ترجمة وتحرير: نون بوست
لم تبقَ عين جافة تقريبًا خلال اللقاء العاطفي بين رومي غونين، ودورون شتاينبريشر، وإميلي داماري مع أحبائهن بعد عودتهن إلى الوطن بعد أكثر من 15 شهرًا من الأسر في غزة. بدا وكأن الشعب بأسره كان يحبس أنفاسه إلى أن شاهدوهن وهن يخرجن من الصليب الأحمر إلى الحجز الإسرائيلي، وعندها انفجرت مشاع الفرح – وهي واحدة من اللحظات القليلة التي حدث فيها الفرح جماعيًّا بعد أكثر من سنة.
وعاش جيراننا الفلسطينيون أيضًا لحظة فرح مختلطة بالحزن يوم الأحد الماضي وسط الموت والدمار المنتشر على نطاق واسع: فقد احتفلوا هم أيضًا بعودة الأسرى المحررين الذين نجوا من معسكرات التعذيب الإسرائيلية. ولا يحتاج المرء سوى النظر إلى وجه النائبة الفلسطينية خالدة جرار، التي أُفرج عنها بعد اعتقال إداري طويل وقد بدت محطمة لدرجة أنه لم يعد بالإمكان التعرف عليها تقريبًا، ليتخيل ما عانوه خلال فترة أسرهم.
وقالت جنان عمرو، البالغة من العمر 23 سنة، وهي إحدى الأسيرات الفلسطينيات المحررات، لمراسلنا أورين زيف من قناة +972: “لا توجد حياة في السجن. لقد كان في الأساس مقبرة”.
وفي إسرائيل، كانت القوة الوحيدة التي يمكن أن تضاهي شدة الفرح الشعبي بإطلاق سراح الرهائن هي الغضب من فرحة الفلسطينيين بأسراهم المحررين، الذين تم وصفهم بشكل قاطع على أنهم “إرهابيون” رغم أن معظمهم لم يُدانوا بأي جريمة. إنها عقلية غير منطقية حيث يصبح الفلسطيني إرهابيًا لمجرد أنه تم احتجازه من قبل إسرائيل.
وبناءً على ذلك، فإن شعبهم ممنوع من الاحتفال بإطلاق سراحهم، لدرجة أن التغريدة الإنسانية العميقة من عضو الكنيست الفلسطيني أيمن عودة – التي عبّر فيها عن فرحته بإطلاق سراح كل من الرهائن والأسرى، مضيفًا أنه “يجب أن نحرر الشعبين من عبء الاحتلال. لقد وُلِدنا جميعًا أحرارًا” – مما أثار موجة من ردود الفعل العنصرية. والآن، بدأت الجهود بالفعل لطرده من الكنيست.
في إسرائيل التي يقودها الجنون والانتقام، لا يُنظر إلى المعتقلين الفلسطينيين على أنهم بشر، لهم آباء وأخوات وإخوة وأصدقاء، ويغمرهم القلق على مصيرهم، فنحن الإسرائيليون فقط من يُسمح لنا بالفرح.
بينما احتفل عدد قليل جدًا من كلا الجانبين بالإفراج عن أحبائهم، لا يزال الكثير – وآلاف الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين- يتأرجحون بين اليأس والأمل، في انتظار التبادل التالي للأسرى حتى يتسنى لهم تحرير أحبائهم من الجحيم، ويتساءلون بقلق عما إذا كانت هذه اللحظة ستتحقق بالفعل.
إنها معاناة مريرة ومثيرة للإحباط ومحبطة عندما يكون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو من يكون في القيادة، وهو محتال محترف يتحدث عن صفقات مع عائلات الرهائن بينما يغمز للمتطرفين دعاة الحرب، موهمًا كلا الجانبين بما يريدون سماعه بالضبط. وفي الوقت ذاته، يقف في الوسط شعبين منهكين، متعبين، ومصدومين وغير قادرين على استيعاب ما قد يحمله الغد.
المساواة حتى آخر نغمة
يبقى السؤال الكبير هو ما إذا كانت الحرب ستنتهي ومتى ستنتهي. والحقيقة أن الإجابة لا علاقة لها بنتنياهو.
لن تنتهي الحرب بوقف إطلاق النار، أو بعودة جميع الرهائن، أو حتى بانسحاب عسكري كامل من غزة. وستنتهي الحرب فقط عندما يدرك المجتمع الإسرائيلي أنه ليس غير أخلاقي فحسب، بل أيضًا مستحيل تأمين وجودنا من خلال قمع وإخضاع شعب آخر، وأن الناس الذين نحبسهم، ونقصفهم، ونجوعهم، ونسلبهم حريتهم وأرضهم، لهم نفس الحقوق التي نتمتع بها نحن، حتى آخر نغمة.
ومن المدهش أنه بعد كل هذه السنوات من الصراع الدموي، لا يزال الجمهور الإسرائيلي يرفض استيعاب هذه الحقيقة البسيطة: طالما هناك قمع، فسيكون هناك مقاومة.
إن التوقع الإسرائيلي بأنه بعد الإبادة الجماعية التي دمرت غزة بالكامل، سيقبل الشعب الفلسطيني بالاستبعاد الدائم، ليس فقط مميتًا بل انتحاريًا صريحًا. لقد علّمتنا عقود من الاحتلال والقمع والفصل العنصري ليس فقط عن سعي إسرائيل الجامح للهيمنة ولكن أيضًا عن رفض الفلسطينيين الثابت للرضوخ لهذا النظام – وهم محقون في ذلك. ونحن أيضًا لن نقبل بذلك.
لا يمكننا أن نتراجع عما لحق بغزة من فظائع، من موت ومعاناة لعدد كبير من الناس، لكن لدينا القدرة على إنهاء الحرب. وليست فقط الحرب في غزة، بل أيضًا العار الذي يحدث الآن في الضفة الغربية. فهناك، يقوم المستوطنون المدعومون بأيديولوجية كاهان العنصرية والمدعومون من أقوى جيش في المنطقة بالانتقام من الصفقة الأخيرة، بينما يقوم الجنود بالاعتقالات التعسفية، والاقتحامات، والحصار، وعمليات إطلاق النار، والهدم.
فماذا سنفعل الآن؟ هل سنقنع أنفسنا مرة أخرى بأننا إذا ما أحكمنا قبضتنا حول أعناقهم، سيتخلى الفلسطينيون عن تطلعاتهم في الحصول على أبسط الحقوق؟ وعندما ينفجر البركان وتنفتح هاوية جهنمية جديدة، هل سنقف مرة أخرى أمامها مصدومين ومذهولين؟ هل سنطالب مرة أخرى بالحق في إبادة شعوب بأكملها انتقامًا وعقابًا لضمان عدم تجرؤهم على الحلم بالحقوق مرة أخرى – ثم نكرر الدورة إلى ما لا نهاية؟ إلى متى يمكن أن يستمر هذا الأمر؟
وتظهر الاستطلاعات أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يرغبون في إنهاء الحرب. وهذه إحصائية مشجعة، لكن يجب أن نكون واضحين: فهذه الحرب لن تنتهي إلا عندما يدرك المجتمع الإسرائيلي أن العيش بالسيف ليس مصيرنا الدائم بل هو خيار – وأننا قادرون على اختيار مسار مختلف من المساواة والكرامة والعدالة. وليس قبل ذلك بلحظة.
المصدر: +972