ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال عطلة نهاية أسبوع شديدة الحر من شهر تموز/ يوليو الماضي، عقد المئات من المسلمين الأمريكيين اجتماعا في فندق ومركز مؤتمرات في مالفيرن في ولاية بنسلفانيا، على بعد حوالي 45 كيلومترا خارج مركز مدينة فيلادلفيا. لقد سافر الكثيرون لمسافات طويلة لحضور المؤتمر السنوي الخامس لعلم النفس للمسلمين السود، وهو تجمع تتزعمه كميلة رشاد -المتخصصة في مجال الصحة العقلية والناشطة في مجال العدالة الاجتماعية- يركز على التجارب المشتركة بين المسلمين السود. وقد تطرقت اللجنة إلى العديد من المواضيع، انطلاقا من الزي مرورا بالعلاقة الحميمة في الزيجات بين المسلمين، وصولا إلى مجمع السجن الصناعي والتعليم المنزلي.
ألقى يوسف سلام كلمة افتتاحية في هذا المؤتمر. ويعرف سلام بكونه من أحد المتهمين في قضية سنترال بارك، حيث كان من بين المراهقين الخمسة من نيويورك الذين أدينوا زورا بتهمة الاغتصاب في القضية الشهيرة لسنة 1989، التي دعمها دونالد ترامب حين كان شخصا ذا نفوذ واسع في مجال العقارات في المدينة.
صوت رائد
كان الحاضرون من المسلمين السود يرتدون تنانير طويلة، وفساتين، وبناطيل، وأثواب، وحجابات منسدلة، وعمامات ملفوفة بدقة؛ ما جعل نزلاء الفندق الآخرين الذين كان غالبيتهم من البيض ويرتدون أقمصة مكشوفة وسراويل قصيرة وفساتين صيفية يرمقونهم في بعض الأحيان بنظرات غريبة أثناء تنقلهم عبر الأماكن المشتركة خلال الجلسات. وعندما يلقون التحية على بعضهم البعض يقولون “السلام عليكم”.
أجّج ترامب وأنصاره العنصرية ورهاب الأجانب في الخطابات الرنّانة التي تشوه صورة المهاجرين والأمريكيين السود والإسلام والمسلمين
لقد كنت أفكر مليا في “مؤتمر علم النفس للمسلمين السود” في أعقاب أسبوع مروع تخللته هجمات دموية كان يغذيها القوميون البيض في الولايات المتحدة، حيث جدّت عمليات إطلاق نار جماعية في غيلروي في ولاية كاليفورنيا، وفي إل باسو في تكساس، ودايتون في أوهايو.
هذا الأسبوع، تجري محادثات في جميع أنحاء البلاد حول أيديولوجيات تفوق البيض وكيف ألهمت مطلقي النار (مثل نشر مطلق النار في مدينة إل باسو بيانًا على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبر فيها هجرة سكان أمريكا اللاتينية “غزوا”)، وكيف كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعماء من الحزب الجمهوري مصدر إلهام لهذه المعتقدات.
منذ فترة، أجّج ترامب وأنصاره العنصرية ورهاب الأجانب في الخطابات الرنّانة التي تشوه صورة المهاجرين والأمريكيين السود والإسلام والمسلمين. وقد اختصوا بالذكر شخصية التقيت بها لأول مرة في “مؤتمر علم النفس للمسلمين السود” في سنة 2017، عندما كانت هي المتحدثة الرئيسية في المؤتمر، إلهان عمر، التي كانت آنذاك ممثلة ولاية مينيسوتا، وهي الآن عضوة في الكونغرس الأمريكي.
في المؤتمر الذي عُقد سنة 2017، أعربت عمر عن فخرها خلال حديثها عن توظيف وجهة نظرها كامرأة أمريكية من أصول صومالية مسلمة في عملها السياسي. وقد أطنبت في الحديث عن هذه المسألة والتقطت صور السيلفي مع الحاضرين في نهاية المؤتمر. وباعتباري عالما وباحثًا في مجال العرق والدين والنوع الاجتماعي في الولايات المتحدة، وبالتحديد تاريخ الإسلام والمسلمين في البلاد، أرى أن التشهير الحالي بعمر أمر حاسم لفهم آفة القومية البيضاء في الولايات المتحدة.
في الوقت الحالي، يمكن رؤية هذا النوع من الأيديولوجية في قرار ترامب المتمثل في حظر دخول الأشخاص من الدول “المسلمة” وإقامة معسكرات اعتقال على الحدود الفاصلة بين الولايات المتحدة والمكسيك.
يكشف وصف إلهان عمر بأنها “غير أمريكية” أو السخرية منها من خلال ترديد شعارات من قبيل “عودي من حيث أتيت” كيف أصبح الإسلام والمسلمون جزءا من حساب التفاضل والتكامل العرقي في البلاد، مدفوعين بالمشاعر ذاتها التي غذت طرد الشعوب الأصلية من أراضيهم، واستعباد الأمريكيين السود، واعتقال الأمريكيين ذوي الأصول اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
الأمريكيون “الحقيقيون”
في الوقت الحالي، يمكن رؤية هذا النوع من الأيديولوجية في قرار ترامب المتمثل في حظر دخول الأشخاص من الدول “المسلمة” وإقامة معسكرات اعتقال على الحدود الفاصلة بين الولايات المتحدة والمكسيك. وبالنسبة للرئيس وأنصاره، تواجه البلاد اختبارا عرقيا ودينيا حاسما بشأن كل من لا يعتبر أمريكيًا “حقيقيًا”.
في الواقع، تولي البنى الاجتماعية للولايات المتحدة أهمية كبرى لأصحاب البشرة البيضاء باعتبارهم يعكسون هوية البلاد وأيديولوجيتها هذا بالإضافة إلى استحواذهم على القوة السياسية. أما بالنسبة لأولئك المنتمين إلى الهويات العرقية والدينية غير البيضاء على غرار إلهان عمر، فإنهم يشكلون خطرا كبيرا تماما كما تشير حوادث إطلاق النار التي وقعت خلال الأسبوع الماضي.
على الرغم من أن إلهان عمر لم تشارك في المؤتمر الخاص بهذه السنة، إلا أنه كان من الممكن الشعور بوجودها. انعقد المؤتمر بعد مرور أيام قليلة على تغريدات ترامب العنصرية التي تنم عن رهاب الأجانب وتستهدف إلهان عمر وغيرها من الديمقراطيات التقدميات وتطلب منهن “العودة” من حيث أتين. وفي وقت لاحق، نُظمت مسيرة حاشدة في كارولاينا الشمالية هتف فيها أتباع ترامب مستخدمين عبارة “أعيدوها من حيث أتت”.
وصلت إلهان عمر إلى البرلمان الغاني في 31 تموز/ يوليو في إطار زيارة بمناسبة مرور 400 عام على مغادرة أول دفعة من العبيد إلى الولايات المتحدة.
من المؤكد أن هذه الأحداث ظلت محفورة في أذهان الحاضرين في المؤتمر، إذ أنها تذكّر بالتحديات التي يواجهها المسلمون الأمريكيون السود في ظل الوضع السياسي الراهن لاسيما أن الرئيس لا يكف عن تهديد إلهان عمر بسبب إصرارها على مواجهة السلطة بالحقيقة، المتمثلة في كونها لاجئة مسلمة أمريكية وذات بشرة سوداء.
مع ذلك، لم يكن ترامب ولا العضوة في الكونغرس من بين النقاط الرئيسية التي تناولها الحوار طيلة عطلة نهاية الأسبوع. وحتى في ظل الخطاب السياسي المشحون حول دور إلهان عمر في مضاعفة المخاطر التي تواجه المجتمعات الأمريكية المسلمة السوداء، لم تعد هذه المخاطر تمثل مفاجأة بالنسبة للمسلمين الأمريكيين السود. في المقابل، تمثل هذه المخاطر العوامل التي ساهمت في ازدهار الإسلام في المجتمعات الأمريكية السوداء. وعلى الرغم من أن المسلمين السود يدركون جيدا أن حياتهم تخضع للقيود التي تفرضها مفاهيم على غرار معاداة السود والعنصرية والإسلاموفوبيا، غير أنهم يعلمون أيضًا الطريقة التي يتحدون من خلالها الروايات العنصرية والكراهية التي يكنها لهم الآخرون، وهم يؤمنون بأهميتهم عند الخالق.
هياكل السلطة
بفضل تأثيرها الهائل على الخطاب السياسي الأمريكي، تعد عضوة الكونغرس بمثابة الشاهدة على الإرث الدائم للمسلمين الأمريكيين السود. ومنذ زمن العبودية، انطلاقا من الوقت الذي مارس فيه العبيد المسلمين في غرب إفريقيا شعائرهم الدينية سرا، مرورا بالأمريكيين السود الذين اعتنقوا الإسلام بشكل جماعي في أوائل القرن العشرين، وصولا إلى المناضلين من أجل الحرية بمن في ذلك مالكوم إكس وبيتي شباز ومحمد علي كلاي، ساهم الإسلام الأمريكي داخل المجتمعات السوداء في ظهور روايات مضادة انتقادية للمزاعم التي تفيد بأن الهوية الأمريكية تعتمد بالضرورة على مفهومي القومية والاستثنائية أو تعمل على تعزيزهما.
بصفتها امرأة ولاجئة أمريكية مسلمة صاحبة بشرة سوداء وتنحدر من أصول صومالية، تمثّل إلهان عمر رمزا للإسلام الأمريكي الأسود عبر الحدودي، وهو المفهوم الذي يعكس الإرث الأمريكي الذي يزخر بالتحرر والنضال
مثلها مثل الحاضرين في مؤتمر الشهر الماضي، تشارك إلهان عمر في هذه الرواية المضادة لتلقي الضوء على هياكل السلطة التي تسببت عبر التاريخ في إنتاج ظروف تشكل خطرا عميقا يحدق بالمجتمعات المسلمة السوداء، إلى جانب الطرق التي يستخدمها المسلمون الأمريكيون لتوجيه انتقادات صريحة لهياكل السلطة الخاضعة لهيمنة البيض.
بصفتها امرأة ولاجئة أمريكية مسلمة صاحبة بشرة سوداء وتنحدر من أصول صومالية، تمثّل إلهان عمر رمزا للإسلام الأمريكي الأسود عبر الحدودي، وهو المفهوم الذي يعكس الإرث الأمريكي الذي يزخر بالتحرر والنضال، إلى جانب السعي المتواصل للمسلمين الأمريكيين السود لبناء الجسور بدلا من الحواجز. وفي ظل الظروف الوطنية الحالكة التي نعيشها في الوقت الحالي، نحن في أمس الحاجة إلى هذا المفهوم.
المصدر: ميدل إيست آي