كثيرًا ما أصبحنا نسمع عن الناس الذين يموتون بسبب ضربة شمس، وموجات من الحر الأشد فتكًا تجتاح ربوع الأرض، حتى الباردة منها. قد يبدو من الطبيعي أن يحدث هذا صيفًا، ومن العادي أن نتجاهل التغييرات التي تحدث حولنا، لأننا لا نراها في الحقيقة، بل نسمع عنها فقط.
أصبحنا نحن بني البشر مكدسين في المدن وضواحيها، وقد نخرج من حين إلى آخر في نزهة إلى الغابة، لنتذكر آنذاك كم كان أجدادنا ينعمون بصفاء الذهن ونقاوة المحيط، لكن سرعان ما نعود إلى تلك الأماكن التي تتركز فيها المصانع والأسواق والمقاهي وكثير من الناس الذين أرهقتهم عجلة التطور التي تستأنف الدوران على حافة وشيكة الانهيار.
الأرض لم تعد تملك لتعطي
التطور هو سنة الطبيعة، لكن الإنسان اختار لنفسه، منذ أول ثورة صناعية، شكلاً غير معهود من التطور، عندما سعى أول مرة إلى تكييف الطبيعة لتتناسب مع رغباته الجامحة، لم يكن ليعلم أبدًا أن الأرض سوف تتوقف عاجلاً أم آجلاً عن سخائها، لأنها لم تعد تملك لكي تعطي.
قال الصندوق العالمي للطبيعة، وهو شريك لمنظمة “غلوبال فوتبرينت نتوورك“، إنه إذا أراد العالم عدم استهلاك موارد الأرض قبل 31 من ديسمبر/كانون الأول، فإن انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة التي تشكل وحدها 60% من بصمتنا البيئية العالمية، مجال التحرك الرئيسي”
استنفدت البشرية كل الموارد الطبيعية التي تتيحها الأرض، حسب تقرير لمنظمة “غلوبال فوتبرينت نتوورك” غير الحكومية، إذ أكد أن “البشرية تستخدم الموارد البيئية راهنًا بسرعة تفوق بـ1.75 مرة قدرة الأنظمة البيئية على التجدد”، وأظهرت حسابات المنظمة “أننا نقضم الرأسمال الطبيعي لكوكبنا، مخفضين قدرته على التجدد في المستقبل”.
وقال الصندوق العالمي للطبيعة، وهو شريك لمنظمة “غلوبال فوتبرينت نتوورك“، إنه إذا أراد العالم عدم استهلاك موارد الأرض قبل 31 من ديسمبر/كانون الأول، فإن انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة التي تشكل وحدها 60% من بصمتنا البيئية العالمية، مجال التحرك الرئيسي”، وتابع “من خلال خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50% يمكننا أن نكسب 93 يومًا في السنة وإرجاء يوم تجاوز موارد الأرض إلى أكتوبر/تشرين الأول”.
فوضى المناخ.. 7 ملايين يموتون بسبب التلوث
لا تزال مستويات تلوث الهواء مرتفعة بشكل خطير في أجزاء كثيرة من العالم، وينظر إلى ارتفاع حرارة الأرض كواحد من أخطر نتائج التغيرات المناخية، فبعض ربوع الكوكب لن تكون صالحة للسكن في العقود القادمة بسبب بلوغ درجة الحرارة مستويات غير مسبوقة.
وعلى الرغم من أن تبدل مناخ الأرض وارتفاع حرارتها يعد ظاهرة طبيعية في أصلها، ذلك أن البشرية عرفت عبر التاريخ أزمات مناخية مثل توالي فترات الجفاف والفيضانات والطوفان، فإن تفاقم تقلبات المناخ في العقدين الأخيرين من القرن العشرين يعود في جوهره إلى النشاط الصناعي.
حاليًّا يبلغ تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء نحو 404 أجزاء في المليون، وفق ما أظهرته بيانات اللجنة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي
يعد انهيار وذوبان جبال الجليد في الأنتركتيكا وغرينلاند وغيرهما من مناطق القطبين من مظاهر التغير المناخي الجديرة بالملاحظة، وقد بينت دراسات عديدة وصور الأقمار الصناعية تآكل كميات الجليد المتكدسة فوق قمة كلمنجارو في كينيا بأكثر من النصف مقارنة بما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي.
حاليًّا يبلغ تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء نحو 404 أجزاء في المليون، وفق ما أظهرته بيانات اللجنة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي، إذ ينتج هذا الارتفاع عن تزايد مستوى الغازات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري وقطع الأشجار.
وينجم تلوث الهواء عن ستة عناصر أساسية ملوثة وهي: أكسيد الكربون والرصاص وأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة وثاني أكسيد الكبريت والمخلفات الصلبة.
وتكشف تقديرات منظمة الصحة العالمية أن تسعة من أصل عشرة أشخاص في العالم يتنفسون هواءً يحتوي على مستويات عالية من الملوثات، وفق البيانات الصادرة عن المنظمة في مايو/أيار 2018، إذ تحذر التقديرات من خطر خسائر في الأرواح تبلغ 7 ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء المحيط في الأماكن الخارجية وتلوث الهواء المنزلي.
إن أكثر من 90% من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، خاصةً في آسيا وإفريقيا، تليها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في منطقة شرق البحر المتوسط وأوروبا والأمريكتين، نقلاً عن البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
نعيش الآن والحضارة البشرية في تطور متسارع لم يشهد له مثيل، حتى في الماضي القريب، كان الحديث عن عقل آلي ذكي ضربًا من الخيال والجنون
وحسب نفس المنظمة، يتنفس كل يوم 1.8 مليار طفل في العالم هواءً ملوثًا، إذ تفيد أرقام صدرت العام الماضي أن نحو 93% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة تتعرض صحتهم ونموهم لخطر شديد بسبب التلوث، وقالت منظمة الصحة العالمية إن العديد من هؤلاء الأطفال يفقدون حياتهم بصورة مأساوية، إذ تشير التقديرات إلى أن 600 ألف طفل ماتوا عام 2016 بسبب إصابات حادة في الجهاز التنفسي السفلي جراء تنفس الهواء الملوث.
ثورة الأشياء تلوح في الأفق
نعيش الآن والحضارة البشرية في تطور متسارع لم نشهد له مثيل، فحتى في الماضي القريب كان الحديث عن عقل آلي ذكي ضربًا من الخيال والجنون، والآن أخذ الأمر على محمل الجد، بعد أن ازداد عدد البشر وازدادت معهم مشاكلهم، ومن أجل السير قدمًا في وضع أصبح أكثر تعقيدًا، لا بأس في الاستعانة ببعض العقول التي نعمل على صناعتها وتسخيرها لخدمتنا.
لأجل ذلك تأتي ثورة تكنولوجيا إنترنت الأشياء (IOT) Internet of Things التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، منبئة بإعادة تشكيل حياة البشر في علاقتهم مع المدينة، وستصل ليس بين الناس فقط ولكن بين العمليات اليومية والبيانات والأشياء، وهي ثورة بدأت تنطلق بالفعل في عالم الأعمال والحكومات والمؤسسات الأكاديمية، فيتحول بذلك الإنترنت من مجرد تكنولوجيا منفردة إلى أداة معمارية، ويضع الناس على قدم المساواة مع الأشياء.
تشمل التكنولوجيات التي تتكون منها المدينة الذكية: الشبكات عالية السرعة بما فيها شبكات الألياف البصرية، وشبكات الاستشعار والشبكات السلكية واللاسلكية اللازمة لتحقيق منافع مثل أنظمة النقل الذكية والشبكات الذكية والشبكات المنزلية
تعد المدينة الذكية نظامًا يشمل أنظمة لا حصر لها تعمل معًا، حيث إن تقنيات المستقبل تتيح لكل من النظم السلكية واللاسكلية الاتصال بأنظمة أخرى لها نفس القدرة، متخدة لنفسها شكلاً جديدًا من أشكال الاتصال وهو اتصال آلة إلى آلة .Machine to Machine (M2M)
وتشمل التكنولوجيات التي تتكون منها المدينة الذكية: الشبكات عالية السرعة بما فيها شبكات الألياف البصرية وشبكات الاستشعار والشبكات السلكية واللاسلكية اللازمة لتحقيق منافع مثل أنظمة النقل الذكية والشبكات الذكية والشبكات المنزلية.
إنها رؤية لها آثارها التكنولوجية والمجتمعية، وتأخذ في عين الاعتبار طريقة التعامل مع ما يصيب البيئة من مشكلات وتغير في فئات المجتمع من شباب ومسنين وتزايد عدد السكان والأزمات الاقتصادية وقلة الموارد الطبيعية، ويقوم الانتقال الذكي على الاستهلاك الكفء للطاقة، وخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، وتطور الشبكة التحتية عن طريق تطوير تقنيات المعلومات والاتصالات.
الاقتصاد الأخضر يمنع فقدان النظم الإيكولوجية
مع ارتفاع استخدام موارد الأرض إلى مستويات غير مسبوقة، أصبحت حدود النموذج السائد اليوم للنمو الاقتصادي واضحة بشكل متزايد، فقد تضاعف استخراج الموارد المادية، بما في ذلك الكتلة الحيوية والوقود الأحفوري والمعادن الفلزية، ودعت الحاجة إلى ابتكار اقتصاد أخضر منخفض الكربون وفعال ونظيف في الإنتاج، ولكنه شامل أيضًا. إذ يُلزم الجميع العمل معًا سواء الاستثمارات العامة أم الخاصة للحد من انبعاثات الكربون والتلوث، ومنع فقدان التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية.
إذا كان الاقتصاد الأخضر يعتمد على الطاقات المتجددة أكثر من اعتماده على البترول والغاز، ويعيد استخدام الموارد والخامات من خلال ما يسمى بالتدوير مثل تدوير مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي، أو تدوير المخلفات الصلبة، فإن معظم البشر ما زالوا يسعون للتطور، ولكن وفق النمط القديم مشبعين رغباتهم النهمة غير مكترثين بدب قطبي يصارع البقاء على يابسة ذاب جليدها، أو نفوق حيتان جراء تسمم مياه المحيط.