شهدت الأناضول بين عهد الدولتين السلجوقية والعثمانية، تشكُّل العديد من الإمارات في القرن الـ13، وكانت الصراعات الأساسية في الأناضول آنذاك بين قبائل الترك والمغول، خصوصًا بعد ضعف وبداية انهيار الدولة السلجوقية.
يذكر الباحث أردوغان مارتشيل في بحث بعنوان “تاريخ إمارات الأناضول”، أنه بعد وفاة سلطان السلاجقة علاء الدين كيكوبات، حدث صراع كبير بين ولديه على الحكم، وانتهى بانتصار ابنه غياث الدين كيخسرو الذي بدأت معه مرحلة تشتت الدولة، مما أدى إلى الغزو المغولي للأناضول عام 1243، وأصبحت إمارات الأناضول آنذاك إما تابعة للمغول الذين هزموا السلاجقة أو للسلاجقة أنفسهم، وبقيت بعض الإمارات مستقلة.
وفي كتابه “إمارات الأناضول” يذكر المؤرخ إسماعيل حقي تشارشيلي أن ضعف الدولة السلجوقية في القرن الـ13 والهجوم المغولي المتكرر على الأناضول آنذاك، هو الذي جعل هذه الإمارات تقطع علاقاتها بالدولة السلجوقية، وتعلن نفسها كولايات مستقلة بعد ذلك.
ذكر الباحث سالم كوجا في بحثه عن إمارات الأناضول، أن أقوى هذه الإمارات هي إمارة كارامان أوغولاري، وتأسست في وسط الأناضول بولاية كارامان، واعتمدت في تأسيسها على متصوفي الأناضول
وعن هذه الإمارات، يذكر الباحث حقي دورسون يلديز في كتابه “تاريخ وثقافة إمارات الأناضول”، أنها كانت تُقام على أساس عشائري، وهم في الأساس عشائر تركمانية، وكل إمارة كانت تحكمها عائلة من هذه العشيرة، وأُطلق على الحاكم لقب “أولو بك”، وهو إما الأكبر سنًا أو تختاره العائلة حسب مواصفات محددة، وأولو بك كان يقيم في العاصمة ويرسل أبناءه وأخوته لإدارة الولايات التابعة له.
إمارة كارامان أوغولاري
يذكر الباحث سالم كوجا في بحثه عن إمارات الأناضول، أن أقوى هذه الإمارات هي إمارة كارامان أوغولاري، وتأسست في وسط الأناضول بولاية كارامان، واعتمدت في تأسيسها على متصوفي الأناضول، ورفضت هذه الإمارة الخضوع لكل من السلاجقة والمغول. وبلغت توسعات هذه الإمارة ذروتها عام 1277 حتى إنهم ضمّوا قونية إلى إمارتهم.
وكان من ضمن القرارات المهمة التي اتخذها محمد بك، حاكم الإمارة، قرار توحيد لغة كل الذين يعيشون داخل هذه الإمارة ومنع الحديث بأي لغة غير التركية، كما يذكر إسماعيل تشارشلي في كتابه “الدولة العثمانية”، أن هذه الإمارة استمرت حتى بعد تأسيس الدولة العثمانية، وتحاشى العثمانيون مواجهتهم في المرحلة الأولى من تأسيس الدولة، ولم يبدأ الصراع بينهما إلا بعد أن صار العثمانيون أكثر قوة.
وقد حدثت المواجهة الأولى بينهما في عهد السلطان مراد الأول، واستمرت الصراعات بينهما نحو مئة عام حتى استطاع السلطان مراد الثاني ضم إمارة كارامان أوغولاري إلى الأراضي العثمانية، وقد تركت هذه الإمارة العديد من الآثار مثل جامع نيدا أولو ومدرسة دار الحديث والمدرسة الهاتونية.
لم تكن إمارة أشراف متفوقة عسكريًا مثل إمارة كارامان، لكنها كانت من أبرز الإمارات التي اهتمت بالمعمار، حيث بنوا في فترة قصيرة العديد من الآثار كالجوامع والمدارس والحمامات
إمارة أشراف أوغولاري
ووفقًا للباحث أردوغان مارتشيل في بحثه سالف الذكر، فمن بين الإمارات المهمة في الأناضول آنذاك إمارة أشراف أوغولاري التي تأسست بالقرب من قونية، وكان حاكمها سليمان بك. وكانت هذه الإمارة في صراع دائم مع المغول من ناحية، وإماراة كارامان من ناحية أخرى، واعتمدت في تأسيسها أيضًا على المولوية الصوفية.
لم تكن إمارة أشراف متفوقة عسكريًا مثل إمارة كارامان، لكنها كانت من أبرز الإمارات التي اهتمت بالمعمار، حيث بنوا في فترة قصيرة العديد من الآثار كالجوامع والمدارس والحمامات، ويعد جامع أشراف أوغلو أبرز ما تبقى من آثار هذه الإمارة، كما كانوا يهتمون بالفكر والفلسفة أيضًا، وفي مكتبة السليمانية يوجد اليوم كتاب فلسفي يعود إلى هذه الإمارة، وهو كتاب “الفصول الأشرفية” لشمس الدين محمد التوستري.
يذكر الباحث نفسه أن عدم تفوقهم عسكريًا كان سببًا في عدم استمرارية إمارة أشراف أوغولاري كثيرًا، حيث لم تستمر إلا نحو 40 عامًا فقط، وبعد غزو المغول لهم، انضم قسم منهم لإماراة كارامان وقسم آخر انضم لإمارة حميد أوغولاري.
إمارة حميد أوغولاري
وفي بحث له بعنوان “إمارة حميد أوغولاري” يذكر الباحث سعيد كوفوغلو أن إمارة حميد تأسست عام 1291 من قبل حميد بك الذي جاء هو وعشيرته من شمال سوريا إلى الدولة السلجوقية ثم استقل عنها وأنشأ إمارة باسمه بالقرب من أنطاليا التركية حاليًّا، واتسعت الإمارة بعد حميد بك في عهد دوندار بك، إلا أنه بعد صراعات طويلة مع الدولة العثمانية الحديثة، تمكن السلطان بيازيد الأول من ضمها إلى الدولة العثمانية.
وفقًا للموسوعة الإسلامية التركية، فإن من أبرز الإمارات التي تشكلت في جنوب غرب الأناضول، إمارة مانتشه أوغولاري التي تميزت في مجال البحرية
شيدت إمارة حميد أوغولاري مدرسة كبيرة كانت المركز الثقافي لذاك العصر، وقد درّست أسماء بارزة في هذه المدرسة مثل مصلح الدين مصطفى بن محمد القسطلاني الرومي الحنفي الذي كتب لخضر بك أحد أبناء حميد بك، تفسيرًا للقرآن باللغة التركية، كما درّس ابن بطوطة هناك أيضًا.
إمارة مانتشه أوغولاري
ووفقًا للموسوعة الإسلامية التركية، فإن من أبرز الإمارات التي تشكلت في جنوب غرب الأناضول، إمارة مانتشه أوغولاري التي تميزت في مجال البحرية، حيث أقاموا علاقات تجارية بحرية مع العديد من الإمبراطوريات، وحلّ مسعود بك حاكمًا للإمارة بعد والده مانتشه الذي استطاع بفضل قوة جيشه البحرى أن يضم جزيرة رودوس.
وإلى جانب تفوقهم البحري، فقد اهتموا بالأدب والعلوم، حيث ترجم أحد حكامهم وهو محمود بك، كتابًا مهمًا في علم الطيور من الفارسية إلى التركية بعنوان “باز نامه”، وانقسمت الإمارة من بعد مسعود بك، وتدخل قسم منهم في صراع الأمراء العثمانيين المعروف بـ”عصر الفترة”، وأخيرًا ضم السلطان الفاتح هذه الإمارة كاملة إلى الدولة العثمانية.
من الجدير بالذكر أن عدد هذه الإمارات وصل إلى 16 إمارة، والدولة العثمانية كانت إحدى هذه الإمارات، لكنها استطاعت تدريجيًا الانتصار على جميع إمارات الأناضول وضم أراضيها وأراضٍ أخرى إلى الدولة العثمانية
إمارة جارميان أوغولاري
وبحسب المؤرخ إسماعيل تشاريلي، فإن من بين إمارات الأناضول المهمة أيضًا، إمارة جارميان أوغولاري التي تأسست بالقرب من كوتاهية وامتدت حتى بعد أنقرة، وكان العصر الذهبي لها في عهد يعقوب بك الذي حارب الإمبراطورية البيزنطية واحتل بعضًا من أراضيها، كما حارب الدولة العثمانية أيضًا في أول نشأتها، ثم تحسنت العلاقات أخيرًا مع العثمانيين بزواج ابنة سليمان بك حاكم إمارة جارميان بالسلطان بيازيد الأول، وصارت الإمارة عثمانية بعد ذلك.
وأخيرًا، فإنه من الجدير بالذكر أن عدد هذه الإمارات وصل إلى 16 إمارة، والدولة العثمانية كانت إحدى هذه الإمارات، لكنها استطاعت تدريجيًا الانتصار على جميع إمارات الأناضول وضم أراضيها وأراضٍ أخرى إلى الدولة العثمانية التي ستستمر في الحكم لستة قرون، ويرى المؤرخ والسياسي التركي المعروف محمد فؤاد كوبرولو في كتابه “قيام الدولة العثمانية” أن العثمانيين أخذوا نظم الإدارة عن السلاجقة وعن هذه الإمارات أيضًا.