ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الرجل الذي اقترح ذات مرة أن المسلمين يجب أن يحذروا من أي باحث مقرب من الحكومة أصبح الآن يعمل مع ترامب ويعتبره البعض جاسوسا إماراتيا.
في الواقع، إن سمعة أحد أبرز علماء الإسلام في العالم الغربي أصبحت على حافة الهاوية. ويواجه الشيخ حمزة يوسف، العالم المسلم الأمريكي المعروف بذكائه الحاد وفهمه منقطع النظير للغة العربية ودعمه الملايين من المسلمين في أمريكا الشمالية وأوروبا، أزمة شرعية غير مسبوقة في صفوف المسلمين العاديين.
على الرغم من أنه كان شخصية مثيرة للجدل منذ فترة طويلة، إلا أن الأحداث التي جدت في الأشهر الثمانية عشر الماضية جعلت الشيخ ومؤيديه عرضة لموجة من الانتقادات التي تتهمه بالتخلي عن المجتمع وتعميق العداء ضد المسلمين. في المقابل، لا يستطيع مؤيدو الشيخ أن يصدقوا أنه بإمكانه أن يرتكب أي خطأ. فبالنسبة لهم، أعاد يوسف إحياء الإسلام في أمريكا الشمالية، حيث أعطى الآلاف القدرة على إيجاد العزاء في عقيدتهم والثقة لينضموا للتيار الحداثي.
قصة حمزة يوسف ليست مجرد قصة رجل يتم التنازع على إرثه من قبل قناعات مختلفة. ولذلك، لا تعتبر النقاشات العنيفة التي تدور حول تأثير قراراته وتحالفاته مضللة
على الرغم من أن بعض أتباعه لا يتفقون مع سياسته، إلا أنهم يثقون في نيته. ولا يزال يوسف يُتحدث عنه بعبارات منمقة وجميلة باعتباره شخصا محبوبا ومتعلما متمسكا بالتقاليد. أما بالنسبة إلى منتقديه، فإن ارتباطه المستمر بحكومة الإمارات العربية المتحدة وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً يؤكد أنه مدافع عن الإمبراطورية الأمريكية والأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط. وبالتالي، أصبح يوسف عدوًا للمسلمين في وقت وجيز ويشجع على الانزلاق نحو الفاشية.
في الحقيقة، إن قصة حمزة يوسف ليست مجرد قصة رجل يتم التنازع على إرثه من قبل قناعات مختلفة. ولذلك، لا تعتبر النقاشات العنيفة التي تدور حول تأثير قراراته وتحالفاته مضللة، حيث يعد يوسف الشخص الذي يقرر مستقبل الإسلام الغربي.
حياته
ولد حمزة يوسف سنة 1958 في منزل مسيحي في ولاية واشنطن باسم مارك هانسون. انتقلت عائلته إلى شمال كاليفورنيا حيث كان والده أكاديميًا وكانت والدته ضالعة في حركة الحقوق المدنية. عندما كان يبلغ من العمر 17 سنة، نجا بصعوبة من حادث سيارة، وهو ما جعله يواجه مسألة الوفاة ويتبين الغرض من الحياة. وفي مقابلة أجراها مع “بي بي سي” سنة 2002 قال يوسف: “استغرق الأمر مني حوالي ستة أشهر لأخرج من تلك الصدمة. لقد كانت بمثابة دعوة قوية لي للاستيقاظ. خلال تلك الأشهر الستة، بدأ الأمر كما لو كان استكشافًا لما كان يمكن أن يحدث، ماذا لو كنت قد توفيت. كان لدي شعور عميق بوجود شيء ما في الجانب الآخر”.
علاوة على ذلك، صرح يوسف أن اطلاعه على “كتاب اليقين” لمارتن لينغز أدى به إلى قراءة معمقة للقرآن، واعتناق الإسلام في نهاية المطاف قبل أشهر قليلة من عيد ميلاده الثامن عشر. انخرط يوسف في الطريقة الشاذلية الصوفية، بقيادة الشيخ عبد القادر الصوفي.
درس حمزة يوسف على يد الشيخ مرابط الحاج في موريتانيا في التسعينيات.
ترك يوسف الكلية وسافر للتعمق في التدريب الإسلامي التقليدي أو الكلاسيكي، فتوجه أولا إلى المملكة المتحدة، حيث عاش مع الصوفية. بعد ذلك، قضى أربع سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث درس في المعهد الإسلامي وعمل مؤذنا. في سنة 1984، توترت علاقته بالشيخ عبد القادر الصوفي وانفصل عن الطريقة الشاذلية.
بعد ذلك، توجه يوسف إلى شمال إفريقيا، بما في ذلك الجزائر، ثم غربًا إلى موريتانيا. وفي كتابها “الإسلام بلد أجنبي” كتبت عالمة الأنثروبولوجيا زارينا غريوال أنه في موريتانيا ” طور يوسف علاقاته الأمتن والأقوى مع المدرس الشيخ مرابط الحاج محمد فحفو”. في موريتانيا أيضا، أصبح يوسف طالبًا لدى الشيخ عبد الله بن بيه، الذي كان سيؤدي دورًا مهمًا في مسار يوسف. يعتبر بن بيه باحثًا مهمًا في الفقه الإسلامي، ووفقًا للأكاديميين، فإن سمعته تمنحه ويوسف جمهورًا من الحكومات، سواء في الشرق الأوسط أو في العالم الغربي.
بعد الشيخ
عقب عودته إلى الولايات المتحدة سنة 1988، لم يمض وقت طويل حتى أصبح يوسف معروفًا بمحاضراته المثيرة. وظهر كواحد من العلماء المسلمين الأكثر جاذبية في البلاد. بالنسبة لأولئك الذين يكافحون من خلال الهاوية الروحية لأميركا الاستهلاكية والحديثة، كان يوسف مسلمًا بارعًا ومثقفًا مثيرا للاهتمام، وهو ما حقّق نوعًا من الاحترام للإسلام التقليدي.
في الواقع، لم يكن يوسف بليغاً فحسب، فقد كان يتقن العلوم الإسلامية، وكان أيضًا شابًا أبيض يرغب في نقد الرأسمالية والعسكرة والحداثة عبر صحيح البخاري وبوب ديلن. من خلال صوته الناعم المميّز، والميل إلى التلميح بلطف لمعرفته الواسعة مع كل حكاية كان يقصها، ساهم ذلك في إعطائه ثقة في نفسه لكونه مسلماً في أمريكا.
صرح شادي المصري، الذي درّس في عهد يوسف في تسعينيات القرن الماضي، لموقع “ميدل إيست آي” أن أكثر ذكرياته التي لم تفارقه فيما يتعلق بيوسف كانت مستواه المتقدم في تدريس الدين. وفي هذا الشأن، قال المصري، مؤسس جمعية سافينا، وهي مؤسسة تعليمية إسلامية مقرها في نيو برونزويك، نيو جيرسي: “لقد كان يبسط الرسالة كثيرًا حتى تتمكن من تطبيقها في حياتك اليومية. ربما استمعت إلى كل محاضراته التي كانت على شريط أو نظام “في إتش إس”.
أصبح عبد الله بن بيه (على يمين) رئيسًا لمنتدى تعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية في الإمارات العربية المتحدة، بعد مغادرة اتحاد قطر لعلماء المسلمين.
من خلال محاضراته، ساهم يوسف في إعادة إحياء الحنين في العالم الإسلامي الذي بدا بعيدًا عن متناول الناس. ومن خلال معتكفاته الصوفية، نقل المهنيين المسلمين الأمريكيين إلى دار فكرية حيث يمكن التوفيق بين ما يعنيه أن يكون الشخص مسلما والشؤون المادية في العالم.
أصبح يوسف شيخًا مطلوبًا وواحدًا من المفكرين الدينيين الأميركيين القلائل الذين لديهم جمهور عالمي. وفي هذا الصدد، قالت غريوال، وهي أيضًا أستاذة مشارك في الدراسات الأمريكية والدراسات الدينية بجامعة ييل “كان التأثير الرئيسي الآخر الذي أحدثه في الولايات المتحدة أنه أشاع الصوفية دون الطرق الصوفية. لقد جعل يوسف هذا التصوف متاحًا في وقت كان فيه الإسلام السلفي في ذروته في المساجد الأمريكية “.
ومن جهته، قال فوزي حسيني البالغ من العمر 43 عامًا، والذي إلتقى أيضًا بيوسف في منتصف التسعينيات خلال سنوات دراسته الجامعية، في حديثه إلى موقع “ميدل إيست آي” أنه أصبح طالبًا دائمًا ليوسف بسبب بعده الفكري والروحي الذي جعله يثق في إيمانه”. وأضاف “في ذلك الوقت كان الكثير من العلماء المسلمين الذين اتصلت بهم إما مهاجرين أو لم يكن لديهم فهم للسياق الأمريكي. كان هناك أمريكي اعتنق الإسلام وكرس حياته لدراسة دينه. لقد كان رائعا بشكل لا يصدق. لقد شعرت أنني أردت أن أتعلم المزيد من هذا الشخص”.
بخصوص الإجماع العام بين العلماء والباحثين الذين تابعوا يوسف منذ أيامه الأولى كشيخ في أمريكا، كان هناك تحول هائل في نهجه في السياسة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001
تجدر الإشارة إلى أن حسيني يعمل مديرا في شركة أمازون في كاليفورنيا. ويقول هذا المواطن ذو الأصول المصرية، أنه يُرجع الفضل أيضًا إلى يوسف لتطوره المهني، وأن هناك عنصرًا آخر جعله يقترب من يوسف كشيخ: “لقد كان ذو توجه نحو العدالة. كان يتكلم بصراحة وسياسته كانت سياسات المضطهدين”.
عقب أحداث 11 من سبتمبر/أيلول
أما بخصوص الإجماع العام بين العلماء والباحثين الذين تابعوا يوسف منذ أيامه الأولى كشيخ في أمريكا، كان هناك تحول هائل في نهجه في السياسة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وفقا لغريوال، كان يوسف من بين أوائل من زعموا أن الإسلام “فقد مهيته خلال خطاب الغضب” وأنه كان على المسلمين العودة إلى الإسلام “الحقيقي”. وأعرب عن أسفه للخطب التي أثارت الغضب من الإمبراطورية الأمريكية وادعى أنها لعبت دوراً في إدامة الخطاب “غير المتوازن” و”البغيض”.
على سبيل المثال، قبل يومين من أحداث 11 أيلول/سبتمبر، قال يوسف إن الولايات المتحدة “وقفت وأدانت” غزو بلاد المسلمين وأن “محنة كبيرة قادمة”. في الأيام التي تلت ذلك، كان يوسف أحد الزعماء الدينيين الخمسة الذين التقوا بالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان سنة 2001، حيث قيل إنه أقنع بوش بتغيير اسم الغزو لأنه كان “مسيئا للمسلمين”.
اعترف يوسف أنه قد خضع لعملية تحول، وذلك انطلاقا من الحجة القائلة “إنه إذا بقي الشخص على حاله، فمعنى ذلك أن هناك خطأ ما، فأنت لا تكون على قيد الحياة آنذاك”
في حين تعرض يوسف لانتقادات متوقعة بسبب لقائه بالرئيس في وقت تعرض فيه المسلمون للإهانة بسبب أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إلا أن ارتباط اسمه بالحملة العسكرية ترك الكثير من الحيرة. وأشار ذلك إلى ظهور مقاربة جديدة من قبل يوسف تجاه حكومة الولايات المتحدة وسيطرة الطبقة العسكرية تجاه المسلمين الأميركيين. ويدعي يوسف الآن أنه ينبغي على المسلمين أن يكونوا ممتنين للحقوق التي تمنحها لهم الدول الغربية.
سنة 2001، قال يوسف: “يجب على المهاجرين الذين يلومون ويهاجمون الغرب أن يهاجروا إلى بلد مسلم. إن الكثير من الناس الذين تابعوا حمزة يوسف عن كثب، قالوا إن الأمر كان بمثابة تحول بين عشية وضحاها بعد 11 أيلول/سبتمبر. وفي هذا الشأن قالت ولاء قصي، أستاذة في برمنغهام سبق لها تدريس التقليد الإسلامي الحديث في الغرب: “لقد كان بمثابة رد فعله على حدث بهذا الحجم”.
توافق عالمة الأنثروبولوجيا غريوال على هذا الأمر وتقول:” عندما ترى كيف يتحدث عن الولايات المتحدة، فإنك ترى تغييراً حقيقياً. فقبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر، كان ينتقد السياسة الأمريكية بشدة داخل الولايات المتحدة وخارجها”. في المقابل، تحذر غريوال من تقديم ادعاءات شاملة بأن جميع مواقف يوسف وأفكاره قد تغيرت بشكل جذري منذ هجمات سنة 2001. وعلى سبيل المثال، تقول غريوال أن يوسف اتبع موقفًا ثابتا عند نقده لما يمكن أن نسميه” الثقافة والإعلام الأمريكي المهيمنين “.
اعترف يوسف أيضا أنه قد خضع لعملية تحول، وذلك انطلاقا من الحجة القائلة “إنه إذا بقي الشخص على حاله، فمعنى ذلك أن هناك خطأ ما، فأنت لا تكون على قيد الحياة آنذاك”. وبوضع هذا التنازل جانبًا، لقد مثل قيام يوسف بمثل هذا التغيير بداية لسلسلة من التناقضات والمواقف المتذبذبة.
توحيد الفلسفة
يشير بعض المراقبين إلى أن تغير سلوك يوسف والتحول نحو الإشارة إلى المظالم والوقوف في وجهها قد يكون نتيجة للضغوط الجديدة التي واجهها المسلمون الأمريكيون، خاصة العلماء منهم، لاسيما وأن هذه الشريحة من المجتمع عرضة للتدقيق غير المسبوق في الفترة التي تلت هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وبصفته شيخًا نافذا، اعتلى يوسف الساحة الوطنية وطُلب منه شرح أسباب التطرف “العنيف” بين المسلمين.
في تصريح سابق لحمزة يوسف نقله موقع هافينغتون بوست، قال الداعية والباحث أن:” الكثير من العرب يرون في الإسلام حركة سياسية من شأنها أن تحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية التي غالباً ما تكون عميقة. إن هذا مجرد افتراض زائف ومعتقد فاضل خطير”
بدلًا من الاعتماد على الأسباب النظامية التي قادت لحدوث التطرف ودور الحكومات الغربية في إدامة عدم المساواة والقمع والإمبريالية كما كان يفعل في السابق، انتهز يوسف الفرصة لنشر أجندته الأيديولوجية الشخصية كطريقة لشرح الأزمة المزعومة في العالم الإسلامي. وبعد أن اكتسب سمعة جيدة بسبب تعليقاته السياسية المستمدة من عوالم ثقافية مختلفة، ألقى يوسف اللوم على المسلمين والمهاجرين المسلمين في التعامل مع طموحاتهم بشكل عادل في عالم غير متكافئ بشكل قاطع، كما أشار إلى ظهور الإسلام السياسي كحركة موجهة لحل جميع العلل الاجتماعية.
في تصريح سابق لحمزة يوسف نقله موقع هافينغتون بوست، قال الداعية والباحث أن:” الكثير من العرب يرون في الإسلام حركة سياسية من شأنها أن تحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية التي غالباً ما تكون عميقة. إن هذا مجرد افتراض زائف ومعتقد فاضل خطير”. وفي شرحها لموقف يوسف، قالت ولاء قصي إن جزأً كبيراً من موقفه ينبع من الاعتقاد بأن “جميع القادة ظالمون”.
حيال هذا الشأن، قالت قصي:” إنها في الأساس محنة وضيقة من عند الله، فدورك في هذه الحياة لا يتمثل في تغيير هياكل السلطة، كما أن التعامل مع هذه المحنة بطريقة سليمة سيبث الطمأنينة في نفسك. أما بالنسبة إلى يوسف، إذا كنت تحاول أن تجد العدالة على الأرض، فأنت تقلب أساسًا هدف العدالة الإلهية”.
في اعتراضه على المنطق القائل بأن الإسلام السياسي مدخل إلى التطرف، بدأ يوسف يسلك درب اليمينيين ويعتمد نقاط حوارهم القائم على القول بأن هناك فرقا بين “المسلمين الطيبين” و”أولئك السيئين المزعومين”. أما بالنسبة للطيبين، يرى يوسف بأنهم المسلمون الذين ركزوا على الأبعاد الروحية للإيمان وظلوا مسلمين غير سياسيين، في حين ركز السيئون منهم على الانخراط في الأعمال السياسية وأعربوا عن معارضتهم للأنظمة الحاكمة.
يقول العلماء إن يوسف أعطى مصداقية لفكرة “المسلم المعتدل والعقلاني والمنطقي”، وذلك في تناقض حاد مع المسلمين الذين أشعلوا نيران الاحتجاجات عندما رسم أحدهم صورة النبي محمد صل الله عليه وسلم، أو الذين ربطوا المتفجرات حول صدورهم في كل مرة يشعرون بالرغبة في مواجهة الظلم. ولقد كانت فترة ما بعد هجمات 9 أيلول/سبتمبر تتميز باتباع بوش لنهج “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”.
أنور العولقي اتُّهِم بامتلاك صلات بالأشخاص الذين شنوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وبأنه كان شخصية دينية رئيسية بالنسبة للمقاتلين الذين شاركوا مع تنظيم القاعدة
كان لهذا التصور الكرتوني للمسلمين عواقب على آلاف المواطنين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أدى إلى تغذية التوجه العالمي القائم على الخوف من الإسلام. وانبثقت عن هذه الصورة عمليات الترحيل والتمييز العنصري والاعتقالات غير المشروعة وعمليات التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في حق هؤلاء المسلمين. ويوجه البعض أصابع الاتهام نحو المسار البديل الذي سلكه العالم الأمريكي المسلم والمشهور في تسعينات القرن الماضي، أنور العولقي.
والجدير بالذكر أن العولقي اتُّهِم بامتلاك صلات بالأشخاص الذين شنوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وبأنه كان شخصية دينية رئيسية بالنسبة للمقاتلين الذين شاركوا مع تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أنه لم يحاكم في محكمة قانونية، إلا أنه قُتل في نهاية المطاف في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في اليمن خلال ولاية أوباما.
في شأن ذي صلة، قال الدكتور والأستاذ المحاضر في الدراسات الإسلامية بجامعة أوكسفورد، أسامة العزامي، أن: “المقارنة مثيرة للاهتمام لأنها تقدم ردين متطرفين على عدم تمكين المسلمين، فيأتي الرد الأول من طرف المسلمين الثوريين المناهضين للإمبريالية الذين يرغبون في استخدام الدين لتبرير العنف. ويكون الرد الثاني من طرف المسلمين التوافقيين مثل يوسف، والذين يبدون استعدادهم لتجاهل الجرائم العنيفة لأولئك الذين في السلطة، كما هو الحال مع خوض الإمارات لعدة حروب بالوكالة، طالما أنها تحافظ على “استقرار” الوضع الراهن وتتسامح مع النسخة الأكثر تفهما من الإسلام التي يتبناها يوسف”.
في حديثه مع موقع ميدل إيست آي، قال الدكتور العزامي:”إن الأغلبية الساحقة من المسلمين تقع في مكان ما بين هذين الطرفين، فكلاهما يتسببا في موت الأبرياء، وذلك على الرغم من أن عدد الأبرياء الذين تقتلهم الإمارات العربية المتحدة ووكلائها يتجاوز عدد قتلى الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة. وهذا هو الحال أيضا مع الإسلاميين المؤيدين للديمقراطية الذين يرفضون اعتماد العنف كقوة ضاربة في الشرق الأوسط بشكل أكبر من الطرفين السابقين، لكن يوسف يعارض هذا النوع من المسلمين بشكل جزئي بسبب معارضتهم للأوتوقراطيين في المنطقة”.
تجدر الإشارة إلى أن حمزة يوسف قام بتغيير مساره لفترة وجيزة، خاصة في أعقاب الحرب العراقية المدمرة وما عرف باسم “الحرب على الإرهاب”. وبدى أن يوسف كان نادما على لقاءه مع بوش، وذلك من خلال قوله :”إن المسلمين يشعرون بالقلق الشديد من أي باحث يرتبط بالحكومة عن كثب، ولطالما كان الأمر كذلك لأن الحكومات لا تفعل مثل هذه الأمور بدافع حسن النية، فلقد شاركوا في ذلك منذ البداية”. ولم تصل شخصيته المناهضة للدولة إلى ما كانت عليه خلال تسعينات القرن الماضي.
شارك حمزة يوسف في تأسيس كلية الزيتونة سنة 2008 إلى جانب الإمام زيد شاكر والدكتور حاتم بازيان.
في سنة 2008، حول يوسف معهد الزيتونة في بيركلي بولاية كاليفورنيا إلى كلية، وذلك بمساعدة زميليه الإمام زيد شاكر والدكتور حاتم بازيان. وكما كانت تقول الباحثة غريوال، كانت تلك محاولة لتحويل المركز الإسلامي من بلدان مثل موريتانيا أو المشرق الإسلامي إلى الولايات المتحدة، كما أظهرت ثقة وتفاؤلا من جانب يوسف وزملائه المؤسسين حول مستقبل الإسلام في الولايات المتحدة.
في حديث له مع صحيفة نيويورك تايمز سنة 2013، قال ماهان ميرزا، الذي كان جزء من هذه الكلية، إن “أحد أهداف الكلية هو إظهار أنك لست مضطرًا لمغادرة البلاد لاكتشاف نفسك كمسلم”. وسبق ليوسف نفسه أن صرح بأنه يريد إثارة مساحة للتفكير الإبداعي بين المسلمين بما أن هذا التقليد قد اندثر وتلاشى في البلدان العربية، فكان طلابه يرددون هذا الشعار أينما حلوا.
على الرغم من خضوع يوسف إلى التدقيق والنقد من شريحة كبرى من المسلمين في الولايات المتحدة منذ هجمات 9 أيلول/سبتمبر، إلا أن كلية الزيتونة شهدت توسعا ولا تزال أساليب تدريسه شائعة، ناهيك عن كون مؤيديه المؤمنين لا يزالون متحمسين. وفي وصفها ليوسف الذي عرفته منذ 28 سنة، تقول مها الجندي أن مجهوداته أحيت التقاليد الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا.
في مطلع سنة 2011، خرج ملايين المصريين إلى شوارع القاهرة للمطالبة بتنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه. وفي مدونة نشرها في شباط/فبراير من السنة ذاتها، دعا يوسف العلماء داخل مصر وخارجها “لمساندة الشعب المصري”
قالت مها الجنيدي، مديرة مجموعة الشبكات الإسلامية، وهي مركز مؤسسة غير ربحية مقرها سان خوسيه وتعمل على مكافحة التعصب من خلال التعليم وترسيخ مبدأ المشاركة بين الأديان:” لقد جعلَنا نقدر دراسة الإسلام واللغة العربية أيضا”. في المقابل، ترى ولاء قصي من جامعة برمنغهام في بريطانيا الأمر بطريقة مختلفة، حيث تقول إن هناك توجها شرقيا لا لبس فيها على كل مستوى من مفهوم يوسف للمسلمين والعالم العربي. وحيال هذا الشأن، ترى الجنيدي أنه:” حتى في مفاهيمه اللاهوتية، يفترض أنه لم يسبق لأحد في الشرق الأوسط أن واجه هذه المفاهيم التقليدية للدين أو أنه قد أفسدتها الحداثة أو الحداثة الاستعمارية إلى درجة أن أحدًا لم يدرك أبداً جذور تقاليده.
الربيع العربي
في مطلع سنة 2011، خرج ملايين المصريين إلى شوارع القاهرة للمطالبة بتنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه. وفي مدونة نشرها في شباط/فبراير من السنة ذاتها، دعا يوسف العلماء داخل مصر وخارجها “لمساندة الشعب المصري”، كما ذهب أحد الدعاة إلى المناداة بإقالة الرئيس المصري آنذاك. ومن جهته، أظهر حمزة يوسف فهما عميقا للخريطة الجيوسياسية في المنطقة عندما قال إن واشنطن لن ترغب في وضع مصر ذات الأهمية الاستراتيجية بين يدي مصلح حقيقي، وذلك على الرغم من خطابها الذي يروج لنشر قيم الديمقراطية.
علاوة على ذلك، لم يكن الكلام المعسول والمخادع بعيد المنال، وفي ذلك إشارة إلى المفتي المصري في ذلك الوقت، علي جمعة، الذي طلب من المواطنين المناهضين لمبارك العودة إلى منازلهم وكتب:” بعد قولي هذا، أعتقد أننا يجب أن نحافظ على رأي جيد من العلماء الذين يتخذون موقفًا أو يختارون الصمت، فإن ذلك خيار جيد خلال حدوث هذه الفتنة”. علاوة على ذلك، فإن موقفه يتماشى بالتأكيد مع النهج التقليدي الذي اتبعه العديد من كبار العلماء في الماضي.
قال العزامي إن سنة 2013 كانت لحظة حاسمة بالنسبة ليوسف، وذلك فيما يتعلق بتوطيد العلاقات والتعاقد السياسي مع الإمارات العربية المتحدة. أولا، جاء الانقلاب في مصر بتاريخ حزيران/يونيو 2013 برعاية سعودية وإماراتية، فتعرض الرئيس محمد مرسي على إثره للعزل بعد أن كان أول رئيس مصري انتخب وفق نهج ديمقراطي. وبعد شهر من ذلك، قتل الجيش المصري ما لا يقل عن 1000 شخص تظاهروا ضد الانقلاب، في مجزرة رابعة التي شهدت تفكيك أوصال الربيع العربي على نحو فعال.
بعد ثلاثة أشهر، غادر الشيخ والعالم الذي أشرف على نشأة حمزة يوسف، عبد الله بن بيه، اتحاد العلماء المسلمين في قطر بعد أن خدمه في عهد الشيخ يوسف القرضاوي المعروف باسم الزعيم الديني للإخوان المسلمين. وأصبح بن بيه بعد ذلك رئيسا لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي يتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرا له، مع تعيين حمزة يوسف نائبا له. وفي وقت لاحق، غادر بن بية المنتدى لأنه لم يوافق على العديد من مواقفهم.
في وقت لاحق من سنة 2014، عُقد أول منتدى لتعزيز السلم في الإمارات العربية المتحدة، حيث أسس منصة تروج للمنظمات الصهيونية مثل رابطة مكافحة التشهير ومؤسسة كويليام الخيرية لمكافحة التطرف، والتي تصب تركيزها على ثنائية المسلم الجيد والمسلم السيء في معاملاتها.
لكن وفقا لقصي، يُعتبر هذا التحول بمثابة محاولة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة لاستخدام الدين كأداة قوة ناعمة لدعم الإسلام المعتدل وإظهار خصومها السياسيين، على غرار جماعة الإخوان المسلمين، كخوارج (وهو مصطلح يعني مُنشق أو غير تقليدي) ومنح شرعية لتجريمهم. وعلى حد قول قصي، لقد إستُخدم المصطلح نفسه من قبل المفتي المصري الكبير الموالي للسيسي، علي جمعة، لوصف متظاهري رابعة قبل حدوث المذبحة.
بعد مرور سنة، صنفت دولة الإمارات العربية المتحدة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، أقدم منظمة تُعنى بالحقوق المدنية في الولايات المتحدة، كمنظمة إرهابية. ويعود سبب هذه التسمية إلى اتهام هذا المجلس بامتلاك روابط مع جماعة الإخوان المسلمين، علما وأن هذه المنظمة تنفي وجود أي نوع من هذه الروابط.
يقول المراقبون إن النسق المتسارع “للحوارات بين الأديان” يُعزّز فكرة أن الصراعات في الشرق الأوسط هي بمثابة مُخلفات جدل يعود إلى آلاف السنين ولا يمكن معالجته
في وقت لاحق من سنة 2014، عُقد أول منتدى لتعزيز السلم في الإمارات العربية المتحدة، حيث أسس منصة تروج للمنظمات الصهيونية مثل رابطة مكافحة التشهير ومؤسسة كويليام الخيرية لمكافحة التطرف، والتي تصب تركيزها على ثنائية المسلم الجيد والمسلم السيء في معاملاتها.
تدافع الجنيدي، المنخرطة في مشاريع تُعنى بالأديان، عن أهمية التعاون مع رابطة مكافحة التشهير بحجة أن هذه المجموعة أضحت “متساهلة أكثر منذ رحيل قيادتها القديمة”. وقالت: “نحن نتفق مع بعض أو جزء كبير من عملهم، أما فيما يتعلق بالقضايا التي لا نتفق حولها، لن نتمكن من تغيير وجهات النظر دون التحدث معهم”. ومن جهتهم، يقول المراقبون إن النسق المتسارع “للحوارات بين الأديان” يُعزّز فكرة أن الصراعات في الشرق الأوسط هي بمثابة مُخلفات جدل يعود إلى آلاف السنين ولا يمكن معالجته “إلا في حال فهمنا بعضنا البعض على نحو أفضل”.
يُستخدم الحوار بين الأديان هنا كغطاء للتخلص من النزاعات السياسية. ويمكن التطرق إلى النقاش الذي دار في مجلس العلاقات الخارجية سنة 2015، عندما قام الشيخ عبد الله بن بيه بالتقليل من قيمة الصراع القائم بين المملكة العربية السعودية وإيران معتبرا أنه نتاج عن رغبة الطرفين في الهيمنة الإقليمية، كما أرجع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ 70 سنة إلى صراعات تاريخية. ويقول بن بيه: “إن مشكلة الشيعة والسنة نشأت قبل 1400 سنة، أما الصراع بين اليهود والعرب المندلع في فلسطين وإسرائيل فيعود إلى ألفي سنة”. وقد اتضح أن يوسف والشيخ بن بيه ليسا هما الوحيدان اللذان يجمعان بين القضايا السياسية والقضايا الدينية.
خلال سنة 2017، عندما قررت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فرض حصار على قطر، أصدر منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي يشرف عليه كل من بن بيه وحمزة بيانا يدعم من خلاله الحصار
لقد كانت الجهود الموازية، على غرار مبادرة القيادة الإسلامية الذي يديرها معهد شالوم هارتمان في مدينة نيويورك والتي ترسل القادة المسلمين الأمريكيين في رحلات ترعاها إسرائيل لتحسين “العلاقات اليهودية الأمريكية”، دليلا آخر على أن الجهود المنسقة للقضاء على العمل السياسي الإسلامي ما تزال جارية.
خلال سنة 2017، عندما قررت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فرض حصار على قطر، أصدر منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي يشرف عليه كل من بن بيه وحمزة بيانا يدعم من خلاله الحصار. ووصف العزامي، الباحث من جامعة أكسفورد، بيان المنتدى بأنه “يُرسّخ سمعته على أنه مجرد “ختم مطاطي ديني” لطموحات الإمارات الاستراتيجية”. ومن جهته، لم يرد زيشان ظفر، المدير التنفيذي للمنتدى في الإمارات العربية المتحدة، على طلب موقع ميدل إيست للتعليق.
لقد تعرّض يوسف لانتقادات شديدة في أواخر سنة 2018 على خلفية حضوره الجزء الخامس من منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية في الإمارات. وفي الوقت الذي لا تزال فيه الأبعاد الكارثية للحرب في اليمن فضلا عن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد محمد بن سلمان حليف الإمارات العربية المتحدة راسخة في عقول المسلمين الأمريكيين، وُجه اللوم إلى يوسف عند وصفه الإمارات العربية المتحدة على أنها بلد “متسامح”.
ردا على الانتقادات التي طالته خلال مقابلة أجراها مع الصحفي شاراد كوتان خلال شهر يوليو / تموز، قال يوسف ” إنني غير سعيد بظلم أو قمع الشعوب. لكنني أيضا على دراية بمدى تعقيد العالم. يمكن للمرء أن يجادل بضرورة الابتعاد تماما عن جهاز الدول. لكن من الذي سيقدم لهؤلاء الأشخاص النصائح حول كيفية التعامل مع العديد من الأمور؟”
على الرغم من أن الجنيدي تعتبر من الداعمين ليوسف، إلا أنها تعترف بأنها تعترض على العلاقات التي تربطه بالإمارات العربية المتحدة
على سبيل المثال، قال يوسف إنه في حال أُتيحت له فرصة جذب اهتمام الحكومة الصينية حول قضية اضطهاد الأويغور، فسوف يفعل ذلك لأنه يعتقد أن “الصينيين قد بالغوا في رد فعلهم” على “مواضيع مثل الإرهاب”. كما ادعى أن الغالبية العظمى من المواطنين في الخليج كانوا راضين عن الطريقة التي تدير بها حكوماتهم شؤون بلدانهم.
على الرغم من أن الجنيدي تعتبر من الداعمين ليوسف، إلا أنها تعترف بأنها تعترض على العلاقات التي تربطه بالإمارات العربية المتحدة. وتقول إن “الحل لهذه المسألة يكمن في مواصلة التحدث مع حمزة يوسف حول هذا الموضوع كما أفعل في عملي المهني مع القادة السياسيين من جميع الخلفيات. قد تكون هذه المحادثات صعبة في بعض الأحيان لكن من المهم خوضها والتواصل مع بعضنا البعض. لقد تحدثت معه كثيرا حول عمله في الإمارات العربية المتحدة، وأعتقد أنه يعمل هناك لخدمة الشيخ عبد الله بن بيه”.
على غرار ما لاحظه الكثيرون، يبدو أن الخريطة الجغرافية السياسية للعالم الإسلامي الأوسع تتأثر في هذا الوقت من جهة بالحكومات السنية الاستبدادية التي تحالفت مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ناحية أخرى بالحركات المؤيدة للديمقراطية. ويبدو أن يوسف يدعم الحكومات السنية الاستبدادية على الرغم من أن ذلك قد يعني استدامة الحرب، والنزعة العسكرية وشيطنة المسلمين.
أثناء حدث عقد في مدينة تورنتو في أواخر سنة 2016، وبعد أسابيع قليلة من انتخاب دونالد ترامب رئيسا، قام يوسف بسلسلة من الزلات التي ظلت تلاحقه منذ ذلك الحين
هنا تكمن أحد الجوانب المعقدة عند محاولة فهم قرارات يوسف السياسية. فهل يعتبر، كما تقترح الجنيدي، مجرد تلميذ مطيع لشيخه الذي يعمل الآن في الإمارات، أم أنه تقبل هذا النمط من السياسة لمساعدة المسلمين على “الصمود” في هذا العالم العدائي؟ وهل هو غافل عن دور الأنظمة الاستبدادية، على غرار الإمارات العربية المتحدة، التي ما زالت تلعبه لترسيخ كراهية الإسلام وتجريم أي شخص يرتبط ارتباطا وثيقا بالإخوان المسلمين في الغرب؟ في الحقيقة، إن التحالف مع الإمارات العربية المتحدة ليس إلا مخططا لمجموعة من التحالفات الخاصة.
حركة “حياة السود مهمة” وترامب
أثناء حدث عقد في مدينة تورنتو في أواخر سنة 2016، وبعد أسابيع قليلة من انتخاب دونالد ترامب رئيسا، قام يوسف بسلسلة من الزلات التي ظلت تلاحقه منذ ذلك الحين. وعندما سُئل عما إذا كان ينبغي على المسلمين أن يدعموا حركة الحقوق المدنية التي تركز على إنهاء العُنف المسلط من قبل الدولة ضد المواطنين الأمريكيين السود، التي تعرف باسم “حياة السود مهمة”، قوض يوسف جهود المبادرة واصفا الولايات المتحدة بأنها موطن لقوانين تجعلها “واحدة من أقل المجتمعات عنصرية” في العالم”. وقال أيضا إن “50 بالمائة من جرائم القتل تحدث داخل مجتمعات الأشخاص ذوي البشرة السوداء”. وسرعان ما قوبلت تصريحاته بغضب كبير من قبل شريحة معينة من المسلمين في أمريكا.
أُجبر حمزة يوسف على التراجع عن تصريحاته حول حركة “حياة السود مهمة”.
في المساء نفسه من اليوم الذي أدلى فيه بهذا التصريح، أشار يوسف إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي تسببت في ظهور تنظيم القاعدة وجماعة تنظيم الدولة، مرددا بذلك الآراء الراسخة لصانعي السياسة الأمريكيين فضلا عن موقف الإمارات العربية المتحدة من أن الإيديولوجية الدينية ستؤدي إلى التطرف. لكنه لم يتوقف عند ذلك فقط، حيث تابع واصفا ترامب بأنه “خادم الله”. من جهته، أشار يحيى بيرت، مرشح الدكتوراه وباحث في الدراسات اللاهوتية والدينية في جامعة ليدز، إلى أن يوسف دعا المسلمين في تلك الليلة إلى العمل مع اليمين.
في سياق متصل، ذكر يوسف أن “أحد مشكلاتنا الرئيسية الآن تتمثل في عدم قدرتنا على التحدث مع اليمينيين. لقد تحول جيل الألفية نحو اليسار بشكل لا يصدق، لذلك ليس لدينا القدرة على التحدث إليهم. أعتقد أننا نمتلك فرصة مهمة تتمثل في إدراكنا أن هناك الكثير من الأشخاص المحترمين من الجمهوريين والديمقراطيين ويسار ويمين، إنهم أشخاص محترمون “.
على الرغم من محاولة يوسف ايضاح تصريحاته حول حركة “حياة السود مهمة” والإخوان المسلمين وذلك من خلال تقديمه لاعتذار، إلا أن دونا أوستون، المرشحة للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة روتجرز في نيو جيرسي والتي عرفت أيضا يوسف عن قرب منذ منتصف التسعينيات، قالت لموقع ميدل إيست آي إنها فوجئت بتصريحاته حول هذه الحركة.
وصف حكيم محمد، رئيس شبكة دعوة السود، وهي منظمة تعمل على تقديم الدين الإسلامي للمجتمعات السود في الولايات المتحدة، تصريحات يوسف تجاه الحركة كأراء نموذجية خاصة بالمحافظين البيض
في سياق متصل، قالت أوستون، التي تركز أطروحتها على نشاط المسلمين السود داخل حركة “حياة السود مهمة” في شمال شرق الولايات المتحدة: “لقد إنتُقد يوسف على آرائه المتعلقة بالعرق من قبل. وقد كانت هذه التعليقات تعد مؤشرا على تحوله النهائي لاتجاه سياسي يختلف إلى حد ما عما كان يعبر عنه من قبل”.
من جهته، وصف حكيم محمد، رئيس شبكة دعوة السود، وهي منظمة تعمل على تقديم الدين الإسلامي للمجتمعات السود في الولايات المتحدة، تصريحات يوسف تجاه الحركة كأراء نموذجية خاصة بالمحافظين البيض. وأضاف محمد لموقع ميدل إيست آي قائلا: “يمتلك الكثير من المسلمين المهاجرين عقلية مستعمرة وعقدة نقص عندما يتعلق الأمر بدينهم. فعندما يعتنق رجل أبيض الإسلام، يعتبرون ذلك حدثا عظيما بغض النظر عن عدم الاحترام الذي يكنه هذا الشخص للمجتمعات السود”.
لقد جاءت تعليقات يوسف حول ترامب التي أدلى بها خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016 بعد نشره لمدونة سابقة حث فيها المسلمين الأمريكيين على قبول ترامب كرئيس لهم في الوقت الذي كان العديد منهم غير راضين على نتيجة الانتخابات. وقال أيضا إن “الكثيرين من مؤيدي ترامب كانوا أشخاصا محترمين ويعملون بجد”. كما أن سيناريو اضطهاد المجتمعات أمر غير مرجح لأننا لسنا الأشخاص أنفسهم عندما إحتُجز اليابانيون في الولايات المتحدة”. وكتب يوسف “إن رد الفعل العنصري الذي ظهر قبل وبعد الانتخابات يعتبر عنصرا هامشيا وغير مهم”.
لا يعتبر المسلمون الأمريكيون غافلين عن حقيقة كون يوسف لم يدن حظر السفر على المسلمين ولم يندد بالمعاملة التي يتلقاها المهاجرون غير الشرعيين أو بموجة الكراهية التي تستهدف إلهان عمر
بعد أشهر من تولي ترامب الرئاسة، مُنع العديد من الأشخاص من الدول الإسلامية من السفر إلى الولايات المتحدة. وفي وقت لاحق، وقع فصل الآلاف من الأطفال من المهاجرين غير الشرعيين عن أسرهم على الحدود المكسيكية الأمريكية بينما احتُجز آخرون في أقفاص وهُددوا بالترحيل الجماعي.
من جهة أخرى، وجه الرئيس الأمريكي انتقادات لاذعة لعضوة الكونغرس إلهان عمر وربطها بأحداث 11 أيلول / سبتمبر ووصفها بأنها معادية للولايات المتحدة. وفي تموز / يوليو 2019، طلب ترامب من إلهان وثلاثة من الديمقراطيات التقدميات الأخريات العودة إلى ديارهم في حال لم ترق لهم الأوضاع في الولايات المتحدة. وفي مسيرة مناصرة لترامب في ولاية كارولينا الشمالية في أوائل شهر تموز/ يوليو، ردد الحشود العبارة التالية: “أعيدوها من حيث أتت”.
في الواقع، لا يعتبر المسلمون الأمريكيون غافلين عن حقيقة كون يوسف لم يدن حظر السفر على المسلمين ولم يندد بالمعاملة التي يتلقاها المهاجرون غير الشرعيين أو بموجة الكراهية التي تستهدف إلهان. وعلى الرغم من وجود أحاديث سرية بين المسلمين، إلا أنه لم يقدم الكثيرون على التحدث علنا إلا عندما ظهر الإعلان عن انضمامه إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة لوزارة الخارجية. في المقابل، لم يقدّم يوسف أي توضيح حول هذا القرار.
صرح سفير أحمد، مدير الإصدارات والعلاقات الإعلامية في كلية زيتونة للموقع أن يوسف لم يكن متاحًا لإجراء المقابلات بسبب جدول الرحلات المزدحم. كما أحال جميع الأسئلة حول مشاركة يوسف في لجنة ترامب إلى وزارة الخارجية الأمريكية في حين امتنعت وزارة الخارجية عن الرد على استفسارات متعددة من ميدل إيست آي حول أسباب اختيار يوسف للجنة.
“حروب الثقافة”
على الرغم من أن العديد من المسلمين في الولايات المتحدة دعموا الحزب الجمهوري بسبب قيمه المحافظة قبل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، غير أن الكثيرين منهم اتجهوا نحو اليسار لاسيما في ظل التنميط والاعتداءات على حقوقهم المدنية. ولقد أقدم البعض على هذه الخطوة بقطع النظر عن شعورهم بالانزعاج من اهتمام التيار اليساري بقضايا مجتمع الميم، حيث واصلوا ذلك بسبب تفاقم تفوق البيض وغياب العدالة العرقية وتعميق اللامساواة الاقتصادية التي لا تزال تحدد حياة الكثير من الأشخاص من ذوي البشرة الملونة في أمريكا.
كثيرا ما يثير يوسف تاريخ عائلته لاسيما مشاركة والدته في حركات الدفاع عن الحقوق المدنية
مع ذلك، لازالت الشكوك تراود بعض المسلمين بشأن أخلاقيات “العدالة الاجتماعية” التي يتبناها اليسار والمتمثلة في كيفية تغيير القيم العائلية التقليدية لدرجة تجعلهم على استعداد للتغاضي عن الظلم، سواء كان عنصرية أو ظلمًا اقتصاديًا. تجدر الإشارة إلى أنه يقع التعامل مع الإجهاض وقضايا مجتمع الميم والمواد الإباحية على أنها المسائل الأخلاقية الأساسية في الوقت الحالي.
حيال هذا الشأن، أفادت غريوال بأنه يعتقد “أن المفتاح لفهم هذا الوضع يكمن في الحروب الثقافية”، ومن شأن إلقاء نظرة سريعة على نوع التحالفات الفكرية والتحالف بين المؤسسات التي قام بها منذ تشكيل كلية الزيتونة أن تزيل أي شك حول الطيف السياسي الذي ينتمي إليه. “لا يتعلق الأمر بالصوفية فقط ولكن أيضًا بحروب الثقافة ومدى التوافق مع المسيحيين المحافظين اجتماعيًا وسياسيًا المنتمين إلى التيار اليميني”.
في الحقيقة، كثيرا ما يثير يوسف تاريخ عائلته لاسيما مشاركة والدته في حركات الدفاع عن الحقوق المدنية. ولكن في مناقشة لاحقة حول تعليقاته على “مسألة حياة السود”، بدا وكأنه يفرّق بين حركات المساواة العرقية قبل 60 سنة والمبادرات اليوم، ما يشير إلى وجود موجة غضب هائلة في الحركة اليوم.
في المقابل، يمكن أن تكون الحقيقة أكثر نزاهة حيث يقول عبد الله بن حميد علي وهو أستاذ مساعد في كلية الزيتونة، إن ارتباط حركة حياة السود بحركة مجتمع الميم من شأنه أن يمثل أحد الأسباب لعدم تمكن يوسف من تأييد حركة “حياة السود مهمة. لم يستطع تقديم الدعم لحركة حياة السود مهمة نظرا لأنه كان على علم بأن الإيديولوجية التي تتبناها هذه الحركة تتنافى مع القيم التي ينص عليها الدين الإسلامي”. ويضيف علي أن قرار التوافق مع اليمين كان فقط في إطار السماح للمسلمين بالحفاظ على تقاليدهم.
لا يعتبر تعيين يوسف في لجنة وزارة الخارجية للحقوق غير القابلة للتصرف من قبيل المصادفة، ومن المفترض أن تجلب هذه اللجنة عدسة “القانون الطبيعي” لدراسة السياسة الأمريكية لحقوق الإنسان
بالنسبة لليسار، في حال كنت ترفض تقبّل أفراد مجتمع الشواذ، فستصنف حتما ضمن قائمة المتعصبين. ومع التيار اليميني، لا يتعين عليك المساومة على معتقداتك الدينية. هذه هي وجهات نظري ويمكنني القول بثقة أن هذه هي أيضا آراء الشيخ حمزة”. تجدر الإشارة إلى أن آراء يوسف حول الحوارات بين الأديان تدل في الواقع على تحالفه مع اليمين. على الرغم من كونها حقيقة لا تخفى على أحد، غير أن بعض المسلمين لم يتعاملوا معهم بعد أو يفهموها تمامًا، نظرًا لأن هذه المجموعة من المسيحيين البيض المحافظين هم بالضبط الصهاينة ويمثلون قاعدة ناخبي قاعدة ترامب.
لا يعتبر تعيين يوسف في لجنة وزارة الخارجية للحقوق غير القابلة للتصرف من قبيل المصادفة، ومن المفترض أن تجلب هذه اللجنة عدسة “القانون الطبيعي” لدراسة السياسة الأمريكية لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، لم يقبل يوسف فقط الدعوة لحضور حدث ديني أقامته إدارة ترامب سنة 2017، ولكن كانت لديه أيضًا روابط وثيقة مع أولئك الذين ينظمون اللجنة الجديدة.
اتهم روبرت جورج، الرجل الذي قيل إنه كان له دور فعال في تشكيل اللجنة، الليبراليين لسنوات بأنهم “عبيد” للأرثوذكسية العلمانية القائمة على الدين والنسوية والتعددية الثقافية وتحرير المثليين ونمط الحياة الليبرالية”. كما وصفها ديفيد دي كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز، هو شريك مقرب وصديق يوسف. وصف جورج، أستاذ الفقه بجامعة برينستون، بأنه “المفكر المسيحي المحافظ الأكثر نفوذاً في البلاد” وقد كتب عن “الحق الطبيعي” كوسيلة لمحاربة مجتمع المثليين، منذ التسعينيات على الأقل.
أورد جورج، الذي اتُهم “بتحويل الكنيسة إلى أداة للحزب الجمهوري”: “أريد أن يكون لحمزة تأثير أكبر ليس فقط في المجتمع الإسلامي ولكن في الولايات المتحدة”. بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد سحبت نفسها بالفعل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يقول منتقدو اللجنة إنها تبدو محاولة أخرى لسحب الحقوق بدلاً من الدفاع عنها. لم يرد روبرت جورج على طلب موقع “ميدل إيست آي” للتعليق على اللجنة أو علاقته مع يوسف.
على الرغم من الانتقادات الموجهة ضد اللجنة واستنكار الجالية المسلمة لتورط يوسف، فإن مؤيدين مثل الجنيدي وعلي من كلية الزيتونة، يقولون إن لديهم ثقة كاملة في قراره. وفي هذا الشأن، قالت الجنيدي “أثق في حكمه على أساس تاريخه المستمر منذ عقود في خدمة الجالية الأمريكية المسلمة حتى يثبت لي خطأ. إنه بريء حتى تثبت إدانته بسوء الحكم وبعبارة أخرى. لن يقوم الشيخ حمزة بأي شيء لإيذاء أي شخص ناهيك عن مجتمع بأكمله”.
شريكي يوسف، الإمام شاكر وحاتم بازيان، لم يردا على استفسار موقع ميدل إيست آي البريطاني للحصول على نظرة ثاقبة على قرارات يوسف أو كيف أثرت أفعاله على سمعة الكلية.
تابعت الجنيدي بالقول “أعتقد أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للمسلمين الغربيين، وخاصة المسلمين الأميركيين، أن يكونوا أكثر اتحادًا في تنوعنا جميعًا وعدم التسرع في إصدار الأحكام وإدانة بعضهم البعض بسبب الاختلافات في الرأي أو الاستراتيجيات”. وبالنسبة لكثير من المسلمين الآخرين، فإن رفض إدانة عمليات الاحتجاز على الحدود أو حظر المسلمين والعلاقات الودية مع الحكام المستبدين في دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الذي تعاني فيه اليمن من حالة ركود هو بالتحديد سبب اختيار يوسف للجنة.
حيال هذا الشأن، يقول العزامي الذي يشغل منصب أستاذ محاضر في جامعة أوكسفورد، إن علاقة بالمسلمين الذين وقفوا إلى جانبه عقب تغييره لمساره بعد تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر، أو الذين كانوا يعملون مع الإمارات على الرغم من الحرب التي تشنها على اليمن، قد اهتزت بسبب تعاونه مع ترامب. والأمر سيان بالنسبة لزميله في كلية الزيتونة، الإمام زيد شاكر، والذي سبق له الدفاع عن يوسف بعد تعليقاته حول حملة “حياة السود مهمة”، لكنه لم يكن متحمسا إزاء الأخبار التي تتحدث عن تعاون زميله مع إدارة الرئيس الأمريكي.
كتب الإمام زيد شاكر منشورا على الفيسبوك ورد فيه “على الرغم من الخلافات، ينبغي للمرء أن يستمر في قول الأمور الجيدة عن أخيه، إبداء الثقة والإحترام إزاء المعرفة التي يمتلكها، وتقديم المشورة المخلصة له والأهم من ذلك أن نصلي من أجله”. والجدير بالذكر أن شريكي يوسف، الإمام شاكر وحاتم بازيان، لم يردا على استفسار موقع ميدل إيست آي البريطاني للحصول على نظرة ثاقبة على قرارات يوسف أو كيف أثرت أفعاله على سمعة الكلية.
من جهته، صرح العزامي قائلا:” إن الكثير من المسلمين غاضبون بسبب ما يمثله ترامب وما يجدر بحمزة يوسف تمثيله. إن قيام شخص مثله بتبديد شعبيته ورأس ماله الاجتماعي وسمعة المؤسسة التي يمثلها في المجتمع الإسلامي دون أي تشاور سيمثل أمرا مقلقا للعديد من المسلمين”. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن عددا كبيرا من تلاميذ يوسف السابقين على استعداد لانتقاده بشكل علني، حيث ينتابهم شعور ملئه الخوف والشك في النفس، ما يدفعهم للشعور بالحيرة والتناقض.
يقترح العزامي أن الأشخاص الوحيدين الذين يستمرون في دعم يوسف في المجال العام اليوم هم أولئك الذين يواصلون وضع إيمانهم غير المشروط في صدقه كعالم ديني. أما بالنسبة للبقية، فإنهم قد حادوا عن هذا المسار كما يبدو.
المصدر: ميدل إيست آي