يتعرض الكثير منا للقلق اليومي، الذي قد يستمر لفترات طويلة ويصبح التخلص منه أكثر صعوبة أحيانًا، ولكن ما يجدر التأكيد عليه هو أن القلق تشخيص مستقل من تشخيصات الصحة العقلية، وهو اضطراب من الممكن أن يؤدي إلى العصبية والخوف المفرطين بالإضافة إلى تسببه في أعراض مرضية جسدية.
وتعدد طرق العلاج بطبيعة الحال، ومنها الاسترخاء العادي الذي يمارسه الناس دون قواعد أو قوانين، ومنها اليوغا والتأمل، حتى بات هناك فائض من المشاريع المهتمة بالسفر والبحث عن الاسترخاء في أحضان الطبيعة. ولكن، ظهر مؤخرًا شكل جديد من أشكال الاسترخاء والتأمل والتي حصلت على جمهورها ومستخدميها في عدة بلدان حول العالم. إذ تعتمد هذه الطريقة على الاستعانة ببرامج الواقع الافتراضي بشكل أساسي.
ما هو تأمل الواقع الافتراضي وكيف يعمل؟
يجد بعض ممارسي اليوغا أو أيّ شكل آخر من أشكال الاسترخاء والتأمل وخصوصًا المبتدئين منهم صعوبًة في التركيز وتطبيق الخطوات المتبعة لتحقيق النتيجة المرجوة في الوقت الذي يجب فيه يكونوا في قمة تركيزهم. إلى أن ظهرت طريقة جديدة تعتمد على أجهزة الواقع الافتراضي التي يتم إيصالها بالهاتف الذكي أو جهاز الكمبيوتر وتشغيل واحد من تطبيقات الاسترخاء التي باتت منتشرة بكثرة.
إذ تتميز بوجود خيارات كثيرة وصور متعددة كالاسترخاء في الجبال والتأمل أمام البحر أو الجلوس في مكان هادئ ومغلق أو حتى الاستماع إلى أصوات مختلفة كصوت خرير الماء وحفيف الأشجار. وقد أثبتت دراسات حديثة فعالية هذه التقنية بن التأمل من خلالها يساعد الذهن بتخفيف أعراض القلق، ويحسن من تفاعل الجهد، ويعزز آليات المواجهة لدى الأشخاص المصابين بالقلق المزمن (GAD). كما قالت دراسة أخرى أجريت على عدة أشخاص يمارسون الاسترخاء باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي بأن المشاركون أصبحوا يواجهون قلقًا أقل بكثير بعد جلسة واحدة فقط.
إذ عندما يضع الشخص جهاز الاستشعار على أذنيه فهو يسمح بقياس وتيرة نبضات القلب، مما يساعد الجهاز على تحديد الحالة الذهنية للمستخدم فالجهاز يرسل البيانات والمعطيات إلى الهاتف الذكي أو إلى الكمبيوتر حيث ترسل التطبيقات المشورة في الوقت اللازم لتحسين التنفس وعملية الاسترخاء بشكل كامل.
يقوم الجهاز باختيار واحدة من 50 ممارسة يقترحها برنامج التأمل الإلكتروني مثل ألعاب تحسن التركيز، أو مشاهدة مناظر طبيعية تدعو للاسترخاء، فيتعيّن على المرء في هذه المرحلة الاهتمام بعملية التنفس عند الشهيق والزفير وأن يراقب في الوقت نفسه آثار التأمل على جسمه خلال الجلسة، وذلك بفضل البيانات المتوفرة مباشرة على جهاز الكمبيوتر أو السماعة الافتراضية.
ما حقيقة فوائده
يعتبر التأمل مع وضع سماعة على الرأس والغوص في العالم الافتراضي مفهومًا مثيرًا للدهشة، مع أن التأمل هو في الواقع لحظة هدوء، يتم فيها التركيز على النفس وعلى الأحاسيس الداخلية بعيداً عن العالم. وقد حققت هذه التقنية التي صنعت في الأصل من أجل مشاهدة الأفلام ولعب ألعاب الفيديو بدقة وسرعة أكبر نجاحًا واسعًا نسبيًا، فالكثير من المواقع المتخصصة وجدت لشرح كيفية استخدام هذه التقنيات والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن منها موقع (guided meditation) “التأمل الموجّه”.
هناك العديد من الفوائد للاسترخاء بشكل عام وبالأخص التي نتحدث عنها اليوم، مثال عليها هو قدرته على تعزيز الصحة العاطفية فهو يؤدي إلى تحسين الصورة الذاتية والنظرة الإيجابية إلى الحياة وجعل المستخدم أكثر نشاطًا وثقًة بنفسه وقد وجدت دراسة للتأمل الذهني انخفاض في حالات الاكتئاب عند أكثر من 4600 شخص بالغ يمارس التأمل بانتظام فقد تتبعت 18 متطوعًا أثناء ممارستهم التأمل على مدار ثلاث سنوات ووجدت أنهم تخلصوا من الاكتئاب خلال فترة قصيرة نسبيًا.
وقد أشار بحث حول الطريقة التي يعمل بها التأمل على التخفيف من الاكتئاب. جاء فيه أن هناك مواد كيميائية في جسم الإنسان تسمى السيتوكينات، والتي يتم إطلاقها استجابةً للتوتر، على الحالة المزاجية، مما يؤدي إلى الاكتئاب وهو ما تقوم جلسات التأمل بالسيطرة عليه وتثبيط إفرازه.
بالإضافة إلى أنه يكسب الشخص قوة على التركيز والتذكر بشكل دائم فهو يساعد على زيادة الانتباه. فعلى سبيل المثال، نظرت دراسة في الآثار المترتبة على دورة التأمل الذهني لمدة ثمانية أسابيع ووجدت أنها حسّنت من قدرة المشاركين على إعادة التوجيه والحفاظ على انتباههم.
كما أظهرت دراسة مماثلة أن العاملين في الموارد البشرية الذين مارسوا بانتظام التأمل الذهني ظلّوا يركزون على مهمة لفترة أطول إذ استطاعوا تذكر تفاصيل مهامهم بشكل أفضل من أقرانهم الذين لم يمارسوا التأمل. علاوة على ذلك، خلصت إحدى المراجعات إلى أن التأمل قد يعكس أنماطًا في الدماغ تسهم في تصفية الذهن من القلق وضعف الانتباه.
وحسب إحصائيات واسعة، فإن ما يقرب من نصف سكان الأرض سوف يعانون من الأرق في مرحلة ما من حياتهم سواء كانت طويلة أو قصيرة وقد قارنت إحدى الدراسات بين برنامجين للتأمل من خلال تقسيم المشاركين بشكل عشوائي إلى مجموعتين. مجموعة واحدة تمارس التأمل، في حين أن الاخرى لا تفعل.
وقد بدأت حين غادر المشاركون جميعًا للنوم فيما استغرق الأشخاص الذين خضعوا لتأمل في فعل النوم والاستعداد الذهني له قبل أولئك الذين لم يتأملوا حتى أنهم بقوا نائمين لمدة أطول. إذ يساعد الاسترخاء على التحكم في أو إعادة توجيه أفكار السباق التي تؤدي غالبًا إلى الأرق. بالإضافة إلى أنه يساعد على استرخاء العضلات، وإطلاق التوتر ووضع الجسم في حالة النوم.
آخرًا ينصح المهتمين بحزمة من التطبيقات “المجانية” وسهلة الاستخدام وملائمة حتى من دون الحاجة إلى أجهزة الواقع الافتراضي النظارات وغيرها. بل يمكن تحميلها واستخدامها من خلال الهاتف المتنقل في كل وقت منها:
1. The Mindfulness App وهو تطبيق مجانيّ يناسب المستخدمين المبتدئين والمعلمين على حد سواء إذ سوف تجد الكثير من الخيارات التي تساعدك على ممارسة إرشادية مدتها خمسة أيام تركز فيها على الحالة الذهنية. بالإضافة إلى التأملات الموجهة بصمت أو الصامتة وتستمر من 3 إلى 30 دقيقة. كما يوفر التطبيق خيارات التأمل الشخصية، والتذكير لإبقائك على اطلاع طوال اليوم، وإحصاءات لتتبع في مجلة التأمل الخاصة بك.
2. Headspace يرشد هذا التطبيق من خلال تقنيات التأمل والعقل إلى حالة من السيطرة والتركيز على طعامك ونومك و الموسيقى التي تستمع إليها كما يوفر استشارات من مختصين فهو يبني خططًا مخصصة بناءً على أخذ بعض المعلومات عنك، حتى تتمكن من معرفة أساسيات التأمل والبناء من هناك.
3. Sattva يستمد برنامج ساتفا طريقة عمله من المبادئ الفيدية للتأمل ويتميز بالتأملات والهتافات والتغني التي يقدمها علماء اللغة السنسكريتية فهو أشبه ما يكون إلى تداوي تقليدي بالغناء والتحدث حتى تبدأ التأملات البسيطة والحقيقية والعميقة خلال ست دقائق، ويمكن من خلاله للمستخدمين تحديد الأهداف التي يريدونها لتوسيع ممارساتهم ببطء. كما يمكنهم أيضًا من تتبع تقدم مراحلهم من خلال مجلة التأمل وتصفح مجموعات التفكير وقوائم التشغيل المصممة لإلهام الجلسات.