خلال الأسابيع الماضية، برزت الصين كلاعب قوي وجديد في منطقة الشرق الأوسط. بدأت بكين في التصرف كقوة عظمى، يدلي قادتها بتصريحات في شأن سوريا، وإيران، وجنوب السودان، وخلال الأيام الماضية ظهر التنين الصيني في أكثر من تصريح يتعلق بشئون الشرق الأوسط.
فقد دعا الرئيس الصيني “شي جين بينغ” اليوم – الخميس – إلى التوصل لحل سياسي للأزمة السورية وأكد مساندة بلاده لانتقال سياسي شامل وعرض تعزيز المساعدات للاجئين السوريين.
وكانت الصين وروسيا قد استخدمتا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لعرقلة الجهود الغربية لفرض عقوبات على الرئيس السوري “بشار الأسد” بالرغم من حرص الصين على إظهار أنها لا تنحاز لأي طرف في الأزمة السورية ودعوة بكين حكومة دمشق لإجراء حوار مع المعارضة.
وقال شي خلال كلمة لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين بثها التلفزيون الحكومي على الهواء: “تحترم الصين المطالب المعقولة للشعب السوري وتساند الاعتماد المبكر لبيان جنيف والبدء في عملية سياسية شاملة من أجل التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية.”
وتعتمد الصين على واردات النفط من الشرق الأوسط، إلا أنها لا يمكن اعتبارها لاعبًا أساسيًا في سياساته حتى الآن.
أما في السودان فقد دعا مساعد وزير الخارجية الصيني “ليو جيان تشاو” اليوم إلى الحفاظ علي مسارات الحوارت في السودان لتحقيق الاستقرار والتنمية.
وبخصوص جنوب السودان، أعلن مسئولون في الأمم المتحدة أن الصين ستساهم في غضون أشهر بكتيبة مشاة لتعزيز قوة الأمم المتحدة في جنوب السودان.
بكين، بالفعل، كانت قد رفعت وبشكل حاد من مشاركتها في أنشطة حفظ السلام والجهود الدولية التابعة للأمم المتحدة، لكنها دومًا ما كانت تلعب في مساحات لوجستية بعيدة عن الخطوط الأمامية، لكن ولأول مرة أرسلت الصين قوات قتالية في مالي للمساعدة في تخفيف حدة التوتر في شمال البلاد إبان الحملة الفرنسية على الجهاديين هناك.
في الوقت الذي تُتَهَمُ فيه الحكومة الأمريكية بالانحياز إلى جانب “رياك مشار” فإن الحكومة الصينية تبذل جهدًا مضاعفًا لإثبات أنها على الحياد بين الأطراف المتصارعة في الجنوب، فعقب اندلاع الأزمة نهاية العام الماضي جاءت كل تصريحات المسئولين الصينيين تشير للحياد التام مع الدعوة لوقف الحرب والسعي نحو السلام، وقد صرح الممثل الخاص للحكومة الصينية للشئون الأفريقية في يناير الماضي أن بلاده تضع خبرتها الطويلة في حل النزاعات تحت تصرف الطرفين المتنازعين.
وفي تصريحات موجهة فيما يبدو للجبهة الداخلية في الصين اكتفت الحكومة الصينية للإشارة إلى عزمها على حماية مواطنيها من أي ضرر قد يلحق بهم جراء النزاع المستمر في جنوب السودان، كما أكدت أن الحرب في الجنوب لا تؤثر على عمل الشركات الصينية هناك بالرغم مما رشح قبل بداية زيارة رئيس الوزارء الصيني الحالية للقارة من أن العلاقات الصينية الأفريقية تواجه بعض المشاكل.
وقام رئيس الوزراء الصيني مؤخرًا بزيارة أربع دول أفريقية هي إثيوبيا وكينيا وأنغولا ونيجيريا، ومع أن الحكومة الصينية لا تشير صراحة لاستثماراتها في نفط الجنوب، إلا أن ذلك هو السبب الأبرز وراء التحركات الصينية الأخيرة.
الصين لم تتدخل مؤخرًا في الأزمة الأوكرانية، ولا يبدو أنها تود الخوض في مشاكل العالم الذي يستطيع التأثير على الصين، لكن أفريقيا وجنوب السودان لن تؤثر في بكين إلا بقدر ما يريد التنين.
الدافع إذن وراء الرغبة الصينية للتدخل ينبع من حقيقة بسيطة: الصين تشتري 80٪ من صادرات النفط في جنوب السودان، والقتال الحالي في البلد الأفريقي أثر بشكل مباشر وحاد على صادرات النفط، فقد هبط معدل التصدير اليومي من 480 ألف برميل عام 2010 إلى حوالي 160 ألف برميل يوميًا اليوم، لكن دوافع كثيرة أخرى قد تطلق يد الصين ولسانها في العالم، لا سيما في الشرق الأوسط، وقناعة بكين بكون المستقبل للصين، وهذا يفرض عليها مسئولية التدخل في شئون العالم، تمامًا كما تفعل واشنطن!