ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر القرن 19 تطورت تركيبات الرضع أو الرضاعة الصناعية. وابتداء من أوائل القرن 20، سعى الأطباء ومن ثم المربون (دورات التدبير المنزلي في المدرسة الثانوية)، إلى تثقيف الأمهات بشأن “الأمومة العلمية”. وقد احتاجت الأمهات إلى التدرّب على كيفية تربية طفل، حيث لم تكن الغرائز كافية لتوجيه الأمهات في السياق الحديث.
بمرور الوقت، غيّر الأطباء والأمهات وجهات نظرهم حول الرضاعة الطبيعية التي كانت قبل القرن العشرين تُعتبر ضرورية لصحة الرضيع. وقد كان هناك تحول من الاعتقاد بتفوّق الرضاعة الطبيعية إلى سلامة الغذاء الصناعي ومن ثم تفوقه نظرا لأن تركيبات الرضع يمكن السيطرة عليها من الجهات الخارجية عندما لا تتبع الأمهات وصفات الأطباء للتمتع بحياة جيدة (ومعظمهن لا يستطعن أو لا يرغبن في ذلك). وبدلا من الوثوق بغريزة الأم، التي يُفترض أنها ترتبط بالماضي، كان يجب تعليم الأمهات من قبل خبراء لديهم معرفة بالعلوم.
بالنسبة للأمهات، كان هذا التركيز على النصيحة الخارجية منطقيا ذلك أن الثقافة شدّدت على أن علم اليوم كان متفوقا على ممارسات الماضي. واعتُبرت الأمومة العلمية متفوقة على الأمومة القائمة على الغرائز. وبالتالي، فقدت الأمهات ثقتهنّ في قدراتهنّ على الولادة وإطعام أطفالهن. في الحقيقة، ربما كان من المنطقي التفكير في أن الأمهات لا يعرفن كيف يلدن أو يرضعن أطفالهن في وقت شهد تغيرا اجتماعيا سريعا وحين احتاجت الأمهات إلى العمل، وهي الملامح المرهقة لحياة القرن 19.
تجدر الإشارة إلى أن الإجهاد يحول دون إطلاق الأوكسيتوسين الذي يسهل الولادة والرضاعة الطبيعية على حد سواء. وكانت الأمهات الجدد اللاتي يفتقدن إلى الدعم من الأسرة الممتدة لمساعدتهن على الاسترخاء والثقة في غرائزهن بشأن أطفالهن، عرضة للإصابة بالوهن. ودون حكمة الأجيال السابقة في الأسرة أو بالقرب منها، ستُقوّض ثقتهن بسهولة من قبل الغرباء المتعلمين الذين أخبروهن أنهم يعرفون أفضل منهن.
لقد وجدت الدراسات أنه كلما زاد تواصل الأمهات بالعاملين الصحيين، قلّ عدد المرضعات من بينهن (مونتالتو 2008؛ منظمة الصحّة العالمية 1981). ويستمر تقويض غرائز الأم، في حين تستمر الدراسات في الإطناب في الحديث عن فوائد حليب الأم، لكنك بالكاد تعرف ذلك إذا نظرت إلى معتقدات الأمريكيين ونقص دعم المجتمع للرضاعة الطبيعية. وفيما يلي، نظرة سريعة على بعض الأبحاث الحديثة حول المزايا المتعلقة بالرضاعة الطبيعية.
كانت ويندي أودي (2017) قد لاحظت أنه “لم يسبق في تاريخ العلوم أن كان هناك هذا الزخم من المعرفة عن الأهمية المعقدة للرضاعة الطبيعية للأمهات وأطفالهن” (ص 27). ويشير كل من مايكل باور وجاي شولكين (2016) إلى أن الإرضاع هو تكيّف قديم يعود إلى ما قبل 300 مليون سنة تقريبا. وكل نوع من أنواع الثدييات يتميّز بمجموعة متنوعة من الحليب، حتى أن كل أم لديها مجموعة متنوعة خاصة بها من الحليب. ويقول الكاتبان إن “الحليب يسمح للأمهات الثدييات بالإشارة كيميائيا إلى ذريتهم على امتداد فترة طويلة، وتوجيه نمو صغارهن” (ص 4).
لا يمكننا، عشوائيا وأخلاقيا، تحديد أي الأطفال يمكنهم تلقّي حليب الأم أو الحليب الاصطناعي، إلا أن هناك دراسات يمكن ذكرها، مثلما أشارت إلى ذلك مورين مينشين في كتابها “تيارات الإثبات في تغذية الرضع”.
تضيف أودي (2017) أن “الرضاعة الطبيعية حصرا للأشهر الستة الأولى من عمر الرضيع، مع استمرار هذه الرضاعة لمدة تصل إلى سنتين أو أكثر، يُعترف بها كمعيار “ذهبي” لتغذية الرُضّع لأن حليب الأم يناسب الرضيع على نحو فريد، كما أن محتواه الغذائي ونشاطه الحيوي يعززان التنمية الصحية. وتعتبر تركيبة حليب الثدي البشري معقدة، حيث تحتوي على عوامل تتفاعل مع الجهاز المناعي للرضع والأوساط المعوية بما في ذلك المواد المثيرة للحساسية، والسيتوكينات، والغلوبولين المناعي، والأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة، والكيماويات. ويعد عامل النمو المحول بيتا هو السيتوكين الموجود في حليب الأم الذي يشارك في الحفاظ على التوازن المعوي وتنظيم الالتهابات”.
من هذا المنطلق، لا يمكننا، عشوائيا وأخلاقيا، تحديد أي الأطفال يمكنهم تلقّي حليب الأم أو الحليب الاصطناعي، إلا أن هناك دراسات يمكن ذكرها، مثلما أشارت إلى ذلك مورين مينشين في كتابها “تيارات الإثبات في تغذية الرضع”.
المناعة
هناك الكثير من الدراسات على الحيوانات التي تُظهر فوائد حليب الأم للنسل، من قبيل وظيفة المناعة طويلة المدى (داربي وآخرون، 2019): “نقل عدوى الديدان الطفيلية قبل الحمل عن طريق تمريض مناعة خلوية طويلة الأمد ضد الديدان الطفيلية”. وفي دراسة حول إبقاء الأطفال الخدج على قيد الحياة، خُلط مزيج من حليب مُتبرع به، الذي تم تبخيره وبالتالي قتل البكتيريا الحية فيه، بحليب الأم الطازج، وكان تأثيره أفضل بحوالي 10 بالمئة من حليب الأم. (كاشو وآخرون 2017؛ هانت وآخرون 2011).
ليس من الغريب أن الحليب الذي تم استخراجه بفضل مضخة الثدي ليس مفيدا مثل الحليب الذي يُرضع مباشرة من الثدي، حيث يفتقر على سبيل المثال إلى بعض البكتيريا التي تثبت أهميتها في ميكروبيوم الأمعاء ولا تسمح للعاب الطفل بالإشارة إلى الاحتياجات الخاصة “للمختبر العلمي” في صدر الأم.
آليات
عند البحث في مراجعة لدراسات حول مدى انتشار الربو وعلاقته بالرضاعة الاصطناعية، أشارت أودي (2017) إلى أن الرضع الذي يتلقون رضاعة اصطناعية، مقارنة بمن يتلقون رضاعة طبيعية، لديهم ميكروبيوم مختلف وأقل تنوعا ويرتبط بزيادة خطر الإصابة بالربو والأكزيما. وقد تم ربط حليب الأم بتراجع فرصة الإصابة بسمنة الأطفال، في حين اقترحت دراسة حديثة (يو وآخرون، 2019) وجود آلية محتملة واحدة.
في هذا الصدد، يمتلك البشر عدة أنواع من الأنسجة الدهنية، وتعتبر البلاعم نوعا من الخلايا المناعية التي تحمي من العدوى وتكون في مرحلة مبكرة من نمو الرضع قادرة على استقلاب ألكيل جلسرين الحليب، الموجود في حليب الأم وليس في حليب البقر، إلى مادة كيميائية نشطة تعزز بدورها التمايز المعتمد على البلاعم للخلايا البنية خلال الطفولة، علما بأن الخلايا الدهنية البنية تقي من السمنة.
الذكاء
في دراسة جماعية استشرافية (بيلفورت وآخرون، 2013) شملت أكثر من 1200 طفل حتى سنّ السابعة، ارتبطت مدة أطول من الرضاعة الطبيعية (حتى 12 شهرا) بنتائج أعلى في اختبارات الذكاء في سنّ الثالثة والسابعة. وقد أشارت الدراسة إلى “نتيجة أعلى في اختبار بيبودي للمفردات المصورة في سن الثالثة… وذكاء أعلى في اختبار كوفمان الموجز للذكاء في سن السابعة”. ونظرا لأن الدراسة كانت رصديّة، فلم تستطع إثبات وجود علاقة سببيّة بين الرضاعة الطبيعية والذكاء، على الرغم من أنها تسيطر على عوامل التباس محتملة على غرار ذكاء الأم.
صحة الأم
قد يكون للرضاعة الطبيعية آثار طويلة المدى على صحة الأم. فعلى سبيل المثال، تقول المؤلفتان أديتولا لويس جاك وأليسون ستيبي (2018) في ملخص كتابهما إن “الحمل يرتبط بالتغيرات الأيضية من قبيل زيادة مقاومة الأنسولين، وارتفاع نسبة الدهون في الدم، وتراكم الدهون الحشوية. وتشير النظرية إلى أن استمرار التغيرات الأيضية التي تحدث أثناء الحمل تزيد خطر إصابة المرأة بمرض الأيض مدى الحياة. وقد تلعب الرضاعة دورا في عكس هذه التغييرات بسرعة أكبر”.
ما هي المدة المناسبة للرضاعة الطبيعية للطفل؟
تقترح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن تستمر الرضاعة الطبيعية لمدة سنة واحدة (على افتراض أن الأمهات الأمريكيات لن يتجاوزن هذه المدة)، وتشدد منظمة الصحة العالمية على سنتين من الرضاعة الطبيعية كحد أدنى. في الواقع، يبدو أن سنّ الفطام الطبيعي للثدييات يكون أربع سنوات، مع المدى الأطول الذي لاحظه علماء الأنثروبولوجيا الذين يدرسون مجتمعات الصيد وجمع الثمار الصغيرة حول العالم (مايكل هوليت وباري لامب 2005). وقد وجدت الأمهات الأمريكيات أن أطفالهن يرغبن في الرضاعة لفترة أطول من سنتين. وقد وثّقت آن سينوت إرضاع الأطفال الأكبر سنا في كتابها “الرضاعة الطبيعية للأطفال الأكبر سنا” الذي يزداد تأييده من قبل المدونين.
اقتصاديات الرضاعة الطبيعية
صرح كيث هانسن من البنك الدولي أنه “لو لم تكن الرضاعة الطبيعية موجودة بالفعل، لاستحقّ الشخص الذي يبتكرها اليوم جائزة نوبل مزدوجة في الطب والاقتصاد”. وتعتبر تكلفة عدم اعتماد الرضاعة الطبيعية موسعة. وقد وُضعت أداة لحساب هذه التكلفة تهدف إلى تحفيز صناع السياسة والجهات المانحة للمساعدة في توسيع نطاق نُظُم دعم الرضاعة الطبيعية. كما يصف عدد من الكتب كيف قُوّضت الرضاعة الطبيعية من قبل الشركات التي تستفيد من إنتاج الطعام الاصطناعي للرضع والأطفال الصغار. فضلا عن ذلك، يشير عدد متزايد من الأشخاص إلى أن تركيبات الرضع والأطفال الصغار مُكلفة بيئيا مقارنة بالرضاعة الطبيعية.
لماذا تُناقش مسألة الرضاعة الطبيعية الآن؟
يصادف الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس وهو الشهر الوطني للرضاعة الطبيعية. والأهم من ذلك أن مستودع البيانات العالمي للمبادرة العالمية لاتجاهات الرضاعة الطبيعية يُصنّف الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة 90 من أصل 97 فيما يتعلق بمعايير الرضاعة الطبيعية وتقدمها. وتهدف بطاقة التقرير هذه، التي تصدر كل بضع سنوات، إلى تعبئة الإجراءات على النطاق المحلي. وفي هذا الإطار، ما زال أمام الولايات المتحدة الكثير لتُنجزه.
المصدر: سايكولوجي توداي