منذ دخول التكنولوجيا والأجهزة المتطورة عالم الطب، حظي المجال بفرص أكبر للتجارب والاختبار وبالتالي لاكتشاف تقنيات أكثر من أيّ وقت مضى، فقد أصبحت الاكتشافات الجديدة تتوالى سريعًا وبشكل مفاجئ أحيانًا، ويكاد لا يخلو شهر من ظهور ابتكار جديد تستفيد منه فئة من المرضى، يقلل الآلام ويمسح على الجراح، وفي حين تثبت بعض الأجهزة والنظم فعاليتها في علاج بعض الأمراض، يبدو بعضها الآخر وكأنه “صرعة طبية” تركب موجة تكنولوجيا الطب للتربح.
المعالجة بالموجات الصوتية واحدة من التقنيات التي عمل المجتمع الطبي مؤخرًا على التأكد من فاعليتها وطرحها في المستشفيات للتداوي والعلاج، فيما يثير اسمها الكثير من الأسئلة والشكوك حول ماهيتها.
بدأت القصة في مارس 2015، حين أنشأت لي-هوي تساي وهي عالمة أعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج مختبرًا صغيرًا على شكل صندوق مضاء بمصباح ستروب ومّاض يعمل لمدة ساعة واحدة يوميًا، وضعت فيه فئران عدّلت وراثيًّا لإنتاج لويحات ببتيد الأميلويد – بيتا amyloid-β في الدماغ، وهو السمة الرئيسية لمرض الزهايمر الذي يصيب الإنسان.
المفاجأة كانت حين بدأت الفئران بالحبو جيئة وذهابًا، وحين قررت عالمة الأعصاب تشاي تشريح هذه الحيوانات اكتشفت أن مستويات اللويحات لدى الفئران التي كانت تحت الضوء أقل بكثير من مستويات اللويحات لدى الفئران التي أمضت الفترة ذاتها في الظلام.
ويعني هذا، أن تأثير الضوء على دماغ هذه الفئران استطاع إزالة الأميلويد، مما تسبّب في مجموعة من التأثيرات البيولوجية التي تخلصت بدورها من البروتينات المكوّنة للويحات، وكما هو معروف، رغم صعوبة تكرار النتائج الواعدة في نماذج الفئران المستخدمة لدراسة مرض ألزهايمر لدى البشر، طرحت التجربة بعض الإمكانات المثيرة للاهتمام.
فيما عقّبت تساي بأن “النتيجة مُحيّرة للأذهان ومُحكمة تمامًا، حتى إننا استغرقنا بعض الوقت لاستيعاب الفكرة، لكننا أدركنا أننا بحاجة إلى تدبير وسيلة لتجربة الأمر ذاته على البشر”.
كيف يعمل؟
إن أفضل تعريف للعلاج بالموجات الصوتية هو أنه يتم استخدام موجات صوت فوق نطاق السمع البشري لمدة معينة وعلى منطقة معينة من الجسم، باستخدام ترددات صوتية شديدة أو مركّزة أحيانًا يشترك جميعها بمبدأ أساسي وهو “التحفيز” أو حتى الاهتزاز، إذ تتواصل الخلايا العصبية الموجهة لها النبضات الكهربائية التي يصنعها تدفق الأيونات إلى داخل وخارج كل خلية في المنطقة المراد العمل عليها، وعندما تطْلِق مجموعة من الخلايا العصبية إشاراتها مرارًا وتكرارًا بشكل متزامن، يظهر ذلك في شكل تموجات كهربائية متذبذبة تنتشر عبر الخلايا.
تُعرَف هذه الموجات ذات التردد الأعلى باسم موجات جاما، ويتراوح ترددها بين 25 و140 هرتز، ويُظهِر الناس في الغالب قدرًا كبيرًا من هذا النوع من النشاط عندما يكونون في قمة تركيزهم، أما على الطرف الآخر من هذا المقياس، فتوجد موجات دلتا ذات التردد الأدنى الذي يتراوح بين 0.5 و4 هرتز.
أي الأمراض يعالج؟
يستخدم هذا العلاج الآن على قلة من الآلام فقط التي ينحصر أغلبها في آلام العظام والركب والعمود الفقري ودون أيّ تدخل جراحي، إنما من معالجين فيزيائيين وباستخدام أجهزة معينة.
تعتبر المعالجة بالموجات فوق الصوتية آمنة إن أجريت بالطريقة الصحيحة المتمثلة بأخذ العقاقير اللازمة قبل إجراء الجلسة وقيام الاختصاصي المناسب فيها، إذ يجب على المعالج أن يكون مدركًا لكل جوانب الجلسة ومركزًا في عدة نقاط أهمها المحافظة على رأس محول الطاقة في جميع الأوقات، إذ إنه في حال ترك رأس محول الطاقة مثبتًا في مكان واحد لفترة طويلة جدًا، فمن المحتمل أن يقوم بحرق الأنسجة الموجودة تحته، بغض النظر إن شعر المريض بالألم أم لا.
كما أن هناك مناطق معينة وحساسة في الجسم لا ينبغي استخدام الموجات عليها مثل منطقة ما فوق البطن، أو مناطق الحوض أو أسفل الظهر عند النساء بالأخص خلال فترة الحيض أو حتى في أثناء فترة الحمل، أو مثلًا على مناطق تتشافى من كسور أو حروقات جلدية، أو بالقرب من المناطق التي تحتوي على أورام خبيثة، أو مناطق تعاني من ضعف حسيّ أو تدفق الدم، بالإضافة إلى ذلك، فلا ينبغي استخدامه على الأشخاص الذين لديهم أجهزة ضبط النبضات الإلكترونية المثبتة على القلب.
وتشير بعض الدراسات إلى أن العلاج بالموجات الصوتية يمكنه التحكم بشكل فعال في أنواع معينة من الألم، وحتى الآلام المزمنة أحيانًا، بينما يقول آخرون إن هناك آلامًا يستجيب لها وأخرى لا، وهذا بالضبط ما يجعل الكثير من الأطباء حتى الآن غير متأكدين تمامًا من فاعليته نظرًا لكونه يعطي أحيانًا نتائج رائعة وأحيانًا أخرى لا.
إذ يقول إنسل، وهو عالِم أعصاب وطبيب نفسي تولَّى رئاسة المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية في بيثيسدا بولاية ميريلاند من عام 2002 حتى 2015: “توجد أدلة وجيهة جدًّا على أنه من خلال تغيير نشاط الدوائر العصبية يمكننا إحداث تحسُّن ملحوظ في كل من: مرض باركنسون والألم المزمن واضطراب الوسواس القهري والاكتئاب، إلا أن هذا العلاج ما زال يعيبه حتى الآن غياب الدقة الكافية لممارسته بشكل مباشر”.
لسوء الحظ – وعلى الرغم من وجود بعض الاستثناءات المثيرة للاهتمام والآمال المحيرة لبعض الحالات – فإن هناك نقصًا حادًا وغريبًا في أبحاث الجودة لمثل هذا العلاج مما يجعل الأطباء مصممين على البحث وإجراء تجارب أكثر لمعرفة كل جوانب تأثيره بشكل كامل، أمثال الطبيبة تساي التي تعتبر كشف هذه التقنية مسألة شخصية، إذ تقول إن رغبتها في البحث أكثر بسبب جدتها المصابة بالزهايمر للتمكن من مداواتها.