مع إغلاق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس باب قبول الترشحات للاستحقاق الرئاسي المبكر والمقرر في 15 من سبتمبر القادم، قارب عدد الطامحين لدخول قصر قرطاج الـ100 مرشح، منقسمين بين شخصيات سياسية معروفة لدى عامة الناس وأخرى أثارت جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانها خوض غمار المنافسة.
وأعلنت المكلفة بالإعلام في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أسماء بن مسعود، أنه تم في اليوم الأخير تسجيل 42 ملف ترشح للانتخابات الرئاسية، ليرتفع بذلك إجمالي عدد الأشخاص الذين أودعوا ملفاتهم من 2 من أغسطس/آب حتى اليوم الجمعة 9 من أغسطس/آب 2019 إلى 97.
وحددت الحملة الانتخابية من 2 إلى 13 من سبتمبر/أيلول، وبعد يوم الصمت الانتخابي، يدلي الناخبون بأصواتهم في 15 من سبتمبر/أيلول، وستعلن النتائج الأولية للانتخابات في17 أيلول/سبتمبر بحسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه للصحافيين رئيس الهيئة العليا للانتخابات، نبيل بفون، فيما لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية التي يفترض أن تجري، إذا تطلب الأمر، قبل الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني.
مرشحون “عامة”
من أبرز الشخصيات التي أثارت جدلًا في أوساط التونسيين كان المرشح المستقل علية حمدي الذي قال في أول مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إنّه كان وراء فوز الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولند والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمنصب الرئاسة بصفته مختصًا في الحكم، مضيفًا أنّه سيُنقي تونس من الفساد بل العالم بأسره وسيخلصهم من ظلم الحكام.
غياب الجدية عند بعض المرشحين المتقدمين الذين خلت ملفاتهم من أبسط الشروط، دفع إلى التساؤل عن دور هيئة الانتخابات وغياب القوانين المنظمة للاستحقاق الرئاسي
وبدوره، شكّل ترشح الناشط في الدفاع عن حقوق المثليين والمحامي منير بعتور، لمنصب رئيس الجمهورية التونسية مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اعتبرها حزبه الليبرالي “سابقة سيسجّلها التاريخ بالتأكيد: مرشّح مثلي يتقدّم للانتخابات الرئاسية التونسية“.
ويطالب بعتور رئيس جمعية “شمس”، منذ سنوات بإلغاء الفصل 230 من القانون الجزائي التونسي الذي يعتبر الاختلاف الجنسي جريمة يعاقب عليها بالسجن ثلاث سنوات.
وفي تصريح لراديو محلي، وعد بعتور في حال وصوله إلى قصر قرطاج بإجراء استفتاء على الدستور وإعلان الجمهورية الثالثة، وتغيير العملة التونسية والترفيع في منحة الطلبة ومنحة العائلات المعوزة إلى 300 دينار شهريًا، مشدّدًا على إلغاء تجريم المثلية.
غياب الجدية عند بعض المرشحين المتقدمين الذين خلت ملفاتهم من أبسط الشروط، دفع إلى التساؤل عن دور هيئة الانتخابات وغياب القوانين المنظمة للاستحقاق الرئاسي، القوانين المنظمة للاستحقاق الرئاسي، فيما أكّد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (دستوريّة مستقلة)، نبيل بوفون، في تصريح إعلامي أنّ قائمة المقبولين تضمنت 26 مترشحًا يتوزعون إلى 24 مترشحًا من الرجال ومترشحتين اثنتين من النساء، ورفض ملفات 71 مترشحًا من بينهم 57 لغياب التزكيات ووصل الضمان المالي ويقدر بـ10 آلاف دينار، و14 ملفًا لعدم توفّر التزكيات.
ومن ضمن قواعد الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية أن “تتم تزكية المترشح من 10 نواب من مجلس نواب الشعب (البرلمان)، أو من 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو من 10 آلاف من الناخبين الموزعين على الأقل على 10 دوائر انتخابية على أن لا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة”.
أكد الصحافي التونسي زياد الهاني في تدوينة على فيسبوك معلقًا على “سيل” الترشحات، أنه “على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن توقف فورًا هذه المهزلة، وتلتزم بالقانون بحيث لا تتسلم وتسجل إلا الملفات الكاملة، لأنها بسياستها هذه تقوم بترذيل العملية الانتخابية و”تشليك” (الحط من) مقام رئاسة الجمهورية”
وفي هذا الإطار، دعا القيادي السابق في نداء تونس برهان بسيس إلى وقف ما سماها “المهزلة” من خلال مواصلة هيئة الانتخابات استقبال “جحافل من المضطربين وعابري السبيل”، واصفًا رغبتهم في التقدم بملف الترشح بـ”الفلكلورية” والمسيئة لصورة الدولة.
بدوره، أكّد الصحافي التونسي زياد الهاني في تدوينة على فيسبوك معلقًا على “سيل” الترشحات، أنه “على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن توقف فورًا هذه المهزلة، وتلتزم بالقانون بحيث لا تتسلم وتسجل إلا الملفات الكاملة، لأنها بسياستها هذه تقوم بترذيل العملية الانتخابية و”تشليك” (الحط من) مقام رئاسة الجمهورية”، متسائلًا “فلمصلحة من تتم إدارة عملية تقديم الترشحات بهذه الطريقة “المريبة”!؟
في مقابل ذلك، رأى آخرون أن الديمقراطية يجب أن تقبل بمحاسنها وبمساوئها في ظل ما يمنحه الدستور من تكافؤ الفرص للتقدم لهذا الاستحقاق الرئاسي، ولا يهم إنّ كان رئيس تونس المستقبلي من عامة الناس أو ممن يقتاتون يومهم من صنع أيديهم، وأرجعوا ذلك إلى أن تقدم أشخاص عاديين إلى منصب رئاسة الجمهورية هو إحدى “بركات” ثورة يناير 2011.
وترشح أيضًا للانتخابات الرئاسية المبكرة التي تستعد لها تونس، كل من الرئيس السابق منصف المرزوقي، وثلاثة رؤساء حكومات هم رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، ورئيسا الحكومة السابقان مهدي جمعة وحمادي الجبالي، ونائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، بالإضافة إلى رئيس المجلس التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة سلمى اللومي، إضافة إلى رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي، ورئيسة “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي، ومحمد عبّو عن “التيار الديمقراطي”، وحمة الهمامي ومنجي الرحوي عن التيار اليساري، ومحسن مرزوق عن حزب “مشروع تونس”، وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد.
النظام القديم “السيستام”
وفي ذات السياق قالت الصحافية التونسية أسماء البكوش في تصريح لـ”نون بوست”، إنّ السباق نحو قصر قرطاج محمومًا أولًا من حيث عدد الترشحات المقدمة التي قاربت الـ100، وثانيًا من حيث الأسماء التي قدمت ملفاتها، وإن كان كثير منها غير جدي وسترفض طلباتهم لعدم توافر الشروط وفي مقدمتها عدد التزكيات، إلاّ أن المرشحين الجديين عددهم أيضًا مهم باختلاف مشاربهم الإيديولوجية، وهو ما يجعلنا عاجزين إلى حد ما عن التكهن بنتيجة الانتخابات”.
وزير الدفاع الذي أعلن ترشحه لرئاسة تونس لقى دعمًا من نجل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحزب آفاق تونس، فيما لم يُعلن الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الآن ما إذا كان سيدعم الزبيدي أو مرشحًا آخر
وأضافت البكوش “لكن ما بدا واضحًا جدًا هذه المرة هو دور ما يسمى بالـ”سيستام” في خلق رئيس على المقاس وتقديمه كخليفة للباجي قايد السبسي الذي يعد امتدادًا لـ(المنظومة القديمة)، وهذه المرة اختير وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي لعدة أسباب منها: الغضب الشعبي من الطبقة السياسية جعلهم يختارون رجلًا لا خلفية سياسية له تذكر، إضافة إلى تقلده منصب وزارة الدفاع وهي مؤسسة يجمع كل التونسيين على احترامها، والأهم انتماءه إلى جهة الساحل”.
وعن حظوظ وزير الدفاع في الوصول إلى قرطاج، أكّدت الصحافية التونسية، أن “النظام القديم وآلته الانتخابية لن تفلح في هذه الانتخابات من جعل الزبيدي رقمًا صعبًا، بسبب أنّ الأخير عجز في أول ظهور إعلامي على إقناع طيف كبير من التونسيين من خلال خطاب غير مقنع، فكانت بذلك أولى سقطاته”.
وأوضحت البكوش أنّ المتنفذين والماسكين بخيوط اللعبة السياسية في تونس من الموالين لنظام بن علي، ورغم استبسالهم في الدفع بشخصية تابعة لمنظومتهم “الفاسدة”، إلا أن موت الرئيس السابق الباجي قائد السبسي وتعجيل الانتخابات الرئاسية أربك حساباتهم، ناهيك عن تفتت العائلة اليسارية وصراع القيادات من نداء تونس وتحيا تونس وقلب تونس، وغيرها من الأحزاب التي تنسب نفسها للسبسي، على الزعامة سينقص من حظوظهم ويشتت أصوات الناخبين”.
ووزير الدفاع الذي أعلن ترشحه لرئاسة تونس لقى دعمًا من نجل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحزب آفاق تونس، فيما لم يُعلن الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الآن ما إذا كان سيدعم الزبيدي أو مرشحًا آخر.
يعد عبد الفتاح مورو من الشخصيات التي تحظى بقبول من نسبة مهمة من التونسيين، لاعتبارات عديدة أهمها: قدرته على إدارة الحوار والتواصل حتى مع منافسيه، إضافة إلى أن البعض يعتبره صورة تقريبية لما كان عليه الشيوخ الزيتونيين (جامع الزيتونة) ولما يحملونه من فكر وسطي غير مغال أو متشدد
من جانبه، قال الباحث في اللسانيات والناشط على شبكة فيسبوك، نورالدين غيلوفي، أنّ بعض الأطراف التي خذلتها اللحظة عملت على الاستعانة بالسيستام في ضبط أولوية الصراع حين جيء بالمنظومة القديمة لتحقيق النصر على قوى ثورة 2011، مضيفًا أنّ الموالين للنظام القديم عادوا في انتخابات 2014، ولكن الآن يفتقرون إلى أدوات السطوة أي أنّ ظهورهم على ساحة هيكل بلا روح، لذلك فإنّ “السيستام” يعمل على تعطيل الحركة وقطع الطريق أمام القوى الثورية وإنجازاتها، من أجل أن يكون الحصاد اللاحق في مصلحته.
وشدد الغيلوفي على أن المنظومة القديمة في تونس لن تعود كما كانت في السابق حتى إن وصل بعض رموزها إلى السلطة ممثلة في مقام الرئاسة، قائلًا: “الحرية نقيض للسيستام.. وما دامت الحرية فإن السيستام ينازع للعودة ولكنه في نزعه الأخير.. رهانه على أثر يأتي به المشهد الإقليمي والتدخل الدولي في شأننا الوطني”.
مورو والخزان الانتخابي
وفي سياقٍ ذي صلة، قال رئيس حزب البناء الوطني رياض الشعيبي في تصريح لـ”نون بوست”، “أعتقد أن الانتخابات الرئاسية 2019 مختلفة عن سابقتها في 2014، ليس فقط بسبب ظهور مترشحين جدد ولكن لتغيير قوي على مستوى الوضع السياسي والتوازنات السياسية”.
وأضاف الشعيبي “كل الأحزاب في تونس فقدت من شعبيتها ولذلك ستتأثر نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، هذا فضلًا عن انقسامات عديدة شهدتها بعض الأحزاب وخاصة نداء تونس”، متابعًا “كل ذلك سيكون له تأثير مباشر على نتائج الانتخابات، وأعتقد أن مرشح حركة النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو سيكون من أهم المنافسين في هذه الانتخابات، وأن وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ونبيل القروي محكومون بخوض معركة الإخوة الأعداء، وذلك بحكم ارتباطهم بنفس الخزان الانتخابي، ولن يمر إلى الدور الثاني إلا واحد منهم”.
لا يُمكن التكهن بنتائج الانتخابات التونسية فأغلب الشخصيات (الجدية) المتنافسة على كرسي قرطاج لها تقريبًا نفس الحظوظ
ويعد عبد الفتاح مورو من الشخصيات التي تحظى بقبول من نسبة مهمة من التونسيين، لاعتبارات عديدة أهمها: قدرته على إدارة الحوار والتواصل حتى مع منافسيه، إضافة إلى أن البعض يعتبره صورة تقريبية لما كان عليه الشيوخ الزيتونيين (جامع الزيتونة) ولما يحملونه من فكر وسطي غير مغال أو متشدد، والأهم من ذلك عند طيف كبير هو انتماؤه المناطقي للحاضرة والعاصمة أو ما يُسمى بـ(البلدية)، وصعود الشيخ مورو بحسب المراقبين سيكون بدفع من هذه الفئة التي تريد الوقوف أمام (السواحلية).
إلى ذلك، لا يُمكن التكهن بنتائج الانتخابات التونسية فأغلب الشخصيات (الجدية) المتنافسة على كرسي قرطاج لها تقريبًا نفس الحظوظ، رغم أنّهم ينتمون لمدارس سياسية مختلفة ومتناقضة، فمنهم من يعمل جاهدًا لإعادة عجلة الزمن لما قبل الثورة ساعيًا لإعادة الاعتبار للماضي (البورقيبية والتجمع) أو “الثورة المضادة”، ومنهم من يحملون شعلة 14 يناير، وبينهم من يأخذ من هذا وذاك.