كشف البنك الدولي النقاب عن ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 106.2 مليار دولار بنهاية مارس الماضي مقارنة بـ 96.6 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2018 بزيادة قدرها 9.6 مليار دولار خلال 3 أشهر فقط بمعدل 3.2 مليار دولار شهريًا.
أرقام رغم أنها ليست بالمستغربة في ظل تصاعد منحنى حجم الدين الخارجي خلال السنوات الخمس الأخيرة على وجه التحديد إلا أنها تعكس تناقضًا كبيرًا مع ما تعلنه الجهات الرسمية المصرية بشأن حجم الإنجازات التي تحققت على المسار الاقتصادي والتي تعكسها الأرقام الصادرة عن الكيانات الدولية.
يذكر ان مصر تلقت خلال العام الأخير قيمة الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي والمقدرة بـ ملياري دولار من إجمالي 12 مليار إجمالي القرض، هذا بجانب حصيلة طرح السندات المصرية المقومة باليورو في الخارج، وقيمتها تعادل 4 مليارات دولار.
بتلك الزيادة يرتفع الدين الخارجي للدولة المصرية بنسبة 150% خلال السنوات الخمس التي تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور
20 بالمائة خلال عام
قفز الدين الخارجي على الحكومة المصرية إلى 53.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي مقابل 48.07 مليار دولار في نهاية 2018، وعلى البنوك المحلية إلى 10.09 مليار دولار مقابل 7.69 مليار دولار، وعلى القطاعات الأخرى إلى 13.7 مليار دولار مقابل 12.5 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي.
كما ارتفع خلال الـ12 شهرًا المنتهية في مارس 2019 بما يعادل 20.4% من إجماليه العام، حيث زاد نحو 18.1 مليار دولار عن مستوياته في مارس 2018 حينما سجل 88.2 مليار دولار، فيما ارتفعت بشكل طفيف الديون على البنك المركزي بالعملة الأجنبية إلى 28.5 مليار دولار مقابل 28.3 مليار دولار.
أما الديون طويلة ومتوسطة الأجل فقد تراجعت حصتها من إجمالي الديون إلى 88.3% بعدما سجلت نحو 93.8 مليار دولار، مقابل 89.2% في ديسمبر الماضي بقيمة 86.3 مليار دولار، في الوقت الذي ارتفع فيه الدين الخارجي قصير الأجل إلى 12.4 مليار دولار مقابل 10.34 مليار دولار في ديسمبر 2018.
فيما سجلت الديون الحكومية الخارجية 102.6 مليار دولار، والديون الخاصة المضمونة من جهات حكومية سجلت 229 مليون دولار، وذلك وفقا لتأكيدات المنظمة الدولية التي يرجح خبراء أن سقف توقعها لزيادة معدلات الدين خلال السنوات القادمة لن يقف عند هذا الحد.
البنك الدولي يكشف ارتفاع معدل الدين الخارجي لمصر لمعدلات غير مسبوقة
150 بالمائة خلال 5 سنوات
بتلك الزيادة يرتفع الدين الخارجي للدولة المصرية بنسبة 150% خلال السنوات الخمس التي تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور، وهو ما كشفه مستشار الشؤون السياسية السابق في الأمم المتحدة، إبراهيم نوار، تعليقا على ما اعلنه البنك المركزي المصري مؤخراً، من أن الدين الخارجي بلغ 96.6 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2018.
نوار وعبر تغريدة له على تويتر شكك في الأرقام المعلنة من قبل البنك المركزي المصري، لافتًا إلى أن الدين الخارجي لمصر بلغ نحو 104.9 مليارات دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي، مضافاً إليه قيمة القروض التي حصلت عليها القاهرة لتمويل مشروعات محددة من بنوك التنمية، والمؤسسات الدولية، ومن أهمها اتفاقية قرض تمويل مشروع القطار الكهربائي للعاصمة الإدارية مع بنك التصدير والاستيراد الصيني بقيمة 1.2 مليار دولار، وقرض تمويل مشروع تطوير التعليم مع البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار.
فوائد الديون والأقساط المستحقة تلتهم أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الحاليّ، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الموازنات المصرية
وأوضح أن بلاده استدانت خلال الربع الأول من العام الجاري ملياري دولار، قيمة الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، و4 مليارات أخرى حصيلة بيع السندات الدولية بالدولار، بالإضافة إلى ملياري يورو (2.250 مليار دولار) حصيلة بيع السندات الدولية باليورو، ما يرفع الدين الخارجي بنحو 8.250 مليارات دولار.
واستطرد: “قيمة الزيادة في الدين الخارجي، منذ سبتمبر/ أيلول 2018 حتى مارس/ آذار 2019، وصلت إلى 11.75 مليار دولار، بنسبة زيادة تبلغ 12.6 في المائة (أي بمعدل نمو سنوي يبلغ 25% تقريباً)، وهو ما يزيد عن أربعة أمثال معدل النمو السنوي للناتج المحلي”، مطالباً حكومة بلاده بالتوقف عن التوسع في الاقتراض الخارجي، ووضع سقف لزيادة الاقتراض الخارجي، لا يتجاوز نصف معدل نمو الناتج المحلي.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بأن “ارتفاع عبء الديون يُقيد حرية صانع السياسة المالية أو الاقتصادية، كما يضيق المساحة المتاحة للخيارات من أجل التنمية، بل ويضع اعتبارات التنمية في المحل الأخير، ويحرمها من الموارد الضرورية. وهو ما يصرخ منه مسؤولون مثل وزيري التربية والتعليم والصحة”.
وزير المالية المصري، محمد معيط
تبعات سياسة الاقتراض
لم يدر بخلد حتى المتشائمين لتبعات ثورة يناير، أن تفتح دولتهم التي خرجت على نظام مبارك الذي اغرقها في مستنقعات الديون، أذرعها كاملة لوحش الاقتراض مجددًا ينهش فيها كيفما شاء، لتعود ليس إلى ذات السياسات الاقتصادية التي ثبت فشلها فحسب بل إلى ما هو أشد قبحًا.
الكثير من المراقبين وصفوا سياسات النظام الحالي بحقبة الخديوي إسماعيل (18 من يناير 1863 – 26 من يونيو 1879)، التي أوقعت المصريين في براثن الفقر والدين والمرابين وارتهان الدولة المصرية، وهي التي تركها محمد علي دولة ذات اقتصاد قوي للغاية.
يرى الباحث الاقتصادي برندان ميجان، في تقرير نشره مركز كارنيغي للأبحاث، مؤخرًا، تحت عنون “التحديات أمام الاقتصاد المصري”، أن واحدة من أخطر العقبات التي تواجه هذا الاقتصاد تتمثل في التراكم السريع للديون، لا سيما الديون بالعملات الأجنبية
فوائد وأقساط الديون تناهز نحو 800 مليار جنيه (45.2 مليار دولار) في موازنة العام المالي 2018-2019، بواقع 541 مليار جنيه فوائد، و246 مليار جنيه أقساط مستحقة السداد
هذا التحذير تعزز بصورة اكبر مع ما كشفته بيانات وزارة المالية المصرية أن فوائد الديون والأقساط المستحقة تلتهم أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الحاليّ، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الموازنات المصرية، بعد أن تسببت عمليات الاقتراض الواسعة خلال السنوات الأربعة الماضية في الوصول بالدين العام إلى ما يقرب من 3 أضعاف ما قبل تلك السنوات.
وزير المالية، محمد معيط، في تصريح صادم له قبل فترة أشار إلى أن فوائد وأقساط الديون تناهز نحو 800 مليار جنيه (45.2 مليار دولار) في موازنة العام المالي 2018-2019، بواقع 541 مليار جنيه فوائد، و246 مليار جنيه أقساط مستحقة السداد، لافتا حينها أنه إذا استمر الدين الخارجي بنفس متوسط معدل الزيادة السنوية الأخيرة، فإنه في خلال ثلاث سنوات أو أقل سيتجاوز الدين الخارجي 100 مليار دولار، وهو ما تحقق بالفعل، ليس بعد ثلاث سنوات لكن بعد أقل من عام واحد فقط.
وقد انعكست تلك السياسات المتبعة على الأحوال المعيشية للمواطن العادي، فبينما كانت تؤمل الحكومة نفسها بتراجع معدلات الفقر بين المصريين في ظل ما يثار بشأن زيادة معدلات النمو الاقتصادي، جاءت الإحصائيات الصادرة عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء (رسمي) صادمة.
الإحصائيات كشفت عن وصول عدد الفقراء بيوليو من العام الحالى نحو 32 مليون و175 ألف فقير، من خلال نسبة الفقر البالغة 32.5 % من مجموع سكان 99 مليون نسمه، أى أن عدد الفقراء وحسب النسب الرسمية المعلنة زاد بنحو 9 ملايين و918 ألف فقير خلال 6 سنوات، وفق ما ذهب إليه المحلل الاقتصادي ممدوح الولي.
الولي كشف أن عدد الفقراء بمصر قبل تولى النظام الحالى بالثالث من يوليو 2013، كان 22 مليون و257 ألف فقير، والذين مثلوا نسبة الفقر البالغة 26.3% من إجمالى سكان 84.6 مليون شخص بنهاية يونيو 2013، موضحًا أنه في حال الارتهان إلى مستويات خط الفقر الحقيقية وفق مفهوم البنك الدولي فإن عدد الفقراء في مصر سيزيد عن العدد الرسمي بصورة كبيرة.