تعيش منطقة الخليج تصعيدًا بعد آخر كبرميل بارود، فلم يكن الأمر على ما يرام منذ أشهر، وها قد دخلت “إسرائيل” على خط حماية الملاحة في مياه الخليج، معلنةً استعدادها للقيام بمهمة بحرية بقيادة الولايات المتحدة لتوفير أمن الملاحة في مضيق هرمز، فهل بات التحالف الخليجي الإسرائيلي لمواجهة إيران أمرًا واقعًا؟
“إسرائيل” قريبًا في الخليج
“إسرائيل” في الخليج عسكريًا في ظهور قريب، جاء هذا الكشف على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي كان واقفًا قبل أسابيع أمام أكبر مساجد الإمارات.
وخلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قال كاتس إن “إسرائيل” ستشارك في الحلف الدولي الذي تسعى الولايات المتحدة لتشكيله باسم “حماية أمن الملاحة البحرية في مياه الخليج”، وأضاف أنها (إسرائيل) تشارك في المباحثات الجارية في هذا الشأن في الولايات المتحدة وفي المنطقة.
المشاركة بحسب الإعلان الإسرائيلي أمام الكنيست ستشمل الجوانب الاستخباراتية والتقنية وغيرها من المجالات التي تمتلك فيها قدرات وتتفوق فيها نسبيًا كما يقول كاتس
وربط الوزير الإسرائيلي إعلان المشاركة بزيارته الأخيرة لأبو ظبي نهاية يونيو/حزيران الماضي، واجتماعه مع مسؤول رفيع المستوى قيل إنه ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وقال حينها إن هدف الزيارة التنسيق والتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة وخاصة إيران.
وبعد عودته بأسابيع، يبرر كاتس خلال جلسة الخارجية والأمن إعلانه الأخير بالأسباب ذاتها، قائلاً إن في ذلك “مصلحة إسرائيلية واضحة تندرج ضمن إستراتيجيتها لكبح التغلغل الإيراني في الشرق الأوسط وتعزيز العلاقات بين “إسرائيل” ودول الخليج”، كما قال. لكن على ما يبدو تناسى كاتس الخطوات الإماراتية الأخيرة للتقارب مع إيران، والتحول المفاجئ في موقف ساسة أبو ظبي المعاكس لموقف السعوديين تجاه طهران.
وفي إطار الضغوط الأمريكية المتواصلة على طهران، لعل زيارة الوزير الإسرائيلي على وجه التحديد هي ما دفعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى القول إن اعتماد بعض الدول العربية على “إسرائيل” لحمايتها “سياسة خاطئة”، لأن “إسرائيل” غير قادرة على مواجهة فصائل المقاومة، ولن تكون قادرة على ضمان أمن هذه الدول، حسب تعبيره.
وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أمام مسجد الشيخ زايد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي
وبحسب ما تم تسريبه عن كاتس، جاء أنه بعد اللقاء الذي جرى في دولة الإمارات، أصدر هذا الوزير تعليماته للجهات المعنية بوزارة الخارجية للعمل مع جميع الأطراف وإشراك “إسرائيل” في التحالف المقتصر حتى الآن على الداعية إليه (واشنطن) والساعية فيه (لندن)، صاحبة الناقلة المحجوزة عند إيران، وثالثهما تل أبيب أول المسجلين في اللائحة.
المشاركة بحسب الإعلان الإسرائيلي أمام الكنيست ستشمل الجوانب الاستخباراتية والتقنية وغيرها من المجالات التي تمتلك فيها قدرات وتتفوق فيها نسبيًا كما يقول كاتس، وهذا جانب مبهم في القدوم الخطر إلى قلب الخليج، لما يرسمه من ثنائيات تحشر أهله بين “إسرائيل” وإيران، هذه المرة بقوة الأمر الواقع.
منذ نشوب الأزمة في مياه الخليج، تكررت الدعوات الإسرائيلية الموجهة إلى دول المنطقة للوقوف في صف واحد خلف الولايات المتحدة ضد إيران، وبذلك تكون تصريحات الوزير الإسرائيلي جزءًا من مواقف حرصت تل أبيب على بثها إعلاميًا.
ما وراء الدخول على خط حماية الملاحة في الخليج
في ظل وجود أرضية مشتركة مع واشنطن وبعض دول المنطقة عنوانها “العداء لإيران”، قد لا يكون من المستغرب إعلان كاتس المشاركة في عمليات تأمين الحراسة لناقلات النفط في منطقة الخليج، غير أن طبيعة الإعلان وما حوى طرح عددًا من علامات الاستفهام، ليس آخرها دوافع تل أبيب وآفاق التصعيد في المياه المضطربة أصلاً.
لا تخفى مكاسب هذه المشاركة لـ”إسرائيل” بتسويقها إقليميًا ودوليًا باعتبارها جديرة بالانضمام لشرطة العالم الخيِّر، وحافظة لأمن المضائق من أشرارها، وهي ذاتها تحتل أراضي الغير، ولا تزال تخوض في عداء لم ينته مع العرب، لا سياسيًا باتفاقات ولا شعبيًا برفض قبولها من معظم الشعوب.
زج “إسرائيل” في قلب المشهد، ليس قفزًا على رسائل سابقة للتحالف معها بذرائع الضرورة وحسب، بل يُخشى أن يكون التسلل الذي يُكشف اليوم قد وقع بالفعل وانتهى الأمر
لماذا تريد الولايات المتحدة إيصال الأمور إلى هذه الذروة مع إدراك ضرر دفع الإسرائيليين نحو هذا العبور البعيد؟ لم تتضح الإجابة بعد، ولم يصدر موقف واضح من الإدارة الأمريكية، لكن واشنطن بعد أن أعلن الرئيس ترامب أنه لن يقاتل في مضيق لا يستفيد منه، ترمي الكرة في ملعب الدول جميعًا.
ويبدو من أحدث تصريحات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو أنها لم تفلح بعد في الحشد العسكري لقوة الأمن البحرية في مضيق هرمز، إذ يقول “طلبنا من أكثر من 60 دولة تقديم المساعدة في تأمين خطوط الملاحة في مضيق هرمز، لتتمكن كافة السفن من المرور بأمان.
طائرة هليكوبتر تقلع من سطح السفينة الأمريكية “يو إس إس بوكسر” في مضيق هرمز
لم يذكر بومبيو واحدة من تلك الدول الـ60 المدعوة، لكن وحدها بريطانيا المنخرطة مباشرة في أزمة الناقلات مع إيران هي التي أعلنت انضمامها إلى الولايات المتحدة، في حين تتريث أوروبا التي لم تتحرك أيضًا باتجاه تلك القوة المنتظرة أي من أطرافها التي ما زالت في الأغلب تحلم بالعودة إلى هدوء ومزايا الاتفاق النووي، وترى في العودة للمسار التفاوضي بشكل عام مع إيران صمام أمان للمنطقة.
أمَّا إقليميًا، فإن زج “إسرائيل” في قلب المشهد، ليس قفزًا على رسائل سابقة للتحالف معها بذرائع الضرورة وحسب، بل يُخشى أن يكون التسلل الذي يُكشف اليوم قد وقع بالفعل وانتهى الأمر، حيث تنقل صحيفة “يسرائيل هيوم” أن “إسرائيل” تقوم بدور نشط في تحالف حماية السفن في الخليج، ما يضعها مباشرةً قُبالة شواطئ إيران، التي قالت إنها سترد على أي اعتداء عليها بكل بقوة وبصواريخ حلفائها.
“الأمن مقابل الأمن والمضيق مقابل المضيق”
في حين لم تزل الولايات المتحدة تبحث عن غطاء دولي سميك لما تسميه تأمين مضيق هرمز، لا تخلو رسائل واضحة يوجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الولايات المتحدة ومن يأتي وراءها من الحدة، ومفادها الندية الكاملة في الأمن والنفط والمعابر المائية، وقبلها تجديد التهديد بأن الحرب مع إيران لن تكون كغيرها.
أكدت إيران على لسان رئيس برلمانها علي لاريجاني أن القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة ستكون هدفًا للقوات الإيرانية عند أي هجوم محتمل من واشنطن أو حلفائها
وحين يذكر روحاني مضيق جبل طارق نصًا في كلمته، فإنه يوجه كلامه لبريطانيا أيضًا وليس للولايات المتحدة فقط، كما يوسِّع حديثه عن المضائق بعد أن كان مقتصرًا من قبل على مضيق هرمز، ما قد يشير إلى أن طهران تحدد لواشنطن ضوابط الملاحة بالمضائق البحرية الإستراتيجية.
اختار الرئيس الإيراني الزمان والمكان المناسبين لتوجيه رسائله تلك، فقد جاءت قبل يوم واحد من إعلان تل أبيب نيتها الانضمام للحلف الذي يستهدف إيران في المقام الأول، وأيضًا خرجت تلك الرسائل من وزارة الخارجية التي فرضت واشنطن مؤخرًا عقوبات على حامل حقيبتها محمد جواد ظريف.
زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج
ويرى الإيرانيون أن على واشنطن كما قال روحاني أن ترفع العقوبات عن بلاده أولاً إن هي رغبت في التفاوض، وهي رغبة يشكك فيها ساسة طهران في ضوء تسليط العقوبات على وزير خارجيتهم الذي يُفترض أن يقود أي حوار مرتقب، وهي العقوبات ذاتها التي رحبت بها “إسرائيل”.
لكن مع الإصرار على التلويح بقبول التفاوض المشروط برفع العقوبات، أكدت إيران على لسان رئيس برلمانها علي لاريجاني أن القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة ستكون هدفًا للقوات الإيرانية عند أي هجوم محتمل من واشنطن أو حلفائها، ولعل هذا بعض مما كان يقصده الرئيس الإيراني حين تحدث عن “أم الحروب”.
على الضفة الأخرى، أنباء العرب أصدق هذه المرة من حد سيوف ما عاد يُعرف لمَنْ يُلوح بها، وسواء انتهت الأزمة بقيام توازن رعب إسرائيلي إيراني أم ازدادت تعقيدًا، فإن ما لم تجمِّله الأسماء أن خليجًا عربيًا يسبح في مياهه إسرائيليون وعلى ضفافه عرب يدفعون ويرقصون.