بعد ستة عشر سنة من حكم الأحزاب التي تدعي إنها إسلامية، كانت أحدى مخرجاتها للمجتمع العراقي، عصابات مافيا تتاجر بالمخدرات والجنس والقمار، تعمل بحماية تلك الأحزاب، وتتخادم معها في غسيل الأموال. فيا ترى هل كانت مافيات المخدرات وتجارة الدعارة وغسيل الأموال، هي المكافأة التي منحتها الأحزاب الشيعية مقابل المظلومية التي أقنعوا بها المكون الشيعي بالعراق؟ تلك المظلومية التي طالما تاجرت بها الأحزاب الشيعية، هل كانت بسبب حرمانهم من صالات القمار وتجارة المخدرات والنساء؟
في يوم الإثنين الماضي 5/8/2019، أعلنت السلطات العراقية، إلقاء القبض على المدعو “حجي حمزة الشمري” أحد زعماء المافيا في العراق، الذي يسيطر على معظم أماكن لعب القمار، وممارسة الدعارة وتجارة المخدرات، بالإضافة إلى 25 شخص من أتباعه، وتحول ما يعرف بــ “الحاج” حمزة الشمري، إلى الزعيم الأكبر للمافيا في العراق، بعدما كان صديقا مقربا لأهم قادة الحشد الشعبي والمسؤولين والساسة. مما أثار استغراب الناس، ذلك لأن الشمري شخصية معروفة بمجال عملها هذا منذ سنوات، وتربطه علاقات وثيقة مع السياسيين ورجال الدين، وتدُّر تجارته بصالات القمار ما يقارب على الـ25 مليون دولار شهريًا، دون إحتساب ما يعود علي من تجارة الدعارة وغسيل الأموال، ولكل هؤلاء السياسيون ورجال الدين وقادة المليشيات حصة بتلك الأموال،هذه الصالات التي كانت مرخصة وفق القانون، وبعلم الأحزاب “الإسلامية” كما تسمي نفسها، فلماذا هذا التغيير المفاجئ؟
حسب البيان الصادر من السلطات العراقية، ذَكَرَ أن قوة من أمن الحشد الشعبي، نفذت عملية إلقاء قبض على “الشمري” وأتباعه، بأمر مباشر من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وعلَّلت أسباب قيامها بتلك المهمة عوضًا عن الأجهزة الأمنية المعنية بهذا النوع من القضايا، هو إن الشمري وأتباعه يدَّعون أنهم منتمين للحشد الشعبي، ولديهم هويات مزورة تثبت ذلك، مما يجعل الامر متعلق بالحشد الشعبي، وأضاف البيان، نظرًا لدواعي سرية العملية ومنع تسريب خبرها إلى الأهداف التي يُراد إلقاء القبض عليها، من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية، كما ونوه البيان إلى ان هذه المافيا، لها علاقات قوية ببعض السياسيين الذي يوفرون لها الحماية وحرية العمل.
فيما يبدوا إن الحشد، استخدم اسم عبدالمهدي في عمليته الأخيرة ضد أحد رموز مافيا المخدرات، للتغطية على عمليات تصفية داخلية، ضد شريك لهم تحول اسمه إلى مصدر للشبهات
ويحمل هذا البيان رسائل عديدة، ولأطراف عديدة منها، التشكيك بولاء ومصداقية الأجهزة الأمنية وجهاز الدولة بشكل عام، وإعطاء انطباع بأن الحشد الشعبي بأقسامه الأمنية والعسكرية، هو الأكثر موثوقية والأكثر سريَّة من أجهزة الدولة، والرسالة الثانية، هو تبيض صفحة مليشيات الحشد الشعبي بعد أن أسودَّت وتلطخت بشكل يفوق الوصف، في موضوع تجارة المخدرات والنساء وغسيل الأموال، فقام الحشد بجعل الشمري، كبش فداء لها، لتبيّض خلاله صفحتها الكالحة السواد، بطريقة مشابه لما فعلته بالمليشياوي “أوس الخفاجي” زعيم مليشيا كتائب أبو الفضل العباس، حينما جعلوه كبش فداء، عندما أردت قيادة الحشد، توحيد ميليشياتها بقيادة واحدة تحت أمرة قياديّ المليشيات الكبرى فيه.
تلك كانت أسباب البيان الصادر من الحشد، أما ما نرجحه من أسباب، فهي أن الحشد الشعبي ماضٍ في طريقه للوصول إلى سيطرة كاملة على كل مفاصل الدولة وبالأخص الأمنية منها. ولأجل ذلك، كان لا بد من عمليات نوعية يُثبت فيها جدارته بمكافحة الآفات الاجتماعية والممارسات اللا-أخلاقية (رغم إن الحشد وراء الكثير منها)، لكي يُثبت للناس، بأنه محل ثقة، وأنه يتعامل مع الأمن بشكل أفضل من الأجهزة الأمنية الحكومية، سواء كانت جيش أو قوى أمن داخلي. هذا ما عبر عنه رئيس ما يسمى بـ”اتحاد علماء المسلمين في ديالى” جبار المعموري، حينما قام بإلصاق تهمة الارتباط بالكيان الصهيوني لتجار المخدرات والدعارة، في محاولة منه لإضفاء صفة المقاومة والممانعة لمليشيا الحشد ضد الكيان الصهيوني، وكلنا نعلم إنها متاجرة رخيصة بالقضية الفلسطينية لتلميع مليشيات الحشد، لأنهم يعرفون كم لهذه القضية تعاطف كبير في وجدان الشعب العراقي، وكأن المعموري هذا، لا يدري بأن الشعب العراقي يعرف الدولة التي تُصدر المخدرات لبلدهم، ويعرف من يرعى تفسخ المجتمع العراقي.
هذه الحادثة التي جاءت مباشرة بعد أحداث سهل نينوى، عندما أصرَّ الحشد على عدم تنفيذ مقررات عبد المهدي باستبدال لواء الشبك بقوات من الجيش، ورضوخه لمطالبهم بالبقاء بأماكنهم، لما يعود عليهم من استفادة مادية كبيرة للحشد من تلك المنطقة، نفس الحال ينطبق على استفادتهم من صالات القمار وتجارة المخدرات والدعارة.
في كل تلك الاحداث الكبيرة التي حدث في سهل نينوى وفي صالات القمار في بغداد، لم يخرج علينا عبد المهدي بتصريحٍ واحد يوضح حقيقة ما يجري على الأرض
وفيما يبدو أن الحشد، استخدم اسم عبدالمهدي في عمليته الأخيرة ضد أحد رموز مافيا المخدرات، للتغطية على عمليات تصفية داخلية، ضد شريك لهم تحول اسمه إلى مصدر للشبهات، ولا بد من تصفيته، حفاظا على التجارة نفسها، كون هذه التجارة هي الظهير المالي لعدد كبير من المليشيات، بدليل بقاء العديد من الشخصيات المافيوية تمارس عملها بصالاتِ قمارٍ مازالت مفتوحة إلى الان، وبالتالي فأن هذه العملية جاءت ليس بنيَّة غلق صالات القمار وتخليص الناس من شرورها، إنما المحافظة عليها لأنها تمثل تمويلًا مهمًا لها لا يمكنها التخلي عنه، في ظل احتياجها المتنامي لزيادة مصادر دخلها من الأموال، بعد أن بات واضحًا أن الحرس الثوري قد توقف عن التمويل بسبب العقوبات الامريكية المفروضة على إيران.
وفي كل تلك الاحداث الكبيرة التي حدث في سهل نينوى وفي صالات القمار في بغداد، لم يخرج علينا عبد المهدي بتصريحٍ واحد يوضح حقيقة ما يجري على الأرض، رغم إن تلك المليشيات تعمل باسمه، لكن رئيس وزرائنا غائب لا نكاد نسمع له همسًا. بل لم يصدر عن مسؤول رسمي موقفًا بهذا الخصوص، مع إن كل وسائل الإعلام تناولت القضية، فالأمر لا يعدو اثنين، إما أن يكون عبد المهدي ليس له علاقة بما يجري على الأرض ولا يدري بما يحدث، أو انه فعلا وراء كل هذا الذي يجري، وبذلك يكون عبد المهدي من أكثر رؤساء الوزراء الداعمين لمليشيات الحشد وأشدهم طواعية للمتطلبات الإيرانية.
وسواء كان هذا السبب أو ذلك، فأن عبد المهدي يغامر بمستقبله السياسي، وموعد سقوطه أصبح وشيكًا، لا سيما وأن المهلة التي أعطاها الصدر له، شارفت على الانتهاء، وكل المؤشرات واضحة على عدم رضا الصدر من سياسة عبد المهدي الذي انجرف فيها مع التيار المنافس له في تحالف “البناء”، المؤلف من مليشيات الحشد بشكل رئيسي، ولهذا السبب نستطيع أن نفهم التحركات المتسارعة للحشد في عملية استيلائه على مقاليد السلطة في الحكومة بشكل خاص والدولة بشكل عام، ليس آخرها تعيين عدد من المفتشين من قبل عبد المهدي على وزارات وهيئات وجهات حكومية بحجة محاربة الفساد، أحدهم شخصية من منظمة بدر، تم تعيينه كمفتش على وزارة الدفاع دون أن يكون له رتبة عسكرية، أو تلقى علومًا عسكرية. وكذلك الحال في سيطرة شخصية تابعة لمليشيا حزب الله العراقي على منصب محافظ ذي قار، ومن قبلها استحوذت هذه المليشيا على منصب محافظ بغداد، وكذلك فعلت قرينتها مليشيا العصائب، باستيلائها على منصب وزير الثقافة، ومنصب وزير العمل.
إن الأحداث التي يتصدرها الحشد الشعبي، سوف لن تنتهي وستستمر الى أن يحين الوقت الذي يضطر فيها عبد المهدي لتقديم استقالته أو إجباره على تقديمها
لقد سعت قيادة الحشد السياسية الممثلة بكتلة “الفتح”، إلى كسب النفوذ ليس فقط في الحكومة، إنما حتى داخل مكتب رئيس الوزراء عبد المهدي نفسه، وكان تعيين كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء، محمد الهاشمي، والمعروف باسم “أبو جهاد”، دليلًا واضحًا على سعة نفوذهم للدرجة إن بعض السياسيين من يقول، ان قرارات عبد المهدي تصدر عن أبو جهاد بشكل مباشر، وهو من يقود الحكومة بشكل فعلي.
إن الأحداث التي يتصدرها الحشد الشعبي، سوف لن تنتهي وستستمر الى أن يحين الوقت الذي يضطر فيها عبد المهدي لتقديم استقالته أو إجباره على تقديمها. وحتى يحين ذلك الموعد يكون الحشد قد أمسك على أهم مفاصل الدولة، وبدلاً من كبح جماح المليشيات المسلحة، ستجعل خطوات عبد المهدي على تمكينها من قضم الدولة العراقية التي تعاني من الهشاشة بالأساس.