شدد ممثلون عن الحراك الشعبي في الجزائر في أول لقاء لهم مع لجنة التنسيق والحوار على ضرورة عدم إشراك أحزاب السلطة في مشاورات حل للأزمة التي تعيشها البلاد، في وقت أعلن فيه الحزبان الحاكمان جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي عن مبادرة كل واحد منهما للخروج من الوضع الذي تعيشه البلاد. فهل تشكل هذه الخطوة محاولة لتغيير جلد من كان سببًا في مشاكل الجزائريين أم أنها مناورة للتأثير على سير الحوار الوطني.
وبعد أشهر من محاولة النأي بالنفس والبقاء على الهامش لامتصاص غضب الشارع، بدأت الأحزاب التي كانت مؤيدة لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بالخروج إلى العلن والظهور بوجه جديد يدّعي انه يؤيد مطالب الحراك ويقدم الحل السحري للمشكل الراهن.
أول لقاء
أخيرًا، نجحت اللجنة السياسية للهيئة الوطنية للحوار والوساطة في عقد أول اجتماع لها مع بعض ممثلي الحراك الشعبي، بعد أشهر من الشد والجذب بين الشارع والسلطة حول إيجاد الصيغة المناسبة للجلوس إلى طاولة المفاوضات والمشاورات.
وحضر الاجتماع نشطاء من ولايات الوطن بينها قسنطينة (شرق البلاد) وتيسمسيلت (الغرب) وغرداية ومسيلة (الجنوب).
وقال جمال كركدان المكلف بالإعلام للهيئة للصحافة عقب نهاية الاجتماع إن الطرفين اتفقا مبدئيًا على ضرورة الإسراع في تنظيم انتخابات رئاسية دون الحاجة إلى مرحلة انتقالية، لكن مع ضرورة استحداث هيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، وإعادة النظر في القانون العضوي للانتخابات.
قال الناشط رشيد حطاب القادم من ولاية تيسمسيلت إن الحوار هو الحل للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، رغم اعترافه في أن الشرخ الموجود بين السلطة والحراك يتمثل في “غياب الثقة بين الطرفين”
وبدا واضحًا من تصريحات المشاركين في الاجتماع أن الطرفين اتفقا على ضرورة اتخاذ إجراءات تسمح بإعادة ثقة الشعب قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية.
وقال الناشط رشيد حطاب القادم من ولاية تيسمسيلت إن الحوار هو الحل للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، رغم اعترافه في أن الشرخ الموجود بين السلطة والحراك يتمثل في “غياب الثقة بين الطرفين”.
وبالنسبة لحطاب، فإن رجوع هذه الثقة مرتبط أولا بإبعاد الأحزاب الموالية للنظام السابق عن الحوار. وبالنسبة لرئيس اللجنة كريم يونس، فإن مشاركة هذه الأحزاب لن يكون إلا إذا طالب بذلك 43 مليون جزائري.
ويحمّل الجزائريون أحزاب السلطة خاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي مسؤولية تخلف عجلة التنمية والتقدم في البلاد، بالنظر إلى أن هذه التشكيلات السياسية كانت جزءا من المشكلة ولن تكون بأي شكل من الأشكال جزءا من الحل، غير أن البعض يعتقدون أن هذه النظرة قد لا تختلف عن سياسة الإقصاء التي كان يمارسها النظام السابق، لذلك لا يجب الحذو حذوه لأنه حتى هذه الأحزاب المغضوب عليها تضم في صفوفها بعض المخلصين النزهاء الذين لم تتشوه أيديهم بالفساد.
هجوم معاكس
بعد صمت طويل، وعقب تغيير قيادة كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، يحاول الحزبان العودة إلى الواجهة باللعب على وتر دعم قرارات المؤسسة العسكرية باعتبارها الطرف الأكثر قوة لحد الآن في المشهد السياسي الجزائري، وكذا تقديم ما تروج أنه حلول لخروج من الأزمة.
تحاول أحزاب السلطة الاستثمار في تشتت المعارضة وتعنت بعض نشطاء الحراك لطرح نفسها كطرف يمكن أن يقدم حلا في الأيام القادمة
وأعلن عز الدين ميهوبي وزير الثقافة السابق في عهد نظام بوتفليقة الذي يتولى اليوم الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة أن حزبه يطرح وثيقة مشروع “مبادرة التحول الجمهوري” التي أرسلت إلى لجنة الحوار والوساطة. وأوضح أن هذه الوثيقة مساهمة من الحزب في إطار مقترحات الخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
وحذر ميهوبي من “استغلال تطلعات الشعب وآماله وتوظيفها في تصفية حسابات تعود إلى مرحلة بداية الانتقال الديمقراطي في التسعينات”. وشدّد ميهوبي على ضرورة عدم إقصاء أي طرف أو شخصية في الحوار من منطلق أن الإقصاء لا يخدم الديمقراطية.
وبدا واضحًا أن كلام ميهوبي موجه للهيئة التي يقودها كريم يونس التي أعلنت صراحة عدم التحاور مع من كانوا سببًا في الأزمة، غير أن الرجل الأول في “حزب الإدارة” يدعي أن ثلاثة أرباع الشباب المناضل في التجمع الوطني الديمقراطي شاركوا في الحراك الشعبي منذ أسبوعه الأول.
وبدوره، سار محمد جميعي الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الذي كان يرأسه شرفيًا الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على منحى عز الدين ميهوبي، وشدد في لقاء حزبي على “ضرورة انخراط الجميع في الحوار الوطني بهدف الوصول إلى توافق حول كافة القضايا المطروحة”. ورافع جميعي للحوار الذي يقوم على “التنازلات ولا يقصي أي طرف سياسي أو مدني”
بوادر التهدئة جاءت أيضا من نشطاء الحراك المشاركين في الحوار الذين أكدوا هم أيضا رفضهم لمقترح المرحلة الانتقالية لما فيه من مخاطر على مستقبل البلاد
وتحاول أحزاب السلطة الاستثمار في تشتت المعارضة وتعنت بعض نشطاء الحراك لطرح نفسها كطرف يمكن أن يقدم حلا في الأيام القادمة، في محاولة منها لتغيير صورتها من الارتباط بالفساد والإقصاء ومختلف الأساليب الاستبدادية التي عمل نظام بوتفليقة على ممارستها إلى الأحزاب المؤمنة بالتغيير والاعتراف بالأخطاء، غير أن سياسة تبديل الوجوه دون تبديل الممارسات يبدو أنها لم تقنع الجزائريين.
تهدئة
قضت أمس محكمة عنابة الابتدائية بالبراءة لـنذير فتيسي (41 سنة) الذي كان يواجه تهمة المساس بالوحدة الوطنية لرفعه الراية الأمازيغية خلال مسيرات الجمعة، وهو ما اعتبر خطوة في تجاه التهدئة خاصة وأن النائب العام كان قد التمس سابق تسليط عقوبة 10 سنوات حبسا نافذا في حق فتيسي.
وإن أكدت لجنة الحوار والوساطة أنه ليس من حقها التأثير على قرارات العدالة، إلا أنها هذا الحكم قد يدخل في مسار التهدئة الذي دعت إليه اللجنة، فقد طلبت من رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح في لقائها الأول معه إطلاق سراح الموقوفين في المسيرات، ودعا بن صالح وقتها العدالة إلى التقدير الجيد لدى الحكم على هؤلاء الشباب، خاصة وأن القانون يربط أغلب الأحكام بتقدير قاضي الجلسة.
وبوادر التهدئة جاءت أيضًا من نشطاء الحراك المشاركين في الحوار الذين أكدوا هم أيضًا رفضهم لمقترح المرحلة الانتقالية لما فيه من مخاطر على مستقبل البلاد، وهو موقف تتشارك فيه رئاسة الدولة والمؤسسة العسكرية.
وبالنسبة للجنة الحوار، فإن تطبيق المادتين 7 و8 من الدستور الذي يرفع خلال مسيرات الجمعة له تفسير واحد هو الذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليه في انتخابات شفافة ونزيهة، وفي مقدمتهم رئيس البلاد، وهو الرأي الذي يضع حدا لأصحاب مقترح المجلس التأسيسي المرفوض من عدة أطراف في السلطة والمعارضة تفاديا لتكرار التجربة الليبية التي أدخلت البلاد في دوامة لم تنته حتى الآن.
إن الحكم على عمل لجنة الحوار والوساطة بعد مرور أسبوعين من تنصيبها سواء بالإيجاب أو السلب قد يبدو جائرًا في حقها بالنظر إلى الأوضاع التي تعيشها الجزائر، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أنها نجحت على الأقل في رسم الخطوط العريضة التي سيسير عليها الحوار، كما نجحت أيضًا لأول مرة في فتح نقاش مباشر مع ممثلين عن الحراك أو جزء منه، إلا أنه ما قد يعاب عليها هو بطء مشاوراتها في وقت تحتاج البلاد لكل ثانية للخروج من أزمة تزداد متاعبها كل ما طالت عملية حل مشاكلها.