ترجمة وتحرير: نون بوست
استجوبت مقررة الأمم المتحدة مؤخرا السلطات الفرنسية بشأن نقل سبعة فرنسيين من تنظيم الدولة حُكم عليهم بالإعدام من قبل القضاء العراقي. وفي حزيران/ يونيو، تطرق موقع “ميديابارت” إلى رغبة باريس في إنشاء محكمة جنائية دولية بشكل عاجل، علاوة على أخطاءها الدبلوماسية بعد رفض إيمانويل ماكرون، في خطوة معارضة للنصيحة التي قدمتها له استخبارات بلاده، إعادة المواطنين التابعين لتنظيم الدولة إلى أرض الوطن.
في الواقع، يعتبر ما حدث أمر سيئ للغاية، إذ أنه ليس وحدهم محامو أسر هؤلاء الفرنسيين والمنظمات غير الحكومية من يشككون في الدور الذي لعبته فرنسا في نقل 11 من الجهاديين الفرنسيين بين سوريا والعراق في أوائل سنة 2019. فاليوم، تطالب الأمم المتحدة نفسها، في رسالة رسمية أُرسلت الاثنين، مثلما كشفت عن ذلك صحيفة “لوموند”، باريس بمدّها بتوضيحات عما حدث.
في هذا الصدد، صرّحت المُقرّرة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أنييس كالامار، لصحيفة “لوموند” قائلة: “يبدو تورط فرنسا فعليا بالنسبة لي، وذلك في ضوء العناصر التي أُحضرت لي، فضلا عما رواه الجهاديون المزعومون لعائلاتهم ومحاميهم، الذين يقولون إنهم رأوا مسؤولين فرنسيين أثناء نقلهم، فضلا عن روايات عدة مصادر غير مترابطة في كل من سوريا والعراق”. وفي رسالتها، تمنح خبيرة الأمم المتحدة الحكومة مهلة شهرين للردّ، كما تدعو باريس لممارسة الضغوط من أجل إعادتهم إلى وطنهم، وهو شرط ضروري من أجل محاكمة عادلة.
خلال زيارته لباريس في شباط/ فبراير الماضي، كان الرئيس العراقي، برهم صالح، قد أعلن أن هؤلاء الجهاديين الفرنسيين الذين طردهم الأكراد سيحاكمون في بلاده. وكان إيمانويل ماكرون الذي يقف إلى جانب نظيره العراقي، والذي رفض الإدلاء بأي تعليق على جنسية هؤلاء
ردا على أسئلة صحيفة “لوموند”، أجابت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بلهجة شديدة على اتهامات مقررة الأمم المتحدة. ومن جهتها، أفادت الوزارة أن ‘”المزاعم الواردة في رسالة السيدة كالامار لا تستند إلى أي تبادل أو تفاعل مع الحكومة الفرنسية. نحن نتساءل جديا حول أساليب المقررة الخاصة، التي تحدثت باسمها فقط وليس باسم الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال، سنفحص رسالتها، التي تحتوي على سلسلة من الأسئلة. ووفقا للإجراءات، سنرد عليها في غضون فترة زمنية مدتها شهرين”.
خلال زيارته لباريس في شباط/ فبراير الماضي، كان الرئيس العراقي، برهم صالح، قد أعلن أن هؤلاء الجهاديين الفرنسيين الذين طردهم الأكراد سيحاكمون في بلاده. وكان إيمانويل ماكرون الذي يقف إلى جانب نظيره العراقي، والذي رفض الإدلاء بأي تعليق على جنسية هؤلاء، قد أصرّ على تمتع بغداد بحقّ “اتخاذ قرار سيادي” في مثل هذه الإجراءات.
في أوائل حزيران/ يونيو، كتب موقع “ميديابارت” أنه “يمكن للمرء أن يشكك في الطبيعة السيادية لعملية صنع القرار العراقي”، علما وأن الموقع كشف أنه قبل شهرين من هذا النقل، أوصت الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني رئيس المحكمة بأن عملية الطرد في العراق تتم “دون تدخل واضح من فرنسا”، حيث لا ينبغي أن تظهر “يد بلادنا” بأي حال من الأحوال. وتجدر الإشارة إلى أنه كجزء من التزاماتها الدولية، لا يمكن لفرنسا نقل مواطنيها إلى بلدان يمكن أن يعاقبوا فيها بالإعدام.
ينما كان أمامها 18 شهرا للاستعداد، وجدت فرنسا نفسها في مستنقع في بلاد الشام أمام مجموعة مؤلفة من 500 جهادي، بالإضافة إلى نساء وأطفال الجهاديين دون أن يكون لديها حل فعلي
من جانبه، يعيد موقع “ميديابارت” نشر آخر تحقيق له يكشف كيف وصل الأمر بفرنسا إلى أن تظل طريقها، وربما أن تخرج عن القانون بعد أن رفض إيمانويل ماكرون، في خطوة معارضة لنصيحة استخبارات بلاده، إعادة المواطنين الجهاديين إلى أرض الوطن. وفي هذا الإطار، لم يعد إيمانويل ماكرون سيد الموقف، على الأقل في الحرب ضد الإرهاب. ففي مقابلة له مع الصحفي لوران دولاووس، توقع رئيس الجمهورية الفرنسية أنه “بحلول منتصف أو أواخر شباط/ فبراير، سنكون قد فزنا في الحرب في سوريا”، وكان ذلك في 17 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2017، حيث أنه منذ ذلك التاريخ ظلت خلافة تنظيم الدولة قائمة.
مع ذلك، وبينما كان أمامها 18 شهرا للاستعداد، وجدت فرنسا نفسها في مستنقع في بلاد الشام أمام مجموعة مؤلفة من 500 جهادي، بالإضافة إلى نساء وأطفال الجهاديين دون أن يكون لديها حل فعلي. ويوم الأربعاء 12 حزيران/ يونيو، ركّز مجلس الأمن والدفاع على هذه القضية الخاصة بالمواطنين الفرنسيين التابعين لتنظيم الدولة سواء “المعتقلين أو المحتجزين في شمال شرق سوريا”.
وبسبب سياسة “طمر الرأس في الرمل” التي اتبعها رئيس الجمهورية الذي اختار في بداية السنة الجارية عدم إعادة الجهاديين الفرنسيين إلى أرض الوطن، اختُزل دور الإدارة في ترقيع هذا الخطأ. ووفقا لمعلوماتنا، كان على وزارة الشؤون الخارجية أن تجري تقييما خلال مجلس الدفاع لآخر الخيارات المطروحة من أجل التخلص من مواطنينا، وهو ما جعلهم جميعا يحاكمون أمام المحاكم العراقية أو من خلال سلطة قضائية مخصصة “على المنطقة”، وهي أشبه بمحكمة جنائية دولية لم يُذكر اسمها، والتي تأمل فرنسا في أن يرتبط بها العديد من الشركاء في الاتحاد الأوروبي.
لا بد من التفاوض مع البلد المضيف لضمان عدم صدور حكم بالإعدام. وينص القانون العراقي على إنزال عقوبة الإعدام بأي شخص يدان بالانتماء إلى منظمة “إرهابية” سواء شارك المدعى عليه في القتال أم لا
في مقابلة نُشرت في صحيفة “لوبوان” قبل ساعات قليلة من عقد مجلس الدفاع، بدأ وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في تهيئة الرأي العام من خلال جملة قالها دون أن يلاحظها أحد وهي أنه “بالنسبة للجهاديين البالغين، يجب العثور على الحل النهائي في إطار آلية قضائية محددة سندرسها بشكل خاص مع الأوروبيين”. وعند الاتصال بها، أكدت القنصلية الفرنسية أنه بالنسبة للجهاديين الذين لم يرتكبوا وقائع في العراق، فإننا “نفكر في أمرهم بالفعل مع شركائنا الأوروبيين الرئيسيين” بشأن “عرضهم على القضاء في المنطقة”. وقد أثارت وزيرة العدل الفرنسية، نيكول بيلوبي، هذه القضية على قناة “إل سي إي”، حيث قالت: “نحن نفكر فعليا في فرضية محكمة يمكن إقامتها بطريقة خاصة، وهو ما يزال حتى الآن مجرد فرضية”.
اجتماع عمل بين مدير مركز الدعم والأزمات الفرنسي، إيريك شوفالييه (في المنتصف)، مع ناديا مراد، ناشطة حقوق الإنسان العراقية من أصل كردي والحائزة على جائزة نوبل للسلام في سنة 2018.
تم تشكيل مجموعة عمل في وزارة الشؤون الخارجية لدراسة جدوى مثل هذا الحل، وذلك بالتشاور مع وزارة العدل ووزارة الداخلية. ويتمثل الخيار الأفضل في محكمة عراقية يعززها محامون من مختلف الجنسيات، بما في ذلك الفرنسيين. وتعتمد هذه المحكمة على قانون مكافحة الإرهاب العراقي الذي ينطبق على الأفراد، حتى أولئك الذين لم يرتكبوا وقائع مادية في العراق ولكنهم ينتمون لمنظمة إرهابية تنتهك المصالح العراقية. على الرغم من ذلك، يستمر المشروع في طرح العديد من المشكلات القانونية والعملية.
ففي البداية، لا بد من التفاوض مع البلد المضيف لضمان عدم صدور حكم بالإعدام. وينص القانون العراقي على إنزال عقوبة الإعدام بأي شخص يدان بالانتماء إلى منظمة “إرهابية” سواء شارك المدعى عليه في القتال أم لا. وقد حُكم على 11 فرنسيًا بالإعدام في غضون تسعة أيام في أواخر آيار/ مايو، بغض النظر عن دور كل واحد منهم في صفوف تنظيم الدولة.
فضلا عن ذلك، يجب ضمان بناء البنية التحتية، من قاعات المحاكم والسجون، التي تعد لازمة لإدارة تدفق الجهاديين في بغداد التي حكمت بالفعل على أكثر من 500 أجنبي ممن خدموا في صفوف تنظيم الدولة. في هذا السياق، قال شخص مطلع على الملف: “لم نتوقف عن قول إن لدينا العدد الأكبر من الجهاديين في أوروبا. وإذا كنا نريد الحصول على إنشاء محكمة دولية، فسيتعين علينا تغطية معظم النفقات”. ويوم الخميس الماضي، خلال مؤتمر صحفي عقدته وزارة الشؤون الخارجية، طُرح سؤال عما إذا كانت “فرنسا مستعدة لدفع ما تريده السلطات العراقية كي تخفف عقوبة الإعدام الصادرة بحق المقاتلين الجهاديين الفرنسيين إلى عقوبة السجن مدى الحياة”، وقد أوضحت المتحدثة باسم الوزارة أن فرنسا “لم تتلق أي طلب في هذا الصدد”.
هناك الكثير من المخاوف من أن تستمر هذه المحادثات الدبلوماسية لوقت طويل، على الرغم من الحاجة الملحة لعرض الجهاديين الفرنسيين المحتجزين في منطقة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” على القضاء بسبب تدهور الوضع في المنطقة
أخيرا وليس آخرا، ستكون هناك مسألة الوقت اللازم لإنشاء محكمة دولية ووضعها قيد التنفيذ، كما يجب أن تتلقى مثل هذه المحكمة موافقة عدة دول وهو ما لم يحصل. فقبل بضعة أشهر، وبمناسبة اجتماع مجموعة 16، وهو اجتماع لوزراء الداخلية في إطار مكافحة الإرهاب، كان العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي قد بشروا بهذا الحل دون الحصول على دعم فرنسا التي “في ذلك الوقت” كانت تحمل “على عاتقها إعادة الجهاديين إلى وطنهم”.
من هذا المنطلق، هناك الكثير من المخاوف من أن تستمر هذه المحادثات الدبلوماسية لوقت طويل، على الرغم من الحاجة الملحة لعرض الجهاديين الفرنسيين المحتجزين في منطقة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” على القضاء بسبب تدهور الوضع في المنطقة. وقد مضى وقت طويل منذ أن طمأن المتحدث باسم الحكومة آنذاك، بنجامين غريفو، على قناة “بي أف أم” أن السلطات الكردية “قادرة على ضمان محاكمة عادلة”، وقد كان ذلك في كانون الثاني/ يناير سنة 2018.
ومن المفارقات أن سقوط منطقة الباغوز في نهاية آذار/ مارس، آخر معقل لتنظيم الدولة، تسبب في أزمة كبيرة للمنتصرين فيها، إذ أن قوات سوريا الديمقراطية، التي تتألف أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تقاتل تنظيم الدولة في شمال سوريا تبدو معزولة سياسيا على نحو متزايد. كما أن هذه القوات تواجه أزمة إنسانية كبيرة، حيث أنه كان عليهم توفير احتياجات 30 ألف لاجئ قبل أن يرتفع العدد إلى 80 ألف.
في مواجهة حالة الطوارئ الصحية، لا سيما مشاكل سوء التغذية، بدأت فرنسا في إعادة أطفالها الصغار إلى وطنهم، إذ أنها أعادت خمسة أيتام لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات في منتصف آذار/ مارس
والجدير بالذكر أن عدد السجناء الجهاديين ارتفع ما تسبب في اكتظاظ سجون عين العرب والحسكة والقامشلي، وهو ما يشكل خطرا أمنيا وخوفا من عمليات الهروب. ويمثل الفرنسيون نسبة هامة في هذا الانفجار السكاني، حيث كان هناك 147 من البالغين المحتجزين في آذار/ مارس الماضي وأصبحوا الآن 194 شخصا. أما الأكثر خطورة من ذلك فيتجسد في عدد الأطفال الذي بلغ في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 73 طفلا وجميعهم تقريبا دون سن 13 وهم محتجزون في معسكرات كردية، ووفقا لمعلوماتنا سيصبح عددهم 314 طفلا.
منذ تشرين الأول/ أكتوبر، يعرف الدبلوماسيون أن الأكراد لا يريدون الاحتفاظ بمواطنينا.
في مواجهة حالة الطوارئ الصحية، لا سيما مشاكل سوء التغذية، بدأت فرنسا في إعادة أطفالها الصغار إلى وطنهم، إذ أنها أعادت خمسة أيتام لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات في منتصف آذار/ مارس، و12 يتيما، تتراوح أعمار معظمهم بين السنة والست سنوات في 10 حزيران/ يونيو، بالإضافة إلى فتاة تبلغ من العمر أربع سنوات أُعيدت من العراق في 27 آذار/ مارس وتسعة إخوة وأخوات بصحبة والديهم أُعيدوا من تركيا في 11 حزيران/ يونيو.
في كل عملية من عمليات الإعادة إلى الوطن، توصي وزارة الخارجية “بالسرية التامة قبل العملية”، حتى أنه تم تمرير تعليمات إلى الإدارات المختلفة قاضية بأنه في حالة الإعلان في وسائل الإعلام، سيتم تأجيل رحلات العودة لبضعة أيام. لذلك، ينبغي تجنب الكاميرات. وعند سؤاله عن ذلك، أكد دبلوماسي أن: “السرية قبل وأثناء العمليات أمر إلزامي بسبب قضايا أمنية مرتبطة بالأشخاص الذين يتم إرسالهم في الحال، وأخرى متعلقة بالكفاءة”.
جهاديون، في فترة الخلافة، يبحرون على متن قارب.
يسود شعور بالفوضى في صفوف بعض الجهات الفاعلة في الملف. ووفقا لها، كان كل ذلك متوقعا، أو الأسوأ من ذلك مُخططا له. وخلال شهر تشرين الأول / أكتوبر سنة 2018، زار الدبلوماسيون الفرنسيون مخيم روج للاجئين. وعلى عين المكان، تمكنوا من ملاحظة أن نساء الجهاديين “يتمتعن بحرية تنقل نسبية”، حيث يذهبن “صحبة مرافقة” إلى سوق المدينة المجاورة.
في هذا الإطار، أبلغ الممثلون المحليون لوحدات حماية الشعب في هذه المناسبة رجال وزارة الخارجية الفرنسية أنه كان “من المستبعد تماما” تصور إعادة الأطفال إلى وطنهم دون أمهاتهم، ويرفض الأكراد ذلك باسم احترام الدين الإسلامي. وأخيرًا، لقد كان هؤلاء واضحين للغاية بشأن نواياهم المتعلقة بالجهاديين أنفسهم، حيث لن يتم الحكم على أي مقاتل أجنبي “على عين المكان” من قبل وحدات حماية الشعب.
باختصار، تعلم فرنسا، منذ منتصف شهر تشرين الأول / أكتوبر، أن أكراد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لا يرغبون في إبقاء رعايانا إلى أجل غير مسمى لديهم. وقبل بضعة أسابيع، كان هناك حالة تأهب أولى، فقد عرضت المديرية العامة للأمن الخارجي على الإليزيه ما دوّنه محللوها معتبرين أنه في مواجهة إعادة تشكيل خلايا سرية لتنظيم الدولة في سوريا، يمكن تعبئة مقاتلي وحدات حماية الشعب في ساحات القتال الجديدة بدلا من مراقبة سجناء أجانب.
نتيجة لذلك، أخذت مختلف مكاتب المستشارين تحذير الأكراد على محمل الجد. وزُعم أن الروس نقلوا 15 شخصا من مواطنيهم المحتجزين في منطقة الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا. أما في فرنسا، وكما كشفه ميديابارت، انصبت إدارات وزارات الشؤون الخارجية والدفاع والداخلية والعدل حينها على العمل على مشروع عودة الجهاديين المحتجزين من طرف الأكراد. وعلى خلفية طرح الاستنتاجات الأولى في مجلس الدفاع والأمن القومي الذي عُقد في قصر الإليزيه بتاريخ 14 تشرين الثاني / نوفمبر سنة 2018، في أقصى درجات السرية، تم إيقاف مبدأ إعادة القصر اليتامى، خضوعا لإرادة الأكراد.
قبل وقت قصير من حفلة عيد الميلاد، قدمت الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني مختلف الخيارات المحددة إلى الإليزيه. ولم تتم الإشارة حتى إلى الخيار المتمثل في محاكمة مواطنينا على عين المكان ضمن الاحتمالات الممكنة
في الوقت ذاته، تُقيم الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني، التي تنسق الأشغال في هذه القضية، والوزارات المعنية ما إذا كانت المؤسسات ستكون قادرة على إدارة عودة مجموعات من الجهاديين وعائلاتهم. ويتمثل الجواب في “نعم”. أولاً، لأن عملية الإعادة المقترحة لن تشمل أعدادا ضخمة، فهي تتعلق بمئات الأفراد، أغلبهم من الأطفال. وعلى الرغم من ازدحامها، ترى المحاكم وإدارة السجون أنها قادرة على النظر في ملفات عشرات البالغين الآخرين الإضافيين، الذين ستقوم بإحالتهم على العدالة، أو ستسجنهم إذا اقتضى الأمر. لذلك، تعتبر إعادة الجهاديين الفرنسيين وعائلاتهم “مقبولة” من الناحية اللوجستية من قبل مختلف الإدارات.
قبل وقت قصير من حفلة عيد الميلاد، قدمت الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني مختلف الخيارات المحددة إلى الإليزيه. ولم تتم الإشارة حتى إلى الخيار المتمثل في محاكمة مواطنينا على عين المكان ضمن الاحتمالات الممكنة، باستثناء ما يتعلق بالجهاديين الأحد عشر الذين ثبت أنهم تنقلوا إلى العراق (والذين سيتم الحكم عليهم بالإعدام لاحقًا). ومن الواضح أن الوزارات المختلفة تؤيد إعادة إلى الوطن مدعومة “من البداية إلى النهاية” من قبل الأمريكيين، الذين اقترحوا استعادة مواطنينا الجهاديين في سوريا وتسليمهم إلينا، مكبلي الأيدي، عند وصولهم إلى التراب الفرنسي.
بعد شهر، توجه كريستوف كاستانير إلى ميكروفون جان جاك بوردين ليعلن، بشأن المعتقلين في الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا، أنهم “فرنسيون قبل أن يكونوا جهاديين”. وتابع كاستانير حديثه قائلا: “ستتم مقاضاة كل الذين سيعودون إلى فرنسا، وسيُعهد بهم إلى القضاة”. وعلى إثر هذه المقابلة، تحدثت صحيفة لوموند عن “عملية دولية منسقة لإعادة المعتقلين إلى الوطن” من خلال الإشارة إلى “مصادر فرنسية متوافقة”. ويبدو أن أصداء القضية بدأت بالتردد، إلى أن صرح إيمانويل ماكرون في مناقشة في أواخر شهر شباط / فبراير أنه: “لا وجود لبرنامج جاهز اليوم لعودة الجهاديين”.
خلال رحلة الدبلوماسيين في شهر تشرين الأول / أكتوبر، أبلغتهم امرأة فرنسية محتجزة في مخيم الروج، دون علم رفاقها، بأنها “كانت تتعاون” مع الأمريكيين، لكنها فوجئت بأنها لم تتعرض “للاستجواب من قبل الفرنسيين”
في الواقع، يكذب رئيس الدولة من خلال التلاعب بالكلمات. فقد أُعد البرنامج بشكل جيد، لكنه رفض في اللحظة الأخيرة المصادقة عليه. وفي لقاءنا معه، أكد مسؤول مخابرات رفيع المستوى أن خيار إعادة الجهاديين وعائلاتهم لم يتوقف عندما تحدث رئيس الدولة، أي أنه لم يغير رأيه. ويشدد ضابط برتبة أدنى على أن “هذا صحيح، حيث لم يعلن ماكرون عن قراره بعد. لكننا كنا في مرحلة متقدمة للغاية من الاستعدادات”.
كما سبق وروى موقع ميديابارت ذلك، كان من المفترض أن تدير القيادة المشتركة للعمليات الخاصة (وهي القيادة المسؤولة عن تنسيق الوحدات المختلفة للقوات الخاصة التابعة للجيش الأمريكي) العملية، التي اقترحت استئجار طائرتين، شريطة أن تتمكنا من الهبوط في مطار عسكري.
كما عرضت القيادة المشتركة للعمليات الخاصة نقل استخلاص معلومات الجهاديين الفرنسيين بعد يوم من اعتقالهم في سوريا. وخلال رحلة الدبلوماسيين في شهر تشرين الأول / أكتوبر، أبلغتهم امرأة فرنسية محتجزة في مخيم الروج، دون علم رفاقها، بأنها “كانت تتعاون” مع الأمريكيين، لكنها فوجئت بأنها لم تتعرض “للاستجواب من قبل الفرنسيين”. وبعد أن طُلب منه ذلك، أعطى المدعي العام في باريس موافقته لإضافته هذه الوثائق الإدارية الأمريكية إلى الإجراءات الجنائية الفرنسية. وداخل القسم “جي”، وهو القسم القضائي في المديرية العامة للأمن الداخلي، كان الضباط بصدد اقتسام جلسات الاستماع المستقبلية للجهاديين. كان ذلك قبل الفيتو الرئاسي.
بمصطلحات دبلوماسية، يُترجم ذلك بعبارة متواضعة: “بما أن الموقف الفرنسي قد تطور…”
بعد أن علق في إدارة حركة السترات الصفراء، ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية، لا يجرؤ رئيس الجمهورية على معارضة الرأي العام الذي يرفض بشدة في استطلاعات الرأي فكرة رؤية عودة جهاديين فرنسيين حتى إلى السجن. وبمصطلحات دبلوماسية، يُترجم ذلك بعبارة متواضعة تبدأ بالتالي: “بما أن الموقف الفرنسي قد تطور…”. في الواقع، لقد فوجئت الإدارة. وفي الوقت الذي تحدثت فيه وزارة الخارجية عن فكرة إنشاء محكمة مخصصة في العراق، يعمل المحامون الذين كانوا بصدد التحقق قبل بضعة أسابيع من شروط جواز العودة إلى فرنسا، في الوقت الراهن على مخاطر منازعات قضائية تثقل كاهل الدولة بسبب عدم إعادة مواطنيها…
يحظر الاجتهاد القضائي في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أي دولة نقل مواطنيها إلى بلد ثالث حيث يحتمل أن يُحكم عليهم بالإعدام
في الواقع، رفع جدان لطفلين جهاديين فرنسيين، أصيبا في باغوز، دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا تمثل محل شكوى من قبل عائلات أطفال الجهاديين المحتجزين في سوريا أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، قال الأستاذ هنري لوكليرك، أحد محامي الأجداد، حين وُجه إليه سؤال على قناة سي نيوز التلفزيونية: “هناك شيء مروع يكمن في معرفة أنه في الوقت الراهن، هناك العشرات من أطفالنا يموتون في ظروف فظيعة ويحملون الجنسية الفرنسية”.
لكن ليس لهذه الخطوات سوى حظوظ ضئيلة للنجاح، كما يقول خبراء الدولة، الذين سيشعرون بالضجر “في حال تبين أن القوات الفرنسية قد تدخلت بطريقة أو بأخرى في نقل الجهاديين الفرنسيين من الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا إلى العراق”. ويحظر الاجتهاد القضائي في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أي دولة نقل مواطنيها إلى بلد ثالث حيث يحتمل أن يُحكم عليهم بالإعدام. فضلا عن ذلك، تواصل وزارة الخارجية تكرار أنه، منذ صدور حكم الإعدام في حق 11 جهاديًا، أرسل السفير الفرنسي في العراق رسائل إلى السلطات العراقية حتى يتم تحويل أحكام الإعدام إلى أخرى قاضية بالسجن المؤبد.
إيمانويل ماكرون، يوم 29 شباط / فبراير سنة 2019.
على الرغم من بذل الجهد من أجل الاتفاق مع قرار ماكرون، لا يشعر البعض باليأس من العودة إلى الفكرة التي كادت تحصل على إجماع. وفي هذا السياق، نشر مراسل دفاع “لوبينيون”، جان-دومينيك ميرشيت، مقالًا يروي فيه كيف تعتبر “أوساط الاستخبارات” أن الجهاديين الفرنسيين “يمكن محاكمتهم في فرنسا”. وفي الوضعية المعاكسة، وفقًا له، “تخشى المصالح الفرنسية من أنهم في حال ظلوا في بلاد الشام، فسيختفي هؤلاء في الطبيعة”. لكن هل ما زال لدى فرنسا الوسائل الكافية للترحيب بمواطنيها المحتجزين في سوريا؟
في شهر كانون الأول / ديسمبر، قدرت الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني أن نظام الاستقبال المخصص للقصر، المشبع أساسا، قد يستوعب الفرنسيين الصغار في الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا مع بعض التعديلات التي قد تكلف مليون يورو سنويًا للدولة. في ذلك الوقت، كان هناك 73 طفلاً في المعسكرات الكردية، ومن الممكن أن يكون عددهم قد بلغ الآن، كما رأينا، أكثر من 300.
في الحقيقة، تُطرح مشكلة طاقة الاستيعاب بالنسبة للبالغين. ففي يونيو / حزيران، تضم إدارة السجون 520 معتقلاً بتهمة ارتكاب جريمة إرهابية. ولسائل أن يسأل؛ كيف يمكن إتاحة المجال لحوالي 200 رجل وامرأة إضافيين في السجون الوحيدة في إيل دو فرانس، علما وأن الإجراءات المتعلقة بالإرهاب متمركزة في باريس؟
يأسف ضابط المخابرات قائلا: “كنا نظن أننا نتعامل مع عدة موجات …”. وفي مواجهة “حدود طاقات استيعابنا”، توقعت الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني في نهاية شهر كانون الأول / ديسمبر “عمليات عودة منظمة”. وكان ذلك قبل أن تصبح معسكرات وسجون منطقة الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا مزدحمة بسبب تدفق الجهاديين وعائلاتهم.
منذ سبعة أشهر، حين كانت تتشاور فيما بينها على اقتراح “حلولًا قانونية وتشغيلية آمنة” على رئيس الجمهورية، بررت الإدارات المختلفة استباق الوضع في منطقة الإدارة الذاتية لشماليّ وشرقيّ سوريا بضرورة “عدم المخاطرة بوضع بلدنا في وضعية تجعلها تقوم بالابتزاز أو تخضعها لتبعية مفرطة لصالح الشركاء”، “من أجل تجنب الخضوع لضغط الأحداث”. في المقابل، لم يفلح ذلك.
المصدر: ميديابارت