ترجمة وتحرير: نون بوست
اعتاد اليمنيون على الفوضى في شوارع صنعاء المزدحمة، فلطالما اصطفت السيارات في طوابير طويلة منافسة بذلك العدد المتزايد والمستمر لسيارات الأجرة. وفي خضم هذا الاختناق، توقف شرطة المرور السائقين وتطلب التحقق من تراخيص القيادة وتطالبهم بتسديد الغرامات مع تزايد الازدحام ودوي أبواق السيارات المعبر عن إحباط السائقين.
ومع ذلك، أخذ مشهد جديد في الانتشار أكثر فأكثر خلال السنوات الماضية، ألا وهو تواجد النساء وراء عجلة القيادة. ففي جميع أنحاء صنعاء، وفي معظم المدن في جميع أنحاء البلاد، أخذ عدد النساء اللاتي يتولين القيادة في التزايد، على الرغم من المضايقات التي يواجهنها من المارة وسائقي الدراجات النارية والزملاء السائقين.
لقد تغيرت المواقف ببطء منذ الانتفاضة التي بدأت في 2011. ومنذ ذلك الحين، مهدت هذه المواقف الطريق لحرب مدمرة، حيث أصبحت النساء قادرات على تحدي القيود والانتقادات الأسرية والمجتمعية بصفة علنية لكسب قدر أكبر من امكانية التنقل والحكم الذاتي.
استقلالية مكتشفة حديثا
قبل مضي ستة أشهر، اعتادت عبير البريدة التي تبلغ 25 سنةًا استخدام وسائل النقل السنة للوصول إلى أماكن اجتماعاتها مع عملاء شركتها للتصميم الجرافيكي. لكنها واجهت في ذلك العديد من العقبات، بما في ذلك المضايقة الجنسية والسرقة، ناهيك عن الساعات العديدة المهدورة نظرا للتنقل البطيء.
تقول كوثر الذبحاني أنه “قبل سنة 2011، كان من الصعب جدًا القيادة، حيث اعتاد كل من الرجال والنساء خوض نقاش مع السائقات النساء. وفي الوقت الحاضر، هناك العديد من النساء اللائي يقدن السيارات، لذلك أصبح الأمر أكثر سهولة”
وقالت بريدة لموقع ميدل إيست آي، أنه “في السنة الماضية، سرق راكب دراجة حقيبتي ولم أستطع الدفاع عن نفسي لأنني كنت أسير في الشارع”، مضيفة أنها “اعتادت مواجهة الكثير من التحرش الجنسي في وسائل النقل السنة.” فبالنسبة لبريدة، تعتبر السيارات “طريقة أكثر أمانًا للمرأة للتنقل. وعلى الرغم من أن جميع النساء قد يواجهن نوعًا من التحرش الجنسي، فإن النساء اللاتي يقدن سياراتهن يواجهن درجة أقل من ذلك، حيث يمكنهن فقط إغلاق نوافذ سياراتهن وتجاهل أي كلمات سيئة أو سلوك سلبي”.
كما تعتقد بريدة أنه مع تزايد عدد النساء اللائي يدخلن سوق العمل أو يأسسن شركاتهن في اليمن، تزداد حاجتهن إلى التنقل. وقالت إنه لطالما كانت النساء تواقات للقيادة لأن ذلك يساعدهن على مواصلة أعمالهن. الجدير بالذكر أن سيدة الأعمال اشترت سيارة قبل ستة أشهر وطلبت من صديقتها تعليمها القيادة. وتقول إن باستطاعتها اليوم التحرك بسهولة أكثر لتقديم خدماتها للعملاء المحتملين في مناطق مختلفة من صنعاء.
تقود كوثر الذبحاني، البالغة من العمر 35 سنة، السيارة منذ أكثر من عقد، لكن لم يكن ذلك سهلا بالنسبة لها في الكثير من الأحيان. وتقول لميدل إيست آي أنه “قبل سنة 2011، كان من الصعب جدًا القيادة، حيث اعتاد كل من الرجال والنساء خوض نقاش مع السائقات النساء. وفي الوقت الحاضر، هناك العديد من النساء اللائي يقدن السيارات، لذلك أصبح الأمر أكثر سهولة. إن النساء بدأن حديثا الدفاع عن حريتهن وحقوقهن، وتعتبر القيادة حقا أساسيا ينبغي أن تتمتع به جميع النساء.”
التقاليد أقوى من القانون
أوضح فضل محمد، الخبير الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، أنه على الرغم من أن القانون اليمني لم يمنع النساء مطلقًا من الحصول على رخص القيادة وقيادة السيارات، فإن المعايير الاجتماعية كانت منذ فترة طويلة العائق الرئيسي أمام العدد الكبير من النساء اللاتي يجلسن خلف عجلة القيادة. وفي تصريح أدلى به لموقع ميدل إيست آي البريطاني، قال الخبير الاجتماعي إنه “في مجتمع محافظ مثل اليمن، تعتبر التقاليد الاجتماعية أقوى من القوانين، لذلك قلة فقط من النساء كن يقدن حينها، عندما اعتاد المجتمع انتقادهن بشدة”.
قالت كل من بريدة والذبحاني إن هناك فوائد غير متوقعة لكونهن من بين النساء القلائل اللاتي يقدن السيارات، بما في ذلك تحقق أقل من قبل شرطة المرور وزملائهن من السائقين
في حين أن موقف المجتمع من النساء اللاتي يقدن السيارات قد أصبح أقل تشددا مع مرور الوقت، فإن بعض الشخصيات الدينية مثل الإمام أحمد النبهي تدّعي أنهن يخالفن الإسلام. ولتبرير رأيه، يقول الإمام اليمني:”يمنع الإسلام النساء من الخروج بمفردهن، وهذا يعني أن قيادة النساء للسيارات أمر غير مسموح به، لأنه يمكن للنساء التعرض للمضايقات إذا قدن السيارة بأنفسهن. إن ذلك في مصلحة النساء، بحيث لا يزعجهن أحد. لذلك يجب على المرأة أن تطيع الإسلام وتستمتع بحياتها ضمن الحدود المسموح بها”.
قالت الذبحاني وبريدة إنهما على دراية تامة بالآراء المشتركة بين النبهي وآخرين، لكن ذلك لم يردعهن. وتقول الذبحاني أن “بعض الناس ليسوا متعلمين بما فيه الكفاية، لذلك نسمع أحيانًا بعض الكلمات السيئة، ويحاول بعض الأشخاص السيئين مضايقتنا في الشوارع، لكننا نتجاهل هذا النوع من السلوك.”
“بعض أفراد عائلتي شجعوني على القيادة وآخرون انتقدوني،” تقول عبير بريدة.
قالت بريدة إنها شعرت بأنها محظوظة لوجود أفراد من أسرتها إلى جانبها، والذين دعموا جهودها لتحقيق الاستقلالية. وفي الوقت ذاته، قالت بريدة إنها واجهت انتقادات من الأقارب، لكنها لم تستسلم لضغوطهم. وأضافت أن “بعض أفراد عائلتي شجعوني على القيادة وآخرون انتقدوني. فلقد حاولت إقناع أولئك الذين يعارضون ذلك، لكنهم لم يفهموني، لذا تجاهلتهم.”
امتيازات غير متوقعة
قالت كل من بريدة والذبحاني إن هناك فوائد غير متوقعة لكونهن من بين النساء القلائل اللاتي يقدن السيارات، بما في ذلك تحقق أقل من قبل شرطة المرور وزملائهن من السائقين. وقالت بريدة أن “العديد من النساء لا يعرفن قوانين الطريق، لكن ضباط المرور يتعاونون مع النساء ولا يوقفونهن للتحقق من رخص القيادة”. كما قالت أنها ذات مرة اصطدمت بدراجة نارية عن طريق الخطأ، لكن أحد المارة وقف معها ضد الدراج. ومع ذلك، أعطت سائق الدراجة النارية بيانات والدها للتواصل معه في حال احتاج العلاج. كما أضافت الذبحاني أنه منذ توليها القيادة منذ 11 سنة، لم يتم إيقافها من قبل أعوان الشرطة أو من قبل ضباط الجيش في نقاط التفتيش.
قال أمين عبادي، عون مرور يبلغ من العمر 39 سنةً ويعمل في صنعاء، لميدل إيست آي إنه لاحظ بالتأكيد زيادة في عدد السائقات النساء خلال السنوات الثلاث الماضية، ليس فقط خلال النهار، ولكن أيضًا في الليل. وأكد أنه نادرا ما يوقف النساء احتراما للأعراف الاجتماعية فيما يتعلق بالتعاملات بين الرجال والنساء غير المرتبطين. وأردف أن “إيقاف امرأة للتحقق من رخصة قيادتها سيكون أمراً مخزياً. نحن نتعاون معهن ونأمل أن تقصد المبتدئات مدارس تعليم القيادة”.
بالنسبة للأستاذ محمد عن جامعة تعز، فإنه يرى صلة واضحة بين ثورة سنة 2011 وتزايد تواجد المرأة في الحياة اليومية، حتى عندما أصبحت الظروف السياسية والإنسانية في البلاد أكثر فضاعة بعد سنوات من الحرب
وأضاف العبادي إنه لطالما كان داعما لفكرة وجود المزيد من النساء وراء عجلة القيادة، مؤكداً أن القانون اليمني لا يحظر عليهن قيادة السيارة. حيال هذا الشأن، يقول رجل الشرطة اليمني إنه:”من الجيد أن تعتمد النساء على أنفسهن في القيادة بدلاً من انتظار أن يأخذهن رجل إلى مكان عملهن أو إلى أي مكان آخر”.
أما بالنسبة للأستاذ محمد عن جامعة تعز، فإنه يرى صلة واضحة بين ثورة سنة 2011 وتزايد تواجد المرأة في الحياة اليومية، حتى عندما أصبحت الظروف السياسية والإنسانية في البلاد أكثر فضاعة بعد سنوات من الحرب. واعتبر الأستاذ أن ” ثورة 2011 ساعدت النساء في الدفاع عن حقوقهن. فلقد شهدنا خروج الآلاف من النساء إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهن، بما في ذلك توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام”. وأردف أن “السائقات النساء لسن سوى جانب واحد من التطورات التي طالت المرأة اليمنية منذ سنة 2011، حيث أصبحت النساء أكثر وعياً بحقوقهن ودفاعا عنها”.
المصدر: ميدل إيست آي