ترجمة حفصة جودة
“هل نسيت اسمك؟”، هكذا سألني أحدهم في حدث لمحترفي التسويق منذ عدة أعوام بعد أن استغرق مني الأمر دقيقة لأخبره باسمي، فأجبته “لا، لكنني أتلعثم”، فكان رده: “يا إلهي أنا آسف لم أكن أعلم”، لم يضايقني الأمر فهو بالفعل لم يكن يعلم، هناك الكثير من الغموض الذي يحيط بالتلعثم -اضطراب في التواصل يتضمن تكرار الكلمات بشكل لا إرادي مع التوقف الكثير وسط الكلام ونقص في الطلاقة -.
لكن هذا الاضطراب شائع بنسبة كبيرة، فبحسب مؤسسة التلعثم في أمريكا يعاني 1% من سكان العالم من التلعثم مما يعني 70 مليون شخص في المجمل و3 ملايين في أمريكا وحدها.
بدأ ظهور الاضطراب عليّ منذ عمر 3 سنوات، وعادة ما كان يظهر هذا التلعثم في صورة تكرار أو إطالة في الكلام، لكن بدلاً من عدم الرضا بشأن تلك المواجهة كنت أشعر بالفخر، قبل ذلك لم أكن أواجه تلك المشكلة ففي فترة الطفولة والمراهقة كنت أتحدث بالكاد وكنت أتجنب أي مناسبات اجتماعية منعًا للإحراج أو التعرض للسخرية.
لكن في بداية العشرينيات بدأت في الذهاب إلى أخصائي لعلاج النطق الذي دفعني للانفتاح، في 2011 حضرت مؤتمر الرابطة الدولية للتلعثم وهو أكبر تجمع للمتلعثمين عالميًا وكان هذا المؤتمر نقطة تحول.
كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها بالعديد من المهنيين المصابين بالتلعثم -أطباء ومحاميين وممثلين وغيرهم – في مكان واحد، كان الأمر أشبه بالخيال كأننا في واقع بديل حيث التلعثم هو الأمر الطبيعي، ولدهشتي كان الجميع يتحدثون دون خوف أو إحراج، بل كانوا فخورين بأنفسهم، وهنا أدركت أنني لا يجب أن أخجل من التلعثم وأن أتصالح معه.
لقد تعلمت حقيقة مهمة: معظم الناس لا يأبهون لتلعثمي خاصة من ناحية سلبية كما كنت أعتقد، إنهم يهتمون بما وراء ذلك ويستمعون إليّ
لم يحدث التحول بين عشية وضحاها لكنه امتد لـ8 سنوات، فقد بدأت في الحديث مع الأسرة والأصدقاء وفي كل مكان عمل، كنت أتحدث عن تلعثمي بانفتاح، وإليكم ما تعلمته عن النجاح مع هذا الاضطراب في الكلام.
لقد تعلمت قوة امتلاك التلعثم
من السهل أن تستسلم للخوف وتتجنب الحديث خاصة عندما تكون ردود فعل الناس سلبية وهو ما يحدث كثيرًا، في إحدى وظائفي الأولى عملت في فترة تدريب صيفية لمنظمة غير ربحية، وفي أحد الأسابيع اضطررت للعمل في الاستقبال والرد على مكالمات الهاتف مما أصابني بذعر شديد، عندما أجبت على الهاتف كان هناك امرأة تسأل عن التبرعات فبدأت في التلعثم وبدأ صبر المرأة في النفاد حيث قالت: “هل تستطيع أن تعطيني شخصًا آخر أتحدث إليه؟ فأجبتها: “بالتأكيد، إلى من تريدين التحدث؟” فأجابت: “أي شخص سواك”.
حينها ذهبت إلى دورة المياه وانهمرت دموعي، لم أشعر بالأسف لردي على الهاتف لكنني كنت أتمنى أن أخبرها عن تلعثمي، أكدت هذه المرأة مخاوفي عند استقبال الناس لتلعثمي لكن بعد ذلك اتضح أن موقفها ليس السائد.
بعد 3 سنوات كنت في مقابلة عمل لمنصب في العلاقات العامة لمنظمة أخرى غير ربحية لكنني أخبرت المدير التنفيذي عن تلعثمي وكانت هذه المرة الأولى التي أعلن فيها تلعثمي في مقابلة عمل، كانت مندهشًا وقال هذا رائع ثم بدأ في سؤالي عن بداية الأمر وهل أتلعثم في كلمات معينة أكثر من غيرها وهل يسوء الأمر في مواقف معينة، وفي نهاية اليوم أخبرني أنني حصلت على الوظيفة.
كثير من الناس يعتقدون أن التلعثم سببه التوتر وهذا السبب من بين سلسلة من الخرافات المرتبطة بالتلعثم
لم أكن متأكدًا لماذا اختارني، هل بسبب صدقي أم لأنه استمتع بالحديث معي أم بسبب مؤهلاتي، لكنني تعلمت حقيقة مهمة: معظم الناس لا يأبهون لتلعثمي خاصة من ناحية سلبية كما كنت أعتقد، إنهم يهتمون بما وراء ذلك ويستمعون إليّ.
أدركت أخيرًا أنني كنت أضع القيود لنفسي ولم أتعرف على زملائي في الماضي بشكل كافٍ، لكن بعد أن بدأت في الانفتاح والحديث عن تلعثمي بكل وضوح، استطعت الإجابة على الهاتف والتحدث في الاجتماعات والمناسبات، لقد بدأت في التحكم في تلعثمي وامتلاكه وبدأت أشعر وكأنني أزحت ثقلًا عن كاهلي، حينها بدأت في التركيز على العمل وأصبح لدي ثقة كبيرة بالنفس.
لقد تعلمت أن هناك طرقًا عديدة للحديث عن تلعثمي
منذ أن بدأت في الانفتاح على الناس اكتشفت طرقًا عديدة لإظهار التلعثم، في بعض الأوقات كنت أتحدث بشكل صريح عن التلعثم وأحيانًا أخرى أشير إليه من خلال حديثي عن مشاركتي في مجتمع التلعثم، وربما استخدم السخرية لإزالة الحواجز مع زملائي، ومؤخرًا كتبت على فنجان القهوة: “حافظ على هدوئك وابدأ في التلعثم”.
هذا الانفتاح والحديث عن تلعثمي ساعد زملائي ورؤسائي على فهمي والعمل معي بشكل أفضل، كما أنه أدى إلى زيادة فهم الناس لمجتمع التلعثم واضطرابات التواصل الأخرى، منذ 3 سنوات عندما أخبرت صاحب العمل في المقابلة عن تلعثمي قال: “كنت أعتقد أنك تتحدث بتلك الطريقة لأنك متوتر”، في الحقيقة كنت متوترًا لكنني لا أتلعثم بسبب التوتر بل أتوتر لأنني أتلعثم.
وفقًا للرابطة الوطنية للتلعثم، فكثير من الناس يعتقدون أن التلعثم سببه التوتر وهذا السبب من بين سلسلة من الخرافات المرتبطة بالتلعثم مثل أنه يحدث بسبب الخجل أو قلة الذكاء أو صدمة عاطفية أو مشاكل أسرية، لذا كان أصحاب العمل يتجاهلون المتلعثمين بسبب تلك الخرافات.
إن التلعثم عزز من أدائي في العمل، فقد علمني التعاطف وتقدير احتياجات الآخرين، كما علمني المثابرة
عندما بدأت في الانفتاح تمكنت من تبديد تلك الأساطير وبدأ أصحاب العمل في إدراك أنني لا أخجل من طريقة حديثي والأهم من ذلك التأكيد أن تلعثمي لا يؤثر على أدائي في العمل، وبذلك سيتعلمون الكثير عن التلعثم مما يفيدني ويفيد غيري من المتلعثمين بعد ذلك.
لقد تعلمت أن أتقبل فوائد إعاقتي
أستطيع القول إن التلعثم عزز من أدائي في العمل، فقد علمني التعاطف وتقدير احتياجات الآخرين، كما علمني المثابرة فقد تمكنت من التعامل مع تلعثمي وإدارته، كما سمح لي بالتعرف على زملائي بشكل أفضل.
بعد 8 سنوات من مكالمة الهاتف المروعة كنت أعمل في منظمة أخرى غير ربحية، كنت في المطبخ عندما رأت زميلتي فنجان القهوة الخاص بي فنظرت إلى ما هو مكتب وقالت: “أتعلم، أحد أستاذتي السابقين كان متلعثمًا، لقد كان أستاذي المفضل فقد كان جذابًا ومرحًا”.
وهكذا فعند انفتاحي تقبل زملائي هذا التلعثم وعزز هذا التفاعل شيئًا كنت قد تعلمته في مؤتمر 2011 ألا وهو: رغم حقيقة أنني أتحدث بشكل مختلف إلا أنني ما زلت أستطيع أن أكون مؤثرًا وأنجح في العمل.
رغم أن التلعثم لا يوضح شخصيتي تمامًا فإنه جزء من حياتي، وعندما أشاركه مع الآخرين فإن ذلك يشجعهم على الانفتاح أيضًا، وهذا التلعثم سمح لي بالتواصل مع زملائي في العمل وتطوير علاقات شخصية قوية معهم وكذلك تطوير المزيد من علاقات العمل المنتجة.
ما زال محبطًا أن أحتاج إلى دقيقة كاملة لأقول اسمي أو عندما أعلم تمامًا ما أريد قوله لكن الكلمات لا تخرج مني، ورغم ذلك فإنني الآن امتلك تلعثمي ولا أسمح له بإعاقتي، وبدلًا من ذلك فإنه يدفعني للأمام ويساعدني على النجاح داخل العمل وخارجه.
المصدر: فاست كامبني