رغم كل التقارير الدولية عن زيادة معدلات الفقر في مصر وارتفاعها خلال السنوات الماضية إلى مستويات غير مسبوقة، هناك أيضًا ارتفاع مواز وغير مسبوق بمصر في ولع الكثريين باقتناء الحيوانات الأليفة، وتبرز تقارير دولية هذا التغول المصري، لدرجة أن مصر تستحوذ على نحو 45% من إجمالي السوق في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بأرباح تصل إلى نحو مليار دولار.
الدكتور شهاب عثمان رئيس جمعية الرفق بالحيوان بالقاهرة، لديه توقعات متفائلة للغاية، عن تزايد نمو سوق الحيوانات الأليفة في مصر، ويرى أنها ستحقق معدلات أكثر ارتفاعًا، وفقًا لعدة اعتبارات، أهمها التوسع الحضري في المناطق النائية وزيادة متاجر الحيوانات الأليفة بصورة كبيرة وزيادة أعداد مُربي الحيوانات الأليفة المحليين، بالإضافة إلى انتشار العديد من جمعيات رعاية الحيوانات الأليفة.
لا يرفض عثمان سلبيات هذا الانتشار الكبير للحيوانات في الشارع المصري، سواء في معايير الرعاية أم تزايد أزمة الكلاب الضالة المقدر أعدادها في مصر بنحو 15 مليون كلب، بجانب اشتباك عدد من البلطجية في هذه الرغبة المحمومة باقتناء الحيوانات، مما يشكل نوعًا من الخطر على أمان المواطنين.
مصر: بلطجي يهدد شاب كفيف بكلب شرس
هذه التحديات وغيرها، دفعت مهندس شاب مصري يدعى أحمد البدوي، عمره 37 عامًا، لتأسيس “تطبيق فيتكود” على أجهزة الهاتف، ويهدف من خلاله لإيجاد وسائل لإنقاذ الحيوانات في بلاده وخارجها، وجاءته الفكرة بسبب أزمة شخصية تعرض لها في منتصف ليل أحد الأيام، إذ مرضت قطته ولم يعثر على طبيب بيطري يساعده على إنقاذها، وانتهت الليلة الدرامية بوفاتها.
تطبيق فيتكود
البدوي متخصص في مجال الطب الحيوي، ويملك أكثر من 19 عامًا من الخبرة في مجال الصحة الرقمية، الأمر الذي ساعده على تطبيق فكرته في يوليو من العام الماضي، وتطور التطبيق وانتشر سريعًا في المنطقة، ولم يكتف فقط بتقديم الرعاية الصحية للحيوانات، ولكن أصبح يقدم الآن خدمات نظافة وتجميل وتوفير مدربين لهم، حتى أصبح بمثابة شبكة اجتماعية تضم منتديات مخصصة لخدمات تبني وتبادل الحيوانات الأليفة والبحث عن المفقود منهم.
يشارك البدوي في هذا المشروع الناجح، الدكتور أحمد ماهر، وهو جراح بيطري متخصص في علم الأشعة التدخلي البيطري وجراحة تقويم العظام، ويشغل منصب كبير المسؤولين البيطريين في هيكل الإدارة، ويخططان معًا لتوسيع نطاق خدمات التطبيق، في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2020.
ويُسهل التطبيق عمليات تبني الحيوانات ويوفر لكل حيوان ملفًا طبيًا خاصًا به وسجلات طبية مفصلة وتواريخ التطعيمات، وهي تمثل ثروات لأصحاب الحيوانات الأليفة سواء الحاليّين أم المستقبليين، ويمكنهم من التعرف أكثر على الحالة الصحية للحيوانات والرعاية المطلوبة لهم، كما يوفر التطبيق كنوزًا ضخمة من المواد التعليمية المبسطة، والمثير أن التطبيق يوفر أيضًا خدمة فريدة من نوعها عن الطب النفسي للحيوانات الأليفة، بجانب عقد بروتوكولات خاصة للحفاظ على الصحة العقلية البيطرية لجميع السلالات والأعمار التي يعالجها من الحيوانات الأليفة.
علاقة تاريخية بين المصريين وتربية الحيوانات
يملك المصريون ذاكرة خاصة في تربية الحيوانات والبشر، ويكشف كل من فرنسواز ديناند وروجيه لشتنبرج، في كتاب نادر، نشره المركز القومي المصري للترجمة صيف عام 2012 مراحل تكون العلاقة القوية والتاريخية بين المصريين والحيوانات في مصر القديمة، حيث كانوا من أقل الشعوب مطاردة للحيوانات والاعتداء عليها، وهو افتراض تؤكده الجغرافيا التاريخية لمصر ونشأة نهر النيل وانتقاله من مجراه القديم في الصحراء الليبية إلى مجراه الحاليّ.
معلومات تاريخية سريعة عن مصر ربما تسمعها لأول مرة
بدأت علاقة المصريين بالحيوانات، طبقًا لبعض النظريات التي بحثت في نشأة وأصل نهر النيل، منذ العصر الحجري الحديث الأعلى، أي منذ نحو 300 ألف عام، من خلال نشاط الصيد والقنص لتوفير حاجات المصري الغذائية، فكانت البيئة غنية بالأعداد الغفيرة من الحيوانات، تبرزها الرسومات في أماكن عديدة بالصحراء الغربية والصحراء الشرقية، التي تكشف كيفية صيد الحيوانات البرية التي كانت منتشرة وقتئذ، مثل الأفيال والزراف والثيران البرية والنعام والظباء.
مع زيادة أعداد السكان والتغييرات المناخية، واتجاه المصريين للانتقال من البداوة نحو الاستقرار، مع بداية معرفتهم بالزراعة وحفظ الغلال، بدأ المصري القديم يتجه نحو استئناس بعض الحيوانات، وذلك لتوفير احتياجاته الغذائية من الألبان واللحوم، وليوفر على نفسه مشقة المطاردة المستمرة، ومع السنة الألف السادسة قبل الميلاد، كانت هناك الكثير من الدلائل على ذلك التنوع في اقتناء الحيوانات التي عرفها مصريو ذلك الوقت وكيفية تعاملهم معها، سواء من خلال الصيد والقنص أم من خلال عملية الاستئناس.
تعامل المصريون مع أنواع وفصائل الحيوانات الموجودة بمصر، وفق أنماط وعادات ظلت ثابتة بالبلاد، لما يزيد على ثلاثة آلاف عام، بداية من فصيلة البقريات، وهي أقدم الحيوانات استئناسًا في مصر، وكان لها أهمية كبيرة، فهي مصدر الغذاء، واستخدمت جلودها في الصناعات الجلدية والسماد والوقود، واستخدمت طاقتها كذلك في سحب التوابيت على جرارات إلى الجبانات، ولجر المحراث وفي دراسة الحبوب.
كان اقتناء الأبقار رمزًا للثراء، وإظهار لغنى الملوك وسطوتهم، وكذلك لقوتهم وبطشهم، كما في لوحة الثور التي تُظهر نعرمر يدهس أحد الأعداء تحت حوافره، وحملهم لعبارات تمدحهم مثل “الثور القوي” و”ذي القرنين الفولاذيين”.
تنوعت العلاقة بين المصريين والحيوانات، مع ظهور الأسرة الخامسة قبل الميلاد، وأصبح اقتناء الحيوان مقترنًا أيضًا بتقديم القرابين المتعلقة بالآلهة، كما تنوعت علاقته بالحيوان، وأصبح يصادق بعضهم مثل “الكلب” الذي رافقه في حملات الصيد، وظهرت رسومات تكشف أدواره بجانب المصري القديم في العديد من حملات الصيد، وطارد معه الغزلان والزرافات.
كما استأنس المصريون القطط، وأنشأوا لها مدينة “مياو” التي يمكن ترجمتها إلى “مدينة القطط”، ومع تزايد الولع بتربية القطط أصبح الرجال والنساء يسمون أبناءهم بأسماء القطط، وبلغ الترابط المصري بهذا الحيوان الأليف، إلى حد صنع تابوت من الحجر الجيري الخاص لقطة الأمير تحتمس ابن أمنحتب الثالث، ما يشير إلى مكانة القط، بحسب المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي أكد أن قط البيت إذا مات كان جميع سكانه يحلقون حواجبهم حزنًا عليه.
وضع المصريين القدماء “القرد” في مكانة مميزة، وكان أول الذين اعترفوا بذكائه مقارنة بكثير من الحيوانات، ومع استمرار تبجيل هذا الحيوان، أصبح الإله “تحوت” أو رب المعرفة والكتابة حسبما تروي العديد من المراجع، وعثر في العديد من الجبانات الملكية على عظام للقردة، كما استطاع المصري القديم استئناس الأسود والفهود والنمور، ودونها الملوك في العديد من رسومات المعابد والمقابر الملكية، كدلالة على قوتهم، وحتى الآن ما زالت تحتل العديد من العلامات التاريخية في حياة توت عنخ آمون ورمسيس الثاني.
لم تترك الحيوانات الشخصية المصرية، حتى في حبها للفكاهة منذ قديم الأزل، إذ دون القدماء عددًا من الخيالات الضاحكة بأسوار المعابد عن قصص وحكاياتهم على نمط الأساطير والخرافات، كتلك القطط التي تخدم الفأرة وتربي وليدها، وقط آخر يقود سربًا من الأوز، وأسد يلعب الشطرنج مع غزالة، وحمار يعمل معلمًا في مدرسة، وهذه الرسومات ألهمت الكثير من مؤلفي القصص الخرافية الكبار مثل “إيسوب” و”لافونتين” وغيرهما، وهي قصص من قلب التاريخ تؤكد نهم المصريين بتربية الحيوانات، حتى إن اختلف الماضي مع الحاضر.