انقلاب الهند الدستوري يزرع بذور تمردّ جديد في كشمير

cd5bf31a77fae56a795663747ac45466

ترجمة وتحرير: نون بوست

يغرق المجتمع الكشميري المسلم، الذي يمثل ثقافة فريدة كانت حقوقها محميّة لنحو 70 سنة بموجب أحكام خاصة في الدستور الهندي، في الحزن واليأس والغضب. فبموجب المراسيم التي صدرت في الخامس والسادس من آب/ أغسطس، التي أشار الصحفي الهندي البارز سيدهارث فاراداراجان إلى أنها ترقى إلى انقلاب دستوري، ذهبت هذه الحماية أدراج الرياح على يد الحكومة القومية الهندية التي يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، المعروف بفشله في منع أو وقف المذبحة البشعة ضد المسلمين في كجرات في سنة 2002 عندما ترأس حكومة الولاية هناك.

لقد انتهى الحكم الذاتي السياسي والمحدود الذي كان يحمي الحياة التقليدية في وادي كشمير ما يفتح الطريق أمام الهندوس الأكثر تحفظا ليحققوا هدفهم المتمثل في إعادة تشكيل التركيبة السكانية للولاية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند مع تدفق للهندوس.

اليوم، وتحت الحكم المباشر للحكومة المركزية باعتبارها “إقليما اتحاديا” مدعوما من قبل مئات الآلاف من القوات الهندية العسكرية وشبه العسكرية، قد تواجه كشمير عنفا أشدّ، وفقا لما أفاد به الخبراء. وحسب تصريحات الهند نفسها، مات عشرات الآلاف من الكشميريين منذ أن بدأت موجات التمرّد في أواخر الثمانينيات التي شجعتها أو مولّتها مباشرة باكستان على الرغم من أنها لم تُثر التمرّد بصرف النظر عن المزاعم الهندية. من جهة أخرى، يقول نشطاء حقوق الإنسان الكشميريين إن الآلاف من الكشميريين الآخرين “اختفوا” في قبضة الجيش أو الشرطة الهندية.

كان الانتقاد الدولي الكبير للهجوم الهندي على الديمقراطية ضئيلا حتى الآن

في الحقيقة، خسرت الهند منذ وقت طويل ولاء الشباب المحبطين في كشمير، كما أن هناك جيلا جديدا منهم يتظاهرون الآن مجددا مُعرّضين أنفسهم للخطر في شوارع سريناغار، عاصمة كشمير ومركزها الديني والثقافي. وقد دخلت المأساة كل حي ولمست معظم العائلات. في هذا الصدد، كتبت أستاذة الحقوق والوضع في جنوب آسيا في جامعة تكساس، بولا نيوبورغ، في كتابها تحت عنوان “خيانة مزدوجة: القمع والتمرد في كشمير”، أن “كشمير في الحرب بمثابة مطهر خاص”.

كان الانتقاد الدولي الكبير للهجوم الهندي على الديمقراطية ضئيلا حتى الآن، ومن جانبه، تعهّد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان -نجم الكريكيت المشهور عالميا الذي وصل إلى السلطة قبل سنة بفضل حزب جديد أنشأه- بالعمل مع الهند على الرغم من طرده للمفوض السامي الهندي وقطع العلاقات التجارية مع الهند في أعقاب المراسيم الصادرة عن دلهي في آب/ أغسطس.

في السياق ذاته، اتسمت تصريحات الدبلوماسيين الباكستانيين بالاعتدال مع تركيزهم على كيفية إحالة مسألة التغييرات الدستورية المفاجئة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تنتهك قرار مجلس الأمن (38) لسنة 1948 الذي لا يزال على جدول أعمال الأمم المتحدة وينص على أن أي تغييرات على أرض الواقع لا يمكن أن يتم من جانب واحد دون استشارة المجلس. ويوم السبت، قالت إسلام أباد إنها كسبت دعم الصين لتقدّم اقتراحا إلى مجلس الأمن، لكن باكستان لم تتلق في المقابل دعما كبيرا من الدول الكبرى الأخرى، مما يشير إلى أن احتمالات نجاح مساعيها ضئيلة.

انتشرت جمعيات “حماية الأبقار” بعد انتخاب مودي لأول مرة سنة 2014 ظاهريًا لحماية الحيوانات المقدسة، ولكنها في الواقع كانت تستهدف وتقتل المسلمين الذين ينقلون الماشية أو يتاجرون بها.

كانت الأحكام التي أُلغيت في الدستور الهندي، وهي المادة 370 المتعلقة بالوظائف السياسية والمادة 35 بشأن حظر نقل الممتلكات إلى غير الكشميريين مهمة لجواهارلال نهرو، أول رئيس وزراء مستقل للهند، وكان سلفه كشميري بانديتس، وهو من الطبقة العليا الهندوسية التي تعرف بالبراهمة. كان نهرو، وهو شخصية مشهورة معترف بها عالميًا، قائدًا علمانيًا مهتمًا بالتنمية الحديثة ومن بين الذين تجنبوا المتطرفين الهندوس، الذين اغتال أحدهم مهاتما غاندي سنة 1948.

يبشر مودي ومؤيدوه في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي بالهندوتفا، وهو مفهوم المجتمع والأمة الذي بناه الهندوس ومن أجله يعارضون كل ما يرمز إليه نهرو. وقد أدى ذلك، على سبيل المثال، إلى تأويل أو إعادة تشكيل التاريخ ورفض العلم الغربي المعاصر وإغلاق النقاش الفكري عمومًا.

انتشرت جمعيات “حماية الأبقار” بعد انتخاب مودي لأول مرة سنة 2014 ظاهريًا لحماية الحيوانات المقدسة، ولكنها في الواقع كانت تستهدف وتقتل المسلمين الذين ينقلون الماشية أو يتاجرون بها. والجدير بالذكر أن مودي لم يفعل أي شيء يذكر لوقف هذه الممارسات، مع العلم أنه أدان المتطرفين في النهاية.

إن العديد من الهنود، سواء من الغالبية الهندوسية أو من الأقليات الدينية، غاضبون بشأن ما فعله حزب بهاراتيا جاناتا في عهد مودي ووزير الشؤون الداخلية المتشدد أميت شاه. يجري وضع الالتماسات المقدمة إلى المحكمة العليا في الهند في إطارها، بينما تحتج منظمات حقوق الإنسان إلى جانب قادة وسائل الإعلام الذين لم يرضخوا للتهديدات.

في الحقيقة، يتم مناقشة القضايا المؤسسية والعسكرية الحالية في كشمير، والأمر سيان بالنسبة للتقارير واسعة الانتشار عن التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات شبه العسكرية لدعم احتلال دلهي

في هذا الصدد، كتب المحرر السابق للصحيفة اليومية “الهندوسية” فاراداراجان لموقع “ذا واير”، وهو منفذ إخباري شارك في تأسيسه: “ما كشف عنه أميت شاه وناريندرا مودي يوم الإثنين ليس مجرد اعتداء على المكانة الفريدة التي تتمتع بها جامو وكشمير في الهند، بل على الهيكل الفيدرالي ذاته للدستور الهندي”.

في الحقيقة، يتم مناقشة القضايا المؤسسية والعسكرية الحالية في كشمير، والأمر سيان بالنسبة للتقارير واسعة الانتشار عن التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات شبه العسكرية لدعم احتلال دلهي. في المقابل، هناك مجالات أخرى يجب مراعاتها، ربما أقل وضوحًا ولا يتم التحدث عنها دائمًا بشكل علني.

في الواقع، يفرض الاحتلال العسكري الهندي رسومًا نفسية ومادية كبيرة. وتزيد عمليات الإغلاق وحظر التجول التي لم يتم كسرها من صعوبة الحصول على الطعام، لذلك يعاني الناس من الجوع. علاوة على ذلك، إن المتاجر مغلقة وخسر الناس وظائفهم وتم قطع جميع الاتصالات بشكل دوري وهذه المرة لأكثر من أسبوع، كما أن الطرق محاصرة.

إن الإهانات والانتهاكات من قبل الجنود الهنود ليست حديثة العهد. لقد واجه الصحفيون الذين تمكنوا من الذهاب إلى كشمير عندما اندلع التمرد سنة 1989 الجنود والشرطة الاحتياطية المركزية المكروهة، وهم يتسللون حول المتاجر وعلى طول شوارع سريناغار بالبنادق الموجهة إلى الصناديق أو المارة.

لم يتشاور أحد مع الكشميريين، وهذا هو السبب الذي يشكل جذور الغضب، خاصة بين المسلمين الكشميريين الذين كانوا يتوقعون أن يصبحوا جزءًا من باكستان

أطلع الأطباء في أكبر مستشفى في سريناغار المراسلين على تقارير المرضى التي تثبت قيام قوات الأمن بحرق ظهور الناس بمكواة الثياب. لقد كان من الصعب دائمًا العثور على شخص يريد أن يُطلق عليه لقب “هندي” بين المسلمين الكشميريين. فالهند بلد أجنبي هناك، وعدو عدواني.

تجادل حفصة كانجوال، أستاذة مساعدة في تاريخ جنوب آسيا ومتخصصة في شؤون كشمير في كلية لافاييت في ولاية بنسلفانيا، ضد إضفاء الطابع الرومانسي على تاريخ الحياة الكشميرية في القرون التي سبقت إصدار حكم مهراجا الهندوسي على منطقة “الدولة الأميرية” ذات الأغلبية المسلمة، التي ألزمت جامو وكشمير بالهند بعد الاستقلال سنة 1947.

قام المهراجا بهذه الخطوة من أجل طلب الحماية من الغزاة مما سيصبح الجانب الباكستاني من “خط السيطرة”، الذي كان بمثابة حدود غير رسمية بين باكستان والهند منذ تقسيم البريطانيين مستعمرتهم إلى دولتين، واحدة من أجل الهندوس والأخرى للمسلمين، ولكن المحادثات حول الحدود تعثرت.

في الواقع، لم يتشاور أحد مع الكشميريين، وهذا هو السبب الذي يشكل جذور الغضب، خاصة بين المسلمين الكشميريين الذين كانوا يتوقعون أن يصبحوا جزءًا من باكستان. ادعت كل من الهند وباكستان أحقيتها بكشمير، وبعد الاستقلال وُعد الكشميريون بإجراء استفتاء على مستقبلهم -حول ما إذا كان الاتحاد سيكون مع الهند أو باكستان- لكنه لم يعقد أبدًا.

قالت كانجوال في مقابلة لها إنه خلال حكم المهراجا دوجرا (راجبوت)، كان المسلمون الكشميريون فلاحين ريفيين إلى حد كبير. لقد تلقوا القليل من التعليم أو لم يحصلوا على أي تعليم مقارنةً بالبانديت، الذين كانوا أشخاصًا متعلمين جيدًا ويشغلون وظائف مرموقة.

بحلول أواخر الثمانينيات، ومع جرائم القتل التي ارتكبها البانديت حوّل القوميون الهندوس تلك التوترات إلى حملة خوف تسببت في النهاية في هروب البانديت من وادي كشمير.

بعد استقلال الهند، تحسن تعليم المسلمين وتنامت طموحاتهم. وحسب كانجوال “بدأ البانديت يشعرون بالتهميش عندما رأوا حركة من أجل حرية كشميرية تتطور”. وبينما استمرت علاقات الجوار مع المسلمين، الذين غالبًا ما يتقاسمون الممارسات الثقافية مع الهندوس، ظل التوتر قائما بسبب اختلاف مستويات التهميش”.

بحلول أواخر الثمانينيات، ومع جرائم القتل التي ارتكبها البانديت حوّل القوميون الهندوس تلك التوترات إلى حملة خوف تسببت في النهاية في هروب البانديت من وادي كشمير. وحيال هذا الشأن، أوردت كانجوال: “أعتقد أن هذه القصة مشوهة بالكامل من قبل اليمين الهندوسي. لقد كانت صدمتهم كبيرة لتتناسب مع سرد القوميين الهندوس. ولكن لم تحدث إبادة جماعية. ربما قُتل ما بين 200 إلى 300 شخص من البانديت [تقول بعض منظمات البانديت إن الرقم أعلى من ذلك]. ولكن عند مقارنة هذا العدد بعشرات الآلاف من المسلمين الذين قُتلوا، فإنه من العبث تمامًا التفكير في أشياء مثل التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية”.

المصدر: ذا نايشن