات وظروف الحرب القاسية.
بينما وثق مقطع فيديو آخر اللحظات الأولى لدخول عناصر من الجيش السوداني للقيادة العامة، وفيديو من سلاح الإشارة يظهر جنديا لم يتمالك نفسه من البكاء أثناء وصول رفاقه من الجيش وفك الحصار.
وفي السياق، نشرت منصة القوات المسلحة السودانية فيديوهات تظهر اللواء الركن عبد العزيز أحمد أبكر، قائد سلاح الإشارة، يحتضن أبطال متحركات أم درمان بقيادة الرائد مهندس حامد البلولة الشهير ب “حامد الجامد”، بعد تحقيق التماس مع سلاح الإشارة جنوب بحري.
وفي فيديو مؤثر، يظهر اللواء الركن محمد عبد الرحمن البيلاوي وهو يرفع تمام التقاء الجيوش من مركز القيادة والسيطرة ببحري، بحضور قادة القوات ورؤساء المراكز، في لحظة تجسد صمود القوات المسلحة.
ويعتقد محللين أنه على الرغم من الأهمية العسكرية لهذا الالتقاء، إلا أن الجانب الإنساني يظل الأكثر تأثيرًا، فتحرير هذه المناطق الواسعة في بحري مع السعي لاستكمال السيطرة على كل المدينة يعني عودة الحياة إلى طبيعتها بالنسبة للآلاف من المدنيين الذين عانوا من ويلات الحرب.
تحرير مصفاة الجيلي
من جهة آخرى، وفي تطور استراتيجي جديد، أعلن الجيش السوداني، صبيحة السبت الماضي، سيطرته الكاملة على مصفاة الخرطوم للبترول بمنطقة (الجيلي) شمال العاصمة، بعد ساعات من فك الحصار عن القيادة العامة وسلاح الإشارة. هذه الخطوة تعتبر إنجازًا كبيرًا في مسار الحرب، حيث كانت المصفاة تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع منذ بداية الحرب في أبريل .
ومنذ يونيو/ حزيران شهدت المصفاة معارك متقطعة، وصلت أوجها في يناير/ كانون الثاني الجاري، عندما شن الجيش السوداني هجمات مكثفة وحاصر عناصر الدعم السريع داخل المصفاة. واستمرت الاشتباكات لعدة أيام، تخللتها عمليات قصف متبادل أدت إلى أضرار جسيمة في المنشأة.
وتعد مصفاة الخرطوم للبترول، والمعروفة أيضًا بإسم مصفاة الجيلي، واحدة من أهم المنشآت النفطية في السودان. تقع على بعد 70 كيلومترًا شمال مدينة الخرطوم بحري، وتعتبر أكبر مصفاة لتكرير البترول الخام في البلاد.
وتُصنف على أنها أكبر مصفاة للمواد البترولية في البلاد، حيث تصل قدرتها إلى (100) ألف برميل يوميًا. وترتبط المصفاة بخط أنابيب للتصدير يربطها بميناء بشائر شرقي البلاد، والذي يصل طوله إلى (1610) كيلومترات، ويُعد أطول خط أنابيب للبترول في إفريقيا.
وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمصفاة، إلا أن السيطرة عليها تعتبر خطوة مهمة نحو استعادة السيطرة على القطاع النفطي في السودان.
وقال وزير الطاقة والنفط السوداني محيي الدين نعيم، في تصريحات صحفية سابقة، إن المنتج من البترول في السودان يعادل حاليًا 20% من الطاقة الإنتاجية، مشيرًا إلى أن 50% من حقول النفط في البلاد لا تزال تعمل ولم تتأثر بالحرب.
ووفقاً لناشطين، انسحبت عناصر المليشيا من المصفاة وتوجهت نحو مناطق شرق النيل والحاج يوسف. كما ظهرت مقاطع فيديو تظهر عمال ومهندسي المصفاة، وتداولت حسابات موالية للجيش فيديو تزعم أنه يوثق وصول الأسرى الذين كانوا في مصفاة الجيلي إلى مدينة شندي.
وبعد ساعات من تحريرها، زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان مصفاة الجيلي، للوقوف على حجم الدمار ويتعهد بإعادة إعمارها.
ووفقًا لمحللين فإن الجيش السوداني تعامل وأدار المعركة في مصفاة الجيلي بمهنية عالية، مراعيًا خصوصيتها الاقتصادية والفنية. مؤكدين أن الوضع بالمصفاة قابل للإصلاح والتطوير، وفيما يخص الحريق الذي وقع قبل يوم من سيطرة الجيش عليها كان في مخزونات النفط الخام، والأضرار الناتجة عن ذلك يمكن معالجتها.
اتهامات مستمرة للإمارات
في وقت يشهد فيه الجيش السوداني تقدمًا عسكريًا كبيرًا بفك الحصار عن القيادة العامة وتحرير مصفاة الجيلي، تتزايد الاتهامات الدولية لدولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم الدعم العسكري لمليشيا الدعم السريع.
وكشفت وكالة رويترز عن جهود عضوين في الكونغرس الأمريكي لوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، بعد أن توصلا إلى أدلة تشير إلى أن الإمارات تقدم أسلحة ومساعدات عسكرية لمليشيا الدعم السريع في السودان.
وقال السيناتور كريس فان هولين والنائبة سارة جاكوبس، وكلاهما ديمقراطيان، في بيان: “الإمارات شريك مهم في الشرق الأوسط، لكن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تغض الطرف عن مساعدتها وتحريضها على المعاناة في السودان”.
وأضاف البيان أن الجهود التشريعية لوقف مبيعات الأسلحة للإمارات تأتي استنادًا إلى إحاطات من إدارة الرئيس السابق جو بايدن وتقارير أخرى تؤكد تورط الإمارات في إمداد الدعم السريع بالأسلحة.
ووصل التصعيد بين السودان والإمارات إلى حد تقديم الحكومة السودانية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تتهم فيها الإمارات بدعم مليشيا الدعم السريع، وسط نفي الإمارات لهذه الاتهامات، واصفة إياها بـ”المزاعم”.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وساطة بين السودان والإمارات في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، لكن الجهود لا تزال في مراحلها الأولية، مع استمرار التوتر بين البلدين.
والجدير بالذكر أن الحرب في السودان، التي اندلعت في أبريل 2023، تحولت إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع نزوح اكثر من 11 مليون واحتياج حوالي 26 مليون للمساعدة العاجلة بحسب وكالات أممية، الى جانب تدمير كبير في البنية التحتية للبلاد. وتأتي الاتهامات الموجهة للإمارات في وقت يحاول فيه المجتمع الدولي الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار.
ماذا بعد؟
بعد نجاح الجيش السوداني في فك الحصار عن القيادة العامة وتحرير مصفاة الجيلي، أصبحت الأهداف العسكرية الكبرى المتبقية في ولاية الخرطوم محدودة وواضحة، وفقًا لتحليلات مراقبين. هذه الأهداف تشمل الالتحام مع قوات المدرعات وتحرير جبل أولياء، وهي خطوات ستكون حاسمة في إنهاء وجود مليشيا الدعم السريع في الخرطوم و وسط السودان ككل.
ويعتقد محللون أنه مع تحقيق هذه الأهداف، ستتحول المعارك من مواجهة قوة عسكرية متمردة إلى حرب ضد جماعات نهب مسلحة متفرقة، مما يسهل على الجيش تحرير الأعيان المدنية والرموز السيادية بوتيرة مناسبة.
ووفقًا للمراقبين، بدأ كبار قادة المليشيا في الهروب من الخرطوم، تاركين خلفهم عناصر أقل خبرة، مما يعكس انهيارًا داخليًا في صفوفهم.
وكان التدخل الخارجي، وخاصة عبر متحركات “الدعم السريع” القادمة من ليبيا والتي حذر منها مناوي عبر تغريدة على منصة (اكس)، التهديد الأكبر لسير العمليات. ومع ذلك، نجح الجيش في تدمير جزء كبير من هذه القوات بواسطة الطيران الحربي، بينما عملت القوة المشتركة على المواجهة البرية في محور الصحراء ومحور مدينة الفاشر بعد صدها للهجوم رقم 173 على المدينة.
ويرى آخرون أن الهزيمة الكبيرة التي تلقتها المليشيا في ولاية سنار و ود مدني، كانت بداية الانهيار في عملية ممتدة تعكس حجمها الهائل، ولكنها أيضًا تكشف عن ترهلها وفشلها في مواجهة الجيش السوداني.
إضافة إلى ذلك فإن تحرير المصفاة سينعكس استراتيجيًا بشكل كبير على سير العمليات العسكرية في الفترة القادمة وقد تكون التداعيات كالآتي:
تحرير خمسة متحركات عسكرية: كانت خمسة متحركات عسكرية مكلفة بحماية البوابة الشمالية لمنع تقدم المليشيا نحو ولايات الشمال والشرق الخمسة. مع تحرير المصفاة، أصبحت هذه القوات حرة للتوجه إلى مهام أخرى، مما يعزز قدرات الجيش في محاور أخرى.
تفرغ المئات من الآليات والمقاتلين المساندين للجيش: آليات عسكرية وآلاف المقاتلين والقوات المساندة للجيش كانوا مشغولين بمهمة حصار المصفاة، أصبحوا الآن أحرارًا للتقدم نحو الجنوب، حيث يمكنهم تعزيز الهجمات في مناطق مثل بحري وشرق النيل.
نهاية مهمة لواء من القوة المشتركة: لواء كامل من القوة المشتركة كان مكلفًا بمهمة في نهر النيل، سيتم تحريره الآن للتوجه غربًا نحو دارفور، مما يعزز الجهود لتحرير المناطق الغربية من سيطرة المليشيا.
عودة متحركات الكدرو وحطاب وكرري: متحركات الكدرو وحطاب وجيش كرري أم درمان، التي كانت مشاركة في محور المصفاة، ستعود الآن إلى مهمتها الرئيسية في تحرير بحري وشرق النيل، مما يسرع من وتيرة التقدم في هذه المناطق.
فتح طريق الإمداد من بورتسودان: تحرير المصفاة يعني فتح الطريق أمام الإمدادات القادمة من بورتسودان، مرورًا بـ عطبرة، وصولاً إلى الخرطوم. هذه الطريق، التي تقل مسافتها عن طريق غرب النيل، ستوفر إمدادات أسرع وأكثر أمانًا للقوات في العاصمة.
وفي المحصلة، مع استمرار التقدم العسكري للجيش السوداني وإمكانية بداية المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية في أي وقت، يبدو أن نهاية الحرب في الخرطوم أصبحت قريبة. ومع ذلك، يظل التدخل الخارجي التهديد الأكبر الذي يجب على الجيش السوداني التعامل معه بحذر لضمان تحقيق نتائج جيدة تفضي إلى وقف الحرب.