ترجمة وتحرير: نون بوست
يُحبّذ جون التواصل بشكل مباشر مع موظفيه في الشركة، حيث أنه تتلمذ في المدرسة التي تشجع مديري العمل على التجول في الشركة والاتصال المباشر بموظفيهم. وبصفته الرئيس التنفيذي لشركة متوسطة الحجم مدعومة بالرأس المال الخاص، فقد عزى جزء كبير من نجاحه إلى قدرته على الإشراك المباشر وتحفيز موظفيه. وعموما، كان جون يترك باب مكتبه مفتوحًا كلما كان ذلك ممكنًا، ويشجع الموظفين على طرح الأسئلة والتعبير عن هواجسهم، ويفتخر بكونه يعلم دائما الأهداف القابلة للتحقيق. لطالما كان أول شخص يصل إلى الشركة وآخر من يغادرها، ويستمتع كثيرا بالوقت الذي يقضيه في العمل.
مع ذلك، كان جون يشعر بالقلق، لأن مكتبه أضحى فارغا مقارنة بالماضي نظرا لأن عددا كبيرا من المسؤولين باتوا يفضلون العمل عن بعد. وعلى الرغم من أنه أبدى موافقته في بداية الأمر على ذلك، إلا أنه وافق على مضض خوفا من أن يفقد الموظفين الموهوبين في ظل سوق العمل الضيقة. وبحلول فصل الصيف، اعتقد جون أن قراره لم يكن صائبا، فالموظفون الذين يشغلون مناصب مهمة وضعوا خططا مختلفة لقضاء عطلهم التي تتزامن مع شهريْ تموز / يوليو وآب/ أغسطس. وبات جلّ همه التفكير في طرق تضمن له الحفاظ على مستوى الإنتاجية في ظل وجود عدد كبير من العاملين عن بعد.
أصبحت المرونة في مكان العمل أحد السمات المميزة التي تتسم بها العلاقة المتطورة التي تربط الموظف بصاحب العمل
والجدير بالذكر أن جون لم يكن وحده الذي يشعر بالقلق إزاء هذه المسألة. وغالبا ما يعتري الأشخاص المسؤولين عن إدارة المواهب في الشركة مخاوف من العمل عن بعد أثناء الصيف، لا سيما في ظل البيئات التنافسية عالية المخاطر. ومع ذلك، يمكن للقادة الذين لا يرون مانعا في عمل الأعضاء المهمين في الفريق عن بعد، والذين يتبنون ثقافة مكان العمل أقل صرامة، الاستفادة من هذا الأمر بشكل كبير لزيادة الإنتاجية طوال السنة وليس خلال الصيف فحسب. وفيما يلي الخطوات التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك.
قبول الوضع الطبيعي الجديد
أصبحت المرونة في مكان العمل أحد السمات المميزة التي تتسم بها العلاقة المتطورة التي تربط الموظف بصاحب العمل. ووفقا لتقرير “اتجاهات المواهب العالمية 2019” الذي أصدرته شبكة لينكد إن، ارتفعت نسبة المستخدمين الذين أكّدوا على أهمية “مرونة إجراءات العمل عند البحث عن وظيفة” لتصبح 78 بالمئة منذ سنة 2016. ويفيد هذا الارتفاع بأن خيار العمل عن بعد لم يعد ميزة نادرة. لكنه سرعان ما أصبح شيئا متوقعا، لا سيما في صفوف كبار الموظفين.
تستجيب العديد من الشركات لمتطلبات العمل الجديدة، حيث تسمح نسبة متزايدة من الشركات بالعمل عن بُعد في فترات معينة على الأقل. وفقا للتقرير الصادر عن لينكد إن، تشمل الشركات التي تسمح لموظفيها للعمل عن بُعد 72 بالمئة في مجال البرمجيات / تكنولوجيا المعلومات، 62 بالمئة في مجال المالية، 57 بالمئة في مجال خدمات الشركات، 43 بالمئة في مجال الرعاية الصحية، و43 بالمئة في مجال التصنيع. ونظرًا لهذا التوجه الجديد والتحدي المتمثل في اجتذاب المواهب والحفاظ عليها، لا يمكن للعديد من الشركات رفض توفير خيارات العمل عن بُعد.
ا تقتصر فوائد إجراءات العمل المرنة على الموظفين فحسب. فإلى جانب اجتذاب العاملين ذوي الخبرة والحفاظ عليهم من خلال تحقيق التوازن بين العمل والحياة اليومية، وفضلا عن فتح سوق المواهب لأولئك القادمين من أماكن مختلفة، تؤكد الأبحاث في الوقت الراهن أن أولئك الذين يعملون عن بُعد يعملون بجد أكبر
علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد قبول هذا الواقع الجديد القادة عن التوقف عن الجدال حول تطبيق مثل هذه السياسات، والتركيز، بدلاً من ذلك، على الطرق التي من شأنها أن تدفعهم للعمل والأطراف التي سيعملون لصالحها.
التعرف على الفوائد
لحسن الحظ، لا تقتصر فوائد إجراءات العمل المرنة على الموظفين فحسب. فإلى جانب اجتذاب العاملين ذوي الخبرة والحفاظ عليهم من خلال تحقيق التوازن بين العمل والحياة اليومية، وفضلا عن فتح سوق المواهب لأولئك القادمين من أماكن مختلفة، تؤكد الأبحاث في الوقت الراهن أن أولئك الذين يعملون عن بُعد يعملون بجد أكبر.
وبينت دراسة من ستانفورد أجريت بالشراكة مع شركة ستريب التي تتخذ من الصين مقرا لها، أن المشروع الرائد الذي عمل فيه موظفو ستريب عن بعد لم يقلل من نسبة تغيير الموظفين إلى حدود 50 بالمئة فحسب، بل عزز أيضًا الإنتاجية بنسبة 13 بالمئة. وقد حفزت هذه النتائج الشركة على توسيع سياستها لتشمل جميع العاملين البالغ عددهم 16ألف موظف، إذ حققت مكاسب إنتاجية أكبر، زيادة قدرت بنسبة 22.6 بالمئة. وتباعا، يمكن للتعمق في فهم فوائد هذه المنظومة الجديدة أن يحول تفكير القادة حيث سينظرون إلى العمل عن بُعد بدرجة أقل ريبة وخوف.
إنشاء شبكة علاقات
نظرًا لكون العزلة تعتبر تحديًا كبيرًا بالنسبة للعاملين عن بُعد، ينبغي على القادة ضمان ترتيبات العمل عن بعد لتعزيز الإحساس المستمر بالانتماء، وهو ما من شأنه أن يساهم في تحقيق التوازن بين التواصل وتوفير خيارات المرونة. وعلى سبيل المثال، يمكن لرؤساء العمل التواصل مع العاملين عن بُعد ومعرفة أحوالهم حتى في حال عدم توفر وقت كافي لذلك.
توسعت خيارات العمل عن بُعد في ظل وجود مجموعة كبيرة من التقنيات التي ساهمت في إلغاء المسافات وعزّزت التعاون والترابط الجماعي
فضلا عن ذلك، يمكن لرؤساء العمل التغاضي عن وجود بعض الظروف التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى حصول انقطاع في نسق العمل، على غرار وجود أطفال أو حيوانات أليفة في البيت. في الآن ذاته، ينبغي على العاملين عن بعد التأكد من عدم وجود مشاكل تعيق سير العمل بشكل جيد مثل جودة الصوت. ومن خلال دمج هذه الممارسات في استراتيجيات استقطاب المواهب، يمكن للمسؤولين في الشركة تحسين خبرات الموظفين، حتى أولئك الذين يعملون عن بعد، وبناء ثقافة إيجابية في مكان العمل.
تبنّي أساليب جديدة
توسعت خيارات العمل عن بُعد في ظل وجود مجموعة كبيرة من التقنيات التي ساهمت في إلغاء المسافات وعزّزت التعاون والترابط الجماعي. فعلى سبيل المثال، تعمل المنصات التي توفر خدمات مؤتمرات الفيديو وعقد المؤتمرات عبر الإنترنت مثل “زووم” و”غو تو ميتينغ” و”ويب إكس” على إنشاء اتصالات بين الأفراد بدلا من مجرد إجراء مكالمات جماعية. فضلا عن ذلك، تساعد منصات العمل التشاركية، على غرار “آسانا”، “مانداي. كوم” و”تريلو” على تتبع مدى تقدم عمل أفراد الفريق بغض النظر عن مكان تواجدهم.
وتجدر الإشارة إلى أن الخدمة السحابية ” سلاك” تسهّل التواصل الجماعي بين أعضاء الفريق الذين يعملون عن بعد. كما أنها توفر خاصية “عدم الازعاج” الهامة حتى يتمكن الأفراد من التركيز على المشاريع المعقدة وتسليم المشاريع في المواعيد النهائية. علاوة على ذلك، يمكن لسلاك توطيد علاقة أفراد الفريق ببعضهم البعض وذلك من خلال التطرق إلى مواضيع أخرى مختلفة، بداية من التمارين الرياضية وصولا إلى التربية. وعموما، يرجع الأمر لرؤساء العمل لتحديد الأدوات التي يجب اتباعها وتواتر استخدامها وفقا للجدول الزمني للموقع.
التفكير في جوهر الأمور
سيستفيد رؤساء العمل الذين يشعرون بعدم الارتياح من العمل عن بعد من النظر إلى جوهر الأمور والتفكير في المشاعر الكامنة وراء حالة القلق التي تعتريهم إزاء هذه المسألة. وقد يشعر البعض بالانزعاج من استخدام التكنولوجيات الموصى بها لترتيبات العمل عن بعد، وسيكون من الحكمة التغاضي عما يحدث واللحاق بالركب. في المقابل، قد يخشى آخرون فقدان السيطرة على الأمور، لا سيما في ظل انعدام وجود وسائل رقابة.
إن القادة الذين يتطورون مع تطور فكرة “مكان العمل”، والذين يعززون بعناية وعن قصد الثقافات التنظيمية التي تضم العاملين عن بُعد، سيكونون قادرين على تحقيق النجاح خلال أشهر الصيف والفترة التي تليها
من جهة أخرى، يمكن أن يشعر هؤلاء بالاستياء أيضًا في حال لم تتوفر لديهم خيارات العمل عن بُعد. ولكن، يمكنهم الاستفادة منها في بعض الجوانب الرئيسية من حياتهم المهنية. ويمكن أن يؤدي فهم هذه المشاعر بشكل أفضل إلى زيادة الوعي الذاتي وتعزيز القيادة الفعالة من موقع المعرفة بدلاً من الخوف.
إن القادة الذين يتطورون مع تطور فكرة “مكان العمل”، والذين يعززون بعناية وعن قصد الثقافات التنظيمية التي تضم العاملين عن بُعد، سيكونون قادرين على تحقيق النجاح خلال أشهر الصيف والفترة التي تليها، حيث سيلحظون تحسنا في الروح المعنوية والولاء والمزيد من الاستقلالية لدى موظفيهم، كما أنهم سيحفزون أعضاء الفريق لمزيد بذل مجهود إضافي. ويمكن أن تمتد هذه الفوائد طويلا إلى ما بعد فصل الصيف، مما يجعل الإنتاجية مرتفعة على مدار السنة.
المصدر: فاست كومباني