بين ثلاثينيات القرن العشرين وعام 2011 تروي الكاتبة السويدية آن إيديلستام قصة عائلتها في مصر من خلال رواية “ثلاث سويديات في القاهرة” بداية من جدها الذي عمل قاضيًا في المحاكم المختلطة بمصر ثم والدتها التي قضت جزءًا من طفولتها في القاهرة، ثم آن نفسها التي عاشت شبابها في السبعينيات بالقاهرة. يعرض الكتاب رؤية ثلاثة أجيال مختلفة لمصر عبر عصور الملكين فؤاد وفاروق ثم عهود عبد الناصر والسادات ومبارك وصولاً لثورة 25 يناير 2011.
تبدو الرواية متعاطفة مع مصر الملكية ومنتقدة لعبد الناصر الذي خرج في عهده الكثير من الأجانب من مصر ومقدرة للسادات وسياساته، وفي إجابة المؤلفة عن تلك الملاحظة قالت إنها لم تتحدث عن عصر عبد الناصر لأن أسرتها كانت قد غادرت البلاد وأنها أعجبت بمبادرة السادات للسلام ولكنها أدركت أن سياسة الانفتاح الاقتصادي لم تكن في صالح أغلبية الشعب المصري، أما مبارك فترى الكاتبة أنه بذل جهدًا كبيرًا في بداية حكمه ولكنه فشل لاحقًا ولذلك قامت ثورة يناير.
تقارن آن بين مصر في الثمانينيات ومصر في الألفية الجديدة، فترى أن مصر كانت أكثر علمانية في الثمانينيات وكان هناك احترام للنساء في الشارع دون تحرش وكان هناك اهتمام بتنظيم الأسرة
كان السبب وراء كتابة الرواية هو ضربات 11 سبتمبر 2001 عندما عرفت آن بوجود مصريين شاركوا فيها تساءلت لماذا تغير المصريون وأصبح المجتمع ينتج إرهابيين، لذلك أرادت العودة لمصر ومعرفة ما الذي تغير وأن تكتب للغرب مبينة ما لا يعرفونه عن المجتمع المصري من ثقافة وعادات، والمساهمة في بناء جسر بين الشرق والغرب.
تقارن آن بين مصر في الثمانينات ومصر في الألفية الجديدة، فترى أن مصر كانت أكثر علمانية في الثمانينات وكان هناك احترام للنساء في الشارع دون تحرش وكان هناك اهتمام بتنظيم الأسرة، ولم يكن هناك انتشار للحجاب بهذا القدر فكان منتشرًا في الريف فقط، وكانت النساء ترتدي ملابس وأوشحة ملونة.
تهتم الكاتبة بوضع المرأة المصرية وما شهدته من تغيرات خلال السنوات العديدة، فتروي في كتابها عن صديقتها المصرية التي كان زوجها المصري يعاملها بشكل متسلط ويطالبها بخدمته طول الوقت دون مراعاة لعملها واهتمامتها وهو ما أدى إلى طلاقها منه ثم الزواج برجل سويدي لا يطالبها بعمل الشاي له. تقول الكاتبة إنها مؤمنة بالمرأة المصرية القوية والمستقلة دائمًا ولكن تظل هناك قوانين غير عادلة ضد المرأة يجب تغييرها، كذلك يجب الاهتمام بتنظيم النسل والحد من الزيادة السكانية التي تمثل مشكلة مع ندرة موارد المياه وضيق الأرض.
رواية “ثلاث سويديات في القاهرة” يمكن اعتبارها مذكرات لعائلة سويدية عاشت في القاهرة على مدار عدة عقود تمكن القارئ المصري أن يرى بلاده بعين مختلفة
يبدو الكتاب كثيرًا وكأنه يتحدث عن مصر أخرى، فمصر الملكية جميلة يعيش فيها الأجانب والأغنياء في ازدهار وفي أحياء جميلة منسقة، ومصر في عهد السادات ومبارك نراها من منظور الجامعة الأمريكية وشقق الزمالك والدقي والسفر للعجمي، وأغلبية المصريين يظهرون كخدم أو بوابين يتميزون بالطيبة أحيانًا وبالجهل في أحيان أخرى، وتظهر مظاهرات الطلبة ضد الإنجليز كأعمال عنيفة ومقلقة وغير مفهومة للأجانب، وبينما يظهر غالبية المحيطين بآن في السبعينيات كمؤيدين للسادات ولمعاهدة السلام، يظهر الشعب في صورة الغاضب والمخرب في مظاهرات يناير 1977 بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وفي ثورة يناير 2011 بينما تكون الجماهير في الشارع ضد مبارك، يكون صديق آن مستاءً من الثورة ومعترضًا على الفوضى الحادثة، يبدو ذلك منطقيًا، ففي الغالب يكون اختلاط الأجانب بالطبقات العليا من المجتمع واحتكاكهم محدودًا برجل الشارع العادي نظرًا لوجود حاجز اللغة وللفوارق الطبقية، وترى آن أن روايتها تتحدث عن النخبة وليست عن غالبية الشعب فهي في النهاية رواية تاريخية وليست كتابًا في علم الاجتماع وأنها تكتب عن الاختلافات الثقافية بين الشعوب ونجيب محفوظ من يمكن قراءته للتعبير عن أغلبية الشعب.
رواية “ثلاث سويديات في القاهرة” يمكن اعتبارها مذكرات لعائلة سويدية عاشت في القاهرة على مدار عدة عقود تمكن القارئ المصري أن يرى بلاده بعين مختلفة، قادمة من بلد مختلف جدًا عن مصر، ربما تفتقد الرواية للتحليل العميق، ولكنها بشكل مشوق تمنحك فرصة لمشاهدة مصر من الثلاثينيات وحتى عام 2011 برؤية تفتح آفاقًا جديدة.