هي محافظة نينوى مرة أخرى، تعود الاعتصامات والمظاهرات إليها، لكن هذه المرة ليس في مدينة الموصل، إنما في محيطها وتحديدًا في منطقة تسمى “سهل نينوى” وهي المناطق المحيطة بمدينة الموصل من جهتها الشمالية والشمالية الغربية.
في صبيحة يوم الإثنين الماضي 5 من أغسطس/آب، قطع متظاهرو سهل نينوى الطريق الدولي السريع بين الموصل وأربيل ونصبوا الخيام في الشوارع احتجاجًا على قرار رئيس الوزراء العراقي سحب تشكيلات لواء 30 التابع للحشد الشعبي من السيطرات واستبدالهم بقوات من الجيش.
وبعد يومين على الأزمة، عادت الأمور إلى طبيعتها وفتح الطريق، لكن يبقى التساؤل عن أسباب تلك المظاهرات؟ وما آلت إليه الاتفاقات؟
تمرد عسكري أم مطالب مشروعة؟
تمثل مناطق سهل نينوى محيط الموصل وتشمل ناحية برطلة وبعشيقة والنمرود وقضاء الحمدانية ومنطقة الكوكجلي وبينها عشرات القرى والبلدات الصغيرة، ويسكن هذه المناطق خليط عرقي من الشبك السنة والشيعة والتركمان والمسيحيين وغيرهم.
بدأت مشكلة سهل نينوى بصدور أمر عسكري من رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بسحب قوات لواء 30 في الحشد الشعبي واستبدالها بقوات الجيش لتتولى مهامها.
يقول أحد سكان ناحية برطلة ويدعى محمد مصطفى في حديثه لـ”نون بوست”: “ما حدث في سهل نينوى هو خروج السكان في تظاهرات سلمية واعتصامات رفضًا لقرار الحكومة العراقية بسحب قوات لواء 30 من السيطرات واستبدالها بقوات أخرى”، ويرجع مصطفى سبب المظاهرات إلى أن لسكان سهل نينوى الحق في حماية أنفسهم مع عدم وجود أي مبرر لسحب هذه القوات، بعد أن تحقق الأمان المطلق في المنطقة خلال العامين الأخيرين اللذين أعقبا استعادة السيطرة على المنطقة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
يقول مسؤول عمليات لواء 30 في الحشد الشعبي سامي بكدش في حديثه لـ”نون بوست”: “قوات الحشد في سهل نينوى امتثلت لقرار رئيس الوزراء، لكن مواطني سهل نينوى رفضوا القرار، وخرجوا على إثره في مظاهرات سلمية مطالبين الحكومة بالتراجع عنه”
ويضيف مصطفى أن لدى سكان سهل نينوى تخوفًا كبيرًا من اتفاق سياسي قد يحدث بين حكومة بغداد وحكومة أربيل تعاد على أساسه قوات البيشمركة إلى هذه المنطقة، وهذا ما يرفضه سكان سهل نينوى.
وأظهرت مقاطع فيديو بثت على شبكات التواصل الاجتماعي اعتصام المتظاهرين في طريق الموصل – أربيل، فضلاً عن بعض المشادات التي حدثت بين المتظاهرين وقوات الجيش التابعة لقيادة عمليات نينوى.
وعلى إثر الأزمة، وصل وفد أمني الثلاثاء 6 من أغسطس/آب إلى مقر قيادة عمليات نينوى في مدينة الموصل لبحث مسألة سحب اللواء 30 في الحشد الشعبي من مناطق سهل نينوى وتسليم الأمن للقوات المسلحة العراقية، وضم الوفد مستشار الأمن الوطني فالح الفياض ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ورئيس أركان الجيش الفريق الركن عثمان الغانمي ونائب رئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يارالله.
وبعد اجتماع استمر لساعات، أعلن مستشار الأمن الوطني فالح الفياض عن اتفاق يقضي بإدارة الأمن في سهل نينوى بشكل مشترك بين اللواء 30 في الحشد الشعبي بقيادة وعد القدو والشرطة المحلية والجيش العراقي، وأضاف الفياض في مؤتمر صحفي أن أمن سهل نينوى سيوكل إلى اللواء 30 من الحشد والشرطة المحلية والجيش على أن يكون بأمرة الجيش العراقي.
كشف مسؤول عمليات لواء 30 في الحشد الشعبي سامي بكدش عن تخوف سكان سهل نينوى من عودة قوات أخرى لسهل نينوى، لافتًا إلى أن سكان سهل نينوى يثمنون الدور الذي اضطلع به الجيش والشرطة في استعادة مناطقهم
من جهته يقول مسؤول عمليات لواء 30 في الحشد الشعبي سامي بكدش في حديثه لـ”نون بوست”: “قوات الحشد في سهل نينوى امتثلت لقرار رئيس الوزراء، لكن مواطني سهل نينوى رفضوا القرار، وخرجوا على إثره في مظاهرات سلمية مطالبين الحكومة بالتراجع عنه”، وكشف بكدش تخوف سكان سهل نينوى من عودة قوات أخرى لسهل نينوى، لافتًا إلى أن سكان سهل نينوى يثمنون الدور الذي اضطلع به الجيش والشرطة في استعادة مناطقهم، لكنهم يخشون من عودة التفجيرات والاغتيالات إلى مناطقهم.
وأضاف بكدش أنه ليس هناك ثوابت في العراق، إذ إن الحشد والمواطنين على السواء يخشون من عودة قوات البيشمركة الكردية إلى مناطق سهل نينوى في حال حصل اتفاق بين المركز والإقليم.
وعما آل إليه الاتفاق الذي أفضى لحل الأزمة، كشف بكدش لـ”نون بوست” أن الاتفاق أفضى إلى أن تكون سيطرة الكوكجلي (سيطرة طريق أربيل) مشتركة بين الجيش والحشد والشرطة، على أن تظل بقية السيطرات في سهل نينوى خاضعة لسيطرة الحشد الشعبي (لواء 30).
تخبط حكومي واضح
يرى الكثير من الخبراء والمحللين أن ما حدث في سهل نينوى يعد عصيانًا وتمردًا عسكريًا، وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي رعد هاشم في حديث حصري لـ”نون بوست”: “تعامل الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة فيه تماهٍ كبير وتهاون واضح ومراعاة للحشد الشعبي على حساب خط الدولة”، بحسب تعبيره.
النائب شيروان الدوبرداني كشف أن عدم امتثال الحشد الشعبي (لواء 30) لأوامر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ما هو إلا تأكيد لما حذرت منه واشنطن وحذر الكثير منه
وأضاف هاشم أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لم يكن رجل دولة في حل الأزمة، إذ كان يمكن له أن يرسل وفدًا سياسيًا بدل الوفد الأمني الذي أرسل، إذ إن ما تم هو معالجة سياسية لا أمنية، لافتًا إلى أن عبد المهدي رضخ لجماعة متمردة ومنفلتة، ومؤكدًا أنه حدث يشي بأن مجموعات الحشد الشعبي لا يمكن أن تنصهر في المنظومة الأمنية، وأنه سيشجع بقية الفصائل على أن تحذو حذوها.
وكتب النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى أحمد الجبوري في تغريدة له على تويتر: “عندما يُصّدر القائد العام أمرًا بنقل أي تشكيل، فعلى ذلك التشكيل أن ينفذ الأوامر، وإذا رفض ذلك، فهو عصيان يستحق العقاب القانوني الشديد، وإذا تراجع القائد العام عن قراره كما حصل في إشراك حشد الشبك مع الجيش والشرطة، فهو القائد العام للجيش والشرطة فقط”!
عندما يُصّدر القائد العام أمراً بنقل اي تشكيل ..فعلى ذلك التشكيل ان ينفذ الأوامر .. واذا رفض ذلك فهو عصيان يستحق العقاب القانوني الشديد..
واذا تراجع القائد العام عن قراره كما حصل في اشراك حشد الشبك مع الجيش والشرطة .. فهو القائد العام للجيش والشرطة فقط! https://t.co/wGokEMQhNN
— النائب احمد الجبوري (@ahmedaljubore1) August 6, 2019
أما النائب شيروان الدوبرداني فقد كشف عدم امتثال الحشد الشعبي (لواء 30) لأوامر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ما هو إلا تأكيد لما حذرت منه واشنطن وحذر الكثير منه، مشيرًا إلى أن الحشد الشعبي أثبت الآن أن هناك أسبابًا تجعله يصر على البقاء في السيطرات، من بينها المساومات والإتاوات والأفعال التي تدر له أموالًا.