ترجمة وتحرير: نون بوست
هذا الأسبوع، وصل أبليكيم يوسف، وهو مسلم من االإيغور يبلغ من العمر 53 سنة، وباحث عن ملاذ آمن من الاضطهاد الصيني المحتمل، إلى الولايات المتحدة، موطنه الجديد. لكن بحث أبليكيم الخطير الذي دفعه إلى السفر من باكستان إلى قطر، ثم إلى البوسنة والهرسك حيث رُفض من دخول البلاد مما دفعه إلى العودة إلى قطر مرة أخرى، قد بيّن مدى عجز الصين عن فرض تصورها بشأن الحملة الوحشية المسلطة على المسلمين الأتراك في مقاطعة سنجان المضطربة شمال غرب البلاد، بصفتها مسألة داخلية بحتة.
إلى جانب ذلك، سلطت قضية السيد يوسف الضوء على خطر تفاقم ظاهرة الهجرة الجماعية في عالم تشعر فيه الأقليات الإثنية والدينية أن وجودها قد أصبح مهددا بشكل متزايد. ويعود السبب في ذلك إلى السياسات الحضارية التي ينتهجها الزعماء غير الليبراليين والمستبدين، والمتطرفين، والعنصريين، والجماعات القومية اليمينية المتطرفة.
من خلال اختيار الخطوط الجوية القطرية، وجعل الدوحة أول وجهة له بعد مغادرة مقر إقامته في باكستان، أكد أبليكيم على هشاشة تقبل المسلمين في الحملة الصينية، داعيا كذلك إلى التشكيك في تطبيق قانون اللجوء القطري. وبالاستناد إلى القانون، أصبحت قطر منذ السنة الماضية أول دولة عربية تقنن اللجوء.
وضع يوسف أبليكيم قطر والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع عندما نشر في نهاية الأسبوع الماضي مقطع فيديو صوره بهاتفه المحمول يطلب من خلاله المساعدة قبل ساعات من موعد ترحيله إلى بكين من مطار حمد الدولي في الدوحة
قد يبدو يوسف أبليكيم محظوظا لانتهاء محنته بوصوله إلى الولايات المتحدة، إلا أن قضيته قد أكدت نفاق إدارة ترامب التي شيطنت المهاجرين واللاجئين، فضلا عن “تسليح” سياسة حقوق الإنسان التي تزعم تبنيها. وتجدر الإشارة إلى أن محنة أبليكيم تخدم الولايات المتحدة في حربها التجارية المتصاعدة مع الصين، حيث مثلت الحملة في سنجان واحدة من بين أبرز حالات انتهاك حقوق الإنسان التي اختيرت بشكل انتهازي لتشويه صورة الصين أكثر فأكثر.
لقد وضع يوسف أبليكيم قطر والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع عندما نشر في نهاية الأسبوع الماضي مقطع فيديو صوره بهاتفه المحمول يطلب من خلاله المساعدة قبل ساعات من موعد ترحيله إلى بكين من مطار حمد الدولي في الدوحة. وقد أسفر التماس أبليكيم للمساعدة عن انبثاق آلاف التغريدات من قِبل نشطاء الأويغور، مما خول له الظفر بمساعدة محامي حقوق إنسان أمريكي الذي ضمن له اللجوء في النهاية إلى الولايات المتحدة.
إذا رُحل يوسف فعلا إلى الصين، لربما كان سيخاطر بالتعرض للسجن في أحد معسكرات إعادة التعليم، التي تمثل موطنًا قصريا لما يربو عن مليون شخص من أقلية الأويغور في الصين. ويعد هذا الاعتداء من أسوأ انتهاكات الحقوق البشرية في التاريخ الحديث.
خلال الشهر الماضي، صرحت الصين بأن غالبية المعتقلين فيما وصفته بأنه منشآت تدريب مهني قد أطِلق سراحهم و”أدمجوا في المجتمع” مجددا، لكن المراقبين المستقلين أكدوا أنه لا يوجد دليل يؤكد إخلاء المخيمات من المعتقلين. والجدير بالذكر أن يوسف أبليكيم قد قرر مغادرة منزله في باكستان لدواعي أمنية، بعد أن أصبحت باكستان واحدة من بين خمسين دولة وقّعت وثيقة لدعم حملة الصين.
أن تنامي جرائم الكراهية في الولايات المتحدة قد زاد من حدة الانتقادات الموجهة إلى الرئيس دونالد ترامب رُغم إدانته الصريحة
خوفا من أن تقوم باكستان، المستفيد الأكبر من الحزام الصيني والاستثمارات المرتبطة بالطرق، بترحيل سكانها من الإيغور، سافر أبليكيم من خلال وثيقة سفر صينية بدلاً من جواز سفر صالح فقط للسفر إلى الصين. وفي الواقع، إن إصدار الصين لمثل هذه الوثائق مصمم لإجبار الأويغور على العودة. لقد وفرت وثيقة السفر غطاء لقرار قطر المبدئي لإعادة أبليكيم إلى الصين تجنبا لإثارة غضب الصينيين بمنحه حق اللجوء، في حين أن الضغط الدولي قد أقنع قطر بمنح السيد يوسف الفرصة لإيجاد دولة تحتضنه.
في الحقيقة، يبدو أن حملة الصين في سنجان ليست سوى إشارة خطيرة للاتجاه العالمي الذي يعززه بروز زعماء في جميع أنحاء العالم، انطلاقا من الولايات المتحدة وصولا إلى الصين وروسيا والهند والمجر وتركيا وميانمار، يفكرون من الناحية الحضارية في تقويض حقوق الأقليات، وإضفاء الشرعية على العنف عن قصد أو عن غير قصد، والمخاطرة بإقناع مجموعات كبيرة من السكان بالهجرة بحثًا عن بلدان أكثر أمانًا.
لابد من الإشارة كذلك إلى أن تنامي جرائم الكراهية في الولايات المتحدة قد زاد من حدة الانتقادات الموجهة إلى الرئيس دونالد ترامب رُغم إدانته الصريحة، هذا الأسبوع، لفكرة تفوق العرق الأبيض الأمر الذي جعل من موقفه ولغته المتشددة عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين واللاجئين سبيلا لخلق بيئة ملائمة لجرائم الكراهية.
ارتفع العنف ضد المسلمين بشكل كبير في الهند، التي تمثل موطن ثاني أكبر مجتمع إسلامي في العالم، ويبدو ذلك جليا مع ارتفاع نسب جرائم الكراهية الدينية في العقد الماضي التي بلغت 90 بالمائة منذ أن أصبح ناريندرا مودي رئيسًا للوزراء. فضلا عن ذلك، لا زال حوالي 750 ألف من الروهينجا قابعين في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش بعد فرارهم من الاضطهاد في ميانمار، في وقت أصبح فيه رهاب الإسلام جزءًا من الخطاب الأمريكي، والأوروبي، والصيني. وحتى اليهود في أوروبا أصبحوا يخشون من موجة جديدة معادية للسامية.
الحملة الصينية التي تمنع معظم الأويغور من السفر وتسعى لإجبار القاطنين في الخارج على العودة، قد أنقذت العالم حتى الآن من موجة أخرى من الأشخاص الذين فقدوا الأمل في إيجاد منازل آمنة
كما بذلت إيطاليا جهودًا لمكافحة الهجرة التي من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلاً من تخفيفها، وهي خطوة أخرى قائمة على اعتماد قانون يتم بموجبه فرض غرامات تصل إلى 1.12 مليون دولار أمريكي على أولئك الذين يسعون إلى إنقاذ المهاجرين وهم يبحرون في البحر.
إن الحملة الصينية التي تمنع معظم الأويغور من السفر وتسعى لإجبار القاطنين في الخارج على العودة، قد أنقذت العالم حتى الآن من موجة أخرى من الأشخاص الذين فقدوا الأمل في إيجاد منازل آمنة. لكن، لا يزال خطر حدوث هجرة جماعية للأويغور قائما، خاصة مع تداعيات جهود إعادة التعليم الصينية التي لم يمكن أثرها ملموسا.
أثبت يوسف أبليكيم أنه لم يكن فقط دافعا لتأجيج أزمة الإيغور المتشعبة، بل دافعا آخر لتفاقم أزمة عالمية مستقبلية، سببها مجتمع دولي لم يدر ظهره للمحتاجين على نحو متزايد فحسب، بل اتبع أيضًا سياسات إقصائية بدلاً من سياسات شمولية.
المصدر: مودرن ديبلوماسي